آراء

قاسم حسين صالح: قتل آخر قادة داعش.. لا ينهيها يا حكّام العرب!

قاسم حسين صالحتحليل سيكوبولتك

الواقعة: في فجر الخميس (3 /2 / 2022) شنت الولايات المتحدة غارة جوية على بيت في منطقة ادلب يسكنه من وصف بأنه زعيم داعش كانت قد منحت عشرة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.. قدمتها لها المخابرات العراقية!. وقد اضطر (قرداش) بعد محاصرته الى أن يفجر نفسه ويقتل افراد اسرته معه. وتفيد العلومات ان (قرداش هذا، واسمه الحقيقي ابو ابراهيم الهاشمي القرشي) هو عراقي تركماني من مدينة الفلوجة او الموصل.

ما يعنينا هنا أن وسائل اعلام عراقية وامريكية اشارت صراحة او ضمنا ان (داعش) قد انتهت!.. دون ان تتذكر انها بمقتل مؤسس التنظيم الارهابي ابو بكر البغدادي في اكتوبر تشرين اول 2019.. قالت الشيء نفسه، وان الذي سيخلف (قرداش) في زعامة داعش.. عراقي ايضا قد يكون (جبار سلمان العيساوي) أو آخر عراقي ايضا.. والسبب ان الأعلام مصاب بهوس السياسة، فيما الحقيقة يشخصّها العلم وما نقوله نحن علماء النفس والأجتماع.. فهل لما نقوله يستمعون؟!

شخصية الارهابي.. والشخصية الداعشية

لا يعنينا هنا ان كانت (داعش- مختصر اسم التنظيم لدولة الخلافة الاسلامية) صناعة امريكية، ايرانية، سورية، سعودية.. (او لغزا).. فما يهمنا هو تحليل تركيبة هذه الشخصية، وما اذا كانت شخصية غير سوية (مرضية) وفقا لمصطلحات الطب النفسي ام انها شخصية سوية بدليل ان بين الارهابيين افرادا حاصلون على شهادات دراسية عليا، آشهرهم (ابو بكر البغدادي) الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عراقية.

ولا يعنينا ايضا رأي السياسيين، لأنه يركّز فقط على هدف الارهابين المتمثل باسقاطهم والاستيلاء على السلطة، ويتجاهل الاسباب التي دفعتهم الى هذا السلوك المتطرف في العنف.. فالأصح هو ما تتوصل اليه دراسات ميدانية تخصصية.

ما نقوله الآن ليس كلام تنظير او اجتهاد شخصي بل نتائج اطروحة دكتوراه كنا اشرفنا عليها واعتبرت اول اطروحة علمية على المستوين العربي والعالمي من حيث عدد افراد العينة البالغ (300) مدانا بجرائم ارهابية في السجون العراقية من عشرة بلدان عربية اضافة الى العراق وثلاثة بلدان أجنبية (ايران، روسيا، فرنسا)، ومن حيث عدد ونوعية الاختبارات والاستبانات التي جرى تطبيقها عليهم، توصلت الى أن شخصية الإرهابي.. مركّبة تجمع في خصائصها بين خمس شخصيات مصنفة على أنها مضطربة (غير سوية) هي:الزورية، النرجسية، الوسواسية القهرية، الشخصية من النمط الفصامي، والشخصية المعادية للمجتمع، سنفرد لها مقالة خاصة.

خلافنا مع السياسيين

النقطة الخلافية بيننا نحن (علماء النفس والاجتماع) والسياسيين أنهم يشخصّون الخلل في الشخصية الداعشية و الانتحاري الارهابي، بالاستيلاء على السلطة عن طريق العنف، فيما نشخصّه نحن في المعتقد الذي يحمله في رأسه ويسوقه الى تحقيق هدفه.فنحن نرى أن السلوك، أيا كان نوعه:عبادة، قتل..، ناجم عن فكرة او معتقد.. وأن اختلاف الناس في سلوكهم (أفعالهم) ناجم أساسا عن اختلافهم في الأفكار والمعتقدات التي يحملونها.

ان كلّ المنتحرين يقدمون على الانتحار اخلاصا لمعتقد يؤمنون به.ولا اختلاف، في الفعل، بين الطيارين اليابانيين الذي انتحروا بضربهم البارجات الأمريكية الحاملة للطائرات وتفجيرها بطائراتهم في ميناء بيرل هاربر.. وبين تفجير (قرداش ) لنفسه.. فالفعل هو انتحار، والفرق يكمن في نوعية المعتقد الذي يدفع صاحبه الى الانتحار.فهو عند الطيارين اليابانيين كان من أجل الوطن.. وهو عند ابي بكر البغدادي وقرداش هو اقامة دولة تطبّق الشريعة الأسلامية وان تطلب ذلك قتل نصف سكان الوطن!

