آراء

محمود محمد علي: إعصار دانيال.. نار الطبيعة الموقدة تجتاح الدول

دائما ما يقال أن الفرق بين الإعصار والعاصفة يعود إلى سرعة الرياح، حيث نجد سرعة رياح الإعصار أكثر من 118 كم في الساعة، فإذا انخفضت في أقل 70 كم في الساعة، يصبح الإعصار عاصفة، واليوم أتحدث عن إعصار دانييل الذي ضرب دولة ليبيا الشقيقة، فمنذ ليلة العاشر من سبتمبر الجاري، يعيش الشرق الليبي أياما عصيبة، فقد وصل الإعصار دانييل إليه قادما من اليونان، بعد أن ضربها وخطف الكثير من الضحايا، حيث شاهدنا سيول جارفة سحبت معها الأخضر واليابس، وأزالت قرى ومدنا للأبد، وأحياء سكنية اختفت بالكامل، وتطاير الحطام، وحاصرت مياه السيول المواطنين، وغمرت المياه البيوت، وانهارت الطرق، وقطعت المواصلات .

نعم هنا في شرق ليبيا الذي خرجت منه نداءات الاستغاثة والنجدة بعد أن فعل الإعصار دانييل فعلته في أراضي الليبيين .. ألفان قتيل وآلاف المفقودين، والعدد في ارتفاع مستمر، ولهذا رأينا ليبيا تعلن الحداد، وذلك بعد أن شاهدت رعب السماء.

مدن وقري في شرق ليبيا عاشت ساعات من الرعب، لاتزال مستمرة حتى اليوم، فقد غمرت المياه مناطق كاملة، وحاصرت المدنيين فيها، وسط عجز بتوجيه نداءات الاستغاثة .. الأضرار الكبرى تركزت في " درنة" و" مناطق الجبل الأخضر" و" ضواحي المرج"، وخلفت وراءها أضرارا مادية ضخمة، حيث دمرت الممتلكات العامة والخاصة، وقالت مصادر في وزارة النقط الليبية أن مواني " رأس لانوف"، " زيليتين"، " البريقة"، " السدرة "، قد أغلقت منذ ثلاثة أيام تخوفا من الإعصار الذي قد يؤدي لأضرار أكبر في حال كانت تعمل.

وعلى ضوء الكارثة، أعلنت الحكومة الليبية الحداد التام لمدة ثلاثة أيام، فيما قال نائب رئيس الحكومة الليبية " إن ما حدث في مدينة درنة في الشرق بالتحديد، لا يعد نكبة، بل هو كارثة بكل معنى الكلمة، إذ أكد أن آلاف المفقودين، لم يُعثر عليهم في المدينة، مع انتشار الجثث في الشوارع، تزامنا مع استمرار السيول الجارفة ما يصعب عملية سحب الجثث، أو إنقاذ المفقودين .

ومع خروج استغاثة من مدينة" درنة" تطالب بالتدخل الدولي، مساعدة في انقاذ من تبقى من السكان، وبوضع أقل كارثية، كان المشهد في مدينة سوسة التي غمرتها المياه هي الأخرى وأخفت مناطق كاملة، حيث ظهر السكان، وهم يحاولون توحيه نداءات الاستغاثة من على السيارات، وعلى ضوء الكارثة .

ومع تصاعد المطالب بالعون، أعلنت عددا من الدول العربية تضامنها مع ليبيا، حيث وجه رئيس دولة الإمارات العربية " الشيح محمد بن زايد" بإرسال مساعدات إغاثية عاجلة، وفرق بحث وإنقاذ إلى ليبيا للوقوف بجانب الشعب الليبي والمساعدة بمواجهة آثار الإعصار، كما أعلن الرئيس المصري " عبد الفتاح السيسي" تضامن بلاده مع ليبيا، ووجه بتقديم كل الدعم اللازم لهم، وعلى ذات الطريقة وجه " تميم بن حمد" – أمير قطر – بإرسال المساعدات العاجلة للمناطق المتأثرة من الإعصار، ثم لحقت الأردن بركب الملبين للنجدة لترسل المزيد من الدعم لليبيا .

الحصيلة النهائية حتى لحظة كتابة هذا المقال ـشارت لوجود أكثر من ألفي قتيل، إضافة إلى ستة آلاف مفقودا أغلبهم من مدينة " درنة" التي أعلنتها الحكومة الليبية منطقة منكوبة، وفتحت المجال للتدخل الدولي فيها.

وبالتزامن مع استنفار ليبيا في الشرق جراء إعصار دانييل الذي، التي ضربها، وصلت العاصفة دانييل إلى مصر يوم الإثنين، وضربت محافظتين في شمال البلاد هما: مرسى مطروح والإسكندرية، فقد غطت العاصفة مناطق الحدود المصرية غرب البلاد، وشملت مدن السلوم وسيوة ومطروح، والاسكندرية، وبينت القنوات المختلفة من صور الأقمار الصناعية شكل العاصفة التي طرقت الأبواب المصرية، وأظهرت طبقات من السحب المختلفة والأتربة المصاحبة لها، كما أظهرت تأثر غرب البلاد، ولكن في هيئة منخفض متعمق يصاحبه نشاط رياح مثير للرمال والأتربة في شمال البلاد، حتى شمال الصعيد، فضلا عن سقوط الأمطار على مناطق السلوم ومطروح وسيوة لتمتد إلى الاسكندرية مساء .

كما أوضحت هيئة الأرصاد الجوية ببيان يوم الاثنين أنه من المتوقع أن تتقدم الرمال المثارة لتؤثر على مناطق من شمال الصعيد والوجه البحري والقاهرة الكبرى مع تقدم الوقت، وذكرت أن السحب ستبدأ بدخول البلاد، حيث يصاحبها سقوط الأمطار، التي قد تكون غزيرة ورعدية على أقصى مناطق الغرب، مضيفا أن العاصفة فقدت معظم قوتها بعد وصولها لليابسة في ليبيا، ولذلك يكون تأثيرها مختلف تماما على الأراضي المصرية، كما حذرت من تعرض البلاد ولمدة 72 ساعة قادمة في حالة عدم الاستقرار في الأحوال الجوية على مناطق من غرب البلاد إلى شمالها، وكانت السلطات المصرية نبهت يوم الأحد الماضي من مخاطر العاصفة دانييل إلى البلاد، بعدما وصلت السواحل الليبية، قادمة من اليوم مؤكدة أن العاصفة التي بدأت تخوض وضع الدوران حول مركز منخفض لتشكل عينا مغلقة، ولتكون بذلك قد فقدت الكثير من قوتها.

والإعصار دانييل قد ضرب الأسبوع الماضي كل من اليونان، وتركيا، وبلغاريا، وكانت أضراره الكبرى في اليوم، حيث قتل 15 شخصا فيها، جراء أشد عاصفة ممطرة تشهدها البلاد منذ عام 1930، كما أدى الانهيار منازل وجسور كثر في اليونان، ودمر معها عددا من المدارس والطرق وأعمدة الكهرباء تحديدا في سهل " فيساليا " الخصب تحديدا والتي ماتت فيه الكثير من المحاصيل، وأعلنت السلطات اليونانية حينها أنها أجلت  4150 شخصا.

والإعصار دانييل لم يتم التمكن من تحديد قوته بعد، لكنه يُصنف من الأعاصير الأقوى في العالم، ويتراوح قطره بين 250 كم ويسبب أمطارا غزيرة على شكل دائري تؤدي بعد ذلك لفيضانات كبيرة، وقد ظهر للمرة الأولى في عام 2006 قبالة سواحل المكسيك، ويعتبر إعصارا نادر الحدوث، كونه يتشكل من استوائية مدارية .

وخبراء المناخ قالوا إن سبب الإعصار هو ظاهرة الاحتباس الحراري مؤكدين أن العالم مقبل المزيد من الأعاصير بسبب تلك الظاهرة، حيث تتبخر المياه بشكل أكبر خلال فصل الصيف بسبب ارتقاع درجات الحرارة بشكل جنوني، ما يؤدي لعواصف شديدة تضرب العالم مع نهاية الصيف، وقد شهد العالم في الأسابيع الأخيرة، ظواهر مناخية، وُصفت بالمتطرفة، منها فيضانات في الدول الاسكندنافية، وجنوبي شرقي أوروبا، على الرغم من تسجيل أغسطس كأكثر الشهور شفافا في الهند، وكارثة ليبيا تأتي بدع أيام قليلة من زلزال المغرب الذي خطف الكثير من الضحايا وأودى بالكثير من الدمار .

***

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط

......................

المراجع:

1- قناة ستيب نيوز:  ليبيا تحت رحمة السماء... إعصار دانيال يترك الشرق منكوباً.. فيديو.

2- مونت كارلو: "دانيال"... مسار عاصفة استوائية تحولت إلى إعصار فخلفت مأساة إنسانية ... كيف تشكلت؟ وأين ذهبت؟.

في المثقف اليوم