آراء

ثورة 30 يونيو 2013 والذكرى السابعة (1)

محمود محمد عليسبع سنوات مرت على ثورة 30 يونيو المجيدة، والتي أنهت جميع المخططات التي تم تجهيزها في الداخل والخارج لإشعال الحرب الأهلية داخل الوطن المصرى .. ثورة كانت نموذجا لإرادة شعب يحميه جيشه.. ثورة  جعلت العالم يعترف أن ما جرى داخل مصر تحرك ديمقراطي وشعبي.. ثورة استطاعت تحقيق الاستقرار والأمن للبلاد، فضلا عن تنفيذ مشروعات الشبكة القومية للطرق في عدد كبير من محافظات الجمهورية والعمل على إصلاحها.. ثورة أسقطت حكم جماعة الإخوان الذي كان يسعى للهيمنة على مصر لصالح الجماعة.

فعقب ثورة 25 يناير 2011 راهنت الولايات المتحدة الأمريكية على أن تطلق يد الإخوان على مصر من خلال فكرة أخونة الدولة، وكانت الولايات المتحدة تدرك أن هذه الفكرة سوف تعجل بفشل الدولة المصرية، الأمر الذي يؤدي الي التدخل الخارجي، وهنا يحدث التقسيم والتفتيت. ومن مؤشرات هذا الفشل في الدولة المصرية، أن الإخوان سوف يواجهون تحديات عميقة في إدارة شئون البلاد وهذه التحديات تتمثل في أن الدولة المصرية أضحت تمثل دولة هشة بسبب الثورات والاعتصامات والتظاهرات التي لا تنتهي، وبالتالي فالإخوان حين يتولون حكم مصر سوف يرثون تركة خربة في كل المجالات والميادين ؛ في التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات والزراعة والصناعة والطاقة ..الخ ناهيك عن مشكلة البطالة وتدني الأجور والارتفاع الجنوني في الأسعار، علاوة على هروب الاستثمارات، وضرب السياحة، وتناقص الاحتياط النقدي، وعدم وجود سيولة نقدية لتشغيل الصناعة .. هذا فضلا عن التجريف السياسي الذي حدث، وتخريب العقل المصري الذي تم، إضافة إلى تهميش دور مصر المحوري والاستراتيجي على المستويين الاقليمي والدولي.

بيد أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فقد خرجت جموع الشعب المصري في 30 يونيو 2013م والذي تمثل في تدفق ما لا يقل عن 20 مليوناً من المصريين إلى الميادين والشوارع، لإسقاط حكم «الإخوان»، في حدث تاريخي نادر ليس له سابقة في التاريخ المصري الحديث، بل إنه – كما عبر عديد من المراقبين الغربيين – ليس له سابقة في تاريخ العالم ؛ فقد خرجت الملايين بعد أن تم توقيع أفرادها الموثق على استمارة حركة «تمرد»، والهدف كان محدداً، وهو إسقاط حكم «الإخوان المسلمين» المستبد الذي عصف بالحريات السياسية، ومارس القمع المنظم للأحزاب السياسية المعارضة، ودخل في عداء مع مؤسسات الدولة الأساسية، وفي مقدمها القوات المسلحة، والقضاء، والإعلام، والرموز الثقافية، والفنية. وقد بادرت القوات المسلحة المصرية لدعم الإرادة الشعبية بعد أن كانت أصدرت تحذيراً للدكتور “محمد مرسي” بأن عليه أن يحاول التوافق السياسي خلال أسبوع مع قوى المعارضة، وتحذير آخر مدته ثماني وأربعون ساعة، ولم يتحرك إلى أن وقعت الواقعة في 30 يونيو.

في 30 يونيو أطلق الشعب ثورة جديدة لتصحيح مسار 25 يناير، ودوّت في جميع ميادين القاهرة والمحافظات هتافات موحدة لملايين المتظاهرين تطالب بإسقاط نظام محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ ففي ميدان التحرير "أيقونة الثورة المصرية"، كان المشهد منذ ساعات الصباح الأولى ليوم 30 يونيو حاشدًا ومهيبًا، إذ اكتظت جنباته بالمتظاهرين الذين لم تمنعهم حرارة الشمس الحارقة أو الزحام الخانق عن البقاء ثابتين في أماكنهم لترديد هتافات : "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل" و"يسقط يسقط حكم المرشد". الميادين الكبرى بالقاهرة والجيزة كانت بمثابة رحم لثورة العاصمة، حيث خرجت منها مسيرات تقدمها ناشطون وسياسيون بارزون، لكنها سرعان ما ذابت بين أبناء الشعب، وكذلك رجال الشرطة الذين انضموا لهم واحتضنوا هتافاتهم، لتشهد ثورة 30 يونيو شعارًا جديدًا وهو "الشعب والشرطة إيد واحدة".

