قضايا

كيف سعت أمريكا للسيطرة على منطقة الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية؟ (1)

محمود محمد عليتتميز منطقة الخليج بتنوع جغرافي يجعل من مواردها مطمعاً للعديد من القوي، فتتميز بالأراضِ الشاسعة وامتداد الرؤيا، وتتحكم في أهم الممرات كباب المندب ومضيق هرمز الذي يربط الخليج العربي وخليج عمان، وممراً مهما لناقلات النفط التي لا غني لها عن هذا المحور الاستراتيجي الذي يمتد اتساعه إلى حوالى 3 أميال بحرية ما يعنى سهولة إغلاقه والسيطرة عليه في حالة نشوب أي نزاع، كما تحتوي المنطقة على أكبر الاحتياطات العالمية في النفط والغاز، حيث تبين الاحصائيات أن مدينة البصرة العراقية وحدها ستعرف طفرة في إنتاج النفط الخام ما يفوق إنتاج السعودية وروسيا الاتحادية مجتمعين.

ولذلك كانت منطقة الخليج العربي خلال القرن التاسع عشر ومرحلة كبيرة من القرن العشرين طرفاً للإمبراطورية البريطانية الاستعمارية، وتحولت في العشرينيات والثلاثينيات من هذا القرن إلى "ضيعة" للاحتكارات النفطية الغربية. لكن بعد الحرب العالمية الثانية وتبدل نسبة القوة على الصعيد العالمي لصالح الاشتراكية وحركة التحرر الوطني في البلدان النامية؛ حيث انهار النظام الاستعماري في هذه المنطقة من العالم أيضاً، وحدث نهوض كبير في حركة الشعوب الساعية الى استعادة سيطرتها على ثرواتها الوطنية وتقرير سياستها بصورة مستقلة .

ومع نهاية الأربعينيات قامت ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺭﺌﻴﺱ ﻫﺎﺭﻱ ﺘﺭﻭﻤﺎﻥ Harry Truman ﺘﺒﻨﻲ ﺴﻠﺴﻠﺔ ﻤﻥ ﺍلإﺠﺭءات: ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺴﺘﻬﺩﻓﺕ ﺍﺤﺘواء ﺍﻟﻤﺩ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ، ﻓﻘﺩ ﺘﺯﻋﻤﺕ ﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴة ﺍﻟﻤﻭﻗﻑ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، وأخذت ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺘﻘﻬﺎ ﻤﻬﻤﺔ ﺍﻟﺤﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﺨﻁﺭ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ، ﻭﺃﻋﻠﻨﺕ ﻋﻥ ﺇﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺘﻬﺎ ﺍﻟﺠﺩﻴﺩﺓ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1947م، ﺍﻟﺘﻲ ﺴﻤﻴﺕ ﺒﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻻﺤﺘﻭاء لمواجهة الاتحاد ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ؛ حيث قدم ونظر لها الدبلوماسي الأمريكى جورج كينان George Kennan من ﺨﻼل ﻤﻘﺎﻟﺘﻪ ﺍﻟﻤﺸﻬﻭﺭﺓ" ﺒﻭﺍﻋﺙ ﺍﻟﺴﻠﻭﻙ ﺍﻟﺴﻭفيتى" " ﺍﻟﺘﻲ كتبها ﻓﻲ يوليو 1947م، ﻭﺘﻜﻤﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻤﻘﺎﻟﺔ كينان، في أنها قدمت أقوي مبرر لسياسة احتواء ﺍﻻﺘﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ ﻭﺘطويقه .

كانت ﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻻﺤﺘﻭاء ﺃﻭﻟﻰ ﺍﺴﺘﺭﺍﺘﻴﺠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺠﻴﺔ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ التى جاءت نتيجة، ﻟﻠﺘﺨﻭﻑ ﻤﻥ ﺍﻟﺘﻭﺴﻊ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ، وكان الردع ﺍﻟﻨﻭﻭﻱ ﻭﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻻﻨﺘﻘﺎﻡ ﺍﻟﺸﺎﻤل ﻫﻲ ﺍﻟﺴﺎﺌﺩﺓ؛ ﻟﺘﻨﻔﻴﺫ ﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻻﺤﺘﻭاء ﺍﻟﺘﻲ كاﻥ ﻤﻥ ﺃﻫﻡ ﺃﻫﺩﺍﻓﻬﺎ ﻤﻘﺎﻭﻤﺔ ﺍﻟﺘﻭﺴﻊ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ ﻭﻤﻨﻌﻪ ﻤﻥ ﻀﻡ ﺃﺭﺍض ﺠﺩﻴﺩﺓ ﻟﻬﻴﻤﻨﺘﻪ ﻭﺍﻟﻀﻐﻁ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺭﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺇﻨﺫﺍﺭﻩ ﺍﻟﺩﺍﺌﻡ ﻟﻠﺘﺨﻠﻲ ﻋﻥ ﺴﻴﺎﺴﺘﻪ ﺍﻟﺘﻭﺴﻌﻴﺔ ﺒﺎﻟﺭﺩﻉ ﺍﻟﻨﻭﻭﻱ، ﻭﻗﺩ ﺩﺨلت ﺍﻟﻭﻻﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺩﺓ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜية ﺍﻟﺸﺭﻕ ﺍﻷﻭﺴﻁ ﻋﺒﺭ ﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻻﺤﺘﻭاء في ﻋﻬﺩ الرئيس "ﺘﺭﻭﻤﺎﻥ"، ﻭﺫﻟﻙ من خلال محور ﺍﻟﻤﺤﻴﻁ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ﻟﻠﻤﻨﻁﻘﺔ، وذلك في ﺇﻴﺭﺍﻥ ﻭﺘﺭكيا ﻭﺍﻟﻴﻭﻨﺎﻥ، ﻻﺴﻴﻤﺎ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﺘﻭﺴﻊ ﺍﻟﺴﻭﻓﻴﺘﻲ ﻓﻲ ﺃﺫﺭﺒﻴﺠﺎﻥ ﻀﻤﻥ ﻤﺤﺎﻭﻻﺘﻬﺎ ﻟﻠﻬﻴﻤﻨﺔ علي ﺍﻟﻤﻨﻁﻘﺔ ﺒﻌﺩ ﺍﻟﺤﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺜﺎﻨﻴﺔ.

وفي نهاية الخمسينيات كان ميزان القوى في هذه المنطقة، قد مال نهائياً لصالح الولايات المتحدة؛ ففي عام 1957 م،أعلن "مشروع أيزنهاور" وهو المشروع الذي أعلن حق رئيس الولايات المتحدة في التدخل، بما في ذلك التدخل العسكري، في شؤون أية دولة من دول الشرق الأدنى تحت شعار "مكافحة الشيوعية العالمية" . وعلى هذا الأساس ألقي الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور (1953-1960) خطابا في الخامس من ديسمبر1957،أمام الكونجرس أكد فيه على ضرورة قيام الولايات المتحدة بسد الفراغ في منطقة الشرق الأوسط قبل أن تتعرض المنطقة إلى هيمنة وهجوم الاتحاد السوفيتى مما يؤدي إلى تعريض المصالح الأمريكية هناك إلى الخطر المباشر.

وتضمن المشروع الذي عرضه رئيس الولايات المتحدة أيزنهاور والذي سمي باسمه على عدة أمور نذكر منها :

1- استعمال القوات المسلحة للولايات المتحدة لحماية السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للأمم التى تطلب مثل هذه المساعدات ضد العدوان المسلح في أية دولة تسيطر عليها الشيوعية العالمية .

2-تقدم الولايات المتحدة الأمريكية معونات عسكرية لأية دولة من دول الشرق الأوسط ترغب بها.

3- تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم المعونة الاقتصادية لدول الشرق الوسط من أجل تنمية اقتصادياتها.

وطلب الرئيس "أيزنهاور" من الكونجرس منحة حق توزيع مساعدات اقتصادية قدرها 200 مليون دولار لمساعدة شعب الوطن العربي، ولاسيما في الشرق الأوسط اقتصادياً وعسكرياً، وتقدم تلك المساعدات بعد طلبها من الدول المعنية وتكون مشروطة للتصدي لأي خطر سوفيتى، ويعطى المشروع الحق باستعمال القوات المسلحة لضمان حماية السلامة الإقليمية والاستقلال السياسي للأمم من أى تهديد، وقد وافق الكونجرس الأمريكي في قرار مشترك لمجلس الشيوخ والنواب في 9 مارس 1957م على اقتراح رئيس الولايات المتحدة أيزنهاور، وخوله في حق إرسال القوات المسلحة الأمريكية للدفاع عن أى من الحومات الصديقة في الشرق الأوسط، والتى تواجه تهديداً مسلحاً من أى دولة أخري تتبع الاتحاد السوفيتى، وفي حال عدم وجود مثل هذا التهدد بالسلاح فللرئيس الحق في تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية التى تحتاج إليها الدول لغرض تأمين دفاعاتها .

