آراء

محمد البرادعي وذكري ثورة 25 يناير!!

محمود محمد عليخلال أيام قليلة وتبدأ الذكري التاسعة لثورة 25 يناير المصرية .. واسمح لي عزيزي القاري أن أطلق علي هذه الذكري " موسم 25 يناير"؛ هذا الموسم بدأ..  والبشاير بدأت تهل علينا..هي ليست بشائر بمعني كلمة بشائر.. بل وقائع وحركات وخطوات لا بد من أن نقف أمامها ، ونركز معها.. هذا الموسم أصبح يمثل بالنسبة لنا نحن المصريون عادة مكررة من ذكري ثورة 25 يناير التي أطاحت بأعتي عتاة الدكتاتورية وهو حسني مبارك (والذي بسببه تحولت مصر من دولة قوية إلي دولة رخوة بلغة أستاذي جلال أمين) .. كل سنة يبدأ الموسم والكل يهل علينا بطلته وكذبته ولعبته الجديدة.. وعندما نقترب من ذكري 25 يناير تبدأ بكائيات النشطاء وتنتشر حملات الإخوان ويبشرنا معتز مطر ومحمد ناصر وإخوانهم من خلال قنواتهم سواء الشرق أو مكملين بثورة جديدة ، ثم يطل علينا الدكتور محمد البرادعي كعادته.. وفي هذا التوقيت أو الموسم بالذات ، والذي يظل صامتاً طوال العام لا يتكلم كلمة واحدة .. إلي يأتي موسم 25 يناير لينطق بكلماته الغير مفهومة، وكأنه مثل ثمرة المشمش لا يظهر إلا في موسم قصير ومحدد جداً جداً .

الدكتور البرادعي بدأ موسمه خلال الأيام الماضية بتغريده قال فيها بأن :" الشعب المصري عايش في انقسام.. وغضب.. وإحباط.. وأشياء أخري كثيرة ... والحقيقة كلها سلبية "..عاد البرادعي ليكشف لنا أسراره داخل القصر والحزب والميدان بعد سنوات كاملة من الغياب والاختفاء.. غاب فيها أيضًا عن ذهنه أدنى قواعد العلاقة بين السياسي وجمهوره الذي يرغب في معرفة ما الذي حدث؟ ومن أخطأ؟ ومن يتحمل تبعات ما وصل إليه حالنا؟ يعود البرادعي ليقص علينا رؤاه وفلسفته التي ساوت بين الثورة والثورة المضادة، وما الذي كان وراء خياراته الفوقية والمتعالية على السياسة والحزبية طوال 4 سنوات قضاها في مصر.

عاد السياسي المنتهي ليبرئ ذمته وهو الذي كان واحدًا ممن شاركوا في تأزيم تلك الثورة ووضعها على حافة المخاطرة مرات ومرات، قبل أن ينتهي بها المشهد والبرادعي يتلو بيان وفاتها في الثلاثين من يوليو 2013... هيئت له سذاجته أو غروره أو كلاهما أنه سيطيح بخصومه، فإذا به تروعه مشاهد الدماء، فيختار الانسحاب نهائيًا من المشهد مفضلًا العودة إلى فيينا ؛ حيث أتى قبل 4 سنوات من ذلك اليوم.

والسؤال هنا لماذا يظل البرادعي صامتاً طوال السنة، ثم عندما يتكلم يؤكد لنا بإلحاح علي أن الشعب المصري غاضب ومحبط ومنقسم ... أين هذا الانقسام يا دكتور برادعي ؟  أين هذا الغضب؟ كيف يكون هناك شعب محبط وغضبان ومنقسم مع أول لمحة توتر أو مشاكل في المنطقة كما حدث في ملف ليبيا ، عندما قام هذا الشعب لينتفض ويتماسك ويعلن مساندته لجيشه وبلده .. لماذا يا دكتور برادعي عيناك لا تري ما يحدث إلا في المصائب ؟.. لماذا تؤثر عيناك النظر إلي نصف الرجاجة الفارغ وتكتب لنا تغريدة تساند مصر وتنقذها من كبوتها سواء في ملف سد النهضة أو ملف التهديدات التركية في ليبيا؟ .. أليست كل هذه قضايا تتعلق بالوطن يا دكتور برادعي؟

وهناك نقطتان مهمتان نود أن نشير إليهما حتي لا يقال عنا بأننا نصادر علي الدكتور البرادعي رأيه وهما :

أولاً:- إذا كان الدكتور البرادعي مهتماً بالشأن السياسي المصري، لماذا يظل طوال صامتاً.. مختفياً ولا نراه يتفاعل مع الأحداث أو يعلق ويساند وطنه في الملفات المهمة .

ثانياً:-لماذا الدكتور البرادعي مهتم بالشأن العام وانتشار السلام في المنطقة بشكل عام ...لماذا لا يعطينا تصريحات ضد الانتهاكات التي يمارسها أردوغان في الأراضي العربية ... هل يصح يادكتور برادعي أن تسمع سيادتكم أدوغان وهو يقول عن ليبيا بأنها ميراث الدولة العثمانية وتصمت ولا نجد لك تصريحاً يشجب ذلك وكأن شيئاً لم يكن !!

