آراء

ندأ من ليبيا، رسالة أخوة ومحبة للقاهرة عاصمة الوحدة العربية

محمد عمر غرس اللهأن أسواء ما فعلته المبادرة المصرية (إعلان القاهرة* يونيو 2020م) حول ليبيا، إنها أخرجت تخاريف (عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي) حول تثليث ليبيا وفدرلتها سياسياً ووضعها على طريق التقسيم - من مربوعته** في شعاب مدينة القبة (شرق بنغازي 206كلم) - وأعطتها بُعد سياسي عربي ودولي، وبلسان رئيس أكبر دولة عربية، ومن أكبر عاصمة عربية (القاهرة عاصمة الوحدة العربية).

هذه المبادرة، لأنها بإسم مصر، جعلت الرأي العام العربي يخلط بين حبنا للقاهرة وتقديرنا العالي لمصر، مع فدرلة ليبيا وتثليثها سياسياَ ووضعها على طريق التقسيم، فلم ينتبه الشارع العربي إلي سؤة هذه المبادرة - وما حوته من مقترح تثليث ليبيا سياسياً - التي أعادت سياق (مشروع بيفن سيفورزا 17 مايو 1949م) - الذي سعي لتقسيم ليبيا وفدرلتها سياسياً (برقة - طرابلس - فزان) - ونفخت فيه الروح من جديد، تحت جُنح فكرة الأمن القومي المصري، وتحت غطأ مساندة الأخ لاخيه، بالرغم من أن فدرلة ليبيا لا تخدم البتة أمن مصر القومي، وتثليث ليبيا سياسياً على ثلاثة مناطق تحت إشراف الأُمم المتحدة - أبداً - ليس طريق مؤازرة، وليس فيه أي شيء من الأُخوة (رغم عدم شكنا في النوايا المصرية ودور مصر)، فمقاومة ورفض الغزو التركي الظالم لليبيا، لا يتم بالدعوة لفدرلة ليبيا، وتقسيمها على مناطقية سياسية وتثليث مواردها وإمكانياتها وإدارتها السياسية، الأمر الذي يضعها على طريق التفتيت والتقسيم.

ونحن بصراحة بالغة، نستغرب كيف وقع المطبخ السياسي المصري العريق في هذا، وكيف تسجل القاهرة على نفسها في التاريخ دعوة لفدرلة ليبيا وتثليثها سياسياً، حيث لم يحدث في التاريخ العربي أن دعت عاصمة عربية لفدرلة دولة عربية شقيقة، ووضعها على طريق التفتيت والتقسيم بحجة الأمن القومي ومؤازرة الأشقاء، فالسياسي المصري الخبير والذكي والمتمكن، يعرف جيداً إلي أين يصب هذا المشروع؟، وإلى أين يؤدي هذا الطريق؟.

أن الوعي بما يجري، يحتم علينا أن نقول الحقيقة في زمانها ومكانها دون تأخير، بصدق ومحبة كاملة وتامة وتقدير لإخوتنا وأهلنا وأشقائنا في مصر العروبة.

ونتساءل في ذلك، كيف تسجل القاهرة ومصر العروبة على نفسها، وبلسان رئيسها، مبادرة إعادة الحياة لمشروع تفتيت ليبيا، وتقسيمها، تحت مسمى أقاليم سياسية الثلاثة (طرابس - برقة - فزان): روح وكنه مشروع (بيفن سيفورزا 1949م)، الذي قاومناه وأسقطناه وقتها، بمؤازرة إخوتنا العرب، وعلى رأسهم مصر العروبة ومن عاصمة الوحدة العربية (القاهرة).

