آراء

كريم المظفر: بوتين يفاجئ الغرب وهذه المرة في كازاخستان

كريم المظفراتصالات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اليومين الماضيين، ومكالماته الهاتفية مع الرؤساء الكازاخي قاسم جومارت توكاييف والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينان، والرئيس القرغيزي صابر جباروف الطاجيكي إمام علي رحمانوف، لمناقشة الوضع في كازاخستان والخطوات المشتركة في إطار صلاحيات منظمة معاهدة الأمن الجماعي لمكافحة الإرهاب الدولي، وبهدف ضمان النظام وكذلك أمن مواطني كازاخستان، أسهمت بحسب الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف في التوصل إلى قرار حول هدف مهمة قوات حفظ السلام، وهو منع تسلل العصابات إلى كازاخستان من خارج الحدود، والتأكيد أن "هذا ضروري حتى يتمكن شعب كازاخستان نفسه، من حل مشاكله الداخلية بشكل مستقل".

مواجهة المتظاهرين " المتمردين " على السلطة في كازاخستان التي قال عنها الرئيس الكازاخي " بأنها خضعت لتدريب جاد في الخارج، ويمكن ويجب اعتبار هجومها على كازاخستان بمثابة عمل عدواني"، والتي تعدت المطالب بخفض أسعار الغاز إلى أعمال شغب سياسية تطالب بمغادرة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وقطع العلاقات مع روسيا وبيلاروسيا، والعديد من الأشياء الأخرى المثيرة للاهتمام التي عادة ما تبدو في الجمهوريات السوفيتية السابقة خلال الثورات الملونة، ووصلت إلى أعمال " تخريبية " بمشاركة ( 20 ) ألف شخص، استهدفت جميع الإدارات المحلية والدوائر الحكومية والمحلات التجارية وقتل رجال نفاذ القانون، والعثور على أثنين منهما مقطوعي الرأس، وأثارت الرعب والخوف لدى المواطنين، ما استدعى الرئيس الكازاخي قاسم توكاييف بالاستنجاد بقوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تضم كل من (روسيا وكازاخستان وأرمينيا وبيلاروسيا و قرغيزستان و طاجكستان )، لتصبح أول مهمة من هذا الشكل في تاريخ المنظمة التي تم التوقيع عليها في مايو 1992 في طشقند، وبعد 10 سنوات - في مايو 2002 - قررت الأطراف في المعاهدة تحويلها إلى منظمة دولية، لذلك، في عام 2022، يبلغ عمر المعاهدة 30 عامًا، ويبلغ عمر منظمة معاهدة الأمن الجماعي نفسها 20 عامًا.

الرئيس الروسي، بتحركاته واتصالاته، وضع قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في اختبار حقيقي، يهدف من خلاله التعريف بهذه القوات وسرعة تنفيذها للواجبات وتأكيد قدراتها القتالية واستعدادها الميداني لتنفيذ المهام التي أنشأت من أجلها، ووفقا للمراقبين فانه في حالة التواجد الناجح للوحدة في جمهورية كازاخستان، ستصل منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى مستوى جديد، وتثبت "جدواها" وقدرتها على حل المشكلات المتعلقة بالأمن على أراضي الدول التي هي جزء من هذا الهيكل، وسيكون نجاح بعثة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان بمثابة إشارة واضحة إلى أن أي استفزازات في الدول الأعضاء يمكن قمعها بسرعة وبشكل منظم أو، كما يقولون، مضاعفة الصفر، وهذه إشارة إلى الخدمات الخاصة الأجنبية، التي لا تزال غير غريبة على أساليب استخدام العناصر المدمرة (حتى الجماعات الإرهابية) لتقويض الوضع في بعض الدول، وإذا نجحت منظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان، يمكن أن تصبح أساسًا لمواجهة "الثورات الملونة"، خاصة في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي.

ووفقا للأنباء التي ترد حتى الآن، فإن هناك نجاحات مستمرة لقوات حفظ السلام سواء في استعادة المطار في العاصمة الما آتا، وان كانت هناك تقارير من ألماتا حول عملية "التطهير" الجارية في المدينة من مذابح وإرهابيين، والتي تتحول بشكل دوري إلى معارك شوارع حقيقية، فإن الهدوء النسبي في المدينة بات ملحوظا، وكذلك الهدوء التدريجي في المدن التي شهدت هذه الاضطرابات، وبهذا التقدم السريع، بدأت تتغير الأحداث بسرعة متغيرة حقا والنتائج النهائية لمجموعات التمريرات المتعددة، والتي كان تخطيطها وتطويرها غير مرئي للجميع، ومع ذلك، وعلى الرغم من حقيقة أن المأساة هناك لا تزال بعيدة جدًا عن نهايتها، فمن الممكن بالفعل التأكيد بثقة تامة بأن القوى المدمرة التي تسببت في هذا الجحيم الدموي تعرضت لهزيمة ساحقة، علاوة على ذلك، في هذه الحالة لا نتحدث فقط عن المحاولة الفاشلة للانقلاب "الملون" التالي، ولكن عن أشياء أكثر جدية وعالمية.