هناك تغريدة أخري للدكتور البرادعي ... تغريدة غريبة وعجيبة ؛ حيث : هناك فارق عظيم بين نبل الثورات وسمو أهدافها وبين سوء إدارتها ومحاولات اختطافها " ... كلام جميل د. برادعي .. نتفق معك.. ولكن هذا تنظير وليست تطبيق .. ألم يكن من الأولي أن تعترف بأنك كنت سبباً رئيساً في سوء إدارة 25 يناير .. وأنك أنت ومن كان معك هم الذين دشنوا الطريق لجماعة الإخوان المسلمين كي يصلوا لسدة الحكم.. لم تترك لنا فرصة معالي الدكتور برادعي إلا وقد خذلت فيها بلدك مصر .. لقد خسرت كل معاركك .. وفضحتك ممارساتك السياسية والقمعية علي تويتر .. وذلك عندما قمت بعمل بلوك علي كل من انتقدوك .. أتتذكر عندما رجعت إلي مصر .. المصريون جميعاً قالوا أُدخل الانتخابات وواجه الإخوان المسلمون.. لكن خفت وانسحبت .. ثم تشاء الأقدار بعد ذلك لتتولي منصباً مهما في ظل رئاسة عدلي منصور للبلاد ، وذلك في توقيت حساس كانت مصر تخوض فيه حربها مع الإرهاب .. وللأسف يا معالي الدكتور مع أول أزمة هربت كما تهرب الجيرزان وانسحت دون مواجهة .. وكالعادة آثرت أن تكتفي بكلام إنشائي ينم عن عدم الاستطاعة والظروف .. وفي الرابع عشر من أغسطس 2013 ينهي البرادعي إلى الأبد، ويعلن عن نهايته كسياسي، وينسحب من المشهد نهائيًا خاذلًا هؤلاء الذين التفوا حوله وعقدوا عليه آمالهم ومنحوه ثقتهم، ويتوقف نداء «شد القلوع يا برادعي.. مفيش رجوع يا برادعي»، وتنتهي الأسطورة الكاذبة وهي أسطورة «ضمير الثورة وقديسها".

السؤال الآن : إذا لم تكن لديك القدرة علي مواجهة الأزمات الكبيرة فأي نوع من الرجال تكون أنت سعادة الدكتور البرادعي ؟ .. لكن للأسف الدكتور البرادعي أخذ يشرح لنا عوالم السياسة وكيف تكون ولماذا وأين! ... وعندما أسس حزب .. وجلس علي كرسي إدارته.. فشل الحزب وهرب البرادعي بسبب الصراعات وغياب الرؤية السياسة .. صاحب جائزة نوبل للأسف سقط من عيون المصريين عندما كتب تغريداته ليصف بها محاربة مصر للإرهاب بأنها تمثل عنف متبادل .. وهذا وصف لشخص منزوع البصيرة لا يميز بين الجندي الذي يدافع عن أرضه بشرف وبين الإرهابي المجرم المعتدي ... أكمل كما تحب وغرد كما تشاء يا دكتور برادعي فالمصريون أدركوا حقيقتك .

وأخيرا ً أختم مقالي بما قاله عنه الأستاذ محمد عبد الفتاح السرورى في مقاله المنشور بالحوار المتمدن تحت عنوان "ضد البرادعي "؛ حيث يقول :".. إن المتتبع لتصريحات محمد البرادعي لا يجد إنصافا منه ولا عدلا... لا في القول ولا في الفعل لا يجد منه الا كل تحيز واستكانة ونظرة أحادية لا تخطئها العين المجردة .... هذا الأسد الجسور على (إيران) لا يتفوه بكلمه واحدة ضد إسرائيل التي لا تخفي أنها تمتلك بالفعل أسلحة نووية ومفاعلات ذرية ... هكذا عياناً بياناً لا ظناً ولا إدعاءً... ورغم تحفظاتنا على إيران وعلى سياستها تجاه المنطقة العربية وما ترعاه أحيانا من جماعات وأحزاب وما تقوم به من تمويل لهذه الجماعات والأحزاب بما لا يخدم أحد إلا أعداء هذه المنطقة إلا إننا في هذا المقام تقف مع الحق ومع الحياد ... أنني وبصفة شخصية لا أؤيد امتلاك إيران للأسلحة النووية و أرفض أيضا أن تمتلكها إسرائيل فإذا ما اتخذت الوكالة الدولية للطاقة الذرية موقفا مناهضا لامتلاك إحدى الدول هذا السلاح المدمر فيجب أن تقف نفس الموقف وبنفس القوة وبذات الإجراءات مع جميع الدول دون استثناء وهذا لا يحدث لا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بصفة عامة ولا من مديرها بصفة خاصة.

ويستطرد محمد الشروري فيقول: الدكتور محمد البرادعي الذي يتحدث ليلا ونهارا عن النزاهة والشفافية هو أول من يفتقد لهذه النزاهة وهذه الشفافية ... وإلا فعلية أن يجهر بآرائه تجاه الامتلاك الفعلي لإسرائيل لأسلحة الدمار الشامل وكان من الواجب على الدكتور محمد البرادعي أن يصرح بموقفه من إسرائيل وهو لا يزال من أوج منصبة، وذلك قبل أن يرحل أو يقترب من الرحيل عنه وهو لم يفعل ذلك .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم