آراء

محمود محمد علي: لماذا يهدد بوتين باجتياح أوكرانيا ؟ (2)

محمود محمد عليفي هذا المقال نود أن نتساءل عن موقف الغرب من كل هذا الدعم الروسي ؟

والإجابة تتمثل أنه فيما يتعلق بشبه جزيرة القرم على المستوي العسكرى فقد استسلمت واستسلم الغرب لما قامت بع روسيا وذلك لأن الجميع غير مستعد للدخول في مواجهة عسكرية مع الروس برغم العقوبات التي توقيعها علي الروس، وأما فيما يتعلق بالحرب الأهلية والواقعة بين الجيش الأوكراني وبين الجماعات الانفصالية المدعومة من روسيا، فقد تحرك الغرب على مستويين: المستوي الأول وتجسد من خلال دعم لكييف بالطرق الدبلوماسية وغير الدبلوماسية.

وظل الوضع في حالة صراع حتى تدخلت دول أوربية وعلى رأسها ألمانيا، وفرنسا، واللذان اتفقا مع روسيا على وقف إطلاق النار في 2015، لكن هذا الاتفاق لم يصمد وظلت الانتهاكات متوالية من الجانبين إلى تجدد الصراع على أشده في أواخر 2021 وبدايات 2022 هو باختصار وصول جو بادين إلى السلطة، وقبل وصول بدايدن إلى السلطة، كان الرئيس الأوكراني الحالي زيلنيسكي مضطرا إلى التفاهم مع موسكو لأنه كان واقعا بين موسكو الراغبة في أن تسيطر بنفوذها على كامل أوكرانيا، وبين رئيس أمريكي غير متعاطف مع الأوكرانيين وهو الرئيس الأمريكي السابق ترامب، ثم جاء بايدن وهو معادي ومتشدد تجاه روسيا، وهذا الأمر كان يمثل نقطة فارقة لأنه شجع الرئيس الأوكراني زيلنيسكي على أن يتخذ مواقف اعتبرتها روسيا مواقف معادية ومهددة لمصالحها، ومن المواقف التي أخذها زيلنيسكي كثيرة نذكر منها: ملاحقة الكيانات الانفصالية الأوكرانيية الموالية لموسكو، والتوسع في الاتصال بالغرب لضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، وأقام حملة ضد موسكو لإعادة شبه جزيرة القرم، ووقف اتمام خط نوترم ستريم 2 والذي تعتبره روسيا تهديدا لمصالحها.. الخ.. كل هذه السياسات كانت مقلقة للروس وبالتالي أصبحت الأزمة تتصاعد يوما بعد يوم، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.

والموقف الحالي هو أنه منذ ديسمبر الماضي 2021 يحتشد أكثر من 100 ألف من الجنود الروس، الذين يحملون طائرات مقاتلة ونشر دبابات إضافية على الحدود الأوكرانية، علاوة على مجموعة من الأسلحة والأنظمة الهجومية تشمل دبابات القتال الرئيسية T-80U، ومدافع هاوتزر ذاتية الدفع 2S1 Gvozdika  و2S19 Msta، ومركبات قتال المشاة، وأنظمة صواريخ الإطلاق المتعددة (BM-21 MLRS)، وقاذفات اللهب الثقيلة TOS-1، وأنظمة الصواريخ الباليستية قصيرة المدى 9K720  إسكندر  (SRBMs)، والمدفعية المقطوعة، وصواريخ أرض جو (سام)، ومركبات دعم حامية الأفراد والمعدات على بعد حوالي 160 ميلاً شمال الحدود، على مسافة قريبة من أوكرانيا.

وقد أثار حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية قلق الكثيرين فى الغرب بشأن الغزو. ولكن يبدو أن ما يحدث بالفعل لا يتعلق بالحرب، ولكن حول وجهات النظر والأهداف المختلفة لحلف شمال الأطلسي. لكن الحرب ليست هدفا في روسيا، فهذا الصراع مكلف ولا يحظى بالدعم، فروسيا تعد موطنا لأكبر نسبة من الشتات الأوكراني فى العالم، ويوجد الملايين فى روسيا ممن لديهم أقارب أو أصدقاء فى أوكرانيا. فبوتين يرغب من خلال هذا الحشد دعم مطالبه التى قدمها إلى أوكرانيا والغرب، يقول المحللون إن ما تريده روسيا هو ضمانات دائمة بأن دولا، مثل أوكرانيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق الأخرى لن تنضم إلى الناتو وستظل محايدة كأساس جديد للاستقرار الإقليمي، ويقولون إن الهدف من نشر القوات هو فقط للفت انتباه كييف والغرب إلى مخاوف موسكو.