وبدلاً من محاولة إضعاف موقف روسيا في المفاوضات المقبلة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، المصيرية للعالم بأسره، تعمل الأزمة في كازاخستان، أو بالأحرى المسارات التي تم اختيارها بالفعل لحلها، على تقويتها عدة مرات، وقد تحقق التأثير، ليس فقط بشكل مباشر، بل على العكس من ذلك الذي كان يأمله منظمو "الميدان"، وسيكون من الأسهل بالتأكيد لممثلي روسيا التحدث عن ضمان السلام والأمن في "فضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي" بعد هذا العرض الرائع لقدراتهم الخاصة في هذا الشأن.

ويشدد المراقبون على استحالة عدم ذكر أن "الميدان" الكازاخستاني يبدو إلى حد ما "خطأ"، أو بالأحرى غير نمطية، فعادة، يتم تنفيذ جميع الأنشطة من هذا النوع وفقًا لنفس النوع من "الكتيبات"، ومع ذلك، في ألما تا وغيرها من المناطق المأهولة بالسكان في البلاد المغطاة باحتجاجات يُفترض أنها "عفوية"، لم يتم الكشف عن سمة العمل القياسية لجميع "الثورات الملونة" التي يتم إجراؤها وفقًا للسيناريوهات الخارجية، في مسارها، يبدو أن كل شيء يبدأ بمظاهرات سلمية، وبعد فترة فقط يبدأ إراقة الدماء والمذابح والاستيلاء الإرهابي على الهيئات الحكومية.

ووفقًا للقوالب القياسية، كان من المفترض أن يقوم المشاغبون بالبقاء في الميدان لبعض الوقت، وبناء بلدة كاملة من الخيام ( وفقًا للمواصفات المحلية)، ورددوا شعارات غبية (بشكل مثير للريبة نفس الشيء في كل "ميدان"، أينما استغرق الأمر المكان)، وطرح متطلبات غير عملية، مثل "المعاناة من وحشية الشرطة" - و دفع المتسكعون الذين تجاوزوا العمر الذين يتظاهرون بأنهم "أطفال" تحت هراوات الشرطة وخراطيم المياه وحصلوا على "الصورة الصحيحة" المناسبة لقنوات التلفزيون الغربية، ومن ثم الانتقال، وهي القيام بإيماءة عاجزة - يقولون،" لم نكن نريد أي شيء من هذا القبيل، لكن "النظام الإجرامي" ب "فظائعه" دفع "الناس" إلى العنف والتي كانت بالطبع "متبادلة"، وفي هذه الحالة، تومض كل هذه "المقدمات"، كما لو تم التقاطها بالتصوير السريع ليتحول بعد ذلك "المقاتلون من أجل الديمقراطية"، إلى عصابات مسلحة من المذابح واللصوص.

ودعوة مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت إلى سلطات كازاخستان وممثلي منظمة معاهدة الأمن الجماعي، الذين يحاولون استعادة النظام في هذه الفوضى الدموية، "احترام جميع الالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات دون قيد أو شرط"، لم يفاجئ أحدًا، في الواقع، لم يفاجأ أحد بها لفترة طويلة، لكن حول الحاجة إلى "الإفراج غير المشروط" عن كل مشارك في أعمال الشغب والمذابح الدموية في كازاخستان على أساس أنهم "مارسوا حقهم في الاحتجاج السلمي" شيء يفوق الخير والشر .. وعلى ما يبدو فإن السيدة ليست على علم بعشرات القتلى من ضباط الجيش والشرطة ومنهم من عُثر عليهم مقطوع الرأس ؟! وما يقرب من المئات من زملائهم أصيبوا على أيدي "المتظاهرين السلميين"؟ ومن الواضح أن البيان تم إعداده في وقت مبكر، لكنهم لم يفكروا في تصحيحه، أو الأفضل - التزام الصمت، وخلاف ذلك، يجب أن نتحدث عن عيادة غير مشروطة لا يمكن علاجها.

نداء الزعيم الكازاخستاني إلى أعلى هيئة في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مجلس الأمن الجماعي، لم يُنظر إليه فقط دون أدنى تأخير، ولكن أستجيب لها بسرعة البرق، ووصل أول مظلي روسي إلى البلاد حرفياً في غضون ساعات، وبادئ ذي بدء، هذا يعني أنه في مجال الذكاء وتتبع حالات الأزمات، لا يزال يتعين على خصوم النجوم والأشرطة أن يتعلموا ويتعلموا من روسيا، كيف " للمشاة المجنحين" دائمًا أن يكونوا على استعداد للاندفاع لتنفيذ مهمة قتالية، وكيف تم تنظيم نقل قوات حفظ السلام بسرعة ومهنية وسلاسة.

تصريحات ممثلة وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، بأن البيت الأبيض مستعد لمساعدة كازاخستان في حل النزاع مع المحتجين، لا تثير إلا السخرية التامة، فمن جانب أنها تدعو إلى احترام حقوق الإنسان لدعم التسوية السلمية، في الوقت الذي لا تحترم الولايات المتحدة، أي مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان في أي مكان، ومن جانب آخر تريد المساعدة في حل الأزمة في كازاخستان، في وقت أنها ومنذ ( 20 ) عاما لم تساعد  لا الأفغان ولا العراقيين ولا سوريين ولا الليبيين ولا البيلاروسيين " حتى يتمكنوا اليوم من مساعدة الكازاخ !!!

 

بقلم الدكتور كريم المظفر

 

في المثقف اليوم