أن تخاريف الجاهل بالتاريخ الوطني والحركة الوطنية في ليبيا (عقيلة صالح)، ليست اليوم أقوى من مشروع وزير خارجية إيطاليا (بيفن) وزير خارجية بريطانيا ( سيفورزا) مايو 1949م، كما أن رؤساء برلمانات الشعوب، دأئما يمثلون وحدة بلدانهم السياسية، يبقون ضمير وطني في ذلك، فكيف تشجع القاهرة وتتبنى سياسياً تخاريف الذي سقط في الإمتحان الوطني، وتمترس على المناطقية، وأخرج مشروع تفتيت وتقسيم ليبيا (مشروع بيفن سيفورزاء) وجعل منه ثرثرة يرددها صباح مساء، وتعطيها بعد عربي وتسجل ذلك على نفسها في التاريخ العربي.

أن القوة الوطنية في ليبيا، تعضدها القوة العربية المقاومة على إمتداد الأُمة، وعلى رأسها القوة المقاومة في مصر العروبة، - واعية ومقاومة لما يتم فعله بليبيا، وما يتم إقتراحه من مشروع تفتيت وتقسيم وقتل إجتماعي لليبيا - ونحن لن نسكت، ولن نقف مكتوفي الأيدي، فباب النضال الوطني لم يغلق، ولم يستنفذ بدائله، ولا يستطيع أحد في هذا العالم غلقه - حتى يرى الأقلمة والفدرلة والتثليث المناطقي سياسياً والتقسيم حلاً، فالشعوب لها بدائلها التي تصنعها من الواقع مهما سأءت الظروف، فالإرادة الوطنية أقوى وأكثر حضور وفعل، والليبيين شعب مقاوم جسور تاريخياً ، والليبيون سيواجهون العدوان التركي ويدحرونه طال الزمن أو قصر، موحدين شعب واحد ومجتمع واحد ودولة واحدة موحدة، فلن يكون التثليث السياسي مناطقياً وفدرلة ليبيا طريق مقاومة، بل سيكون وبالاً على الوضع الوطني الليبي ويفتته ويقسمه ويعيق مقاومته .

إننا وبكامل التقدير ندعو إخوتنا في القيادة المصرية، لتعديل المبادرة، وإلغاء ما جاء فيها حول مقترح فدرلة ليبيا وتثليثها سياسياً على ثلاثة مناطق سياسية، وكلنا ثقة في تفهم مخاوفنا على الوحدة الوطنية.

كما ندعو ونطالب إخوتنا في مصر والقوة العروبية القومية - التي ظلت دايماً روح مقاومة الأمة الفكرية والسياسية - أن يقولوا رأيهم اليوم ويجاهروا به، فهم ضمير الأُمة وتعبير عن وحدتها، ونطالبهم أن يرفضوا معنا مشروع تقسيم ليبيا وتفتيتها وفدرلتها على ثلاثة مناطق سياسية، وان لايرضوا بأن تصبح القاهرة صوتاَ لتخاريف (عقيلة صالح) وأوهام الأقاليم السياسية الثلاثة في ليبيا، الأمر الذي ننتظره منهم من داخل القاهرة نفسها، القاهرة التي لا تخلف ميعاد الأمة ووحدتها، القاهرة روح وحدة الأمة، القاهرة التي تعي جيداً مشروع التفتيت الذي يستهدفنا، وليذهب (عقيلة صالح، وبرنار ليفي 2020م)، كما ذهب قبلهم (مشروع بيفن سيفورزا ء 1949م) لمزبلة التاريخ.

 

د. محمد عمر غرس الله

باحث أكاديمي، ودبلوماسي ليبي سابق

......................

* إعلان القاهرة (المبادرة المصرية حول ليبيا): وهي مبادرة مصرية طرحها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يونيو 2020م)، تضمنت تقسيم ليبيا على ثلاثة اقاليم سياسية (برقة – طرابلس - فزان) - المحاور الأساسية للمبادرة: المصرية:

- قيام كل إقليم من الأقاليم ال " 3 " (المنطقة الشرقية المنطقة الجنوبية ) بتشكيل مجمع إنتخابي يتم إختيار أعضائه من مجلسی النواب والدولة الممثلين لكل إقليم، بجانب شيوخ القبائل والأعيان، ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب، إضافة إلى النخب السياسية من المثقفين والنقابات، بحيث تجتمع اللجان ال " 3 " تحت رعاية الأمم المتحدة ويتم التوافق عليها ويتولى كل إقليم إختيار الممثل الخاص به سواء بالتوافق أو بالإنتخاب، وذلك في مدة لا تتجاوز " 90 " يوم .

- قيام كل إقليم بإختيار ممثله للمجلس الرئاسي كذا نائب الرئيس الوزراء من ذوي الكفاءة والوطنية، بهدف تشكيل مجلس رئاسة من رئيس ونائبين، ومن ثم قيام المجلس الرئاسي بتسمية رئيس الوزراء، والذي يقوم بدوره هو ونائبيه بتشكيل حكومة وعرضها على المجلس الرئاسي، تمهيدا لإحالتها المجلس النواب لمنحها الثقة

- قيام الأمم المتحدة بالإشراف على المجمعات الإنتخابية بشكل عام لضمان نزاهة سير العملية الخاصة بإختيار المرشحين للمجلس الرئاسي .

- حصول كل إقليم على عدد متناسب من الحقائب الوزارية طبقا لعدد السكان عقب التوافق على أعضاء المجلس الرئاسي الجديد وتسمية رئيس الحكومة، على أي إقليم أكثر من رئاسة للسلطات الثلاث المجلس الرئاسي- مجلس النواب - مجلس الوزراء) بحيث يحصل إقليم " طرابلس " على " 4 " وزارات، وإقليم " برقة " على " 7 " وزارات، كذا إقليم الفزان " على " ه " وزارات، على أن يتم تقسيم ال " 6 " وزارات السيادية على الأقاليم الله " ۳ " بشكل متساوی (وزارتين لكل إقليم) مع تعيين نائبين لكل وزير من الأقليمين الأخرين.

- إضطلاع مجلس النواب الليبي بإعتماد تعديلات الإعلان الدستوى من خلال لجنة قانونية يتم تشكيلها من قبل رئيس المجلس المستشار " عقيلة صالح "، وذلك عقب قيام اللجنة (تضم ممثلي أعضاء مجلسي النواب والدولة) بالإتفاق على النقاط الواجب تعديلها في الإعلان الدستوري في مدة لا تتجاوز "30 " يوم بدء من تاريخ إنعقاد أول جلسة .

- قيام المجمع الإنتخابي لكل إقليم تحت إشراف الأمم المتحدة بتشكيل لجنة من شخصيات وطنية وخبراء دستوريين ومثقفين من ذوي الكفاءة واعتمادها 6 من قبل البرلمان الليبي لصياغة دستور جديد للبلاد يحدد شكل إدارة الدولة الليبية وطرحه للإستفتاء الشعبي لإقراره ( على أن تنتهي من أعمالها خلال " 90 " يوم من تاريخ تشكيلها ) .

- تحديد المدة الزمنية للفترة الإنتقالية ب " 18 " شهر قابلة للزيادة بحد أقصى " 6 " أشهر، يتم خلالها إعادة تنظيم كافة مؤسسات الدولة الليبية خاصة المؤسسات الإقتصادية الرئيسية المصرف المركزي - المؤسسة الوطنية للنفط المؤسسة الليبية للإستثمار )، وإعادة تشكيل مجالس إدارة المؤسسات الأخيرة بما يضمن فعالية أداء الحكومة الجديدة وتوفير الموارد اللازمة لإدارة المرحلة الإنتقالية إنتهاء بتنيظم إنتخابات رئاسية وبرلمانية .

- إتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لتوحيد كافة المؤسسات الإقتصادية والنقدية في شرق وجنوب وغرب ليبيا، وتنفيذ الإصلاحات الإقتصادية الهيكلية، إلى جانب منع وصول الأموال الليبية إلى أي من الميليشيات، كذا العمل على ضمان توزیع عادل وشفاف للموارد الليبية لكافة المواطنين.

** المربوعة: هي القسم المخصص لإستقبال الضيوف في البيت الليبي، يسمى مربوعة

 

 

في المثقف اليوم