آراء

لماذا اختار جو بايدن هاريس نائبة له؟

محمود محمد عليحالة من الجدل في الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال يثيرها مرشح الانتخابات الرئاسية القادمة "جو بايدون" للسيناتور "كاملا هاريس" لكي تخوض معه السباق علي بطاقة نائب الرئيس، وذلك عندما غرد قائلاً إنه "شرف كبير" أن يختار كامالا هاريس، نائبة له.. ووصفها بأنها "مقاتلة لا تعرف الخوف، وواحدة من أفضل الموظفين العموميين في البلاد.. وكتب على تويتر: "شاهدتهم كيف تعاملوا مع البنوك الكبرى، ورفعوا من قدر العاملين، وعملوا على حماية النساء والأطفال من سوء المعاملة.. "كنت فخور حينها، وأنا فخور الآن بأن تكون (كامالا) شريكا لي في هذه الحملة"... ورغم أن القرار يغازل النساء الأمريكيين من ذوي البشرة السمراء، وهم القاعدة الانتخابية الأكثر ولاءً للحزب الديمقراطي، فهو لا يلقي ترحيباً لدي الأوساط المؤيدة للجمهوريين .

وفي هذا السياق سارعت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إلي التعليق علي هذا الاختيار بتوجيه انتقادات لمواقف هاريس السياسية التي وصفتها اللجنة بالمواقف المتطرفة والتي تميل إلي اليسار، كما أبدي الرئيس الأمريكي تعجبه من اختيار بايدين لهاريس نائبة له، لأنها كما يقول ترامب لم تكن تحترم نائب الرئيس السابق خلال المناظرات، وذكر ترامب أن هاريس كانت تسيئ بشدة لبايدن خلال الانتخابات التمهيدية، واصفاُ إياه بأكثر أعضاء مجلس الشيوخ وضاعة وفظاعة وعدم احترام للآخرين.

كان نجم كاملا هاريس قد سطع في الحزب الديمقراطي فور وصولها إلي الكونجرس عام 2017م، ونافست كامالا، 55 عاما، بايدن للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة.. وولدت كامالا في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، لأبوين مهاجرين، الأب مولود في جاميكا، بينما كانت والدتها من مواليد الهند.. وكانت قادمة من خلفية قانونية أوصلتها عام 2011 إلي منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا .. إلمامها بالقانون كان حافزاً لإغراق الرئيس ترامب بسيل من الانتقادات خلال عمليات الكونجرس .. انتقاداتها طالت أيضاً حسابه علي تويتر لدرجة مطالبتها الشركة بإغلاقه بسبب ممارسات غير قانونية؛ كالتنمر وتوظيف الحساب لتشويه سمعة مناوئ ترامب علي حد وصفها.

وتوصف بأنها ناشطة لا تعرف الكسل، وبالقدرة علي التواصل مع الناس، وقوة جذب للكثيرين منهم، ولعل ذلك ما حدا بالمرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية جوزيف بايدن لاختياره لها نائبة له في حملته الانتخابية، الاختيار الذي لقي هوي في نفوس أكثرين الديمقراطيين .. إنها المحامية كامالا هاريس السياسة صاحبة البشرة السوداء وعضوة مجلس الشيوخ والمدعية العامة في ولاية كاليفورنيا، والتي لا تخلو موقفها من جدل تثيره حتي بين من يحملون نفس لون بشرتها، فضلاً بالطبع عن الرئيس ترامب الذي سارع لانتقادها معتبراً اختيارها نذير سوء علي الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد أعرب ديمقراطيون بارزون عن دعمهم لهاريس. فقد قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إن السيناتور "ستواصل إرثها من القيادة الرائدة لدفع أمتنا إلى الأمام". وذكر أوباما أن هاريس "أكثر من مستعدة لهذا المنصب". وقال الرئيس السابق بيل كلينتون إنها وبايدن "يشكلان فريقا قويا". ودعت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية للرئاسة لعام 2016، المؤيدين للانضمام إليها في انتخاب هاريس.

المفارقة أن جون بايدن وهارس لم يدخرا جهداً في التنافس الشرس فيما بينهما في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين ، لكن معركة أشرس فيما يبدو ضد ترامب جمعتهما في خندق واحد عسي كسب تلك المعركة أن يمنح بايدن العهد الرئاسية القادمة ومن يدري ربما يمنح هارس العهدة التي تليها.

من جهته علق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، على اختيار خصمه الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية جو بايدن، السناتورة كامالا هاريس، نائبة له، بأنها العضو "الأكثر فظاعة" في مجلس الشيوخ، مؤكدا أنه "متفاجئ" لهذا الاختيار.

وصرّح ترمب للصحافيين في البيت الأبيض بأن هاريس لم تثر إعجابه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي التي فاز فيها بايدن، وقال إنه متفاجئ لهذا الاختيار «لأن أداءها كان ضعيفاً».

وقال ترمب إنه في العام 2018 خلال جلسة مصادقة مجلس الشيوخ على تعيين القاضي بريت كافانو عضوا في المحكمة العليا، كانت هاريس «الأكثر لؤما وفظاعة وازدراء من بين أعضاء مجلس الشيوخ».

لكن للمفارقة فإن تاريخها في الإدعاء العام قد يُحسب ضدها لدي بعض الناخبين من أصول إفريقية، رغم بشرتها الملونة، إذ أنهم يرونها من أكثر المسؤولين القانونيين تشدداً ضدهم في كاليفورنيا، والمسؤولة عن تزايد الاعتقالات بحقهم خلال عهدها كمدعي عام للولاية .

ورغم ذلك يأمل بايدن أن تحشد هاريس أصوات الأقليات العرقية والناخبين المستقلين، ذلك أنها تحظي بشعبية وتعد من المعتدلين التي لا تصنف ضمن محافظي الحزب، ولا ضمن اليساريين التقدميين.

وخلال الاحتجاجات علي مقتل جورج فلويد كانت هاريس من الصوات البارزة والمطالبة بإصلاح جهاز الشرطة، وتحويل قسطاً من تمويله إلي برامج اجتماعية وتوعوية، الأمر الذي قُوبل بشعبية لدي الشارع الأمريكي .

نشأت كامالا هاريس في أوكلاند، في ولاية كاليفورنيا التقدمية في ستينات القرن الماضي، فخورة بكفاح والديها من أجل الحصول على الحقوق المدنية.

واللافت أن هاريس فاجأت بايدن بهجومها المفاجئ عليه خلال أول مناظرة جمعت بينهما في 2019. وخصوصاً حول مواقفه من سياسات التمييز العنصري في السبعينات. وروت بتأثر كيف كانت تتنقل وهي فتاة صغيرة في إحدى الحافلات التي تقل التلاميذ السود إلى الأحياء التي يسكنها البيض.

وتصدرت استطلاعات الرأي بعد المناظرة، لكنها سرعان ما تراجعت، بعد أن وجدت صعوبة في تحديد برنامجها الانتخابي بوضوح.

وبعد أن أخفقت في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين في ديسمبر، تحالفت مع جو بايدن في مارس ؛لكن بعض حلفاء نائب الرئيس السابق لم يغفروا للسيناتورة عدم تعبيرها عن «الندم» بشكل كافٍ بعد انتقاده، وحذّروه من مرشحة «طموحة» جداً.

وفي حال فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، فإن هاريس ستكون أول امرأة تحتل منصب نائب الرئيس، بجانب كونها أول نائب رئيس من أصول آسيوية ومن أصحاب البشرة السوداء.

إذن من الآن وحتى يوم 3 نوفمبر المقبل، أى بعد 87 يوماً فقط، سيكون سباق الرئاسة الأمريكية هو أشرس سباق تعرفه الولايات المتحدة الأمريكية، لكونه أكثر التهاباً من ذي قبل، والسبب ربما يرجع لأنه وسط أزمة وجودية لم تتكرر سوى 3 مرات قبل ذلك فى التاريخ الأمريكى المعاصر (كما قال عماد الدين أديب في مقاله بالوطن المصرية بعنوان انتبهوا: تركيبة «بايدن - هاريس» تؤهل للفوز! ) : أزمة الكساد الكبرى عام 1929، وضرب ميناء «بيرل هاربر» أثناء الحرب العالمية الثانية، وتفجير الأبراج واعتداء «القاعدة» على نيويورك وواشنطن فى سبتمبر 2001.

ولأن جو بايدن سياسى مخضرم له أكثر من نصف قرن فى لعبة السياسة الأمريكية كعضو كونجرس من العام 1973، ولديه خبرة قانونية، وعمل رئيس لجنة مجلس الشيوخ القضائية، ثم خرج بعد ذلك بخبرة فى الشئون الخارجية رئيساً للجنة الشئون الخارجية لمدة سنتين حتى أصبح نائباً للرئيس باراك أوباما لمدة 8 سنوات... في حين تدخل هاريس هذه المعركة بخمسة أسلحة: كونها امرأة، ومن أصول أفريقية،  ومن أصول آسيوية، وذات خبرة قانونية عميقة، وكاريزمية، متحدية، متحدثة، وذلك كما قال عماد الدين أديب في مقاله سالف الذكر.

ومن ثم فإن ملفات هاريس الرئيسية لضرب حملة ترامب تتجسد في : الأداء المهمل والسيئ فى مواجهة كورونا، وتدهور أوضاع الناس اقتصادياً واجتماعياً، وتدهور الحقوق المدنية وتأجيج المشاعر العنصرية من قبَل دونالد ترامب حتى إن بايدن صرّح بأن «ترامب هو أول رئيس أمريكى عنصرى.. علاوة علي أنه من الناحية السنية فإن هاريس(55 سنة) تستقطب مرحلة سنية مختلفة عن المرحلة السنية التى تدعم «بايدن» البالغ (78 عاماً)... وجغرافياً ينتمى بايدن إلى ولاية ديلاوير وهى تعبّر عن جزء الوسط الجغرافى الأمريكى، بينما تنتمى هاريس إلى كاليفورنيا أى إلى أكبر الولايات المتحدة سكاناً، وتقع على الساحل الغربى.. هذا المزيج بين الأبيض البروتستانتى، والوسط الجغرافى، والمرحلة السنية عند بايدن، مع العرق الأفريقى الآسيوى، هو «ورقة قوية» فى معركة الرئاسة المقبلة.

يحدث ذلك والرهان فى طهران والدوحة وأنقرة على فوز بايدن وهاريس والحزب الديمقراطى وخسارة ترامب وبنس والحزب الجمهورى.. هذا السيناريو محتمل إلى درجة تقترب من الترجيح، مما يستدعى الاستعداد للتعامل معه من أجل معرفة ماذا سنفعل لو فازت قائمة بايدن وهاريس، وذلك كما قال عماد الدين أديب في مقاله سالف الذكر.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

 

 

 

في المثقف اليوم