ومع نهاية الستينيات دخلت السياسة الأمريكية بتولي الرئيس "ريتشارد نيكسون" Richard Nixon (1969-1974م) مرحلة إعلان "مبدأ الدعامة المزدوجة "، على أمل تقليل مخاطرة التورط العسكري في العالم الثالث، وذلك بالاعتماد على وكلاء محليين موالين للغرب تقوم الولايات المتحدة بتسليحهم وتمويلهم . لذلك أطلق على مبدأ الدعامة المزدوجة مبدأ نيكسون، والذي يؤكد على" فك ارتباط الولايات المتحدة العسكري المباشر في المشكلات الدولية، وأن الولايات المتحدة، لم تعد قادرة أو راغبة في تقديم الرجال والمال والسلاح للحفاظ على الوضع القائم في العالم، وأن الولايات المتحدة ستعمل على تشجيع بلدان العالم الثالث على تحمل مسؤوليات أكبر في الدفاع عن نفسها، وأن يقتصر دور أمريكا على تقديم المشورة وتزويد تلك الدول بالخبرة والمساعدة" .

ولقد شكل هذا المبدأ بداية إعلان الولايات المتحدة مبدأ جديداً في الشرق الأوسط، لخدمة الأهداف الأمريكية بعد الانسحاب البريطانى، وفي إطار ذلك المبدأ دخلت إيران والسعودية، باعتبار أنهما تمثلان نقطتى الارتكاز في المنطقة، وأن تعاون تلك الدولتين يمكن أن يوفر ما يسمي بـ"إطار قوي للاستقرار الفرعى – الإقليميى " في منطقة الخليج ؛ وهنا أصدر الرئيس نيكسون مذكرة قرار الأمن القومي "رقم 92"، لرسم سياسة الولايات المتحدة في الخليج هي :

أ- أن تستمر الولايات المتحدة في تقديم المساعدات العسكرية إلى الحكومات الموالية للغرب في الخليج العربي، مع الابتعاد عن تبنى دور عسكري مباشر في المنطقة .

ب- نشر قوات أمريكية في الخليج، لتأدية مهمات الشرطي التى كانت بريطانيا تؤديها سابقاً.

جـ-العثور على وكيل، بمعنى توظيف قوة إقليمية قادرة على ضبط مجريات الأحداث في المنطقة، بما يضمن مصالح الولايات المتحدة، بدلاً من نشر قوات أمريكية .

كما ذكر نيكسون أن بلاده، لن تقدر، بل هي غير راغبة في تقديم الرجال والمال والسلاح، للحفاظ على الوضع القائم في العالم، وذكر الآخرين بمسؤولياتهم الدولية والإقليمية، مما يعنى أن الولايات المتحدة، لن تستمر في دور الشرطي العالمي، لأنه أدي إلي تخبطها في أزمات اقتصادية وسياسية وأخلاقية . وكان الدور الجديد الذي رسمه نيكسون يرتكز علي ابتعادها عن التدخل المباشر، من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير استراتيجيتها، المرتكزة على ضمان تفوق واشنطن وحماية مصالحها الاقتصادية. وهو يفترض دعمها، عسكرياً واقتصادياً، للأنظمة الحليفة، لكي تتمكن من القيام بدور الحامي لمصالحها. وكانت ترجمة هذه السياسة، التى سميت "مبدأ نيكسون" Nixon Doctrine، في الخليج العربي، إعطاء إيران الدور العسكري الأساسي للحفاظ على الأمن، أي أداء الدور، الذي كانت تؤديه بريطانيا .

لذلك ركزت الولايات المتحدة سياستها على أن تؤهل إيران بالدور العسكري الرادع، لتقوم بدور فعال في المنطقة، سمي (بشرطى الخليج) في خدمة المصالح الأمريكية ؛ حيث تم زيادة دور شاه إيران كرجل بوليس إقليمي، أما السعودية فتؤهل لممارسة النفوذ السياسي .

وتنفيذاً لتلك السياسة بدأت إيران عام 1971م، تعلن مطامعها في المنطقة بحجة المحافظة على المصالح الأمريكية، وكانت قضية الجزر العربية قضية هامة بالنسبة للإيرانيين، خاصة أنها كانت تقع في منطقة استراتيجية، وذلك ما قوي الإدعاء الإيرانى، بأهمية السيطرة عليها .

وحسب ترجمة سياسة "مبدأ نيكسون" في الخليج، بإعطاء إيران الدور العسكري الأساس للحفاظ على الأمن، أى القيام بالدور الذي كانت تقوم به بريطانيا، يجب تسليم الجزر العمانية الواقعة على مدخل الخليج، والتابعة لإماراتى "رأس الخيمة والشارقة" إلى إيران، لحماية مضيق هرمز، وتلبية طموحات الشاه، بفرض الهيمنة الإيرانية والتوسعية على المنطقة العربية، التى أوكلها لنفسه أو أوكلت إليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث طالب الشاه بتلك الجزر، لأنها احتلت موقعاً استراتيجياً، ومن شأنها زيادة حصة إيران في التنقيب عن النفط في الجرف القارى، كذلك لأنها من أهم القنوات الرئيسية لحركة السفن، إذ تقع غرب مضيق هرمز، المدخل الرئيسي للخليج، وبذلك فهى جزر لإيران ميزة استراتيجية هامة، والدولة التى تسيطر عليه، يمكنها التحكم في منطقة الخليج العربي كله بسهوله .