ومع نزول ملايين وتتحول المسيرات إلى كتلة بشرية هائلة مثل كرة الثلج التي يزداد حجمها كلما تدحرجت من فوق الجبل، ثم صبت بشكل حضاري - دون عنف أو ابتذال- مخزونها الثوري في ميدان التحرير ثم قصر الاتحادية. وفي المحافظات، لم يكن المشهد بعيدًا عن حالة الغليان الثوري، إذ لم تقتصر على المظاهرات الحاشدة المنددة بالنظام والمطالبة بإسقاطه، بل تخطى الأمر إلى حد فرض العصيان المدني، حيث تمكن المتظاهرون في الدقهلية وكفر الشيخ والمنوفية والشرقية والقليوبية من حصار مباني المحافظات والمباني الحكومية وإغلاقها بالجنازير وطرد محافظي الإخوان حتى يسقط النظام. واللافت للنظر أكثر في المشهد الثوري خارج العاصمة هو؛ رفض كثير من محافظات الصعيد – التي لم تشارك في ثورة يناير- تهديدات حلفاء مرسي وخرجوا إلى الشوارع والميادين للمطالبة بإسقاط النظام.

وفي الأول من يوليو، وجهت القيادة العامة للقوات المسلحة بياناً ثانياً أمهلت فيه القوي السياسية مدة 48 ساعة للوصول إلي حل للأزمة، وأنه إذ لم تتحقق المطالب الشعبية خلال هذه الفترة، فإن الجيش المصري سوف يقوم بتنفيذ “خارطة مستقبل” يشرف على تنفيذها ويشارك فيها جميع الأطياف والاتجاهات بما فيها الشباب دون اقصاء أو استبعاد لأحد.

وبعد انتهاء المهلة الثانية التي منحتها القوات المسلحة للرئيس محمد مرسي، انحازت القوات المسلحة إلى الشعب، وأعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة مساء الثالث من يوليو خارطة المستقبل التي تم الاتفاق عليها مع عدد من الرموز الدينية والوطنية والشبابية، والتي تضمنت تعطيل العمل بالدستور وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية وكذلك لجنة للتعديلات الدستورية وأخرى للمصالحة الوطنية.

وكنتيجة لرفض الرئيس مرسي الاستجابة لمطلب الدعوة بادرت القوات المسلحة في مواجهة الانهيار السياسي للنظام إلى إصدار قرار بعزل رئيس الجمهورية، وإعلان خريطة طريق تهدف إلى إجراء انتخابات مبكرة اتفقت القوي السياسية على ضرورة وضع نهاية لحكمه، وأعلنت عن ذلك الاتفاق في اجتماعها بتاريخ 3 يوليو، وشملت تلك القوي : الجيش، والأحزاب المدنية الرئيسية، مثل الوفد، والتجمع الناصري، والدستور، والمصريين الأحرار، والكرامة، والتيار الشعبي، وحزب النور السلفي، وحركة تمرد، إضافة إلي شيخ الأزهر، وبابا الكنيسة الكاثوليكية.

وفي هذا الاجتماع المشار إليه، تم الإعلان عن مرحلة انتقالية جديدة، وخارطة مستقبل تضمنت تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا منصب الرئيس، وتجميد العمل بدستور 2012، وإصدار إعلان دستور مؤقت لحين تعديل الدستور، وبالفعل أخذت خارطة المستقبل طريقها للتنفيذ، فتولي المستشار عدلي منصور منصب رئيس الجمهورية، وتم الانتهاء من إعداد الدستور في 3 ديسمبر وموافقة المواطنين عليه في استفتاء يومي 14 و 15 يناير 2014 وانتخب رئيس جديد للبلاد في يونيو، وبدأت إجراءات الدعوة لعقد انتخابات مجلي النواب في 18 يوليو.

وعقب انتهاء بيان القوات المسلحة، الذي تلاه الفريق أول عبد الفتاح السيسي – كلمة السر في نجاح ثورة المصريين على الإخوان – عمّت فرحة عارمة في ميادين مصر كلها وهتف المتظاهرون للسيسي والقوات المسلحة التي انحازت لثورة الشعب المصري، والتي طالما أكدت – من خلال مواقفها - أنها جيش الشعب وقوته الضاربة ضد أعدائه في الداخل والخارج.

لم تكن الولايات المتحدة تتوقع مثل هذا على الاطلاق، فاعتبرت أن هذا انقلابا، فقطعت المعونة الأمريكية، وهنا خرج الفريق ” عبد الفتاح السيسي” وزير الدفاع، في لقاء له مع صحيفة واشنطن بوست في أغسطس 2013، مبينا للعالم أجمع بأن :” الجيش المصري لم يقم بانقلاب … لقد قاد الإخوان البلاد بطريقة تخدم الأيديولوجية التي يمثلونها، وهذا ما لم يجعل محمد مرسي رئيسا لكل المصريين… كان الجيش حريصاً جداً على نجاح مرسي، ولو كنا نعارض أو لا نريد السماح للإخوان أن يحكموا مصر لكنا تلاعبنا في عملية الانتخابات … لقد اختار مرسي أن يصطدم مع جميع مؤسسات الدولة: القضاء، الأزهر، الكنيسة، الإعلام، القوى السياسية، وحتى مع الرأي العام . وعندما يصطدم رئيس مع كل مؤسسات الدولة؛ فإن فرصة نجاحه تكون ضئيلة .

ومن ناحية أخرى، كان (مرسي) يحاول استدعاء وحشد أنصار ذو خلفيات دينية له من الداخل والخارج … إن الفكرة التي جمعت تنظيمات الإخوان المسلمين في تنظيم دولي لا تقوم على القومية أو الوطنية وإنما على أيديولوجية ترتبط تماما بمفهوم التنظيم (لا، الدولة…) خلال المراحل المختلفة أطلعنا مرسي على التطورات على أرض الواقع، وقدمنا له المشورة وتوصيات مقترحة لكيفية التعامل معها وكان ممكنا عمل الكثير .

فعلى سبيل المثال كان من الممكن حل الأزمة من خلال حكومة ائتلافية دون المساس بمنصب الرئيس. لكن مرسي كان يستمع فقط دون أن يعمل بأي منها .وأعتقد أن اتخاذ القرارات والقيادة كانت في أيدي تنظيم الإخوان، وهذا أحد أسباب فشله الرئيسية …قبل 30 يوليو” أعطينا مهلة سبعة أيام لكل القوى السياسية في مصر للعمل على إنهاء الأزمة، تم تجديدها لمدة 48 ساعة إضافية كفرصة أخيرة (لمرسي) للتفاوض مع القوى السياسية والتوصل الى حل وسط. وأعلنت بشكل واضح أنه إن لم يتغير شيء مع نهاية المدة؛ فستعلن خارطة طريق من قبل العسكر والقوى السياسية …وحتى في يوم إعلان البيان (بيان إقالة مرسي من منصبه في 3 يوليو، 2012) دعوت لاجتماع ضم بابا الأقباط، وشيخ الأزهر، ومحمد البرادعي والممثل السياسي لحزب النور، وممثل عن المرأة المصرية، وممثلين عن القضاء المصري، وعن الشباب، وتمرد، ودُعي حزب الحرية والعدالة إلى الاجتماع، لكن لم يأت منهم أحد. واتفق الحاضرون على خارطة طريق بتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للجمهورية وتشكيل حكومة تكنوقراط، وتشكيل لجنة من الخبراء والقانونيين لعمل التعديلات الدستورية … وطرح الدستور للاستفتاء العام .وبمجرد الموافقة عليه سنجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية في غضون تسعة أشهر …وفي نفس اليوم الذي أعلن فيه البيان وجُهت رسالة الى الرئيس السابق طالبته بالمبادرة لحل الأزمة بأن يطرح نفسه لاستفتاء شعبي ومعرفة ما إذا كان الشعب ما زال يريده رئيسا، لكنه قال :لا ليس بعد …ولو لم نتدخل لكانت هناك حرب أهلية… وكنت كذلك قبل رحيل مرسي بأربعة أشهر قد أوضحت له أن نهجه وجماعته في الحكم يخلق صراعاً بين مؤيديه والمعارضة… وأخبرته أن الجيش لن يكون قادرا على فعل شيء في حال اقتتلت جماعته مع الشعب المصري.

وأخيراً وليس آخر أقول بأن عظمة المصريين، ومن خلفهم القوات المسلحة، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، تكمن في تعطيل مخطط الشرق الأوسط الجديد للصهيو أمريكية أمام صخرة الإدارة المصرية، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى إجهاض هذا المخطط الشيطاني في المنطقة بأسرها فيما بعد، ذلك المخطط الذي تم وضع ملامحه الأولية منذ سبعينيات القرن العشرين، وبدأ التحضير له منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، لبدء التنفيذ مع وصول الإخوان المسلمون لمقاعد مجلس الشعب في العام 2005، لتوصيل التيار الراديكالي الإسلامي إلى سدة الحكم في المنطقة، بعد أن أعادوا توصيفه إلى تيار إسلامي معتدل كنقطة انطلاقة لتقسيم المنطقة بالكامل.. وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

......................

المراجع :

عصمت سعد : ذكرى ثورة 30 يونيو ..انجازات وتحديات (مقال).

د.شريف درويش اللبّان: ملامح تاريخية: في ذكرى ثورة 30 يونيو(مقال).

السيد ياسين :  حكم «الإخوان» في مصر: فشل سياسي وسقوط تاريخي!، الاهرام، الأثنين 5 اغسطس 2013.

 

 

في المثقف اليوم