آراء

كيف كان الموقف المصري من اتفاقية أردوغان – السراج؟!

محمود محمد عليفي عام 2015 أعلنت مصر اكتشاف حقل ظهر لإنتاج الغاز الطبيعي باحتياطيات تقدر بـ30 تريليون قدم مكعب، قبل أن تبدأ الإنتاج الفعلي منه في ديسمبر 2017، ويعد حقل ظهر أضخم حقل لإنتاج الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط.  فيما أعلنت قبرص اكتشافها حقل أفروديت في ديسمبر 2011، باحتياطيات تقدر بنحو 4.5 تريليون قدم مكعب، قبل أن تعلن شركة إيني الإيطالية في 8 فبراير 2018 عن اكتشاف حقل كاليبسو 1، شمال الحدود البحرية بين مصر وقبرص، ووفقا لبعض التقديرات قد يصل احتياطي الحقل إلى 5.6 تريليون قدم مكعب.

وذلك في الوقت الذي لا يستند فيه أردوغان إلى أي أسس قانونية لإعلان التنقيب عن الغاز والنفط بمياه البحر المتوسط، فإن قبرص اليونانية -أو قبرص البلد العضو في الاتحاد الأوروبي- تستمد قوتها والدعم الدولي من اتفاقيات ترسيم حدود وقعتها مع كل من مصر وإسرائيل ولبنان.

وهربا من أزماتها الاقتصادية، سعت تركيا لإثارة مشكلات إقليمية بمنطقة شرق البحر المتوسط، مع إعلان نيتها البدء في إجراءات عمليات تنقيب عن الغاز في منطقة من البحر المتوسط حتى سبتمبر 2019، وهو ما أثار غضبا دوليا تجاهل الحماقات التركية.

ولم تكتف تركيا بذلك بل وجدناها في 27 نوفمبر 2019، تعلن من خلال وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باش أغا، توقيع اتفاقية أمنية بين حكومته والحكومة التركية. وأوضح باش أغا في تصريحات صحفية أن الاتفاقية تتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، مضيفاً أن حكومة الوفاق وقعت على الاتفاقية من أجل فرض سيطرتها على الأراضي الليبية. وقال إن الاتفاقية غطت كل الجوانب الأمنية التي تحتاجها حكومة الوفاق.

أما وسائل الإعلام التركية الرسمية فقد أشارت إلى استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فايز السراج. وجرى لقاء أردوغان مع السراج، في قصر دولما بهتشة بمدينة اسطنبول، بعيدا عن عدسات الصحافيين. واستمر الاجتماع ساعتين و15 دقيقة، دون الإفصاح عن فحوى الحديث الذي دار بينهما.

وأوضح بيان صادر عن مكتب الاتصال في الرئاسة التركية، أن حكومتي البلدين وقعتا مذكرتي تفاهم: الأولى حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية. وتهدف مذكرتي التفاهم إلى تعزيز العلاقات والتعاون بين الجانبين، بحسب نص البيان التركي.

ويهدف الاتفاق التركي الليبي إلى:

- تعزيز التعاون الأمني والعسكري بين تركيا وليبيا.

- الحفاظ على الأمن وحماية سيادة ليبيا، وتعزز قدرات حكومة الوفاق في مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية والجريمة.

- حماية الحقوق البحرية للبلدين وفق القانون الدولي.

- السيادة على المناطق البحرية بما يهدف لحماية حقوق البلدين ضمن حدود القانون الدولي.

- التأسيس لمهام التدريب والتعليم، وتطوير الإطار القانوني، وتعزز العلاقات بين الجيشين التركي والليبي.

- التعاون في تبادل المعلومات الأمنية ما بين ليبيا والحكومة التركية، وتغطية جميع الجوانب الأمنية.

ولعل اللافت للنظر هو ان البرلمان التركي لم يشهد عادة من أخذ ورد قد صدق بأغلبية ساحقة علي الاتفاقية؛ حيث جسدها تأييد 293 نائبا في مقابل اعتراض 13 فقط، فما الذي يعنيه ذلك بكل من أنقرة وطرابلس وما تداعياته المحتملة  محليا وإقليميا في ظل احتجاج أطراف عربية وغربية ؟

وزارة الخارجية الليبية قالت في مذكرة شارحة للاتفاق بأن جولات المفاوضات بشأن تقسيم الحدود البحرية تعود لعام 2007 م ولظروف البلاد توقفت من عام 2014 ثم اُستأنفت في العام الماضي، كما تحدثت المذكرة الليبية الشارحة العوائق بالمفاوضات مع اليونان ومناطق بحرية مشتركة أخري مع دول مجاورة لم تحدد بعد .

