قضايا

المفاهيم بين التوطين والاستنساخ

الافكار تقوم وَتُؤَسَسُ على مفاهيمَ، وكذلك العلوم مُؤسَسَةٌ على مفاهيمَ ومُصطَلَحاتٍ، لابُدَّ من تفكيكِها وفهمِها، للولوج الى عوالمها، ومعرفة تفاصيلها.

في البداية كان في ذهني ان يكونَ عنوانُ المقال (المَفاهيمُ بينَ التَبيِئةِ والاستنساخ)، ولكنني عندما راجعتُ هذا المفهوم، وجدت ان الدكتور (محمد عابد الجابري) استخدمه في مقاربته لمفهوم الاصلاح، ولعلّهُ هو اولُّ من استخدمَ هذا المُصطلح، والاّ فانّي كنت افضّلُ مصطَلَحَ (التبيئة)؛ لانّهُ يتناسبُ مع مصطلح الاستنساخ؛ لان كليهما مصطلحان بيولوجيان؛ ولهذا عَدَلتُ عنهُ .

مفهوم التوطين

المقصودُ بالتوطين هو: أَنَّ الافكارَ تنتمي الى وَطَنٍ، ونَبَتَت في بيئةٍ معينةٍ، وَنَشَأت في سياقات وشروط ثقافيّةٍ واجتماعيّةٍ خاصّةٍ، ولها مرجعيّةٌ فكريّةٌ خاصّةٌ .اذا نقلناها الى وطنٍ اخر، وبيئةٍ اخرى قد لاتؤتي ثمارها كما كانت في بيئتها الاولى، وقد تكون عائقا للنهوض في البيئة الجديدة، والوطنِ الجديد. فلا بدَّ ان نستنبَ هذهِ الافكارَ مع الوطنِ الجديدِ ونُخضِعَها للمرجعيةِ الجديدةِ، والظروفِ والسياقاتِ والشروطِ الثقافيّةِ والاجتماعيةِ الجديدةِ .

مفهومُ الاستنساخ

مفهومُ الاستنساخِ يعني نقلَ الفكرة من وطنها الاصلي، وبيئتِها التي تشكلت وتَكَوَنت فيها مع مرجعيتها وجذورها واصولها الفكرية، دون النظر الى السياقات والشروط والمرجعية الجديدة . والاستنساخ ايجاد نسخ جديدة متماثلة مع المنشأ الاصلي، كاستنساخ النعجة (دولي) .

نحن بحاجة الى توطين المفهوم، وتبيئتهِ، ودراسة تأريخهِ وتكييفه مع مرجعيتنا الثقافية فمفهوم الديمقراطيّة، تتبناهُ معظم دولُ العالم، ولكنها تخضعهُ للتوطين، بما يتوافق مع شروطها ومرجعيتها؛ حتى يكون هذا المفهوم مقبولاً في الوطنِ الجديد.

التجربةُ الاسلاميّةُ في ايران تبنت الانتخابات، والاستفتاء على الدستور، وهي اليات ديمقراطية، ولكنّها كيفتها مع مرجعيتها الاسلاميّة، واصحبت ممارسةً اسلاميّةً، لايراها المواطنُ الايرانيُّ شيئاً لاينسجم مع ثقافته.

هناك من دعا في عالمنا العربيِّ الى استنساخ المفاهيم، كطه حسين، وسلاّمة موسى، وغيرهم .... وهناك من دعا الى العلمانيّة، دون النظر الى سياقاتها وظروفها التي تشكَّلَت فيها .

مُصطَلَحُ (الدولة الحضارية)، مصطَلَحٌ يقبلُ التوطينَ، والاستنبات في اوطاننا وتكييفه مع مرجعياتنا الفكرية.. ولايمكن استنساخه من دول حضاريّةٍ اخرى تختلفُ عنا في ظروفها النفسية والاجتماعيّة والثقافية ومرجعيتها الثقافية . نعم، يمكن الاستفادةُ من تجارب الاخرين، والانفتاح على كل الافكار والتجارب البشريّة .

والخلاصة: يمكن نقل المفاهيم من بيئاتها الخاصّة واوطانها وتجريدها من مرجعياتها الثقافيّة والفكريّة، وتكييفها مع شروطنا النفسيّة والثقافيّة ومرجعيتنا الفكرية؛ حتى لايكون الفكر المُستَنبَتُ نبتاً غريباً .

 

زعيم الخيرالله

 

في المثقف اليوم