وأشارت التوقعات العسكرية الأخيرة إلى أن روسيا تتجه إلى شن هجوم عسكري ضد أوكرانيا في وقت متوقع أن يكون في أوائل عام 2022 بعدد من القوات ضعف ما كان في العام الماضي، ويكون ذلك خلال تدريبات مفاجئة لروسيا بالقرب من حدود أوكرانيا، بل ومن المتوقع أن تتفوق القوات العسكرية الروسية وعناصرها من الجيش الميداني المشترك الحادي والأربعين وفرقة البنادق الآلية التابعة للحرس الرابع على القوات التقليدية الأوكرانية وتتجاوز كييف في غضون ساعات إذا غزت بتكتيك قتال يعتمد على إجبار القوات الأوكرانية على القتال على جبهات متعددة حتى تستسلم كييف.

ولوقف هذا الغزو الروسي يطالب بوتن مجموعة من المطالب وهي ثلاثة أساسية: المطلب الأول: أن يتعهد الناتو كتابة بعدم ضم أي دول جديدة على الحدود الروسية. المطلب الثاني: أن يتوقف الناتو عن نشر أسلحته على الدول المجاورة لروسيا.. المطلب الثالث: أن يتوقف الحلف عن إجراء مناورات عسكرية على أراضي هذه الدول القريبة من روسيا.

بيد أن الغرب قد اعتبر أن تلك المطلب الثلاثة تعد مطالب تعجيزية لا يمكن الموافقة عليها، وذلك لأنه يعطي لروسيا حق الفيتو على الدول التي يمكن ان تنضم للناتو، علاوة على أن الحلف منذ نشأته وكما هو معروف عنه بأنه حلف معاد لروسيا، علاوة على أن مطلب روسيا يجعلها تمنح منطقة عازلة ومنطقة نفوذ على كامل الدول القريبة منها، مما يعني أن مطالب روسيا في حقيقتها هي إعادة عقارب الساعة منذ عام 1990 حين كانوا يتفاوضون  على توحيد المانيا الشرقية والغربية، وبالتالي إعادة النظر من جديد في كل الترتيبات الأمنية والعسكرية والتي تمت عقب سقوط الاتحاد السوفيتي.

وعرضوا بدلا من ذلك حلول أقل حيث أكد الغرب بأنهم مستعدون لعودة إجراءات بناء الثقة، وترك الأبواب لمفاوضات مستقبلية لخفض التسلح في اوربا، إلا أن موسكو ردت عليهم بان مطال الروس هي حزمة واحدة وليس مما تختارونه مما تشاءون، ويجب على الغرب أن يفهم بأن مفتاح كل شئ في مطالب روسيا هو يبدأ أولا وآخر بعدم التوسع شرقا، ولا بد أن يكون ذلك كتابيا لأن موسكو قد جرب وعود الغرب الشفوية وكان من الكاذبين، وإلا فإن روسيا التي نفذ صبرها من غطرسة الغرب سوف تتخذ إجراءات عسكرية وتقنية لضمان أمنها، وبدأ الروس يهددون الغرب بأنه إذا لم يستجب الغرب لمطالبهم، فإن المسألة لن تقتصر فقط على الروس سوف يضمنون أمنهم في أوكرانيا، بل سوف يضمنون أمنهم في كل مكان، وهددوا بأن الصراع سوق ينتقل ليس فقط إلى أوربا، بل ينتقل وإلى جوار الولايات المتحدة الأمريكية، ولمحوا إلى أن الروس مستعدين لنقل أسلحتهم إلى الجوار الأمريكي في كل من فينزويلا وكوبا، كما أن الولايات المتحدة تريد أن تأتي بأسلحتها إلى أوكرانيا والجوار الروسي.

ورد الغرب على موسكو بتهديدات هائلة ومخيفة مهددين روسيا بأنه إذا ما فكرت في غزو أوكرانيا فسوف تقع عليكي عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، وسوف تعانين من عزلة سياسية، ودبلوماسية، بالإضافة إلى أن الغرب سوف يمد الجيش الأوكراني بأسلحة هجومية بحيث تجعل غزو روسيا لأوكرانيا مكلفا جدا للروس، وإن نجح الروس في هزيمة الجيس الأوكراني المسلح بأسلحة هجومية غربية متطورة، وهذا أمر متوقع بسبب فارق القوة بين روسيا وأوكرانيا فسوف نساعد المتمردين والجماعات المقاومة بكل أنواع المساعدة.

وقد انتقد الرئيس الروسي "بوتين" الغرب في خطاب ألقاه أمام وزارة الخارجية الروسية لرفضه «الخطوط الحمراء» لروسيا فيما يتعلق بأوكرانيا، وقال إن تسليح الناتو وتكامله العسكري مع أوكرانيا يجب أن ينتهى. وأوضح كيف تسبب عقدان من توسع الناتو فى فرض تهديدات كبيرة على عتبات روسيا، وموسكو لن تتسامح مع عضوية أوكرانيا المحتملة مع الناتو التى تعتبره روسيا تحالفا عسكريا معاديا له. قال بوتين "من الضروري الضغط من أجل وجود ضمانات جادة وطويلة الأجل تضمن أمن روسيا في هذه المنطقة، لأن روسيا لا يمكنها أن تظل تفكر باستمرار فيما يمكن أن يحدث هناك".

ومع تباين المواقف وإصرار روسيا على مطالبهم الثلاث، ورفض الغرب لهذه المطالب الثلاث كحزمة واحدة، أصبح الجميع في مأزق.. فالروس سيكونون في مأزق لأن غزو أوكرانيا ربما يكون نزهة عسكرية، لكنه مكلف جدا اقتصاديا، ودبلوماسيا، وسياسيا،  ومواجهة مفتوحة مع الغرب.. إلى آخر ما يتمناه الروس.. لكن يبدو أن الحسابات الروسية كما يقول سيد جبيل مهما كانت الخسائر فإنها لن تقارن بخسارة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو.

ولا شك أن هذا الموقف الروسي المتشدد لم يكن مفاجئا لكثير من الدوائر الغربية والخبراء الأوربيين والأمريكيين، حيث منذ سنوات طوال وتوقع خبراء الغرب في الشأن الروسي بأن روسيا لن تسمح بتمدد حلف الناتو إلى حدودها، وإن كانت قد قبلت على مضض بسبب ظروفها عقب سقوط الاتحاد السوفيتي، إلا أنه لن تقبله الآن، خاصة بعد أن استعادت عافيتها.

وتتجه الأزمة في التوقيت الحالي إلى أحد مسارين: الأول، هو التصعيد، الذي يستند إلى استمرار الحشود الروسية. والثاني، هو التهدئة، التي بدت مؤشراتها في القمة المغلقة التي انعقدت بين الرئيسين بوتين وبايدن وأسفرت عن إجراء اتصالات بين الأطراف المعنية بالأزمة.

وكانت القمة الأخيرة بين بوتين وبايدن قد حملت مؤشرات بتمسك الطرفين بموقفهما ومساعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيجاد حلول دبلوماسية في الوقت نفسه. فبالنسبة للأخيرة، فإنها تعمل في هذا الملف وفقاً لسياسة الترغيب والترهيب، حيث أعلنت رفضها التام لما يسمى بـ"الخطوط الحمراء الروسية" كما ذكرنا من قبل، وأشارت إلى أن الرد في حالة الغزو سيكون باتجاهين: يتمثل الأول، في فرض عقوبات اقتصادية على غرار منع روسيا من نظام السوفيت المصرفي الذي تدفع به الدول أثمان الطاقة الواردة منها.

وينصرف الثاني، إلى تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا بالإضافة إلى مواصلة الوجود العسكري الأمريكي على الجانب الشرقي لحلف الناتو. لكن واشنطن قللت في الوقت نفسه من احتمالات التورط في تدخل عسكري مباشر بين أوكرانيا وروسيا، وأكدت على رغبتها في إيجاد حل دبلوماسي، ومع استمرارية الاتصالات في ظل هذه الأزمة تسعى الولايات المتحدة الأمريكية حالياً إلى الضغط على أوكرانيا بقبول قدر من الحكم الذاتي في دونباس التي تخضع فعلياً لسيطرة الانفصاليين المدعومين من روسيا، ويذكر أن هذه المقاطعة تضم نسبة أعلى من الناطقين باللغة الروسية وترفض أوكرانيا أي تغيير بمنح المنطقة حق النقض للسياسات العامة وهو بمثابة تحدي ستواجهه الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد يتسبب هذا الحل فى العديد من الصراعات الداخلية ويقدم مبرراً إضافياً لتدخل روسيا. كما أكدت الاتصالات التي أجريت مع فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا على تمسكها بموقفها الخاص بالحل الدبلوماسي، بالتوازي مع اتصالات أخرى مع ألمانيا وحدها لبحث عقوبات باهظة على روسيا في ظل تعاقدها على خط غاز مع روسيا، حيث تمثل الأخيرة المصدر الرئيسي لـ90% من احتياجات الغاز الطبيعي في دول الاتحاد الأوروبي، وكل هذه المؤشرات لا تبشر حتى الآن باحتمالات تسوية سريعة للأزمة.

