آراء

عبد الجبار العبيدي: بين الحقيقة والخُرافة في دولة الاسلام (3)

هل يستطيع مؤرخ او مؤلف عربي او مسلم واحد ان يعطينا الدليل ان جماعة الاسلام منذ ظهورها في القرن الاول الهجري والى اليوم قد حققت لنا منجزا حضاريا واحدا على مسوى القانون او الحقوق الانسانية او الحضارية التي حققتها اتباع الديانات الاخرى، نتحداهم ان قدموا لنا البرهان او الدليل.؟ أذن ما فائدة دين بلا تحصين، كل مناهجنا الدراسية وما كتبناه وعلمناه طلابنا كان خنجرا مسموما في الصدور.

وهل يحق لمن كنا نعتقد انهم ثوارا حقا لمصلحة التغيير، ان يخونوا القيم والمبادىء التي كانوا ينادون بها لينحرفوا عنها من اجل المغانم لا مبادىء التحرير، كان بأمكانهم لو كانوا صادقين ان يحصلوا على الاثنين معا، لكن الفعل دليل الاصل في التحقيق، لا ان يسجلوا في صفحات التاريخ الاسود عارهم وخياناتهم حتى اصبحوا اليوم عار التاريخ، لا ما هكذا كانت مبادىء اهل البيت التي اوصلتموها الى اللامعقول دون خجل منهم ومن التاريخ، فلينتظروا المصير الاسود القادم اليهم من حيث لا يعرفون،

هل أصبح الرأي الغالب في بلاد الأسلام اليوم المستند على النص المقدس لا يناسب الواقع في الاعتقاد والتطبيق؟ لا، بل فشل فشلا ذريعاً في العقيدة والدين. بعد ان أصبح الواقع والظروف الصعبة والاختلافات الفقهية بحاجة الى تغيير،  اذن لابد من تفسير النص من جديد على ضوء مقتضيات تطور اللغة والواقع السايكوجي للنص ومحتواه وطرق جمعه ليصلح ان يكون عقيدة دين، وبعد ان تحول النص الى نصوص،  والدين الى مذاهب واجتهادات خاطئة كل منها يؤدي الى معتقد مختلف عن الاخرفي التطبيق، فأذا كان القرآن كتابهم واحدا فلمَ الاختلاف القاتل بينهم في العقيدة والدين؟ والكل أنحشرت في زوايا الخيانة الوطنية، لا بل اصبح الحلال عندهم حراما والعكس صحيح، اذن اين شريعة الله التي كانوا ينادون بها البارحة و اليوم حتى اصبحت بحاجة الى تغييريعتمد على حقيقة التأويل للنص من جديد،  بعيدا عن الترادف اللغوي الذي فقد التسميات الحسية التي استكملت بعد تركيزها في تجريدات، فهل حقا ان هؤلاء الزنادقة هم مسلمون ومن اصحاب نظرية أهل البيت، حشا وكفا، ان يكونوا منهم.

، الدساتيرالحديثة اصبحت نصوصها لا تتماشى مع الفقه القديم، اذن لا بد من فقهاء دستوريين يسطيعون تكييف القوانين بما يخدم التشريع والقانون معاً. وبعد ان تغيرت السُنة النبوية الى خمس سُنن كل واحدة منها تخالف الاخرى، سُنة ابن اسحاق،  وابن هشام، وابن سعد،  وموسى بن عقبة،  وعبدالله الانصاري، ولا ندري ما الصحيح. لظروف قام بها فقه التشريع في عهد النبوة واتسع ثم توقف في عهد العباسيين، وبعد ان تحول نظام الحكم السياسي الى النظام الموازي في التطبيق؟ مشكلة لابد من الالتفات اليها كي لا تضيع الحقوق وتنتهي صفة القانون عند المسلمين وهي على وشك اليوم.

ويستمر التخلف الحضاري عند الجماعة الاسلامية اليوم للظروف غير المواتية لتقدمه، بعد ان اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، لان الظروف التي قامت عليها عقيدة الاسلام قد تغيرت ولم تسمح بالتقدم بعد، في ظل ظروف تناقض العقيدة بين القديم الصحيح والحاضر المتغير لصالح الخطأ في التطبيق. فاذا اعتقد من جاء لحكم الوطن اليوم قد يتمكن من الحكم الاحادي دون معارضة باسم المذهب والدين، قد أخطأ التقدير،  حتى وان اصبح المال والفقيه بأيديهم لكنهم اصبحوا مكبلي التفكير والتنفيذ من شعب فقد حقوقه في التطبيق، والمعارضة تحيط بهم من كل جانب تمنعهم من استمرارية الخطأ لكنها بلا قوة التغيير، وتحويل موارد الوطن الى (انفال) كما في عقيدتهم المصطنعة من فقهاء التخريف التي ورثوها من فقهاء الخطأ السابقين، اذن هم والعقيدة اليوم في وَهم التاريخ،

فلا سياستهم المعتمدة على قوة فقه المختلفين الاخرين نافعة اليوم،  ولا توجهاتهم المعتمدة على القبيلة والمال والمذهب تسمح لهم بالتقدم بعد ان اعتقدوا ان اموال الدولة ملكا سائبا لهم دون رقيب او حسيب. ولا ايمانهم بالعقيدة الوهمية التي توجهوا بها الى احياء خرافات الماضي واللجوء الى فقهاء الصمت والكهان والمزارات واحياء المناسبات الدينية البائرة باعتها اليوم،  والخضوع لكل ترهاتهم دون القانون،  معتقدين ان الحكم اصبح لهم حكما عضوضا لا احد بأمكانه التغيير، فتوجهوا الى شل مجتمعهم الذي يجب ان تُشل فيه حركة الذهن وملكة الابتكار ليصبح حجرا اصما لا ينطق وكأننا في عصر اصنام الآولين، في التركيز، واتجهوا الى العادات والتقاليد الدينية لاحياء سير الأولين لكنهم مادروا انه اصبح معدوم الاثر لانكشاف حقيقة الفقه التاريخي المزيف الذي به يحكمون فقه الشيخ المفيد وابن تيميه، والذي تبعه سوء النظام الاداري والمالي وخضوعهم لخزعبلات التاريخ حتى اصبح وهما في عقيدة الناس، اذن لابد من التغيير.

هذه التصرفات اللاحضارية المتبعة اليوم التي تتنافى وعصر التحديث بعيدا عن الادارة والتنظيم ساقتهم الى اعتماد البطالة واللصوصية والمخدرات والاستيلاء على موارد الوطن بعد ابتكار مؤسسات مالية لا تمت للقانون بصلة( غسيل الاموال) حتى تحول البعض الغالب منهم الى تجار سراديب فتراجعت العقيدة الدينية وازدادت محبة الوطن عند المواطنين بعد ان اكتشفوا ان الحاكم هو عدوهم وعدو الوطن في التطبيق،

بالجملة ان سبب الانتكاس السياسي المفروض عليهم كان خارجيا من الذين لا يؤمن بحقوق المواطنين والذين يعتقدون ان الوطن لهم تاريخياً دون الشعب.نقول للقيادات التي تدعي الوطنية اليوم في المؤسسات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية واللامنتخبة شعبياً الوالغة في المال والسلطة، اين الوعود والقسم واليمين التي وعدتم بها الاحراريوم كنتم تأتون للعراقيين في الخارج وأنتم اشبه بالمتسولين،  واين النتائج التي حصل عليها المواطن اليوم بعد ان بعتم القيم والاخلاق والوطن مقابل السلطة والمال المجموع.،  كلها مردودة عليكم بعد ان اصبحتم بنظر الشعب خونة وبائعي اوطان في بلاد المظلومين،

ايها المواطن المظلوم :ان جماعات الحكم وضعت نفسها في شرنقة الخطأ حتى اصبحت تعيش في عصور ما قبل القانون فتغيرت سايكولوجياتهم بفعل الاموال المنهوبة لهم معتقدين خطئاً،  انها حامية نظام حكمهم الذي اوقفته بأيديها دون تقدم.ونجد ان هذه القيادات الحزبية الساقطة خلقيا اصبحت مكبلة بقيود سياسية واجتماعية ودينية حبستها داخل اطرها الفاسدة دين، فتحولت الى شرانق ديدان ميتة لا أمل بأحيائها من جديد،، والسياسة المرتبطة بها حولتها الى بدائية التصرف في التطبيق لا تسمح لها بالتقدم ابدا حتى اصبحت غير صالحة لحكم الدولة وكفاح المجتمع فتوقفت كالشجرة التي جفت عروقها فتجمدت مكانها تنتظر القلع والتغيير.

هنا تراها تلتجأ لترهات دينية تقودها الاصنام الميتة والايمان الشامل بالارواح والتصورات بالاوهام وتخوف الناس من ايام القيامة ان عصوا الحاكم الشرعي، "أطيعوا الله والرسول وآولي الأمر منكم، حتى غدا ولي الامر هو السلطان بديلا عن النص والقانون، والايمان الشامل بالارواح وعذابات ما بعد الموت الوهمية،  والنحيب على الماضي وتصويرة هو المنقذ كما في تقاليد عاشوراء والدك واللطم والرواديد الذي يقودهم خرف "اسمه باسم كربلائي"متعمد تضليل افكار الشباب تساعده حكومات البغي والجريمة حتى اصبح اللجوء الى الكهان والخضوع لهم على نحوٍ شل حركة الذهن تماماً في التطبيق.

فلا ندري عن اية حضارة اسلامية يتكلمون بعد ان اصبحت الحكومات الاسلامية منذ عصر( البويهيين 334-447هج) التي اوقفت التقدم بفقهاء التخريف الديني من امثال الكليني والشيخ المفيد وابن بابويه وصاحب بحار الانوار والغزالي بحجة حقوق اهل البيت والمذاهب المخترعة التي ما هي الا وسائل تدمير للفكر الديني والسياسي والاجتماعي وظهور نظريات التفضيل بعد ان اصبحت نظما خالية من الخدمات الاجتماعية مقابل المال المجموع.

لقد فشل المذهب الشيعي منذ البداية من تقديم صورة لنظام دولة الموطنين اعتبارا من عهد الادارسة مرورا بالفاطميين والعلويين والصفويين وحتى اليوم لمعاداته القانون.وبطبيعة الحال لم يكن هذا التدهور من عمل عصر واحد، بل نتيجة لسياسة عامة سار عليها ولاة المذاهب وازدات قسوة على المجتمع على يد جماعات الحاكمين اليوم الذين فاقوا كل تصور في خيانة المجتمع والدين.

ان الذي يفرحنا اليوم هو ان الطبقات الحاكمة المكروهة من الشعب انفصلت عن جماهير الامة المخلصة باطار اخلاقي معنوي وما على الجماهير اليوم الاتقوية الروابط الاسرية قبل سقوطها لتبقى المُثل العليا سليمة، لاسقاط الطبقة الحاكمة المعدومة الضمير. سيبقى الشعب سليما حتى لو سقط بيد اعداء الله والقيم والدين لاصالته التاريخية والفعل دوما دليل الاصل عبر التاريخ،

نحن نقول للولايات المتحدة الامريكية راعية التغيير الاصفر في العراق ان تتنبه لهذا الواقع المر الذي فرضته على شعب كان يامل منها كل جديد في حقوق الشعب التي اقرها الدستور الامريكي العظيم لا ان تسلم الامور الى اجرم واخون طبقة حاكمة شهدها التاريخ.

***

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم