آراء

كيف أنهت كورونا حرب الأسعار بين روسيا والسعودية؟

محمود محمد عليعلى هامش الحرب الكورونية الأولى ضد الكائن الفضائي مجهول الهوية والهدف والتكتيك دارت حرباً بأقل تكلفة وشراسة، وهذه الحرب كانت قد بدأت منذ مطلع شهر مارس الماضي، وزادت حيثياتها وتضاعفت تداعياتها بفعل الأزمة الحالية، وهي حرب أسعار النفط الدائرة بين موسكو والرياض... السعوديون أرادوا خفض الانتاج بهدف تعزيز الأسعار ، فيما تحفظ الروس علي هذه السياسة اعتقاداً منهم أن من يستفيد منها هم الأمريكان الذين لن يلتزموا بسياسة خفض الانتاج، وبالتالي سوف يتوسعون علي حساب الحصص السعودية والحصص الروسية وحصص دول الأوبك بلاس بصفة عامة .. نتيجة الاختلاف ما بين البلدين رد السعوديون بما عرفناه جميعا وقرروا إغراق الأسواق بنفط رخيص .. الأمر الذي أدي إلي انهيار الأسعار، فانهارت فيه مارس بنسبة 50 % مقارنة عن أسعارها في أول العام الجاري 2020.

لم تنفك تداعيات حرب أسعار النفط بين السعودية وروسيا تلقي بظلالها على البلدين حتى مع الإعلان عن عقد منظمة اوبك اجتماع الشهر الماضي لمناقشة تدني أسعار النفط والبحث عن حلول لمعالجة آثاره السلبية على اقتصاد الدول؛ لاسيما تلك التي تعتمد على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي وأبرزها روسيا والسعودية وصولاً إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

والسؤال الآن : ما هي القصة الحقيقية لحرب الأسعار بين روسيا والسعودية, ولماذا تصر الولايات المتحدة الأمريكية علي رفع أسعار البترول ؟ ولماذا تقبل موسكو والرياض بالوساطة الأمريكية ؟ وهل الاتفاق الذي تم التوصل إليه مجدي ؟ وهل يصمد أو ينهي حرب الأسعار بين موسكو والرياض ؟ من يستفيد ؟ من يتضرر ؟

في تقديري أنه لكي نفهم المسألة يجدر بنا العودة إلى العام 2016 عام الإعلان عن اتفاق التعاون بين الدول الأعضاء في منظمة اوبك بقيادة السعودية مع دول منتجة للنفط خارج المنظمة بقيادة روسيا، وذلك للتنسيق بين الكتلتين (عرفتا فيما بعد بأوبك بلس ) في تحديد أسعار النفط الخام والمحافظة على استقرار السوق النفطية عبر الاتفاق على حصص الانتاج ، وذلك بعد فقدان دول نفطية كبرى  في اوبك قدرتها على القرار بفعل التغيرات السياسية التي أطاحت بها، مثل ليبيا، وفنزويلا، والعراق، وايران؛ إلا أن هذا الاتفاق الذي يجدد تلقائياً كل ستة شهور قد تعرض إلى هزة عنيفة بعد الطلب السعودي بخفض الإنتاج والرفض الروسي لهذا الطلب.. فيما اعتبرت السعودية(كونها الدولة الرائدة في انتاج النفط وتسعيره والتي تعتمد على هذا المركب في ميزانيتها)  أن الرفض الروسي موجها ضد مصلحتها وأمنها القومي..

لذلك لجأت السعودية في خطوة غير مسبوقة ومفاجئة  فقامت برفع انتاجها واغراق السوق النفطية بكميات فائضة ورد الصاع صاعين لروسيا في خطوة لم تحسب حسابها هذه الاخيرة  متبعه مبدأ "عليّ وعلى اعدائي"!..

دخل "كورونا" على خط الأزمة فقلّ الطلب على البترول مع توقف اقتصادات عالمية هائلة تحديدا مصنع العالم (الصين) وفاقم من الحرب النفطية وخسر الجميع

وعقب قيام السعودية بهذه الخطوة الغير مسبوقة لخفض الأسعار ، قامت موسكو بإطلاق تصريحات نارية باتجاه الرياض اتهمتها فيها بالوقوف وراء الأوضاع السيئة التي تشهدها سوق النفط العالمية، واتهم وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك المملكة بالانسحاب من اتفاق أوبك+ ورفضها تمديده، ما أثر سلبياً على استقرار سوق النفط، وفي نفس السياق قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان الرياض تسعى على ما يبدو إلى التخلص من المنافسين الذي ينتجون النفط الصخري (يقصد الولايات المتحدة بالدرجة الأولى)، ليأتي الرد السعودي بالقول ان التصريحات المنسوبة للرئيس الروسي حول انخفاض أسعار النفط "عارية عن الصحة"، بحسب وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، كما رفض وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز تصريحات نظيره الروسي مؤكداً ان “ما ورد غير صحيح ومنافٍ للحقيقة جملة وتفصيلاً".

والسؤال الآن : ما هي الأسباب والأبعاد الحقيقية التي جعلت الرياض تأخذ هذه الخطوة الغير مسبوقة في تخفيض سعر النفط ضاربة بكل العهود والمواثيق السابقة؟.

في اعتقادي أن هذا الأمر حدث  بعد أن تم الإعلان بأن قيمة العجز في موازنة السعودية قد بلغ 50 مليار دولار  وأن الدين العام قد بلغ 201 مليار دولار ؛ حيث بلغت النفقات 272 مليار دولار والإيرادات 222 مليار دولار، ولا ننسى  قرار إلغاء موسم العمرة ووقف ملايين المعتمرين من زيارة السعودية وربما إذا استمر انتشار وباء الكورونا لا سمح الله فقد يؤدي إلى إلغاء موسم الحج لهذا العام.. ولتغطية هذا العجز قامت السعودية برفع الإنتاج من 10 ملايين برميل إلى 13 مليون برميل .. ولقد أدى رفع الإنتاج هذا إلى هبوط حاد في سعر برميل النفط ؛ حيث بلغ 25 دولار للبرميل، ولقد أدى انخفاض السعر إلى قيام الولايات المتحدة في المرحلة الأولى بشراء النفط السعودي من أجل  تعبئة مخزونها الاستراتيجي من النفط السعودي بأقل التكاليف. وإذا استمر هبوط الأسعار سوف تجد شركات النفط الأمريكية نفسها مرغمة إلى إيقاف استخراج النفط الصخري الأمريكي والاستعاضة عنه بالنفط السعودي . كما أن هبوط أسعار النفط يصب في مصلحة كل من الولايات المتحدة بالدرجة الأولى تليها الصين وأوروبا  والهند واليابان وبقية دول العالم المستوردة للنفط.

ولذلك اقتنص الاكاديمي الأمريكي " تشارلز لين" الصراع السعودي- الروسي في أسعار النفط ليستقرا آثار ذلك على المصالح الأمريكية في مقالة له في صحيفة " واشنطن بوست "؛ حيث أبدى نصائح للإدارة الأمريكية منها” منع السعودية ، أو روسيا من تحديد الاستراتيجية النفطية"؛ وأشار لين " أن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها السعودية ، وروسيا أكبر مصدرين للنفط الحصول على اتفاق اقتصادي ، وجيوسياسي من خلال التلاعب بما تنتجه الابار النفطية المملوكة للدولة ، كما أنها ليست المرة الأولى أن تظهر فيها الولايات المتحدة كطرف ثالث مهتم في هذه الدراما، " لكنه يستدرك في هذا الأمر ليشير أنه ما هو "مختلف هذه المرة هو وجود رابح ، أو خاسر في الولايات  المتحدة بناء على نتائج الصراع السعودي- الروسي"، ويخشى  الاكاديمي الأمريكي أن تعاد عجلة الزمن مرة أخرى ، وتكتوي واشنطن بما عانته في السابق في انخفاض أسعار النفط كما هو في السابق بالقول" أن العلاقة الثلاثية بين الولايات  المتحدة والسعودية وروسيا كانت تشكل الجغرافيا السياسية والاقتصاد منذ ما يقارب النصف قرن .

وفي نهاية هذا المقال لا نملك إلا أن نقول مع الدكتورة "ميساء المصري"، بأنه ليس من مصلحة روسيا- بوتين ثاني منتج ومصدر للنفط في العالم ، أن ينخفض سعر النفط أكثر ، وإلا فإن السيد بوتين سيصبح نهاية العام خارج منظومة الكرملين.. كذلك ليس من مصلحة أمريكا – ترامب أكبر منتجي النفط الصخري والمستهلكين للنفط في العالم ، أن ينخَفض سعر النفط أكثر ، وإلا فإن ترامب سيجد نفسه في نهاية 2020 خارج منظومة البيت الأبيض.. وأيضا ليس من مصلحة السعودية الحليف المستنزف أمريكياً، أن ينخفض سعر النفط أكثر، وإلا فإن من سيحكم السعودية ، سيجد نفسه خارج المنظومة قبل إعادة الصلاة في الحرم المكي من جديد... وكذلك ليس من مصلحة أسواق المال الغربية ، من طوكيو إلى نيويورك ، أن ينخفض سعر النفط أكثر ، وإلاّ فإن الانهيار والإفلاس والخسارة الهائلة ستكون مصير الشركات قبل البنوك .. وحدها الصين من مصلحتها أن ينخفض سعر النفط أكثر رغم أنها تدرك بأن ترامب لن يسمح لها باستغلال الفرصة ، وسيتم خلق تفاوضات ، من أجل التوصل إلى تحديد أسعارِ نفط معتدلة ، ولا تضر بالمصالح الأمريكيّة ، وربما على عكس الجميع قد يجد السيد شي جين بنغ ، نفسه خارج منظومة بكين.. وفي نهاية المطاف سيبقى العرب بلا ناقة ولا جمل ، رغم أن براميلهم ودولارتهم وبلادهم وشعوبهم وبعيرهم كلها ، سارحة مارحة ، في بورصات أسواق النفط العالمية.

ونحمد الله أنه بالفعل انهت مجموعة أوبك+، التي تضم أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وحلفاؤها، حرب الأسعار التي اشتعلت في مارس الماضي، بعدما قررت في ساعة متأخرة من أمس خفض إنتاج النفط بمستوى تاريخي. وأعلنت منظمة أوبك+، التوصل لاتفاق يقضى بخفض غير مسبوق لإنتاج النفط، يعادل نحو 10% من المعروض العالمي.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

.........................

المراجع

1- د. اماني القرم : حرب أسعار النفط بين موسكو والرياض وثالثتهما.. واشنطن" (مقال).

2- ا. د. جاسم يونس الحريري : كورونا والصراع السعودي الروسي حول أسعار النفط (مقال).

3- الدكتور حسين عمر توقه:  صراع النفط بين روسيا والسعودية.. المستفيد الأول هو الولايات المتحدة (مقال).

4- براء سمير إبراهيم: ماذا ارادت موسكو من اتهاماتها للرياض حيال اسعار النفط؟ وما طريقة ترامب الجديدة لاستنزاف السعودية؟(مقال).

5- دكتورة ميساء المصري: حرب أسعار.. صراع ديوك.. غطس في النفط.. وحرق دول.. فمن الخاسر الأكبر؟ (مقال).

 

في المثقف اليوم