في المقابل، تمسك الرئيس بوتين بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بتقديم تأكيدات موقعة تستبعد أي توسع لحلف الناتو ليشمل أوكرانيا وجورجيا وتحد من النشاط العسكري بالقرب من حدود روسيا، بل وصرح بأن أي اتفاق ملموس يجب أن يستبعد أى توسع إضافي لحلف الناتو باتجاه الشرق ونشر أنظمة أسلحة تشكل تهديداً لروسيا، وهنا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإجراء اتصالات مع أطراف الأزمة وأشارت إلى استبعاد ضم أوكرانيا لحلف الناتو خلال العقد القادم، وستظل استمرارية الاتصالات مؤشراً إيجابياً رغم ضعفه، إلا أنه يوضع في الاعتبار وذلك لاحتمالية تأثيره على مسار الصراع.

وفي النهاية، من المتوقع استمرار التواجد الروسي على الحدود وزيادة الدعم العسكري الغربي والأمريكي لأوكرانيا مع استمرار المباحثات والاتصالات بين الأطراف، إلى أن يتنازل أحد الأطراف عن موقفه مقابل الحصول على بعض الامتيازات، وإلا فالصدام سيكون قادماً لا محالة؛  وهنا فاجأت روسيا الناتو بالمبادرة بعمل هجمات سيبرانية، أزالت فكرة الردع الغربى، وأحرجت الناتو، وجعلت المواطن العادي الأوكراني يرى عواقب التصعيد مع روسيا تصل لكل الخدمات الحكومية فى ثوانٍ معدودة، وتؤثر على حياته. وفى ذات الوقت مازال الغرب يهدد بفرض عقوبات، ويتوعد روسيا بإجراءات عقابية حال أي اجتياح لأوكرانيا، ولكن هذا لم يردع روسيا عن الهجمات. ولحين وصول الأزمة الأوكرانية للحل بطريقة أو بأخرى، فإن العالم الرقمي يتوسع بالهجمات السيبرانية ويحدث أثرا ولا يبالى. وإذا لم تصل الدول لاتفاقية لترتيب استعمال الرقمنة في العالم، فإن العالم الرقمي سيغير العالم الذى نعرفه، بأسرع مما نتصور، وسيفرض نفسه على الكافة. لاحظ أن القائم على تطوير العالم الرقمي هم المبرمجون وليس الساسة، والقائم على صناعتها الشركات وليست الدول، ولا يقتصر استخدامها على الهاكرز التابع لأجهزة الدول وإنما الهاكرز الأفراد لهم قدرات على نفس المستوى، بدون أن نعرف شيئا عن أفكار المبرمجين التي تشكل عالمنا الجديد..علي كل حال ننتظر ما تسفر عنه أحداث هذه الأزمة !!

 

د. محمود محمد علي

............................

المراجع

6- يسرا سلامة: أزمة أوكرانيا: ما الذي يحدث على الحدود مع روسيا؟.. مقال الأحد - 20 جمادى الآخرة 1443 هـ - 23 يناير 2022 مـ

7- سيد جبيل: الغرب يهدد وبوتين لا ينصت: لماذا يخاطر الرئيس الروسى بغزو وشيك لاوكرانيا.. يوتيوب.. 2022.

8- سيد جبيل: لماذا كل هذا الصراع على أوكرانيا.. وماذا تعنى للروس والغرب؟ ولماذا تراقب الصين ما يجرى باهتمام؟,, يوتيوب.. 2021.

9- معتمر أمين: في أزمة أوكرانيا يتزايد خطر العالم الرقمي.. مقال نشر فى: الجمعة 21 يناير 2022 - 10:20 م | آخر تحديث: الجمعة 21 يناير 2022 - 10:20 م

 

في المثقف اليوم