آراء

من يتحمل مسؤولية انهيار سعر الخام الأمريكي: كورونا أم ترامب؟

محمود محمد عليفي ساعة متأخرة من مساء الأثنين الماضي الموافق 20 أبريل 2020 هوى سعر برميل النفط الأمريكي في العقود الآجلة لاستحقاق مايو إلى 11 دولارًا، قبل أن يستقر دقيقتين عند دولار واحد فقط، ليواصل سقوطه إلى سالب 3.7 دولار، قبل أقل من خمس دقائق، ليقبع في الهاوية عند سالب 37 دولارًا للمرة الأولى في تاريخه حتى كتابة تلك السطور.

خبراء عزوا الهبوط لأسباب من بينها: وجود مخزون كبير لدى الولايات المتحدة الأمريكية، فأصبحت الكمية المعروضة كبيرة، ويريد المستثمرون التخلص منها، بل ذهبوا إلي أبعد من ذلك؛ حيث فسروا أن ما حدث على أنه يمثل «إعادة رسم الاقتصاد العالمي بالكامل» مرجحين انخفاض الأسعار إلى عدة أسباب أولها شراء الولايات المتحدة الأمريكية البترول بأسعار رخيصة وتخزينها، ومع الأزمة العالمية الأخيرة من توقف حركة الطيران بعد أزمة كورونا زاد المخزون؛ إضافة إلى أن الإنتاج الأمريكي يعتبر بترول صخري، فضلًا عن الركود العالمي في سوق النفط، ما أدى إلى البيع بالسالب في أجل مايو.

تحركات في كل اتجاه يحاول الرئيس الأمريكي ترامب القيام بها بعد هبوط تاريخي في أسعار الخام الأمريكي وصل إلي ما دون الصفر، ودراسة وقف شحنات النفط القادمة من السعودية هو وراء ما يصل إلي 75 مليون برميل من النفط الأمريكي وإضافته للمخزون الاستراتيجي، علاوة علي أوامر لوزراتي الطاقة       والخزانة من أجل توفير أموال لإنقاذ الشركات النفطية من الإفلاس.

وبموازاة ذلك وجدنا بورصات تهبط خلال تعاملات الثلاثاء 21 أبريل 2020، ولذلك قال الرئيس الأمريكي ترامب وصرح بأننا ندرس وقف شحنات النفط القادمة من السعودية، وسنستفيد من انهيار الأسعار لملء مخزوننا الاستراتيجي ... أما الكرملين: فقد أكد أن المضاربات وراء انهيار العقود الآجلة للخام الأمريكي، وأنه لا توجد كارثة في سوق النفط العالمية، ومن الخطأ الربط بين انهيار العقود الآجلة للنفط والسعر الفعلي للخام .

والسؤال الآن الذي يمكن طرحه الآن بقوة: من يتحمل مسؤولية هذا الانهيار: كورونا أم ترامب؟

اعتقد أن كورونا هي المسؤول الأول عما نحن فيه، ولكن هناك سبب ثاني أيضاً وهو تخمة الأسواق بهذه السلعة التي هي نتيجة تباطؤ وتيرة الطلب الذي وصل إلي نحو التوقف التام هو الذي أدي إلي الانهيار المتسارع، والذي لا اعتقد انه سيتوقف في المستقبل القريب.. وأما عن كيفية التعامل مع هذه الانهيارات أو التقلبات، فهنا نشعر بالتباين بين اقتصاديات ضخمة قوية ثابتة، وتستطيع أن تتأقلم مع ظروف طارئة وبين اقتصاديات هشة أصلا ً، ومرشحة للدمار والانهيار.. الآن عندما نتحدث عن هذه المسألة تحديداً هناك السعودية وروسيا والولايات المتحدة، فالثلاثة كما اعتقد أنه بشكل أو بآخر سيستفيدون في المحصلة مما نحن فيه من أوضاع .. أما المسألة إن كانت فعلاً كما يقول أصحاب نظرية المؤامرة بأن المسألة هي حرب أسعار سعودية – روسية وأدت إلي إرباك أو تسجيل نقاط ضد الاقتصاد الأمريكي فإن هذا فيما اعتقد هو تفسير خاطئ محكوم بالغائبية أو المواقف الأيديولوجية.

ولذلك يجب ألا ننسي ما قاله ترامب من أن الانهيار ظرفي وسيتم التخلص منه في القريب العاجل، وبالتالي من المتوقع عودة الأسعار إلي طبيعتها علي المدي القريب في حالة إذا ما انتهت كورونا، وبالتالي فإنه يمكن القول بأنه تحت هذا الظرف الطارئ في ظل كورونا رأينا رأي العين أن عجلة  الاقتصاد شبه متوقفة اجمالا بل وهوت نسبة الطلب علي الطاقة بمستويات قياسية وهو ما أدي بنا الوصول إلي هذا الوضع، وبالتالي فإن عمر هذه الأزمة سيكون بعمر انتشار فيروس كورونا؛ بمعني أنه علي حسب الإجراءات التي يمكن اتخاذها سواء كانت اجراءات اقتصادية أو سياسية تعجل بحركة الاقتصاد والعودة إلي الأعمال أو اكتشاف حل أو علاج للفيروس من شأنه أن يرفع المعنويات ويعيد الأمور إلي جزء من نصابها

وهنا يجب أن نشيد ونثمن علي موقف السعودية منذ الخامس من 2020 عندما قال وزير الطاقة السعودي: هناك حاجة في خط الإنتاج والرؤية المستقبلية مضطربة وانتشار الفيروس مستمر، ومن هنا نري أن هذا الظرف هو الذي يتحكم في المشهد إجمالاً ما الأسواق تنتظر خبر إيجابي أو تنتظر العودة إلي مداولة الأنشطة الاقتصادية من أجل صنع مشهد جديد..

وهنا قد يتساءل البعض: هل تكفي إدارة الرئيس ترامب ما يكفي من الأوراق من أجل جعل هذه الأزمة المتعلقة بانهيار أسعار الخام الأمريكي ألا تطول لأيام أخري؟

اعتقد أن الأوراق في يد ترامب من حيث أن هذه المشكلة في الأساس أمريكية – محلية فطبيعة الأمور ستؤثر، بل أثرت بالفعل علي اقتصاديات العالم بأسره، وخاصة منطقة الخليج وأوربا، ولكن الموضوع في الأساس هو أمريكي .. الآن تعهد ترامب وأصدر تعليماته وبالتالي هناك تحرك علي عموم الصعيد الأمريكي .. وزير الطاقة ووزير الخزانة الأمريكيان تلقيا الأوامر من ترامب بالعمل علي مساعدة ودعم الشركات الأمريكية التي تعمل بهذا القطاع وقيمة موجودات 81 مليار دولار.

الآن هناك هدف استراتيجي كبير يعمل من خلاله ترامب علي تحقيقه في هذا التوقيت، وهو الاستفادة من هذا الانهيار الأسعار حتي يشتري كمية النفط التي هي أصلاً موجودة وتجوب بحار العالم شرقاً وغرباً .. وترامب سيشتري هذه المادة المهمة ويعزز المخزون الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، فيرفعه من 713.5 مليون برميل إلي مليار برميل، وهذه قضية استراتيجية، وعند القضايا الاستراتيجية لا يُنظر إلي صغائر الأمور .. ترامب تعامل استراتيجيا بشكل جيد، واعتقد أنه سيعزز من دعم الاقتصاد الأمريكي في غضون أقل من بضعة أسابيع .. ولكن المشكلة الكبرى هل ستعود المصانع إلي العمل؟ وهل ستعود حركات الطائرات والقطارات والسيارات والانتاج والمصانع؟.. كل هذه الأمور هي التي ستحدد إذا كانت هذه التخمة مؤقتة أم ستستمر، وربما يخشي البعض أن تستمر الجائحة إلي شهر سبتمبر، وهنا ستكون كارثة بكل معني الكلمة ..

والسؤال الآن: هل هبوط الأسعار في سعر الخام الأمريكي يفتح أبواب جديدة من الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية؟

وللإجابة علي هذا السؤال يمكن القول بأن الرئيس ترامب دائما حتي يتفادي الصراعات العسكرية دائما يلجأ غلي الخيارات الاقتصادية، وهذه الأداة استخدمها ضد الأوربيين أيضاً؛ وبالذات ضد فرنسا واستعملها ضد الصين، ولذلك فبالنسبة للسعودية وأمريكا مهما اختلفا وتجادلا من يحب هذه العلاقة بين واشنطن والرياض أو يختلف معها هي علاقة استراتيجية بين الدولتين العميقتين .. المتغير الآن هو ترامب، الذي يفكر خارج الصندوق، ويتصرف من منطلق مصلحة الولايات الأمريكية كما يراها هو؛ فهو يري الآن أنه لا  وجود لأي تجاذب أو تناحر مع السعودية؛ حيث إن الأمور ما زالت تجري إلي حد كبير إن لم يكن توافق ليس فقط بين السعودية وأمريكا ولكن أيضا وروسيا .. فترامب منذ أيام قد سئل عن المحادثات التي أجراها وتدخله مع الرئيس الروسي بوتن والملك سلمان، ووصف ترامب بوتن بالجنتله، وأشاد بدور العاهل السعودي في تعامله مع هذه الأزمة، وقال سنعيد الاستقرار إلي السوق العالمي كما ذكرنا .. الآن الانهيار الذي نراه في سعر الخام الأمريكي انهيار مؤقت صنعته جائحة كورونا، وهو يصب في نهاية الأمر في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لن يصل إلي مرحلة عقوبات علي السعودية، لأن السعودية ليست خصما.. وعلي ذلك ننتظر ما تسفر عنه الأحداث في الأيام المقبلة.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

في المثقف اليوم