آراء

معاذ محمد رمضان: بيير رازو والحرب العراقية الإيرانية

كتب الدكتور بيير رازو كتاباً ضخماً بعنوان "الحرب العراقية ـ الإيرانية"، وقد نُقل الى الإنجليزية من قِبَل الأستاذ نيكولاس أليوت، ثم تم نقله الى العربية من قِبَل الدكتور فلاح حسن الأسدي، طبعة دار ومكتبة عدنان الأولى بغداد 2023. ورازو باحث مختص بالحرب العراقية الإيرانية والصراعات العربية الإسرائيلية.

كتب رازو مقدمة للطبعة العربية، أعرب فيها عن فخره وسعادته بنقل كتابه الى اللغة العربية وفي بغداد.

بعد قراءتي الدقيقة والعميقة للكتاب، أستطيع أن أقول بأن المؤلف كان "حيادياً" فعلاً في كتابه، يتعامل مع الوقائع والحقائق بمهنية عالية، لا يميل الا مع ما تُثبته الوثائق المتوفرة والمدروسة بعناية من جانبه، واستطيع أن أقول وبثقة عالية، أنه يصلح أن يكون على قائمة الكتب التي تناولت هذه الحرب المدمرة، لشموله واحاطته التامة بالعمليات العسكرية.

يتكوّن الكتاب من اهداء ومقدمة وواحد وثلاثين فصلاً وخلاصة، مع ملاحق غنية فيها تفصيل مدهش عن عدد القوات العسكرية والمعدات التي امتلكها العراق وايران، مع خسائر الطرفين ... يحفل متن الكتاب أيضاً بخرائط تفصيلية عن المعارك الكثيرة.

أما مصادر الباحث فكانت طازجة، تعددت بين:

1ـ الأرشيفات، الأمريكية والألمانية انموذجاً، والتسجيلات الصوتية لصدام حسين، يقول رازو:

(وخلال سير بحثنا تمكنت من الوصول الى "تسجيلات صدام الصوتية" المعروفة جيداً التي استولى عليها الجيش الأمريكي في بغداد عام 2003. كان الدكتاتور العراقي يعلم أنه خطيب وليس كاتباً، وادراكه هذا جعله لم يترك أية كتابات للأجيال المقبلة التي ربما ستُذكّر الناس به) ص19 و 20

2ـ المقابلات، فقد قابل الباحث عدداً من الجنرالات العراقيين والأجانب وعدد من الباحثين أيضاً.

3ـ التقارير والدراسات.

4ـ الكتب.

5ـ السير الذاتية والمذكرات.

6ـ الأفلام الروائية والوثائقية.

7ـ شبكات الإنترنت.

ما سنخرج به اجمالاً بعد قراءة هذا الكتاب:

أولاً: يتحمل الرئيس العراقي صدام حسين اشعال هذه الحرب، فهو من قام بالإعتداء على ايران.

ثانياً: لا توجد أدلة حقيقية ـ وهذا مخالف للتصور الشائع في الذاكرة الشعبية العراقية ـ تؤيد أن الولايات المتحدة الأمريكية هي من دفعت صدام لشن حربه على ايران، فصدام لم يكن بحاجة لذلك، وكان مستعداً للقيام بعمل ما بعيداً عن الدفع الأمريكي. وما يقوي هذا الاعتقاد، أن حكومة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر كانت تعمل على فتح خطوط اتصال مع طهران من أجل تحرير رهائنها هناك، وقد فتح "جورج كيف" ـ وهو من أفضل خبراء المخابرات الأمريكية حول ايران ـ قنوات الاتصال مع قادة طهران لاخبارهم بالاستعدادات العسكرية العراقية.

فإن صح ذلك، فكيف يمكن القول بأن الولايات المتحدة الأمريكية قد دفعت صدام لضرب ايران، ونراها تُخبر طهران باستعدادات صدام العسكرية؟!

ثالثاً: تتحمل القيادة الإيرانية مسؤولية استمرار هذه الحرب العبثية، فقد أظهر الدكتاتور العراقي استعداده للتفاوض وعقد الهدنة باستمرار، ولكن النظام الإيراني لم يتنازل عن شرطه الأول، وهو تنحي دكتاتور بغداد عن السلطة، وهو شرط قد يفرض نفسه في بداية سنوات الحرب بعد الانتصارات الإيرانية والتراجع العراقي، لكن ان يبقى هذا الشعار للنهاية، فهو أمر غير واقعي وسبّب دماراً للبلدين، بل وصل الأمر بآية الله الخميني الى القول بعد قبوله الهدنة:

ان اتخاذ هذا القرار كان اكثر ايلاماً وقاتلاً لي من تجرّع كوب من السم. ان ايماني بالله وتجرّع كوب السم تلبية لارادة الله لوقف حمام هذا الدم، فقد أقمست ان اقاتل حتى آخر رمق، وسيكون ذلك أكثر تحمّلاً لي من قبول الموت أو الشهادة، ولكن يجب عليّ أن أقبل بالرأي المتنور لكل الخبراء العسكريين ص576.

رابعاً: كان صدام حسين "بطل السلاح الكيمياوي"، وقد وصل  لدرجة أن أعلن على لسان الجنرال عدنان خير الله، بأن العراق فعلاً قد استخدم هذا السلاح للدفاع عن النفس! بل وصل استهتاره لحد التضحية بكتيبة عراقية من خلال اختبار فعالية غاز التابون عليها! ص376. أما النظام الإيراني فلم يمارس هذا النوع من السلاح، فقد أعلن القادة هناك ـ الملالي بحسب رازو ـ أن هذا السلاح يتعارض مع مبادئ القرآن الكريم، ولم يخرج النظام الإيراني عن هذه القاعدة باستثناء مرة واحدة: فقد خرج النظام الإيراني عن مبادئه ـ يقول رازو ـ واستخدم الأسلحة الكيميائية في 9 و 12 نيسان 1987 في البصرة، ولكن كانت الخسائر طفيفة بالجانب العراقي ص493.

هذه مجرد اطلالة سريعة على هذا الكتاب القَيّم، وطبيعي أن كلمة قصيرة كهذه لن تفي الكتاب حقه.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

في المثقف اليوم