آراء

لماذا يعتبر ترامب تطبيق Tik Tok خطراً علي أمريكا

محمود محمد عليفي جولة جديدة من التصعيد الأمريكي ضد الصين، قامت المباحث الفيدرالية، بإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، علي خلفيه اتهامات باستخدامها في اعمال تجسس ضد الولايات المتحدة، وسرقة الملكية الفكرية للعديد من المشروعات، والانجازات الامريكية، مما يتعارض مع الاتفاقيات الدولية في الحفاظ، واحترام الحقوق الفكرية؛ ومنذ الأيام الماضية لوح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بالتفكير في حجب تطبيق Tik Tok  المتهم بالتجسس علي المواطنين الأمريكيين من خلال الحصول علي معلومات شخصيه لكل مشترك في هذا التطبيق، وتزامن تهديد ترامب مع اخبار عن مفاوضات عن طريق شركه Microsoft للاستحواذ علي التطبيق في الولايات المتحدة مما يحفظ السرية للمستخدمين.

وأوضح الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أن بالإمكان اللجوء إلى ”سلطات اقتصادية طارئة أو أمر تنفيذي لحظر استخدام التطبيق في البلاد“... وجاء هذا الإعلان بعد أن صرح ترامب، في الأيام الماضية، أن ”خيارات أخرى ما زالت قائمة“، وأن إدارته "ربما تحظر تيك توك“، وأنهم يدرسون "الكثير من البدائل“... الرئيس الأمريكي منح شركة بايتدانس" الصينية للتفاوض علي بيع تك توك لشركة مايكروسوفت الأمريكية وقال رئيسها أنه يتواصل مع الأطراف للضغط من أجل الاستحواذ علي التو توك، ولم يتضح حتى الآن كيف سيتم فرض الحظر بالولايات المتحدة، التي يصل عدد مستخدمي تطبيق تيك توك فيها  إلى 80 مليون مشترك، وما هي التحديات القانونية التي ستواجه ذلك.

بكين تدخلت مباشرة علي الخط ودعت واشنطن للتوقف عن إساءة استخدام مفهوم الأمن القومي وتسيس القضايا الاقتصادية .. ورفضت إدارة التطبيق الإدلاء بأي تعليق على تصريحات الرئيس الأمريكي، مكتفية بالقول "نحن واثقون من نجاح تيك توك على الأمد الطويل". وأضافت: "مئات الملايين من الأشخاص جاؤوا إلى تيك توك للتسلية والاتصال، بمن فيهم مبدعون وفنانون يكسبون لقمة عيشهم من المنصة".

هنا وبالتفاصيل نتحدث في هذا المقال عن جولة المواجهة الجديدة واشنطن وبكين علي مدي يراهن ترامب ؟ .. وما هي خيارات الصيت للتعامل مع الضغط الأمريكي المتواصل؟ وما هي تداعيات حرب تطبيقات توك توك المستعرة ؟ .. ولماذا تعتبر الإدارة الأمريكية أن برنامجاً من هذا النوع يمثل خطراً علي الأمن القومي الأمريكي ؟

والإجابة تتمثل كما يري المحلل الكبير "سيد جبيل" فإن هذا التطبيق مملوك لشركة صينية وكل من هو صيني بات الآن في الولايات المتحدة، متهماً إلي أن تثبت برائته، علاوة علي أن تطبيق "تيك توك" مملوك لشركة "بايتدانس" الصينية، واستطاعت هذه الشركة أن تبتكر مجموعة من التطبيقات الناجحة في الأسواق الأسيوية، لكن النجاح الأكبر ظهر واضحاً في 2017 ؛ وذلك حين طوروا تطبيق تيك توك والذي وصل عدد مستخدميه في نهاية 2019 حوالي مليار مستخدم، منهم أكثر من 100 مليون مستخدم داخل الولايات المتحدة والمسؤولين الأمريكيين يقولون إن هذا البرنامج يعد أول برنامج صيني ينافس الشركات الأمريكية التي تسيطر علي "السوشيال ميديا" علي الانترنت، قادر مثل غيره من البرامج أن ينفذ إلي بيانات المستخدمين، ومن ثم يستطيع تسليم هذه البيانات إلي السلطات الصينية، وذلك لاستخدامها كيفما شاءت . بل أنهم يقولون ما هو أكثر من ذلك وهو أن البرنامج يستطيع من خلال بيانات مستخدميه معظمهم أطفال ومراهقين أن ينفذ إلي الكمبيوتر والايميل من خلال هواتف أباءهم، ومن ثم يتحول إلي وسيلة للتجسس علي السلطات الأمريكية..

والسؤال الذي يفرض نفسه الأن: هل قدم ترامب دليلاً علي تورط "تيك توك" في وقائع تجسس أو في تسليم بيانات للأمريكيين إلي السلطات الصينية ؟.

والإجابة تتمثل في أنهم لم يقدموا علي الإطلاق أي دليل، بل دليلهم الوحيد بما أن الشركة الصينية هي لن تستطيع أن ترفض طلباً من السلطات الصينية، إن هي طلبت منهم استخدام البيانات، أو التعاون معهم بأي شكل من أصل المصالح الصينية علي حساب المصالح الأمريكية، وهذا هو نفس المنطق الذي استخدمه في جدالهم مع شركة هاواي من قبل وقالوا لهم ليس لدينا مطلقاً . والدليل أنكم متورطون في التجسس لكن دليلنا الوحيد هو أنكم صينيون، ومن ثم لا تستطيعون رفض الضغوط الصينية عليكم ..

إن القلق الأمريكي ليس فقط من الشركات الصينية التي تعمل في مجالات حساسة وهو مجال الاتصالات ولا من برامج التواصل الاجتماعي المنتشرة بشدة مثل التك توك ؛ بل أنهم أيضا كانوا قلقين من برنامج أقل انتشارا ابتكره صينيون للتواصل الاجتماعي بين المثليين الجنسيين وأُجبر هؤلاء الصينيون علي بيع هذا البرنامج لشركة أمريكية في مارس الماضي مقابل 600 مليون دولار، وذلك تحت دعاوي الخوف والمخاوف من التجسس علي مواطنين أمريكان من خلال هذا البرنامج .

لا شك في أن خوف الولايات المتحدة من تطبيق تكتك وغيره من التطبيقات التي ابتكرها الصينيون جزء من الفوبيا الأمريكية في كل ما يخص الصين، والآن هناك قلق أمريكي من السياح أو الطلاب الصينيون، أو من المواطنين الأمريكيين من أصل صيني، وعددهم حوالي 4 مليون صيني، أو من المستثمرين الصينيين، وبطبيعة الحال أي برنامج صيني، يمكن أن ينفذ إلي الأسواق الأمريكية .. هذه الفوبيا موجودة علي مستوي المسؤولين، وانتشرت بين المواطنين الأمريكيين .. علي المستوي الرسمي قررت الإدارة الأمريكية في شهر يوليو الماضي إغلاف القنصلية الصينية في هيوستين تحت ادعاء أنها تحولت إلي مركز أو قاعدة للتجسس الصيني علي الولايات المتحدة .

وفي شهر مايو تكلم مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو مكتب التحقيق الاتحادي الأمريكي، وقال أنه رصد 500 قضية تجسس و5 %، منها يتعلق بالصين، وذكر أنه كل 10 ساعات يفتح في قضية أو يحقق في قضية تجسس أحد أطرافها صيني .. الحقيقة أنه أكثر من ذلك من مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي أو مكتب التحقيق الاتحادي لخص الفوبيا الأمريكية، وقال الآن معظم الأمريكيين يشعرون أنهم تحت الحصار الصيني، ويظنون أن الصينيين يحاولون النفاذ إليهم في كل الاتجاهات، وفي كل المنافذ بهدف سرقة التكنولوجيا الأمريكية والسيطرة علي القرار الأمريكي، ويستحوذوا علي السوق الأمريكي في إطار مساعيهم بكل السبل كي يصبحوا قوي عظمي، ويعتقدون أن الصين في صراعها مع الأمريكيين، فإنهم يطبقون مبدأ صيني قديم كان قد عول عليه "صن تزو" في كتابه "فن الحرب"، وهذه القاعدة باختصار جداً تقول إن " أفضل وأعظم فنون القتال هو اخضاع عدوك دون أن تقاتله، ولكي تسيطر علي عدوك وتهزمه دون أن تقاتلهن، ومن ثم فإنهم من وجهة نظر الأمريكيان أن الصينيين ينفذون سراً ويتسللون إلي مفاصل المجتمع الأمريكي بالتجسس والسطو علي مبتكراته ومحاولة التأثير علي القرار السياسي هناك .

ولذلك الصين من جانبها تعتبر كما يري "سيد جبيل" أن هذا كلام لا أساس له من الصحة، وأنها مجرد حجج فارغة يستخدمها الغرب وتحديدا الولايات المتحدة، لقمع الصين، وحرمانهم من فرص عادلة للصعود والنمو؛ مثل الدول الغربية.. وقالت لهم بصريح العبارة أنتم تقدمون أي دليل علي ذلك، وقالت للولايات المتحدة أنتم أيها الأمريكيان لم تقدمون أي دليل لا في حالة هاواوي، ولا في حالة التواصل الاجتماعي الخاص بالمصليين الجنسيين ولم تقدموا أي دليل أي في حالة  تيك توك وهي آخر القضايا والتي هي محل خلاف بين الصين وبين الولايات المتحدة .. رئيس شركة "بايتدانس" الصينية، يقول للأمريكيين أنا لم أقدم أي بيانات إلي السلطات الصينية، وإن هي لبت مني ذلك، فلن أفعل ثم إنه برنامج عن عمد غير متاح للصين حتي لا أتهم بأن البرنامج يخضع للرقابة من جانب الحزب الصيني الشيوعي الحاكم .

ورغم كل ذلك فإن الولايات المتحدة قد أصرت علي ذلك رغم سماعها شهادة رئيس شركة  ELK Deals وأصرت علي أمرين، إما الحظر الكامل داخل السوق الأمريكي أو إما أن تباع إلي مستثمر أمريكي، والآن فإن الحل الذي يُبحث أن يجلس رئيس شركة  التوك توك مع  المستثمرين الأمريكيين وتسرب أن شركة مايكروسوفت علي وجه التحديد مهتمة بشراء التو توك ..

مشكلة توك توك سوف تُحل بشكل أو بآخر، وفي النهاية سوف يتم اجبار صاحبها إلي بيعها إلي مستثمر أمريكي لكن الخلاف والشك والتوتر بين الصين وأمريكا، لن ينتهي وسوف يستمر علي كل الصعد في الفضاء،  حيث الأقمار الصناعية وفي الأرض حيث سباق التسلح .. في فضاء الانترنت حيث الصراع علي تطوير برامج الذكاء الاصطناعي وتحليل البيك داتا او البيانات الكبيرة علي كل الصعد.

وثمة نقطة مهمة وجديرة بالإشارة وهي أن هناك خلافات كبيرة ومنافسه الديمقراطي جوا بايدن الذي قد يحل محل ترامب في يناير الماضي .. خلافات تقريباً في كل القضايا .. من القضايا القليلة جداً، والتي تمثل اتفاق بين المتنافسين، هو الرغبة الأكيدة في مواجهة الصين، واحتواءها باعتبارها أكبر خطر علي الأمن القومي .. هذ الشعور انتقل إلي المواطنين الأمريكان، ومجلة  «The Economist الأمريكية قامت باستطلاعات الرأي؛ حيث  قال أنه في 2018 بأن 60 % من الأمريكيين لديهم رأي سلبي في الصين و24 % من الأمريكيين يعتقدون أن الصين هي الخطر الأكبر علي الأمن القومي الأمريكي .. إذن تك توك لن تكون بالضرورة تمثل نهاية الصراع الذي تتابع فصوله بين الصين وبين الولايات المتحدة.. وللحديث بقية في قادم الأيام..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

........................

المراجع

1- قناة روسيا اليوم: ترامب و"تيك توك".. تصعيد متواصل ضد الصين.. يوتيوب..

2- سيد جبيل: لماذا تعتبر امريكا تطبيق تيك توك خطرا عليها.. يوتيوب..

3- مايكل مورجان: الصين تحت مطرقه ترامب.. (مقال باليوم السابع المصرية).

 

 

 

في المثقف اليوم