آراء

ثورة 30 يونيو 2013 والذكرى السابعة (2)

محمود محمد علينعود ونكمل حديثتا عن الذكري السابعة لثورة 30 يونيه، وهنا نقول : لم تكن الولايات المتحدة تتوقع مثل هذا على الاطلاق ، فاعتبرت أن هذا انقلابا، فقطعت المعونة الأمريكية ، وهنا خرج الفريق ” عبد الفتاح السيسي” وزير الدفاع ، في لقاء له مع صحيفة واشنطن بوست في أغسطس 2013 ، مبينا للعالم أجمع بأن :” الجيش المصري لم يقم بانقلاب.. لقد قاد الإخوان البلاد بطريقة تخدم الأيديولوجية التي يمثلونها، وهذا ما لم يجعل محمد مرسي رئيساً لكل المصريين… كان الجيش حريصاً جداً على نجاح مرسي، ولو كنا نعارض أو لا نريد السماح للإخوان أن يحكموا مصر لكنا تلاعبنا في عملية الانتخابات … لقد اختار مرسي أن يصطدم مع جميع مؤسسات الدولة: القضاء، الأزهر، الكنيسة، الإعلام، القوى السياسية، وحتى مع الرأي العام . وعندما يصطدم رئيس مع كل مؤسسات الدولة؛ فإن فرصة نجاحه تكون ضئيلة .

ومن ناحية أخرى ، كان (مرسي) يحاول استدعاء وحشد أنصار ذو خلفيات دينية له من الداخل والخارج.. إن الفكرة التي جمعت تنظيمات الإخوان المسلمين في تنظيم دولي لا تقوم على القومية أو الوطنية وإنما على أيديولوجية ترتبط تماما بمفهوم التنظيم (لا ، الدولة…) خلال المراحل المختلفة أطلعنا مرسي على التطورات على أرض الواقع ، وقدمنا له المشورة وتوصيات مقترحة لكيفية التعامل معها وكان ممكنا عمل الكثير .

فعلى سبيل المثال كان من الممكن حل الأزمة من خلال حكومة ائتلافية دون المساس بمنصب الرئيس. لكن مرسي كان يستمع فقط دون أن يعمل بأي منها .وأعتقد أن اتخاذ القرارات والقيادة كانت في أيدي تنظيم الإخوان، وهذا أحد أسباب فشله الرئيسية …قبل 30 يوليو” أعطينا مهلة سبعة أيام لكل القوى السياسية في مصر للعمل على إنهاء الأزمة، تم تجديدها لمدة 48 ساعة إضافية كفرصة أخيرة (لمرسي) للتفاوض مع القوى السياسية والتوصل الى حل وسط. وأعلنت بشكل واضح أنه إن لم يتغير شيء مع نهاية المدة؛ فستعلن خارطة طريق من قبل العسكر والقوى السياسية …وحتى في يوم إعلان البيان (بيان إقالة مرسي من منصبه في 3 يوليو، 2012 ) دعوات لاجتماع ضم بابا الأقباط ، وشيخ الأزهر ، ومحمد البرادعي والممثل السياسي لحزب النور، وممثل عن المرأة المصرية ، وممثلين عن القضاء المصري ، وعن الشباب ، وتمرد ، ودُعي حزب الحرية والعدالة الى الاجتماع، لكن لم يأت منهم أحد. واتفق الحاضرون على خارطة طريق بتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا للجمهورية وتشكيل حكومة تكنوقراط ، وتشكيل لجنة من الخبراء والقانونيين لعمل التعديلات الدستورية.

وطرح الدستور للاستفتاء العام .وبمجرد الموافقة عليه سنجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية في غضون تسعة أشهر …وفي نفس اليوم الذي أعلن فيه البيان وجُهت رسالة الى الرئيس السابق طالبته بالمبادرة لحل الأزمة بأن يطرح نفسه لاستفتاء شعبي ومعرفة ما إذا كان الشعب ما زال يريده رئيسا، لكنه قال :لا ليس بعد … ولو لم نتدخل لكانت هناك حرب أهلية… وكنت كذلك قبل رحيل مرسي بأربعة أشهر قد أوضحت له أن نهجه وجماعته في الحكم يخلق صراعاً بين مؤيديه والمعارضة… وأخبرته أن الجيش لن يكون قادراً على فعل شيء في حال اقتتلت جماعته مع الشعب المصري.

علاوة علي أن ثورة 30 يونيو بينت للعالم كله أنها ثورة شعبية عبرت بامتياز عن الغالبية العظمى من الشعب المصري، عدا من ينتمون إلى تيار الاسلام السياسي والقلة القليلة المتعاطفة معهم، والتي تآكلت بعد عام واحد من حكم الجماعة المتهافت على السلطة والذي كاد يودي بالبلاد والعباد. وإذا كنا نتحدث في ثورة 25 ينايـر عــن " الديمقراطية على شبكة الإنترنت " Online Democracy , والتي مكنت الشباب من المشاركة السياسية والدعوة إلى ثورة يناير بعيدًا عن الأدوات الإعلامية للدولة.

إن ثورة 30 يونيو استطاعت أن تستدعي ما يمكن أن نُطلق عليه " الديمقراطية المباشرة " Direct Democracy التي كانت تُمارس في روما القديمة، حيث كان الشعب يعبر عن رأيه بشكل مباشر في كثير من شئون الدولة قبل ظهور صناديق الانتخابات بعد ذلك بقرون كآلية بديلة عن الديمقراطية المباشرة،  فالديمقراطية المباشرة إذن هي الأصل، ولعل المُنصف يرى أن من خرجوا ضد مرسي وجماعته في 30 يونيو يزيدون على ضعف من أعطوه صوتهم في جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين اختزلوا الديمقراطية في الصندوق الذي تصوروا أنهم يحتفظون فيه بأصوات الناخبين التي لا تتغير وفقا لسياساتهم الخرقاء، ولم يدركوا أن هذه الأصوات تركت الصندوق وتجسدت أمامهم لحمًا ودمًا وثورةً تطالب بسقوطهم.

وحول سيناريو ما بعد الرئيس محمد مرسي وجدنا أن جماعة الإخوان المسلمين سعدت بكل ما أوتي من قوة في نشر الحرب الأهلية داخل مصر من خلال الميليشيات الإلكترونية والتي كانت تتلقى التمويل والتدريب والتعليمات من جماعة الإخوان، وذلك على النحو الذي كشفه مصطفى زكريا صحفي صحيفة "الصباح" الذي أجرى تحقيقا استقصائيًا مميزًا اخترق به ميليشيات الإخوان الإلكترونية.

وكان العاملون بهذه "اللجان الإلكترونية" يخضعون لعدد من الدورات المتقدمة في «الفوتوشوب» وخصوصا "تركيب الصور" وبعبارة أدق "التزوير"، وأيضًا دورة على كيفية اختراق حسابات المعارضين "الهاكرز"، على صفحات التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار الحرب بين الكفر والإيمان، وأن الجماعة تحارب القوم الضالين بسلاحهم. وفيما يتعلق بالصفحات التي تهاجم الإخوان، فإذا كانت تنشر معلومات مغلوطة، فهجوم "الهاكرز" كفيلٌ بالقضاء عليها، أما في حال كانت على الصفحة مستندات حقيقية تمس الجماعة، فلا بد من البحث عن "الأدمن" ومن ثم تهديده ليتوقف عن النشر. وفي حال تقرر استخدام أسلوب "القرصنة الإلكترونية" للقضاء على صفحة ما، يتم الاتصال بكل اللجان الإلكترونية داخل وخارج مصر، بما يضمن نجاح المهمة بأسرع وقت ممكن، وبعد الانتهاء من العملية، كثيرًا ما يبدأ أحد أعضاء الإخوان في التكبير، ومن ورائه يردد الآخرون.

وكان يتم توزيع العاملين داخل اللجان الإلكترونية لجماعة الاخوان على ثلاث فئات، تؤدي كل منها مهامَ محددة:

المجموعة الأولى: لجان الطلبة، وأعضاؤها طلبة جامعيون، مهمتهم نقل أخبار الجامعة، ونشرها على شبكة الإنترنت، فإن كان عميد الكلية إخوانيًا، امتدحوه لخلق رأي عام مؤيدٍ له، وإن لم يكن ينتمي للجماعة، شنوا عليه الهجوم وشوّهوه بقسوة.

المجموعة الثانية: لجان العاملين، وأعضاؤها موظفون، ولا تصدر لهم تكليفات محددة، ونشاطاتهم اجتهادات فردية، وما ينشرونه يتعلق بالشأن العام ومهاجمة المعارضة.

المجموعة الثالثة: لجان شباب الجماعة، وتضم الأعضاء العاملين بالمؤسسات الإعلامية لجماعة الإخوان، وتحديدًا "شبكة رصد"، وقناة "مصر 25" وجريدة "الحرية والعدالة"، وتتلقى تكليفات مباشرة ودائمة من مكتب الإرشاد، وكان المسئولون عن هذه المجموعة يتباهون بأنهم على صلات وثيقة بالمهندس خيرت الشاطر، نائب مرشد الجماعة والرجل القوي فيها, ونظرًا لحساسية هذه المجموعة، فإن معظم "الأدمن" على صفحاتها، أبناءٌ لقيادات الجماعة، من الصف الأول إلى الثالث.

أما بالنسبة للإنفاق على اللجان الإلكترونية وأشكالها، فتختلف باختلاف العاملين بها، فهناك لجان ينفق أعضاؤها من مالهم الخاص، وهم من القيادات الشبابية داخل الجماعة، ويعملون تحت قيادات الجماعة بشكل مباشر. وهناك لجان أخرى لا يوجد سقف لنفقاتها، وهي اللجان التى يعمل بها الطلبة، وأشكال الإنفاق تتمثل في دفع إيجار المقر، ودفع المصروفات الدراسية للعاملين، وتوفير سكنٍ أفضل من السكن الجامعي، وتوفير أشخاص لخدمتهم داخل السكن وتوفير أجهزة "لاب توب" حتى يمارسوا عملهم من قلب الأحداث، وتوفير الخدمات الطبية على أعلى مستوى لهم ولذويهم، ويستمر أعضاء هذه اللجان في العمل حتى خلال الإجازات الدراسية، لضمان التواصل مع الأعضاء المشتركين داخل الصفحة، ويتم الإنفاق عليها عبر ميزانية تجمع بينها وبين ميزانية المواقع الإخبارية المعروفة بتبعيتها للجماعة.

وكان الإنفاق على هذه اللجان يأتي ضمن برنامج "الإعلام البديل" الذي كان يتبناه الإخوان، للتصدي لمعارضيهم فى الإعلام، فمهمة اللجان الإلكترونية أكبر من الهجوم على وسائل الإعلام والمعارضة، فالهدف منها أن تصبح صفحات الإخوان النافذة الإعلامية الوحيدة لمستخدمى الإنترنت، ويتم ذلك على مراحل أولها عمل خلل في الثقة بين الإعلاميين والمتلقين، عن طريق جمع معلومات في غاية الدقة، حول حياة مقدم البرنامج او الصحفي، لتشويه صورته أمام الأعضاء المشتركين بالصفحة، والإكثار من مقاطع الفيديو التي تم تصويرها بمعاونة وحدات التصوير الخارجي، حتى يتم الاستغناء عن الإعلام المرئي "الكافر".

ولا شك أن افتضاح أمر هذه الميليشيات التي تديرها جماعة الإخوان أوضح بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه الجماعة تفتقر إلى الخُلُق وإلى كل ما يتعلق بالمُثُل العليا التي حثت عليها الأديان، ثم هي تشير أيضًا إلى أن البعض ممن يمارسون العمل بها بدأوا يشعرون بوخز الضمير، وأن الخيّرين منهم قد يثورون على هذا الوضع ويتركون تلك المهمة غير الأخلاقية التى يتم تنفيذها باسم الدين.

كل هذه الأمور فشلت تماما في إفشال ثورة 30 يونيو ، بل بالعكس لقد نجحت تلك الثورة بعد ذلك توطيد العلاقات الدولية؛ وخصوصا دول الاتحاد الأوروبي والفوز بالمقعد غير الدائم لمجلس الأمن وكذلك فى لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وغيرها من العلاقات الدولية وعلى الصعيد الداخلى تمت بالفعل مشروعات عملاقة من البنية التحتية من طرق ومحطات مياه وصرف صحى غير مسبوقة في تاريخ مصر بالإضافة لمشاريع كبرى؛ مثل قناة السويس الجديدة، وكذلك المليون فدان ومشروعات شرق التفريعة ببورسعيد وبداية زراعة مليون ونصف فدان وغيرها من المشروعات الضخمة وبخاصة مشروعات تنمية الصعيد وتعمير سيناء.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

.....................

المراجع :

1- د. على الدين هلال وآخرون: عودة الدولة تطور النظام السياسي في مصر بعد 30 يونيو، الدار المصرية اللبنانية، 2015.

2- بادية فواز ياسين الحاج حسين: : "ثورة 25 يناير" المصرية السياسة الأميركية تجاه صعود وسقوط حكم الإخوان المسلمين، رسالة الماجستير غير منشورة في الدارسات الدولية من كلية، الدارسات العليا في جامعة بيرزيت ، فلسطين،2015،

3- عمرو‌ عمار،‌‌: الاحتلال ‌المدني أسرار‌ 25 يناير‌ والمارينز ‌الأمريكي، سما ‌للنشر ‌والتوزيع ،‌‌ القاهرة ‌،2012.

 

 

في المثقف اليوم