آراء

فيروس كورونا وإستثماره في عالم "ماد ماكس" المرعب.. فمن المستفيد؟

الطيب بيت العلوي- إن التاريخ يعلمنا أن البشرية لا تتطور إلى حد كبير إلا عندما تكون خائفة حقا…

- جائحة عابرة ستساعد على إنجازحكومة العالم الجديدة *تصريح جاك أتالي في عام 2009: المستشارالأسبق لكل الرؤساء الفرنسيين منذ ميتيران حتى الرئيس الآخير ماكرون

لم يعد الكلام في البطاح والبلدان سوى الحديث عن فيروس كورون:، ترتفع أصداؤه في الآفاق على كل لسان، حتى فاق ذكره، ذكرالواحد القهار.

فمن المستفيد من الجريمة؟

كوفيد- Covid-19:19 :يتطور، ينتشر، يتحول إلى وباء، يهاجم ويقتل.

لن أتحدث هنا عن الفيروس التاجي، -فذاك مجال له أهله وإختصاصيوه .بل سأتحدث عن الصخب السياسي الدائرحول النظريات المتعلقة ب Covid-19، حيث لا يزال الجدل يدورعن حقيقة ماهية هذا الفيروس و عن مصادره، فذهبت الآراء والقراءات والتفسيرات كل مذهب.:

* فيروس صنع صيني؟ -يصر ترامب-، أو خلق أمريكي؟ يقول الصينيون والروس والكوبيون والإيرانيون

يدورالجدل اليوم بصدد هذه الفرضيات الذي لن يتوقف حتى ما بعد كورونا:

- حيث يقع الخلط والخبط والمناوشة بين مفردات * الشائعة* و* نظرية المؤامرة* والخبر الزائف، وأضداها من أنواع الإعلام الموازي والضد.

حيث يتم الحديث عن الحروب الباكتيرولوجية -وإن كان هذا النوع من الحرب ليس بالجديد، حيث إستعمله البيض في القرن الثامن عشر لإبادة الهنود الحمر في القارتين الأمريكيتين عبر تعقيم الأغطية بالجراثيم الفتاكة المهداة - بإعتبارأن الغرب لم يرعو عن القيام بأبشع الممارسات اللاأخلاقية في فترات الإستعمار الغربي

ويتم الترويج من بشكل كبير لنظرية المؤامرة، بسبب المواقف المشبوهة للحكومات الغربية التي قللت من خطورة الفيروس والسخرية من *هلع* الصينيين بسبب إستنفارها لمحاربة الفيروس-وخاصة من طرف ماكرون الفرنسي وترامب الأمريكي-

وقد تلخص أن الشعوب الغربية تعتقد بأن حكوماتها تخفي الحقيقة، خاصة بأن ماكرون وترامب صرحا لشعبيهما بأن الوضعية المستجدة مسيطرعليها بالكامل، وتبين لا حقا عكس ذلك، مما خلق التربة الخصبة لرعاية ودعم نظريات المؤامرة .

بدءاَ، لنحاول الإبتعاد عن مضاربات نظريات المؤامرة وأضداها، تفاديا للوقوع في شباك خطابات النهايات التوراتية، وإرتعابات البوكاليبس وتهاويلها، التي صاحبت همجيات الحربين العالميتين، وفظاعات هيروشيما ونغازاكي، وما تلاها من فزاعات أطروحات المابعد و نهاية الإنسان، التي رافقت ما بعد الحرب الباردة .

هذا ولئن رفضنا-قبليا-مقولات المؤامرة، فإنها في أنظارالبعض تعود إلى السطح، مع حدث جائحة *كونفيد-19*: أو فيروس كورونا المثير للجدل كجائحة طبيعية، أومفبركة، وكيف سيواجهها العالم على جميع الأصعدة؟

ومن هذا الباب، فخذ بنا بديا، إلى القول بأن جائحة كورونا، حشرت البشرية في العالم المرعب لمادماكس فما العمل ومن المستفيد؟

ومن جهة ثانية :لقد قزمت هذه الجائحة الغرب المتقدم والإدعائي إلى حجمه الطبيعي، وأعادت عقارب الساعة إلى نفس التساؤلات المستعصية : الميتافيزيقية، التلفسفوية، الإيديولوجية، والسياسية للقرن التاسع عشر فكيف ذلك؟

ومن جهة ثالثة، أربكت هذه الجائحة، إختصاصي العلوم الباكتريولوجية والفيروسات والأمراض المعدية في الغرب، ولم يستقروا في شأنها على قرار، ولم يتوحدوا في أمرها على مقال، في حين أن الجائحة، تتحدى، تتزئبق، تنتشر، تُعدي، تقتل، تُرعب وتفتك بالبشر.مقابل تهاطل المهاترات *العلموية*وتكاثرهاعلى مدارالدقائق والساعات والأيام المرافقة لغياب الحلول العلمية والعملية التي ما فتئت تتزئبق وتتعارض وتتراجع في دول عظمى مثل الولايات المتحدة، بريطانيا ألمانيا وفرنسا.

ومن جهة رابعة:شعوب العالم المتقدم تضج تفزعا وخشية، وبدأت تفقد الثقة في نجاعة مراكزه العلمية وفي مصداقية سياسييه. حيث أن معظم كبارمتخذي القرارات السياسية في الغرب، قد قللوا من شأن الفيروس ومن خطورته في البدايات، مثل ماكرون في فرنسا وجونسون في إنجلترا وترامب في الولايات المتحدة وتبعهم في ذلك دول إسكندنافية ومن دول البلطيق، معتبرينه مجرد إصابة مثل الأنفلونزا العابرة، وأن إيلاءه كبيرالإهتمام هو مجرد فوبيا جماعية وشعبوية خرقاء، ثم تبين لاحقا أنهم كانوا على علم بالفيروس بمخاطره فصمتوا عن ذلك، فكان من الطبيعي أن يطرح البعض تساؤلات بهذا الصدد، معظمها ظلت بدون أجوبة، مما أدى بالكثيرين إلى الغرف من نظريات المؤامرة -وقد يكونوا محقين في ذلك-وهذا جانب تفصيلبي قد نوضحه في مبحث آخر-

ومع مرورالأيام إزدادت الأمورتعقيدا بعد تفشي الجائحة، وصمت ساسة الدول الغربية -التي كانت حتى البارحة النموذج الأمثل للدول الخارجة عن الغرب المركزي-، حيث تبين أن هذه الدول المتقدمة تكنولوجيا وعلميا، وذات الباع الطويل في مجالات البحوث الجرثومية والأمراض المعدية، عاجزة عن مواجهة هذه الجائحة بسرعة وكفاءة وفعالية، بسبب عدم توفرالإمكانيات والتجهيزات المختبرية المتقدمة، رغم تبجح ماكرون وترامب في أن بلديهما يمتلكان الخبرات والتجهيزات المناسبة الأكثرتقنية وجهوزية لمواجهة كل أنواع الكوارث والأزمات، فتبين لاحقا عكس ذلك -حيث أن فرنسا على سبيل المثال لا تملك حتى الأقنعة الواقية الكافية للأطباء والممرضين وسائقي سيارات الإسعاف حيث يطلق عليهم ب* المنسيون ومهملو الجمهورية* أما الشعب في فرنسا مثلا فقد عمد إلى طرق وسائل جداتهم إبان الحربين العالميتين أو ما يسمى بSystem D

الأزمات تُسفرعن خفايا الأشياء:

1- زيف القيم العليا الإنسانية الغربية: وملاك الأمر في هذا الأمر، أن إستقراء التاريخ ومباحث الأنثروبوجيات الجادة، تخبرنا بأن الأزمات تُسفرعن معادن الأشياء والبشر:فليس من المبالغة القول، إذاَ، بأن تحميل مفهوم القيم العليا الإنسانية الغربية أكثرمما تحتمل، عندما نتبين أن إرجاع مفاهيم القيم الإنسانية العليا وحصرها في مفهمة* الحضارة الغربية* قد تداعت منذ عقود.مادامت جائحة كورونا قد كشفت عن زيفها المطلق، -وهذا جانب تفصيلي يحتاج إلى مبحث مطول- مما يجعلنا إلى القول بأن العبرة بمضمون الأمرلا بالإسم.

موت المثال الغربي إلى غيررجعة:

وفضلا عن هذا وذاك، فالثابت للعيان أن الصين البوذية/ الديكتاتوريةالملحدة، وآكلة الخفايفش والكلاب والفئران والسحالي والحشرات :تساعد إيطاليا وإسبانيا-الأوروبيتين المسيحيتين-كما ساعدت حوالي 82 دولة من جميع الأنواع العرقية والحضارية والجغرافية /ومرأى تقبيل رئيسي حكومتي إيطاليا والصرب لعالم الصين كان مدار إهتمام العالم كله.

فتبين للشعوب الغربية مدى خواء ما يسمى بالقيم الإنسانية العليا الغربية، عندما تخلت دول عظمى مثل ألمانيا وفرنسا وإنجلترا عن شقيقتها إيطاليا - معقل الحضارتين الرومانية والمسيحية الكاثوليكية، وبلد النهضة الأوروبية، ورائدة فنون التعبير الكتابي والتشكيل والعمران لما بعد المسيحية الغربية،

وأكثر من هذا: أن دولا أوربية إستجابت إلى ضغوط واشنطن -اللاأخلاقية- لعرقلة المساعدات الصينية السخية لإيطاليا وإسبانيا، عندما قررت جمهورية التشيك إيقاف مجموعة من 101600 قناع طبي قدمتها الصين إلى إيطاليا-بدون تهريج إعلامي – وإلى حوالي 82 دولة أوروبية وإفريقية وأسوية أهمها إيران.

