آراء

أسماء شلاش: تونس.. صيد الثورات حتى عندما "تؤنس" الديمقراطية نفسها

اسماء شلاشتونس: أصلها "تؤنس" من الأنس والمؤانس. وقد أشار المؤرّخ عبد الرحمن بن خلدون إلى أصل كلمة "تونس" التي أطلقت على حاضرة شمال إفريقيّة، فأرجع أصلها إلى ما عرف عن المدينة من ازدهار عمراني وحيوية اقتصادية وثقافية واجتماعية حتى أنسها الفاتحون والوافدون وتبادلوا مع سكانها الألفة، فقد أشار المؤرخ إلى أنّ اسم "تونس" اشتقّ من وصف سكانها والوافدين عليها لما عرفوا به من طيب المعاشرة والأنس..

اليوم، بعد أن أنست إلى لنفسها وهدأت لديمقراطيتها وعبق ياسمينها الذي فاح منذ عقد بعد سنين من استبداد بغيض.. صرنا نناشد أُنسها مرة أخرى، فهي ميلاد الثورات التي نريدها أن تبقى.. لكن لن تهدأ نفوس أرباب الثورات المضادة، ويناموا ملء جفونهم حتى يحطموا كل التجارب الديمقراطية التي أتى بها الربيع العربي الذي بدأ من تونس..

كذلك لن تهدأ روح محمد بو عزيزي عراب الثورات ومؤججها بعد أن يعرف أن بلده تونس قد هبت عليها ريح غدرهم. تونس أول معقل للثورات وآخرها حتى الآن، تصاب بحمى الحنين إلى الديكتاتورية، ليس صدفة بل هو ميعاد ضربه صناع الفوضى والنهايات لكل حركة حرة..

الذين جعلوا الشعوب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التطبيع في ظل أنظمة مستبدة، أو دمار وقتل وتجويع..

أنظمة الثورات المضادة ومن يتبعهم من مرتزقة وإعلام ومستفيدين وأتباع، قادوا بإعلامهم وأفواههم ومنابرهم حرباً منظمة ضد الحريات وإعادة تدوير نفايات الاستبداد. فهم أخذوا على عاتقهم أن يجعلوا المواطن في حنين دائم لعهود الاستبداد بعد ان دمروا كل خيارته في حياة كريمة، من دعم لنظام الأسد والسيسي وحفتر.. ورعاية التطبيع وتمويله وتنفيذه، إلى جعل المواطن العربي مدمر بنيوياً ومادياً ونفسياً، لا يفكر سوى برغيف الخبز الذي جعلوه حلماً، ليصرفوا نظره عن أحلام التغيير وحرياته الأساسية، بينما تُصرَف أموالهم الطائلة على تدمير مشاريعه في الحياة. وتمويل الانقلابات على تطلعاته التحررية.

لكن ماذا سوف يقول صاحب أشهر المقولات والصرخات في الربيع العربي بعد إسقاط بن علي ١٤ يناير ٢٠١١ (هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية).. وماذا تقول قرطاج القديمة والجديدة، تلك التي تم تأسيسها عام 814 قبل الميلاد.  والتي شهدت في ذلك الوقت نظاماً سياسياً ديمقراطياً فريداً من نوعه، يتكون من مجلس شيوخ ومجلس شعب مع وجود سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتم تكوينها عن طريق الانتخاب. حيث كان كل شيء يتم عن طريق القانون والدستور، إنه مجتمع مدني وديمقراطي في ذاك الزمن.. أما اليوم، وفي حاضر الديمقراطيات، في "عصرية" العصر قلبوا الحالات وانقلبوا على قديم الديمقراطية وجديدها..

تونس التي ظلت بعيدة عن أيادي صيادي الثورات لكنهم يحاولون الآن إعادتها إلى حظيرة المستبدين ونتمنى أن يكون هناك متسع من أمل كي لا تنجح المهمة حتى نهايتها.. وتفشل أهداف الانقلاب وداعميه.. وتعود الحرية إلى نصابها..

إن الحرية وعدمها مثل اللونين الأبيض والأسود لا تقبل حلولاً وسطى. فإما أن تكون حراً وترى أن ما حدث هو اعتداء على الحرية والديمقراطية وإما أنك لا ترى أبدأ، ولا توجد تسمية أخرى .. لأن الحرية هي فعل "جيني" لايتم اكتسابه من أحد ولايهبه للإنسان أحد.. لا أوروبا، ولا عقدة الدونية أمام الغرب القدوة للكثر المبتهجين بانقلاب تونس وعقلهم الديمقراطي المتناقض الذي يحتاج لبرمجة نفسه كي يعي معنى أن تكون حراً . وعلى ذكر أوروبا، فإن أغلب دول أوروبا إن لم يكن كلها تحكمها أحزاب دينية، وحتى أحزاب دينية متطرفة أحياناً. ومعظم تلك الأحزاب تعاني فساداً سياسياً وفضائح.. لكن أحداً لم ينقلب على دستور بلده بحجة التغيير، بل تركوا القرار للشعب بإجراء انتخابات، لأنهم يحسبون حساب الشعوب، ولأن ذلك من بديهيات الديمقراطية بألا ينقلب رئيس على السلطة التنفيذية والقضائية.. والدستور..

لا توجد حرية على مقاس كل شخص أو وفق هواه وثوبه وعقيدته وأحقاده وإلا لما كانت حرية.

ختاماً: إن الذي حكمنا منذ سبعين سنة، حتى الآن، بالنار والحديد والقمع والتسلط والقبضة الأمنية، هي أنظمة تسمي نفسها علمانية اشتراكية قومية.. وليس إسلاماً سياسياً، سواء نظام مصر أو سورية أو بن علي الذي تهللون الآن لعودة عهده وغير ذلك من الأنظمة الجمهورية والملكية .. لذلك اجعلوا صراخكم أقوى ضد هذه الأنظمة.. لأننا إن تحررنا منها فكل الحريات الأخرى الحقيقية تبدأ..

 

أسماء شلاش

 

 

في المثقف اليوم