آراء

مازن كم الماز: هل كانت الحرب الأهلية السورية ضرورة

لا شك أن النظام السوري لجأ لقمع المظاهرات ضده بعنف ووحشية لكن مع هذا فإن خيار الذهاب إلى حرب أهلية لم يكن قرار النظام وحده، كانت هناك قوى لم تستسهل فقط اللجوء إلى السلاح بل دفعت باتجاه ذلك معتبرة أن العسكرة وما تلاها من حرب هي الطريق الأفضل "لتحقيق مصالحها" أي لفرض وصايتها وسلطتها.. كانت شهوة السلطة أقوى بكثير من أية مقاربة منطقية للواقع ففي الحروب لا يكفي أن تبادر خصمك بإطلاق النار أو بالهجوم، فليس من المنطقي أبدًا أن تبدأ حربا" ستخسرها بلا شك.. من المرعب أن نصادف قوة سياسية تفكر بهذه الطريقة أو لا تقيم أي وزن لخسائر الناس العاديين لتصل إلى أهدافها.. لا شك أن القوى التي دفعت أو ساهمت بالدفع نحو عسكرة الثورة وتحويلها من مظاهرات واحتجاجات مدنية إلى مواجهات مسلحة كانت لها حسابات متناقضة، البعض اعتقد أن الخارج سيسارع للتدخل والإطاحة بالنظام لصالحها ولم تر في العسكرة أكثر من محفز ومبرر لهذا التدخل، هؤلاء كانوا أساسًا من السياسيين الذين شكلوا مؤسسات المعارضة الرسمية، وآخرون رأوا في العسكرة الخطة الأمثل بل الوحيدة التي يمكنهم من خلالها تحقيق أهدافهم أو الوصول إلى السلطة.. لكن وخلافًا لما وعد به قادة الفصائل المسلحة السوريين الثائرين على النظام لم يقم هؤلاء بحمايتهم بل ما حدث كان العكس، لقد احتمت الفصائل المسلحة بالسوريين من اقصف النظام ثم داعميه في وقت لاحق.. تعرضت المناطق المحررة أو الخارجة عن سيطرة النظام لعقوبات جماعية وقصف يومي افتقر للدقة على الأقل حتى التدخل الروسي المباشر في وقت متأخر وكان واضحًا منذ البداية أن القوى التي واجهت النظام بالسلاح لا تملك الرد على هذه الإجراءات العقابية الجماعية.. أكثر من ذلك، لم تفعل تلك القوى ومن كان يدعمها ما يلزم للإطاحة بالنظام الأمر الذي كان ممكنًا في لحظات عدة قبل إنقلاب ميزان القوى مع ذلك التدخل الروسي المباشر.. قبل ذلك لم يمكن لتدخل الآلاف من مقاتلي حزب الله والميليشيات الشيعية التي دربتها ومولتها إيران ليقلب تلك الموازين أكثر من مجرد إنقاذ رأس النظام وتحقيق بعض الانتصارات المحلية التي ساهمت، مع غياب خطة حقيقية للإطاحة بالنظام إلى جانب الاقتتال والتنافس بين قادة الفصائل المسلحة في تثبيت مؤقت لسيطرة القوى على الأرض.. وخلافًا للمظاهرات وبقية أشكال الاحتجاج الجماهيري كانت العسكرة تعني فقط سيطرة أمراء الحرب في كل مكان وانفلات الهمجية وأيضًا تكلفة بشرية ومادية هائلة دفعت ثمنها أساسًا المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.. وأيضًا ليس صحيحًا أن العسكرة هي الرد الوحيد الممكن على القمع، لقد تعرض الثوار الايرانيون والعراقيون والبحرانيون والسودانيون، هذا في السنوات الأخيرة فقط عدا عن تجارب ثورية سابقة أخرى لا حصر لها، لقمع همجي وقتل المئات بل الآلاف منهم دون أن يلجئوا للسلاح للدفاع عن أنفسهم ومحاولة الإطاحة بالنظام الذي يقمعهم بكل تلك الهمجية، بكل الأحوال لم يكن من الممكن إسقاط تلك الأنظمة عبر اللجوء للسلاح أو حتى التقليل من خسائر الجماهير الثائرة.. رغم كل ذلك لا توجد أية رغبة حتى في الاعتراف والاعتذار للجماهير التي استخدمت وقودًا للمحرقة رغمًا عن أنفها، لا يرغب الإسلاميون بالاعتراف بأخطائهم ولا بمسؤوليتهم ولا بدورهم في هذه المحرقة، ويشاركهم في هذا من اعتقد أن هؤلاء سيقومون بتخليصهم من النظام بينما سيبقى من الممكن التحكم بهم وبأمراء الحرب عبر قوة ونفوذ الخارج المادية والعسكرية التي اعتقدوا أنها ستلعب لصالحهم في نهاية المطاف.. لا يقر هؤلاء بالطريقة الساذجة والاعتباطية ولا الاستبدادية التي اقتيدت فيها الجماهير خاصة الثائرة نحو تلك المحرقة التي لم يكن من الصعب التنبؤ بوقوعها دون تفكير أو تخطيط وبالتأكيد دون استشارتها وموافقتها، وكان تحويل السوريين خاصةً الثائرين منهم إلى لاجئين آخر خطوة في مسار طويل حولهم إلى منفعلين سلبيين وعاجزين عن أي فعل بعد أن صودر صوتهم وصودرت إرادتهم وبدلًا من أن يحرر السوريون أنفسهم بأنفسهم كما كان يفترض أصبحوا مضطرين للاعتماد على غيرهم من سادة العالم والإقليم وأغنيائه ليس فقط للتخلص من النظام وغيره من أمراء الحرب بل حتى في أبسط تفاصيل حياتهم ومعيشتهم..

***

مازن كم الماز

في المثقف اليوم