آراء

أبو بكر خليفة: المصالحة الليبية على الأرض.. إنجازات تتحقق

هل أصبح ملف المصالحة في ليبيا مجرد ذريعة للتدخل في ليبيا؟ وأن التأكيد من بعض الأطراف الدولية المتدخلة في ليبيا على ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة قبل كل شي،محض مبالغة في تهويل الأزمة في ليبيا لأغراض متعددة؟ وان قضية المصالحة على أرض الواقع لم تعد بتلك الأهمية؟ حيث أن أغلب واهم شروط هذه المصالحة قد تحقق على أرض الواقع.. فقضية تاورغاء واهلها شبه محلولة، لأن أهل تاورغاء رجعوا إلى منطقتهم، وأصبحت العلاقة شبه طبيعية بين المدينتين الجارتين مصراتة وتاورغاء، وهاهي مصراتة اليوم تنخرط بقوة في إعمار تاورغاء ومساعدتها على النهوض، وكذلك الحال فإن العلاقة بين بني وليد ومصرتة. أصبحت شبه طبيعية، وعاد التواصل بين سكان المدينتين الجارتين على مختلف المستويات بشكل ملحوظ، وكذلك حلت الكثير من الأزمات العالقة بين الزنتان والمشاشية، ورجع أهل مدينة العوينية إلى منطقتهم وهاهي عجلة البناءوالحياة تدور هناك، وأيضا فقد حل الكثير من الوئام بين قبيلتي أولاد سليمان والقذاذفة في الجنوب الليبي،فقط فإن الأزمة في مرزق مازالت عالقة، رغم رجوع بعض السكان، وبالرغم من بوادر الحلول، حيث أنه حسب ماوردنا، فإن أغلب عقلاء التبو ليست لديهم مشكلة في عودة مهجري مرزق، وأن بعض التدخلات الخارجية والداخلية مازالت تنفخ في رماد هذه القضية،ومن بعض الأشخاص المستفيدين ولمصلحتهم الخاصة في بقاء الأمر على ماهو عليه، خاصة وأن الكثير من أهل التبو عانوا من نزوح أهل مرزق، من حيث مسألة تعليم أبنائهم، خاصةً  وأن أغلب كوادر التعليم هم من أهالي مرزق، أما عن مهجري بنغازي فالكثير منهم أعادوا إكتشاف أنفسهم، من حيث أن أغلبهم يمارسون التجارة وريادة الأعمال في مناطق غرب البلاد وغيرها، وازدهرت أحوالهم، ويساهمون في تحريك عجلة الاقتصاد في غرب البلاد خصوصاً، رغم أنه لاشئ يغني عن مسقط الراس من الناحية الاجتماعية على الأقل، والحال كذلك فإنالمتبقي فقط من المصالحة الوطنية الليبية المتحققة بشكل كبير على الأرض هو؛ شرط واحد يتمثل في تجسيد العدالة الانتقالية وجبر الضرر ... بناءاً على كل هذه المجريات نستخلص التالي:

اولا/ إن قضية المصالحة في ليبيا هي بشكل أساسي تتعلق بالجانب الاجتماعي والصدوع التي أحدثتها مجريات مابعد عام 2011فيه، هذه الصدوع والشروخ التي بدأت تلتئم تباعا، ولقد أثبتت أحداث التاريخ الليبي، أن الليبيون على مر تاريخهم قادرون على تجاوز صراعاتهم ونزاعاتهم مهما إشتدت وإحتدت، بفضل مرجعياتهم المتمثلة في كبارهم وحكمائهم وشيوخهم وأعيانهم، وهو ماظل مستمراً حتى اليوم، حيث لم تفلح المحن والفتن في تمزيق هذا الرباط الاجتماعي رغم ضراوة دورات العنف المتعاقبة في العشرية الماضية.

ثانياً/ إن هذه القبلية النشطة في العقود الأربعة الماضية رغم أنها تعطل مايسمى بالمجتمع المدني المتحرر من الولاءات الاجتماعية الضيقة، ومفاهيم دولة المواطنة والتزاماتها وحقوقها العادلة، أظهرت هذه القبلية أن لها جانباً إيجابيا أيضاً، وهو أنها زادت من مناعة هذا الرباط الاجتماعي القوي، حيث أنها أوقفت تمدد الإرهاب وساهمت في إسقاط مشروعه في ليبيا، كذلك ساهمت اليوم في التاسيس للمصالحة.

ثالثا/ كذلك فإن الليبيون تخلصوا من ذلك التنابز والتنازع الحدي والصارم بين من يؤيد التغيير ومن يعارضه، وأصبح هناك نوع من التعايش بين أنصار الراية الخضراء وأنصار راية الإستقلال في أغلب مناطق ليبيا، ووصل الأمر إلى تحويل الأمر إلى مادة للطرافة والتندر، إلى جانب أن الكثير من الليبيين أدركوا أن المستهدف الأكبر من الاحداث كلها هو، ليبيا وثرواتها وليس مجرد نظام سابق أو نظام يأتي على أنقاضه.

***

د.أبوبكر خليفة أبوبكر

كاتب راي وباحث وأكاديمي ليبي

في المثقف اليوم