المذكرة الليبية أفادت أيضا أن الاتفاق مع تركيا فني لا سياسي وأنه يحقق مصالح وطنية عليا، كما أنه لا يمس مصالح أو سيادة أي دولة أخري حسب تصريحات وزير الخارجي الليبي لوزراء خارجية عدة دول عربية .

وتأتي المذكرة الليبية الشارحة في سياق جهد حثيث تبذله حكومة الوفاق لطمأنة الدول الغاضبة من الاتفاق الموقع مع تركيا في27 من نوفمبر الماضي لعام 2019 .

والإشارة هنا أساسا بمصر واليونان المعارضتين بشدة الاتفاق لدرجة تهديد أثينا بطرد السفير الليبي ما لم يطلعها علي تفاصيله، ويبدو برأي مراقبين أن الاتفاق التركي – الليبي يهدر ما قررته القوات المصرية – اليونانية – القبرصية علي مدار سنوات، ومن هنا يُفهم الاعتراض الحاد لخلفية الجدل الدائر بشأن الاتفاق التركي – الليبي تجنبات محاور إقليمية متناقضة ، فمصر التي تتهم حكومتها بإبرام الاتفاقات مع كل من اليونان وقبرص بما يناقض مصالحها في مياه المتوسط وما تحتها لسنوات منتظرة يقول منتقدوها أنها فعلت ذلك مناكفة لتركيا رغم أن خبراء مصريين كانوا قد دعوا الحكومة للتنسيق مع الأتراك بما يعود بالنفع علي البلدين، ثم هناك حكومة الوفاق الليبية التي ينكرها فريق عربي رغم شرعيتها الدولية ويدعم هذا الفريق ومنه مصر والإمارات العربية واللواء "خليفة حفتر" علي مياه المتوسط إذن تتداخل خيوط السياسة والثروة وتتضرر مصالح يري مختصون ان التنسيق أجدي لها.

وبعد مصادقة البرلمان التركي علي اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية وفي خطوة أخري لتثبيته تقدمت أنقرة بطلب إلي الأمم المتحدة بغية تسجيل مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين، في مقابل صعدت الدول الرافضة للاتفاق للتحركات لنقضه، بينما لجأت قبرص إلي محكمة العدل، بينما أعلنت اليونان اللجوء إلي الأمم المتحدة، كما طالبت الاتحاد الأوربي لفرض عقوبات علي تركيا ويأتي ذلك بالتزامن مع إجراء القوات البحرية المصرية للمناورات القتالية في البحر الأبيض المتوسط تهدف إلي تعزيز السيطرة البحرية وتأمين المناطق الاقتصادية، فهل تنجح تركيا في إكساب الاتفاق مع حكومة الوفاق الوطنية الليبية شرعية أممية وما أفاق مساعي الدول الرفضة للاتفاق في سعييها لنقضه؟

اعتقد أن القاهرة تري أن دول المحيط العربي؛ وخاصة فيما يتعلق  بدول الجوار مع ليبيا، تري أن هذا الاتفاق لا قيمة وأنه فاقد الشرعية، ونحن في مصر نري أيضا أنه لا يمكن الاعتداد به وهو والعدم سواء، لأن هذا الاتفاق والتفاوض تم مع حكومة غير شرعية مع ليبيا، لأن السيد فايز السراج خالف ما يعرف باتفاق المادة الثامنة التي كانت تنص علي ألا يتخذ أو يلجأ إلي توقيع اتفاق بمفرده ومن طرف واحد، وعليه أن يعود إلي مجلس الوزراء، ثم أيضاً يكون هناك كما هو متعارف في العالم أن الاتفاق لا بد أن يخضع للنقاشات والتصديق من قبل البرلمان الليبي.

وبالتالي هذا الاتفاق هو والعدم سواء كما قلت لكنه لا يصب في مصلحة ليبيا في المقام الأول، كما أنه تم التفاوض عليه وإعداده والتوقيع عليه لسوء نية من قبل أردوغان ؛ حيث إنه يري أنه خارج الملعب حالياً فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط ؛ فهو يناكف أو بلجأ للمناكفة مع مصر، لأن مشروعه التوسعي هو عودة الإمبراطورية العثمانية فيما يعرف بـ، " العثمانية الجديدة"، وكانت مصر أيام جماعة الإخوان المسلمين قد انتهت وانصرفت، وبالتالي يري أنه لا بد من العودة إلي ليبيا لعودة الخلافة العثمانية إلي العالم العربي.