-روسيا الملحدة والمارقة -كما يصفها الغرب في أدبياته السياسية والإعلامية-، ترسل علماء الفيروسات العسكريين الروس لمكافحة الفيروس التاجي في إيطاليا بسبب إرتفاع حصيلة القتلى بما يقرب من 800 في غضون كل 24 ساعة

- كوبا العصية على *الأمركة*

على الرغم من العقوبات اللاإنسانية والحصار الطويل الذي فرضته واشنطن على الجزيرة لعقود طويلة، تمكنت كوبا من تطوير نظام طبي فريد في العالم خارج القبضة الخانقة لشركات الأدوية العالمية الكبرى. لم يستطع النظام الطبي الكوبي تطوير جزيئاته العلاجية فحسب، بل تمكن من التصدير بنجاح ودون أي اعتبار لمقدمي الرعاية الشخصية في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا.

كما لا حظت الشعوب الغربية المشاهد المزرية لبلدانهم كيف تواجه الفيروس بالطرق البدائية في حين يشاهد العالم كيف تمكنت الصين من بناء مستشفياتها بكامل الأجهزة التكنولوجية المتقدمة-التي لا يمتلكها الغرب-حيث تم ذلك في ظرف إسبوعين-بدل عام- في حين أن فرنسا صرفت تصرف خمسة أيام في إقامة خيام لإستضافة المصابين في الضواحي الباريسية مثلا.

وبالمقارنة الموضوعية، ومن باب الشيء بالشيء يُذكر، فإن الولايات المتحدة -كصرح متقدم للحضارة الغربية، والوريث الشرعي لقيمها-نجد أن إدارة ترامب تواصل تحويل الانتباه العالمي عن الحالة المتداعية لنظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة التي أبان فيروس كورونا عن الثغرات اللاإنسانية في النظام الصحي الإجتماعي الأمريكي -الذي هو الأسوأ في العالم المتقدم مقابل نظائره في أوروبا الغربية-، وعدم التوقف عن اتهام الصين بأنها المسؤولة عن جائحة وقد يكون ذلك- والمستقبل كفيل لتبيين الحقيقة -ليتوضح لنا، مدى خبث وسخافة البارانويا والفوفيا الأمريكية تجاه *الدول المارقة*لإيمان واشنطن-على لسان وزير خارجيتها، ب*سلبية*وخطورة النشاط الصيني في العالم -بدون تحديدماهيتها -، وعدم إستجابة إدارة ترامب لمنظمات إنسانية أمريكية وأجنبية بما فيهم صحفيون مشهورون مخضرمون أمريكيون برفع الحصار الإقتصادي عن إيران من أجل منع إنتشار العدوى لأسباب إنسانية .فكان رد ترامب هو تشريع المزيد من العقوبات على إيران، حيث ربما سيعيش ترامب ما يسمى ب*كورونا غيت*التي قد تعرقل كل مشاريعه حتى ولونجح في حملته الإنتخابية.

هذا إضافة أن سمعة ترامب وصلت -في خارج أمريكا – إلى الحضيض، عندما شاع بأنه حاول إرشاء مختبرألماني متخصص في البكتريولوجيات، من أجل التعاقد الحصري لإيجاد لقاح للولايات المتحددة بهدف الإستعمال الحصري داخل أمريكا-وذلك لثلاثة أسباب رئيسية وهي :

دعم حملته الإنتخابية، -بالدرجة الأولى، و ممارسة المزيد من الضغوط الإقتصادية على الدول المستعصية على التدجين والتركيع للمشيئة الأمريكية ثم إستثماراللقاح- بالتعاون مع مافيات الصناعات الكيماوية للأدوية، كمنتوج إقتصادي في زمن الحاجة إليه عالميا -وتلك رؤية ترامب الماركانتيلية الإحتكارية النفعانية الشرهة للعالم-

وبعد هذا وذاك، فالعالم المتحضر- بحكوماته وسياسيه ومثقفيه وشعوبه ومتخصصيه – ينظرون إلى اليوم إلى فيروس كورونا بمفردات :العجزوالتيه، الخوف والتخويف، التجهيل والتزييف التشوش والإرباك، الثرثرة والتسييس ...

حيث أصبح الغرب /الأنواري-التنويري/ حتى النخاع، والمتقدم الحضاري والديموقراطي حتى الثمالة مهدد اليوم بالتفكيك من الداخل أكثر من أي وقت مضى؟ ومن ما يزال يؤمن بمصداقية التبجحات الغربية، فذاك ظن من ظنه ماء، وآماله سراب، وعلمه خواء وهباء.ففيروس كورونا أدخل الغرب خاصة، والعالم بأسره، في عالم ماد ماكس المرعب.فهل سيصل العالم إلى ماإنتهى به الفيلم المخيالي الأمريكي؟ - والتساؤل سيظل قائما إلى ما بعد كورونا.فمن المستفيد؟

للمبحث بقية

 

د. الطيب بيتي

 

في المثقف اليوم