وهكذا شكل احتلال إيران، للجزر العربية أول خطوة عملية في إطار سياسة مبدأ نيكسون لخدمة الأهداف الأمريكية في الخليج والإيرانية على السواء.

وعندما وقع الاعتداء الإسرائيلي على مصر في 1967، حاولت مصر أن ترد على تلك الاعتداءات في السادس من أكتوبر عام 1973م، فقامت بتحطيم خط بارليف، وبعد أربعة أيام من بدء الحرب، قام العراق بتأميم نصيب الولايات المتحدة الأمريكية في شركة نفط البصرة مما أثار دوافع الشعب العربي والحكومات العربية لاستخدام البترول في المعركة العربية. وفي السابع عشر من أكتوبر من نفس العام، اتخذت الدول العربية المصدرة للبترول عقب اجتماعها في الكويت قرارها الذي عرف بـ (الخفض التدريجي) والبدء فوراً في خفض إنتاج الدول العربية من البترول بنسبة لا تقل عن 5% من إنتاج شهر سبتمبر 1973م السابق لنشوب الحرب ثم تطبق النسبة نفسها كل شهر بالتخفيض من إنتاج الشهر السابق عليه، وذلك حتى يتم جلاء القوات الإسرائيلية عن الأراضِ التي احتلتها وأن هذا التخفيض لا يمس الدول التي ساعدت أو تساعد الدول العربية . وفي اليوم التالي 18 أكتوبر 1973، أُعلن في واشنطن أن الرئيس الأمريكي "نيكسون" طلب من الكونجرس الموافقة على مد إسرائيل بمعونة طارئة عسكرية لا تقل عن 2,2 مليار دولار، وهو ما دفع الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان" رئيس دولة الإمارات في اليوم التالي مباشرة الموافق 19 أكتوبر إلى وقف تصدير البترول للولايات المتحدة الأمريكية، تلتها دول عربية أخرى، أما السعودية فقد اتخذت قرارها على مرحلتين الأولى 19 أكتوبر بخفض إنتاجها البترولي بنسبة 10 بالمائة، وفي يوم السبت الموافق 20 أكتوبر 1973 قررت وقف تصدير البترول للولايات المتحدة الأمريكية.

ونتيجة حظر النفط العربي تأثر الوضع في الولايات المتحدة، إذ انتشرت طوابير طويلة للسيارات، تنتظر أمام المحطات لملء الوقود، بعد أن كانت في الماضي المحطات تتنافس على منح خصم لجلب الزبائن، كما تأثر الجيش الأمريكي بالحظر؛ وبالذات الأسطول السادس المسئول عن حماية الدول المصدرة للنفط، وأعاقت نتائج الحرب طرق وصول الولايات المتحدة التى كانت موجودة بالفعل، إلى موانئ الخليج العربي والمحيط الهندى، في وقت كانت الولايات المتحدة تحتاج خلالها إلى زيادة وجودها البحري في المنقطة .

واعتبر "هنري كيسنجر"، وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، هذه القرارات ماسة بكرامة وهيبة الولايات المتحدة كقائدة للعالم، فقد أثاره أن العرب أعطوا أنفسهم الحق في استخدام البترول كسلاح، ورغبتهم في السيطرة على الغرب، كما أن هذه المرة الأولى في التاريخ أن يعطي منتجو البترول لأنفسهم حق تحديد سعر البترول .

والسؤال الآن : ما الوسائل أو الطرق التى اتخذتها الولايات المتحدة لمواجهة هذا الوضع؟

إن المتتبع للسياسة الأمريكية في تلك الفترة، يري أن المواجهة الأمريكية لسياسة الربط العربية اعتمدت على خطط التدخل العسكري؛ حيث قررت الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفذ أكبر عملية استعمارية جديدة وجّدية خلال الثلث الأخير من القرن العشرين: فرض سيطرتها العسكرية والسياسية على كامل منطقة الخليج، وفي مجال سعيها لتحقيق المستحيل، قررت الولايات المتحدة تكثيف تواجدها العسكري في منطقة الخليج العربي بشكل لم يسبق له مثيل، معلنة إياها "منطقة المصالح الحيوية" الأمريكية، ونقطة انطلاق مهمة للصراع ضد الاتحاد السوفيتي؛ وذلك من أجل الوصول الأمريكي العسكري إلى مناطق النفط في الخليج العربي، والذي يمثل هدفاً استراتيجياً في سياسة الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيقه لحماية مصالحها النفطية والاقتصادية من أي تهديد . وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم