آراء

محمود محمد علي: أشرف مروان.. عميل إسرائيلي أم آخر شهداء حرب أكتوبر 1973؟ (2)

محمود محمد علينعود وننهي حديثنا عن أشرف مروان وكونه عميل إسرائيلي أم وطني وشهد من شهداء أكتوبر، وفي هذا نقول: أما فيما يخص البحث خلف علاقات أشرف مرون الاستخباراتية ؛ وبالذات الموساد الإسرائيلي، فبعض الباحثين يري أنه مثل أي دولة فإن إسرائيل تهتم بالعمل الاستخباراتي، فهي الطريقة التي تمكنك من أجل كيف يفكر الإعداء أو الأصدقاء، ولذلك فالطريقة المثلي أن يكون لديك شخص قريب للغاية من الرئيس .. شخصا يا حبذا لو كان ابنة جمال عبد الناصر ومقربا في وقت لاحق من الرئيس أنور السادات ويمكنه موقعه من جمع المعلومات لقربه من منطقة صنع القرار مثل إيلي كوهين ا لجاسوس الإسرائيلي الذي أعدمته سوريا عام 1965، وقد ذكر الكاتب " إيان يلاك " مؤلف كتاب " تاريخ المخبرات الإسرائيلية "، حيث قال أنه من المثير في قضية أشرف مروان أننا لا نعرف كثيرا من التفاصيل، فما نعرفه قد تم توثيقة كان جيدا من الجانب الإسرائيلي وليس المصري، تلك الوثائق التي ذكرت أن أشرف مروان هو الذي عرض تقديم خدماته على الإسرائيليين ".. وتعددت روايات المؤرخين والكتاب الإسرائيليين عن كيفية تجنيد أشرف مروان، لكن الرواية الأكثر قوة ومصداقية، والتي وردت على لسان مسؤولين من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كانت متمثلة في كتاب يوري بار جوزيف Uri Bar- Joseph بعنوان الملاك The Angel والذي صدر عام 2010، حيث ذكر أن أشرف مروان في احدي زياراته في لندن في صيف 1970 اتصل بالسفارة الإسرائيلية وطلب التحدث مع أحد أعضاء الفريق الأمني، لكنه صُرف مرتين على الأقل قبل أن يُسمح له بترك رسالة، وعرف أشرف مروان نفسه بالاسم، وابدى مروان رغبته في العمل مع الاستخبارات الإسرائيلية، لكنه فضل عدم ترك رقمه فيفيلا، وقال إنه سيهاتفهم مرة أخرى بعد الظهيرة، وعندما هاتفهم لم يستقبل ردا، ولكنه ترك رقم هاتف الفندق الذى يقيم فيه ليأتيه الرد هذه المرة بالموافقة على المقابلة في مقهي قريبا من مقر إقامته .. بدأ أشرف مروان مع الاستخبارات الإسرائيلية بإعطائهم مجموعة من الوثائق والمعلومات والتي وصفها "شموئيل غونين" שמואל גונן (مدير عمليات الموساد في أوربا في الفترة من 1968 وحتي 1974) بقوله مادته كهذه من مصدر كهذا، إنه شئ لا يحدث إلا مرة واحدة كل ألف عام، فمن يصدق أن أشرف مروان الذي استطاع كسب ثقة الرئيس السادات بدعم مروان له خلال صراعه مع مراكز القوى ولأن مروان وقف إلى جوار السادات في هذه المعركة فقد كافئه بتصعيده ليحل محل سامي شرف كسكرتير لرئيس الجمهورية للمعلومات، ومن ثم كان أشرف مروان يمثل ذراع السادات اليمني ومدير مكتبه.

وعن أبرز المعلومات التي قدمها أشرف مروان للموساد علي حد ما ورد في كتاب كتاب "حرب يوم الغفران- الواقع يحطم الأسطورة،" للكاتب الإسرائيلي إيلي زعيرا אלי זעירא‏) أن العميل أشرف مروان أمد الاستخبارات الإسرائيلية بأدق المعلومات خلال تواجده على رأس عمله كرئيس لمكتب السادات للمعلومات عن الحركة السياسة والعسكرية بمصر منها: نص حديث بين الرئيس السادات والرئيس الروسي " برجنيف" حول السلاح الذي طلبته مصر من روسيا وقتها وفي الحديث يقول السادات بوضوح إذا لم تعطوني لي السلاح فلن أحارب ..

هكذا كان الإسرائيليون يرون أهمية مرون بالنسبة لهم، لكن كيف كانت أهميته بالنسبة للجانب المصري؟

وهنا يجيبنا الأستاذ توحيد مجدي – الباحث في الشؤون الاستخباراتية ومؤلف كتاب أسرار أشرف مرون، حيث يقول إنه لكي نجيب علي هذا السؤال لا بد من أن يقضي الباحث ساعات طويلة من البحث والدراسة والفحص، ودراسة كل شئ أولا كان في حياة اشرف مروان على مستوى عمله في رئاسة الجمهورية، ويجب أن تدرس ما هي المعلومات التي يلمها إلى دولة إسرائيل .. إن معلومات أشرف مروان عند يتعمق ويدرسها الباحث بعناية سرعان ما يدرك أنه لن يجد فيها ما أدت إلى مثلا إلى إبادة كتيبة مصرية، بل لم تؤدي إلى أي شئ استراتيجي على الأرض يؤدي إلى ضرر للدولة المصرية بشكل موجع سواء في شكل خسائر بشرية أو خسائر في العتاد وفي الأسلحة .. ولهذا يمكن القول بأن أشرف مروان كان عميلا مزدوجا خالصا بامتياز.

وفي لقاء تاريخي بلندن بين أشرف مروان ورئيس جهاز الموساد وقتها " تسفي زامير " يوم الخامس من أكتوبر – تشرين الأول عام 1973 أخبر مروان زامير سوف تقوم غدا، وضغط زامير على مروان بحسب قوله في مقابلة بُثت على التلفزسون الإسرائيلي لمراجعة المعلومة والتأكد من صدقها حتى منتصف الليل ..

بدأ صوم الكيپبور عند اليهود وفي الثانية من صباح اليوم نجح زامير في ايجاد خط تليفون له ليبلغ تل أبيب بالخبر الخطير بأن الحرب ستقوم فيي الساعة السادسة مساءً، وبحسب رسالة زامير احتوت المعلومة التي حصل عليها من مروان على جزء خطأ، وهو المتعلق بساعة الصفر التي تبدا بها المعركة، فهل ذلك يشكك في ولائه الكامل لإسرائيل ويصب في فرضية أنه عميل مصري مزدوج .

ولذلك يعتقد البعض بأن أصل الخلاف بأن مروان إذا كان عميلا مزدوجا في حساب المصريين، لأنه لو أعطي معلومات خاطئة ولو بشكل طفيف، فقد أعطي للمصريين فرصة تفوق كبيرة .. لقد تمكن المصريون من عبور قناة السويس ولهذا من المعتقد ان مروان لم يعرف التوقيت الصحيح، وأنه ارتكب خطأ وكان يحاول مساعدة الإسرائيليين وهذا يشكك في كونه عميلا مزدوجا .

ذهبت السيدة مني عبد الناصر إلى اتهام الموساد الإسرائيلي بقتل زوجها وكررت ذلك في تصريح صحفي لها بجريدة الاوبزيرفر حيث ذكرت ان عملاء الموساد هم من قتلوا زوجي .

بعد تلك الشهادات التي وردت بشأن جاسوسية مرون فقد أكد كلا الطرفين المصري والإسرائيلي أنه ليس من مصلحته قتل مرون.

وعلي الجانب المصري بعد حرب أكتوبر كرم الرئيس السادات الدكتور أشرف مروان ووسع من صلاحياته ليصبح مندوبه الخاص لدي قادة الدول، ثم عُين رئيسا للهيئة العربية للتصنيع والتي أُنشئت بشراكة عدة دول عربية، تلك الهيئة المنوط بها تصنيع السلاح، فهل كانت تلك اللحظة هي بداية دخول مروان عالم تجارة السلاح من خلال تكوين علاقات وصداقات مع قادة الدول الموردة والمستوردة له .

وهنا يقودنا وراء الخيط الثاني وهو علاقات اشرف مروان ودوره في عالم تجارة السلاح ؟

وهنا يمكن القول أنه بعد أن ترك السلطة وذهب إلى لندن بدا يستغل هذه العلاقات في تكوين ثروة عن طريق أخذ عمولات من جانب الدول الأوربية وذلك ليستقطب بها سلاحا لبعض الدول العربية والتي تربطه علاقات صداقة بزعمائها .

وكان مروان قد ترك مصر عام 1981 وبدأ حياته الجديدة بلندن ودخل في شراكة مع أحد كبار تجار السلاح في ذلك الوقت، مثل المليونير الإنجليزي المقرب من إسرائيل "تيري رولان" لأسهم شركة تريد هند المملوكة لإيران والتي سرعان ما شارك فيها أحمد قذاف الدم ابن عم العقيد الليبي معمر القذافي وشقيق رئيس جهاز المخابرات الليبي في ذلك الوقت، تلك الشركة التي حامت حولها الشبهات، لما عُرف عن دورها في تسهيل عملية تجارة السلاح .. فهل كان ثم حدث من مروان في تجارة الموت كان جزاؤه القتل للرجل؟.. لكن يبدو أن كل الخيارات مفتوحة ولكن لم يتضح للآن دليل وبرهان حقيقي.

وننتقل للخيط الثالث والتي تتعلق بعلاقات مروان وصفقاته التجارية، فقد تضخمت امبراطورية مروان الاقتصادية في حياته الجديدة بلندن، وتعددت نشاطاته وصفقاته وصراعاته ايضا، واعتبارا من الثمانيات والتسعينات كان رجلا نشطا في لندن، كان لديه أملاك واستثمارات، فقد كان مستثمرا رئيسيا في نادي تشيلسي لكرة القدم وشارك في كثير من الصفقات مع العديد من الشركات البريطانية .

ولهذا يمكن القول بأن احدي صراعات مروان والتي طفت علي السطح في تلك الفترة، كان تنافسه مع محمد الفايد علي مجموعة الـ " House of Fraser " وهي الشركة الأم لمجموعة " الـ " Harrods ، وكان الفايد يخشي مروان لصلته وقربه بالحكومة المصرية وكان يعلم أن مروان يمكن أن يلحق به ضررا كبيرا إذا لزم الأمر ذلك .. فهل تطورت العلاقة بين مروان والفايد إلى ما بعد التنافس التجاري؟

يري البعض أن ليس من المعتقد ذلك أبد، حيث انتهت علاقة الفايد بوفاة رولاند، وهنا يظل عالم الأعمال والصفقات التجارية عالما محاطا بالصراع والغموض، فهل دفع مروان حياته ثمنا لصراع حول صفقة تجارية هنا أو هناك .

من كل ما سبق يتضح لنا أن أصبحنا أقرب إلى فكرة مروان انتهت حياته بفعل فاعل وليس برغبة منه وبالتالي رجحت فرضية الاغتيال دون أن تصل لإجابة للسؤال المتعلق بالمسؤول عن ذلك الاغتيال إن صح، ويعود الغموض إلى تداخل علاقات مرون الاستخباراتية والتجارية، وخاصة في مجال تجارة السلاح .

والسؤال الجدير بالطرح الآن يتعلق بالمغزى الإسرائيلي وراء استدعاء ملف أشرف مروان بكل التباساته في الوقت الراهن .. لماذا يعمل الموساد لإحراز هدفاً في المرمي المصري رغم ما بين الجانبين من سلام دافئ كما أسماه الرئيس حسني مبارك، أم أن إسرائيل تبعث كما يرى مراقبون برسائل تلائم العصر الجديد، تقول إن أمثال أشرف مروان بحسب تصويرهم له مبثوثون في قصور الحكم ودوائر صنع القرار في أكثر من بلد عربي، يجاهر بعضهم ويواري آخرون انتظاراً لبدء تطبيع عالمي مواتي .

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة اسيوط

................................

مراجع المقال

1- نهايات غامضة- كيف انتهت حياة أشرف مروان في لندن؟.. قناة الجزيرة .. يوتيوب.

2- يوري بار – جوزيف:الملاك!.. الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل، ترجمة فاطي فؤاد، مراجعة وتحرير مركز التعريب والبرمجة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2016.

3- الحصاد - أشرف مروان عميل لإسرائيل أم بطل مصري .. قناة الجزيرة .. يوتيوب.

 

في المثقف اليوم