واعتقد أن هذا حلم مستحيل لن يكون له أي نوع من التطبيق علي أرض الواقع، لأن هناك بالفعل استعداد مصري لنسف هذا الاتفاق بالتعاون مع كل من قبرص واليونان من ناحية والعالم العربي والمجتمع الدولي من ناحية أخري، واعتقد أن أي محاولات للدخول في سجالات مع القاهرة في هذا الأمر مرفوضة تماما .

كما اعتقد أن الرسالة كانت واضحة تماما في الأيام الماضية؛ حيث وجدنا مناورة مصرية بحرية شديدة اللهجة، قد حملت عنوان واحد أنه لا يمكن العبث بالمياه الإقليمية المصرية ولا منطقة شرق المتوسط، علاوة علي الرئيس عبد الفتاح السيسي قد أرسل رسائل عديدة للجانب التركي والجانب الليبي فيما يتعلق بفايز السراج تحديداً وحكومة الوفاق الغير مقبولة داخل المجتمع الليبي بأن أي حضور أو علي الأقل الاقتراب من الأمن القومي المصري أو العبث بالأمن القومي العربي لن يمر مرور الكرام.

وثمة نقطة أخري جديرة بالإشارة فيما اعتقد أن الاصطفاف المصري – القبرصي – اليوناني يعد حق مشروع، فهذه الدول لها الحق فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط، بينما تركيا ليس لها الحق في منطقة شرق المتوسط، واعتقد أن الحدود البحرية تقسم الجزء الخاص بليبيا وتركيا تحديداً ولجأت إلي الالتفاف حول هذه المناورة الرخيصة للقفز باتجاه تصعيد مع القاهرة في هذه المرحلة الدقيقة والقاهرة تنسق مع اليونان وقبرص، واعتقد أن هناك ترتيب في الأولويات بشأن اللجوء إلي محكمة العدل الدولية كما فعلت قبرص وبشأن اللجوء إلي الأمم المتحدة أو مجلس الأمن في المرحلة القادمة، وهذا نوع من التكتيك الاستراتيجي الذي تفعله مصر مع شركائها فيما يتعلق بهذه الاتفاقية، وفيما يتعلق بتقاسم النفوذ البحري وبالذات شرق المتوسط؛ وبالتالي أي محاولة من أردوغان للالتفاف علي هذا الاتفاق اعتقد أنه سيكون مآلها الفشل لأن هناك قوانين دولية تراعي مثل هذه الحقوق منذ عام 2003م.

بالإضافة إلي أن هناك غطاء دولي وأوربي يساند كل من قبرص واليونان ولدي مصر أيضا غطاء عربي أفريقي فيما يتعلق بالحقوق المتكسبة في مياه شرق المتوسط، وبالتالي أي محاولة لتركيا لإيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة لن يتم القبول بها وسيكون هناك بالفعل لا أقول هناك حرب بالاتجاه إلي التصعيد العسكري، لكن اعتقد أن القاهرة تملك الكثير من أوراق الضغط بالاتجاه وتكسير أقدام تركيا، وهذا ما فعلته علي مدار الأربع سنوات الماضية .

فكما نعلم جيدا حجم التدخلات القطرية – التركية فيما يتعلق بتوفير الدعم اللوجستسي والمالي للجماعات الإرهابية وهناك شركة أجنحة والخاصة بالمقاتلة الليبية برئاسة "عبد الحكيم بن حاج " تنقل الإرهابيين والمقاتلين من إدلب عبر تركيا إلي ما يعرف بطرابلس ومطار معيتيقة  وهذا مرصود من قبل القاهرة ودول المجتمع الدولي تعرف ذلك تماما، وبالتالي أي محاولة تركية لإيجاد موطئ قدم داخل ليبيا او طرابلس أو حتي المياه الشاطئة بين القاهرة وليبيا في شرق المتوسط لن تمر ولن يقبل بها، واعتقد أن هذا المشروع سيكون مآله الفشل، لأن هناك بالفعل رفض مطلق  من خلال مصر لأي تواجد لدول خارج المنطقة أو العبث بالملف الليبي، واعتقد أن الرئيس السيسي صرح في الأيام الماضية بأن القاهرة تسعي لأن تخطط الآن لحل الأزمة الليبية خلال ألأشهر القليلة القامة، وننتظر ما يحدث في مؤتمر برلين، واعتقد أنه سيكون لكل حادث حديث،  كما اعتقد أن هناك دعم ليبي للموقف المصري باستثناء حكومة السراح الذين لهم ارتباطات مع كل من تركيا وقطر في هذا الشأن .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم