آراء

كيف عمق الجيش السوري جراح أردوغان في إدلب؟

محمود محمد عليفي مراحل التاريخ كثيراً ما يحدث أن يظن المرء أنه ذاهب ليبني قصراً، فإذا به يكتشف أنه ذهب ليحفر لنفسه قبراً لا قصراً.. هذا الكلام ينطبق علي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان قد أعلن منذ الأسابيع الماضية، حين أكد علي أن قوات بلاده لن تنسحب من إدلب؛ خاصة وأن قواته موجودة في سوريا منذ فترة طويلة، بعد أن زاد عديدها وعدتها ومدرعاتها ودباباتها واستخدام السلاح الجوي أيضا في الفترة الأخيرة .

وفي تصعيد يمهد لمواجهة غير مسبوقة، وجدنا أردوغان يهدد بضرب قوات الجيش السوري في أي مكان فيما لو أصيب جندي تركي واحد ويعلن عزم بلاده إبعاد الجيش السوري خلف نقاط المراقبة التركية في منطقة إدلب بنهاية شهر فبراير الحالي .

بيد أن موسكو الذي لطالما كان موقفها واضحا علي المستويين السياس والعسكري، وهو الإلتزام الصارم بما تم التوافق عليه في سوتشي، ذهبت هذه المرة إلي ما هو أبعد من ذلك، فحملت وزارة الدفاع الروسية الجانب التركي المسؤولية المباشرة عن تأزم الوضع في منطقة خفض التصعيد في شمال سوريا

وهنا وجدنا الاتجاه العام للحوادث في إدلب أثبت بما لا يدع للشك غلبة متنامية للجيش السوري بدعم من روسيا، وقد اتضح لنا ذلك من خلال مواصلة الجيش السوري في الأسابيع الماضية تقدّمه في ريف إدلب الجنوبي واستهدافه المتكرر لقواعد الاحتلال التركي، حيث قتل الجيش السوري وجرح في الأيام الماضية  عشرة جنود أتراك، لتتعمق جراح النظام التركي أكثر فأكثر في الشمال السوري، قبل قمة رباعية تتلهف لها أنقرة، لإنقاذ ما تبقى من أحلام وقصاقيص ورقة في الحل السوري ؛ هذا بالتوازي مع استعادة الجيش السوري قرية ورمية غرب قرية النقير وقريتي أرينبة وسطوح الدير ومنطقة تل الكرم جنوب غرب قرية ورمية في ريف ادلب الجنوبي، بعد معارك مع جبهة النصرة الإرهابية والفصائل المرتبطة بها.

ليس هذا فقط فقد أفاد المرصد السوري أمس الخميس الموافق 27/2/2020 بأن قوات الجيش السوري استعادت السيطرة على ريف إدلب الجنوبي بالكامل بعد تقدم جديد لها؛ حيث إن الجيش السوري حقق تقدما جديدا في ريف إدلب الجنوبي، حيث تمكن من السيطرة على قريتي كفرموس وفليفل، بعد اشتباكات عنيفة مع الفصائل المسلحة، كما استطاع السيطرة علي قرية سفوهن وكفرعويد.

وأكد المرصد أيضا مقتل جنديين تركيين وإصابة اثنين آخرين، إثر غارة نفذتها طائرات الجيش السوري الحربية على طريق البارة – كنصفرة بجبل الزاوية، مستهدفة خلاله رتلا عسكريا تابعا للقوات التركية.

وأحرزت قوات الجيش السوري، في وقت سابق، تقدما جديدا في ريف إدلب الجنوبي، إذ سيطرت على 30 قرية وبلدة خلال أقل من 60 ساعة.

إذن هناك تراجع زائد للجيش التركي وقوات التابعين للسوريين وغير السوريين مدعومة من الجيش التركي ومعروفة هذه المنطقة بأنه ليس جبهة النصرة فقط والتي تسمي نفسها هيئة تحرير الشام الآن،  وإنما مجموعات لا علاقة لها بسوريا في الأصل كالحزب الإسلامي التركستاني مثلا وهذا قادم من الصين وتركستان أي توجد فيه مجموعات دولية عابرة ومجموعات إرهابية عموما كما تعودنا أو لو أردنا أن نقول عقيدتها الفكرية وهي السلفية الجهادية وأوهام الخلافة وغيرها يتقاطع مع طموحات أردوغان ورغبته من الهروب من مشاكل الداخل وتناقص شعبيته في الداخل إلي محاولة بناء مد في الخارج.

هذا هو مغزي الحوادث في إدلب،  وهو أنه لا شك في أن هناك تراجع لقوات أردوغان،  وكان من قبل قد طلب أردوغان أن تكون هناك منطقة آمنة في إدلب من 30 إلي 35 كيلومتر، فلو نذكر ما يسمي بعملية نبع السلام والتي كانت شرق الفرات والمعارك تدور غرب الفرات حيث توجد غيطان، وحلب وغربها إدلب ثم غرب إدلب اللاذقية .. هذا فيما يتعلق علي الحدود التركية السورية .. وهذا الطلب ليس جديداً والأمر معلق فقط كما في كل الحوادث التي يدخل فيها السلاح طرفا بالوقائع علي الأرض بقدر ما ينجح طرف في فرض سيطرته علي الأرض وبقدر ما يفوز بالثمرة السياسية في النهاية .. فلا تبدو الحوادث طيبة في اتجاه طموحات أردوغان والذي أقدم من قبل علي ثلاث عمليات عسكرية في الشمال السوري، اثنتان منها غرب الفرات وهي درع الفرات في الباب وجرابلس، وعملية عفرين ثم عملية شرق الفرات والتي تعثرت فيما بعد وأسماها نبع السلام وتجمدت وتوقف تقريبا والتحول الروسي واضح.

لا شك في أن هناك إصرار واضح من روسيا علي أنها لا تريد التضحية بكل تأكيد بالجهد الذي بذلته من قبل في محاولات جذب تركيا خارج حلف الأطلنطي، وهذا ينطوي علي اعتبارات كثيرة جدا سواء اقتصادية أو جيوسياسية، لأن موقع تركيا هو جسر رابط بين أسيا وأوربا .

لكن لا تريد أن تدفع ثمنا غاليا في محاولة كسب أردوغان.. فهي تخفض الثمن وذلك من خلال محاولتها إعادة أردوغان إلي حجمه الطبيعي لا أن يتصور أنه يعامل روسيا معاملة الند للند ولا بد أن يعمل كما تدل التصريحات الروسية سواء من وزارة الخارجية أو وزارة الدفاع الروسية .. فهي تحاول أن تجعل دوره في إطار ما اتفقت عليه من قبل وهو تكليفه هو شخصيا بما لا يمكن أن يقوم به بمحاربة أتباعه من جبهة النصرة أو ما يسمي بالجبهة الوطنية للتحرير، وهي التي تمول بدعم قطري... للحديث بقية خلال الأيام المقبلة لمعرفة ما تسفر عنه الأحداث..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل.

 

 

 

في المثقف اليوم