قضايا

الفقيه والمفكر.. المائز المعرفي في جدلية النص والواقع

سالم الشمرياحتل الفقيه مكانه غير عادية في التاريخ الاسلامي، فالفقيه [قائم مقام النبي] بتعبير الشاطبي و[موقع عن رب العالمين] بتعبير بن القيم وهو بمنزلة انبياء بني اسرائيل ونائب الامام وغيرها من الرتب فوق البشرية. وواضح ان هذﻩ المنزلة او المرتبة التي يتمتع بها الفقيه لاﻳﺒﻠﻐﻬﺎ المفكر ولا الفيلسوف ولا اي عالم استثنائي اخر كانشتاين او اديسون .

ازاء هذه المنزلة فوق البشرية لايمكن لاي باحث من دراسة مفهوم الفقيه او دوره في التاريخ مالم ينتزع عنه هذه الصفات الالهية والنبوية والملائكية الزائدة ونقله من [مقدس] الى كائن بشري محسوس لامقدس، وبغير ﻫﺬﺍ الاجراء لايمكن طرح حدود واضحة بين الوهمي والحقيقي في اية دراسة. لاننا فعلا بحاجة لنكتب عن الاشياء التي نريد استيعابها والنفاذ الى اعماقها كي تصبح جزءا منا. من ذاتنا ومقومات وجودنا بدلا من ان تكون ضدنا اوشئ غامض بيننا او خارج عن وعينا .

ايضا

يستحوذ الفقيه صفة غير بشرية في عمله، فاذا اصاب فله حسنتان واذا اخطأ فحسنة واحدة .. وهذا لايحدث صدفه بل محض نتيجة ﺗﻀﻴﻴﻖ مجال الممكن وسجن عقل العوام في زاوية التلقي فقط اثناء رفع الفقيه مرتبة اعلى من البشر واقل من الله، ولهذا فان الكتابة عن اﻟﻔﻘﻴﻪ تنطوي على قدر كبير من الصعوبة هو ذاته القدر الذي تنطوي عليه مركزيتة في التاريخ الاسلامي.

احتلال الفقيه لمكانة فوقية وفي الصدارة عبر التاريخ جعله يتحكم بكل شئ دون منازع، فهو فقيه السلطة وفي مقدمة ديوان الدولة وبيده احكام الحلال والحرام والجلد والرجم والقتل والذبح . اضف الى ذلك سلطة المال عبر بيت الزكاة ودكان الخمس فيتحول الى اﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ بامتياز . ولهذا فان اي محاولة للاقتراب من مفهوم الفقيه او الحفر في جذور هذه الشخصية الاسطورية تصطدم بجينيالوجية [علم الانساب] ﺗﻮﺛﻴﻘﻴﺔ ﻣﻨﺘﺤﻠﺔ تعمل على اقامة سدا منيعا امام القراءة التاريخية لفكرة الطوطم التاريخي الذي يمتلك سلطات الله وﻳﺤﻀﻰ بطاعة ﻋﻤﻴﺎء ﻻﻫﻞ الارض.

مع نشوء الفكر الحديث والتطور الهائل في المعرفة والتراجع غير المنظم لافكار الارض واقفة على قرن ثور، لم يعدبالامكان تجاوز المثقف والمفكر والفيلسوف والاكاديمي حتى وان استطاع تحجيم دورهما في البداية في بيئة تقليدية غارقة في الجهل والنذور والحناء . فالاشياء تعرف باضدادها وان المفكر حائز على الادوات المعرفية التي تحيط بالفقيه من ناحية معرفية صرفة بحيث تستوجب اﻟﻨﻈﺮ اليه ككائن صوري وليس غيبي او نوراني كما يتوهم الرعاع .. كائن يتصف بنوع من النمذجة والمثالية، وان تجريده من مختلف الملابسات المتداخلة في الواقع اي تحويلة الى ماهية محددة وليست ماهية متجاوزه لذاتها وللكون وعلم الاولين والاخرين .. عندئذ يمكن تحديده وفهمه وتصنيفه ومقارنته من دون مسميات عائمة عادة ما يلجأ لها الخطاب الفقهي في اطار مسرحة الشخصية الفقهية وجعلها عابرة لحدود الفهم والادراك .

لا يمكن للفقيه لبس عباءة المثقف حتى وان اراد ذلك، لان الاختلاف بين الاثنين يفرضه الاختلاف المعرفي على صعيد ثنائية النص والواقع . لان مايتولد عن النص هو ليس ذاته الذي يتولد عن الواقع، ومادام الفقيه ياخذ بالنص ولاياخذ بالواقع في مصادر التشريع وانه يبدأ بالنص نحو الواقع . فيما المثقف ينشغل بالواقع وينطلق منه . فان البون واسع .. كاختلاف الواقع  والنص .

 

سالم الشمري

الولايات ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ

 

في المثقف اليوم