والتساؤل:

كيف تشكّل هذا المعتقد لدرجة انه يجعل الفرد يستسهل افناء نفسه والآخرين بعملية قتل بشعة؟.

لقد وجدنا أن الانتحاري الارهابي هو صناعة عربية، وأن المصدر الأول في تشكيله هو السلطة العربية، وأنه أبنها بامتياز.وان هذا لا يعود لظلم السلطة بالدرجة الأولى، بل لانعدام العدالة الاجتماعية المتمثل بثراء فاحش ورفاهية خرافية تتمتع بها قلّة، وفقر وحرمان يشعوب في حال يناقض تعاليم الأسلام، أفضى الى اغتراب بين المواطن العربي وسلطته. وما لا يدركه كثيرون ان الاغتراب، فضلا عن كونه حالة مأزقية بين الفرد والسلطة، فأنه يحسس صاحبه بأن وجوده لا معنى له وأنه يعيش حياة بلا هدف.

ولأن الحاكم العربي تتحكم به (سيكولوجيا الخليفة) يرى فيها نفسه انه امتداد للخليفة من 1400عاما، ولأنه استفرد بالثروة لضمان ديمومة سلطته، ولأنه طائفي (واقبح الطائفيين قادة أحزاب الأسلام في العراق).. فان بين المغتربين عن السلطة العربية من راح يبحث عن سلطة أخرى يجد فيها لوجوده معنى ولحياته هدفا.. فوجدها في (القاعدة ثم في داعش) بعد أن زين له من يراهم قدوة أنه سيكون بين هدفين لا أروع منهما: اما أن يفوز بتحقيقه دولة اسلامية يكون فيها أميرا، واما يموت ويفوز بالجنّة .. في حياة أبدية بها ما لذّ وطاب وحور عين وولدان مخلدون بخدمته.

ان البيئة السياسية في كل من العراق وسوريا بشكل خاص، حاضنة لمن يهدفون الى اقامة دولة الخلافة الاسلامية لتطبيق الشريعة الاسلامية ما دامت احزاب السلطة في الدولتين تحتكر الثروة وتتقاسم احزابها مؤسسات الدولة. وما دام من يدعون انهم اسلاميون يناقضون في افعالهم تعاليم الأسلام .. مثالهم، أن من كانوا في المعارضة وعادوا الى العراق وهم لا يملكون تذكرة الطائرة.. صاروا من اغنياء العالم، وما اكترثوا ولا همهم انهم اوصلوا (13) مليون عراقيا الى ما دون خط الفقر، ولا همهم ولا اكترثوا أنهم حولوا بغداد الجميلة الى اسوأ عاصمة، وبعد تلك السيارات الجميلة، صرنا نقطع شارع الرشيد بـ(الستوته!).. ما يعني أن داعش ستبقى لهكذا حال يناقض الشريعة الأسلامية، فضلا عن ان القتل في النظامين(العراقي والسوري) ما يزال يستهدف كل من يدعو الى اقامة العدالة الأجتماعية.. اسلاميا كان ام شيوعيا ام ما بينهما.

ولهذا فان داعش لن تنتهي ما لم يتم تحقيق امرين:

الأول، ان تطّبق انظمة الحكم العربية(لاسيما العراق وسوريا) مباديء الديمقراطية المتمثلة بتحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد، وتفعيل قانون من اين لك هذا، واستعادة ما نهب من ثروات استفردت بها قلة تركت الملايين في فقر وعوز وفقدان كرامة.

والثاني، أن يفهم حكّام العرب أن (البندقية) لوحدها لن تخيف من يستسهل ويستعذب افناء نفسه والآخرين، وليس بمستطاعها القضاء على داعش.. ما لم يتم الاستعانة بالسيكولوجيين وعلماء الاجتماع في معالجة الظاهرة علميا واعلاميا، وتكليف علماء تربية مستقلين سياسيا للبدء باصلاح او اعادة كتابة المناهج الدراسية.. فالارهاب ينشأ اصلا من افكار تنبت في عقل الداعشي تتحول الى معتقد يتحكم بمصيره بما فيها استسهال تفجير نفسه بين الناس مغمورا بمشاعر الفخر والغبطة والبهجة!

فهل لما ندعو اليه يا حكاّم العرب، والعراق .. ستستجيبون؟

 

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم