آراء

كورونا وأسلحة الدمار الشمال

محمد عمر غرس اللهلم يقل أحد حتى الأن أن (وباء كورونا سلاح من أسلحة الدمار الشامل) رغم أن هذا الوباء يحجز إلى اليوم أغلب البشر بين جدران البيوت، ويقتل الألف بشكل متسارع، وينتشر عبر الدول كالنار في الهشيم، والرعب والخوف يسيطر على فضاء الرأي العام، وشبه توقفت أغلب الأعمال والمواصلات العامة، والكل خائف ويترقب ساعة ولحظة إصابته حتى خُيل لكثير من الناس أن كورونا هذه ستكسر أبواب البيوت وتقتحمها.

إن لم يكن وباء كورونا - الذي نرى فعله - سلاحاً من أسلحة الدمار الشامل - فما هو سلاح الدمار الشامل إذاً؟ وكيف تم أتهام العراق بذلك وتمت محاصرته ثلاثة عشر سنة 1990 – 2003م، ومنع عنه حتى الغذاء والدواء، وتم تفتيش كل شي فيه تحت هذه الذريعة، وفي عام 2003 تم إحتلاله ونهبه والتسبب في قتل النساء والأطفال والشيوخ ونشر الدمار فيه تحت ذريعة إمتلاك وتصنيع هذا السلاح، وكيف إذا تم إتهام ليبيا بإمتلاكها أسلحة دمار شامل، فكان من حزمة التهم الموجهة لليبيا والليبيين هو العمل على إمتلاك أسلحة كيماوية، وتم نهب البلاد وتشويهها وإستهدافها وجابت فرق التفتيش البلاد تبحث عنها بعد غسقاط النظام عام 2011م.

من يجرؤ اليوم على توجيه التهمة، ولمن يمكن توجيهها، وهل يجرؤ أحداً ما على دعوة مجلس الأمن الدولي لجلسة طارئة لمناقشة وباء الكورونا كسلاح من أسلحة الدمار الشامل: من أين أتي وكيف ومتى؟ ومن هو الفاعل المسؤول ومن هي الدولة المجرمة التي يجب معاقبتها لتدفع ثمن مافعلت بالبشرية، أو على الأقل من هو الذي تهاون وسبب في تسرب هذا الفايروس المدمر والقاتل والذي إجتاح الكرة الأرضية، أم أن الفاعلين أكبر من أن يجرؤ ويستطيع أحد ما حتى مجرد الإشارة لهم، هل في هذا العالم اليوم من يطرح هذا السؤال على المجتمع الدولي.

أن ثمة أمر محير جداً ليس على النخب والمثقفين أن يتجاوزوه او يتغافلوا عنه، او أن تأخذهم الأحداث وحالة الفزع والتخويف والرهبة من مرض كورونا فلا يلتفتون لطرحه والتساؤل حوله، فهذا العالم فيه من الأسرار الكبيرة التي بقت دائما أحاجي لا يجد الرأي العام لفهمها سبيل، فاللاعبون الكبار قادرون على تخوفيه وترويعه ليس فقط بالسلاح المباشر بل بأسلحة مبتكرة لا تخطر على بال، وهؤلاء يمسكون أيضاً بخيوط ترتيب سلم أولويات الرأي العام فيحددون له القضايا  ونوعها ومعانيها وجغرافيتها وحتى طريقة التفكير فيها، فنظريات التأثير على الرأي العام والأساليب الحديثة العلمية والمنهجية الذكية تلعب بالإنسان كيفما تشأ.

قد يقول قائل أنها مجرد نظرية المؤامرة - كدأب بعض المثقفين على الشك في كل حدث وإرجاعه لمؤامرة ما - فها هو العالم كله تقريباً يكتوي بنار جائحة كورونا، بل أن مسؤلين كبار في الدول الغربية نفذت إليهم كورونا العجيبة الساحرة اللعوب فتسللت لحصونهم فوصلت لقصر بكنجهام، ومبنى رئاسة الوزراء البريطانية، وأصيبت المستشارة الألمانية ميركل، ومسؤولون أخرون كبار في العالم، وإذا ما كان الأمر كذلك، فما يقول المواطن العادي - الذي يتسوق ويعمل ويتنقل ويعيش ببساطة - إذا ما وصلت كورونا إلى الحصون المحصنة حيث يسكنها قادة الدول الذين لا يلتقون بالعامة ولا يتسوقون، ويخضعون لترتيبات رسمية في تنقلاتهم ولقائاتهم ولهم الحماية الطبية المتمكنة.

أن الأمر محير جداً وغريب عجيب، فإلى اليوم لم يأتي أحداً على وصف ما يحدث بأنه سلاح من أسلحة الدمار الشامل، فإذا ما كان ما يحدث ليس دماراً شاملاً، فما هو الدمار إذاً، أم أن في الأمر شي خفي، وهل ثمة محاولات لغسل الجريمة، بإدعاء إصابة الأولغارشيا المتحكمة في العالم فلا يجرؤ بعدها أحد على إتهام الفاعلين بأنهم وراء ما يحدث او أنه شطحة من شطحاتهم، أم هم أنفسهم ضحايا لهذا الوباء كباقي البشر، فبلدانها نفسها تعاني من توقف عجلة الإقتصاد والركود وقطاعها الصحي يكابد ظروفه لمواجهة هذه الجائحة.

أن تقدم البشرية وتسارع ما يجري من صراعات وتنافس، ينبيء عن حروب لا يشعر بها الإنسان العادي إلا في أثارها العامة فيتحير: هل ما يحدث أمر عارض أم أنه جريمة كبرى وتعبير عن تنافس كبير وخفي، فالحروب التجارية الكبرى لا يكاد يحس بها الرأي العام المتهيج الذي تسوقه التلفزيونات (السمعي بصري) إلى حيث تريد كما تساق قطعان الخرفان، فيردد ويتلقف ويبتلع كل ما تقدمه له بشراهة، وحروب السيطرة على الراي العام - لا يستطيع هذا الانسان البسيط المنفعل المنساق - فهم تفاصيلها ومجرياتها وكيف هو نفسه صار جندياً فيها يدمر حتى بلاده، وأيضا الحروب الخطيرة في إستهداف المجتمعات في غذائها وزراعتها بل وفي بذورها وخصوبتها، ومصادر مياهها، وحتى في نقاء هوائها، بل وفي مناخها - الذي تقدم البشر - حتى صاروا قادرين على شن حرب العواصف والأمطار والسيول.

إنها جائحة حطمت الفوارق بين الطبقات الإجتماعية، وحرقت المراحل، ونقلت البشرية لمستوى أخر من العولمة، بل هي حداثة التأثير والتأثر في هذا العالم المترابط والمتنوع، وربما بينت في شيء منها وحدة الإنسان اينما كان، وبينت أيضاً طبيعة العلاقات الدولية بين الدول (واضح جداً في علاقة إيطاليا بأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا والصين، أثناء هذه الجائحة)، لكنها بشكل أخر مخيف بينت - ربما ولو بمجرد شكوك - أن هذا الإنسان لا يتورع عن فعل أي شي ولو بشكل غير محسوب او متوقع، أو أن هذا الإنسان في غفلة ما او في خطاء بشري ما، قد يودي بالحياة كلها حزمة واحدة، بسبب وباء الدمار الشامل.

والله من وراء القصد

 

بقلم محمد عمر غرس الله

..................

للمزيد حول هذا الموضوع طالع مقال: (كورونالوجيا ثقافية عربية)، ومقال: (أحجية وباء كورونا، من ضرب من؟)

 

في المثقف اليوم