قضايا

قصص الطوفان التوراتية واليونانية

رحيم الساعديبقلم: إسرائيل درازن

ترجمة: د. رحيم الشياع الساعدي

اليهودية بعيدة كل البعد عن تأريخ الفيضان الذي غطى الأرض كلها. كانت كل ثقافة تقريبًا لها قصة، بما في ذلك ملحمة بلاد الرافدين القديمة في جلجامش، والعديد من الملاحم اليونانية، وأيضا منها ما خص الهنود الأمريكيين.  وتختلف القصص في بعض النواحي - تختلف أسماء الشخصيات ومواقعها - لكن هناك أوجه تشابه ملحوظ، يمكن للمرء أن يجادل من خلاله بأن هذا الاعتراف العالمي الواسع بوجود الفيضان يثبت أن قصة الكتاب (التوراة) صحيحة.

ومع ذلك، يمكن للمرء الاصرار أيضًا على أنه على الرغم من الآراء الواضحة فعلى العكس، لم تكن الفيضانات تغطي جميع أنحاء العالم، لأن هذا يخالف القانون الطبيعي.

إن عمليات الإخفاء (لاثر الطوفان) في قصة كل ثقافة هي تدفقات محلية حدثت بلا شك في كل أرض وفي أوقات مختلفة. على سبيل المثال، لاحظ الفيلسوف اليوناني أرسطو (طالب أفلاطون ومعلم الاسكندر الأكبر، 384-322 قبل الميلاد) لاحظ نسخة يونانية من قصة الطوفان في جميع أنحاء العالم، والمعروفة باسم Flood Deucalion’s، وكتب في كتابه Meteorologia i. 14، أنه حدث فقط في " منطقة تمثلت بـ (دودونا ونهر أخيلوس) .

واكتشف علماء الآثار أن هناك فيضانًا محليًا غمر العديد من المدن في سومريا منذ حوالي 5000 عام. وقد ذكروا أن الفيضان كان كبيرًا بشكل غير عادي، ولا متوقع، ومن المفهوم أنه أحدث انطباعًا كبيرًا. فسره البعض أن الكتبة الذين كتبوا عن الفيضان قاموا بتفصيل الحدث بشكل مبالغ فيه. سواء أكان المرء مقتنعا بأن الكتاب المقدس والثقافات الأخرى غير السومرية يصفان نفس الحدث السومري بطرق مختلفة أو أن كل منهما يسجل فيضانًا منفصلاً، فلا يزال من المفيد مقارنة الإصدارات المتنوعة لمعرفة كيف تفهم الجميع ثقافة تلك المأساة.

 الأسئلة

1-  ما هي قصة طوفان ديوكاليون؟

2-  ما هي أوجه تشابه الأسطورة اليونانية مع الانغماس والفيضان الحاصل في جميع أنحاء العالم وفق القصة الكتابية؟

3-  ما هو الاختلافات بين القصتين او الفيضانين؟

 الحكاية اليونانية لفيضان ديوكاليون

تتعلق الأساطير اليونانية بالعديد من حكايات السيول التي غطت الأرض بأكملها، فالقصة لفيضان(Deucalion) تقول حدث أن زيوس، الإله الرئيسي لليونانيين، كان غاضبًا وقد سمع أن أبناء ليقون الأثرياء ضحوا بصبي له زارهم، متنكرا في زي مسافر فقير استقبله الأبناء بحرارة وقدموا مأدبة كريهة قاموا فيها بخلط لحم أحد الإخوة فغضب زيوس وحولهم إلى ذئاب.

كان زيوس لا يزال غاضبًا وساخطا عندما عاد إلى أوليمبوس، موطن الآلهة، وأطلق طوفانًا من الماء لتدمير البشرية جمعاء. لكن بروميثيوس، وهو شخصية شبه إلهية كانت مفيدة وتخدم الناس، حذر ابنه ديوكاليون (نوح) فقام ديوكاليون ببناء (سفينة)، وملأها بالطعام، ودخلها مع زوجته بيرها، التي كانت أيضًا ابنة عمه، ابنة شقيق بروميثيوس إبيميثيوس.

بدأ الفيضان عندما هبت الرياح الجنوبية وسقط المطر. كان العالم كله مغطى بالمياه، باستثناء بعض قمم الجبال،  قتل جميع البشر أسفل قمم الجبال، باستثناء (Deucalion -  و  Pyrrha  زوجته) سارت السفينة لمدة تسعة أيام حتى هدأت المياه. ثم استقرت على الجبل. أرسل Deucalion حمامة لتؤكد له أن الماء قد خف، وعندما تأكد له ذلك، غادر هو وبيرها (السفينة).

وعرض الاثنان قربان شكر لزيوس. ثم صلوا لكي يتم تجديد الجنس البشري. أرسل زيوس رسوله هيرميس ليخبرهم برمي الحجارة خلف ظهورهم. أصبح كل حجر ألقاه Deucalion رجلاً وتحول كل حجر من قِبل Pyrrha إلى امرأة.

وتختتم الأسطورة بقصة مفادها أن بعض الأشخاص الآخرين إلى جانب دوكاليون وبيرها تم إنقاذهم من الغرق عن طريق الهروب إلى قمم الجبال اليابسة وغادروا الجبال بعد انخفاض المياه واستأنفوا القرابين البشرية.

كان أحد أبناء نوح أول شخص يخلط النبيذ بالماء، مما يجعله في متناول البشر.

التشابه:

1- استنكر كلا من الإغريق والإسرائيليون الممارسات البربرية القديمة الحسنة النية المتمثلة في تقديم الابن كذبيحة لله وغضب زيوس في هذه القصة اليونانية يمثل تعاليم أخلاقية تعبر عن المزيد من السخط المتحضر ضد هذا "الاحتفال الديني"، ولقد فهم موسى بن ميمون (قصة سفر التكوين22)، قصة تضحية إبراهيم من ابنه إسحاق، و يمكن أن ينظر إليه على أنه صراع إبراهيم الداخلي على هذه الطريقة المضللة (واسعة الانتشار) للتعبير عن الحب لله وفهم إبراهيم النهائي أن الله لا يريد مثل هذه التضحية.

2- في كلتا الروايتين، ينزل زيوس والله الطوفان بسبب السخط من السلوك البشري.

3- يتم حفظ الأبطال في كلا التقديرين في سفينة تركب فوق الماء.

4- في كليهما، وقفت السفينة للراحة أخيرًا على جبل، وأرسل الاثنان، نوح او دوكاليون، حمامة لترى ما إذا كان الماء قد انحسر.

5-  ينتهي كلا التقريرين بتعليقين حول النبيذ.

 

اختلافات

1-  كما في الأسطورة اليونانية، يتحدث سفر التكوين (11: 7 ) عن انزال الله فيما يتعلق الفصل 18 بأن الله ظهر لإبراهيم على أنه ثلاثة مسافرين.  وعموما فأن السكان اليونانيين عامة فهموا القصة حرفيًا، أن زيوس كان له جسد، الا ان النظرة اليهودية المتطورة هي أن الله غير متجسد كما يوضح ابن ميمون، فإن مصطلح "النزول" هنا هو مجرد تعبير مجازي لتوجيه العمل الإلهي إلى منطقة معينة، وكانت زيارة المسافرين الثلاثة بمثابة حلم.

2- يقرر زيوس قتل جميع البشر في الكتاب المقدس، كل البشرية تستحق الموت.

3- قرر زيوس تدمير البشرية جمعاء ولم يتم إنقاذ شخصين إلا من خلال تدخل بروميثيوس، لقد جلب الله الطوفان، لكنه هو نفسه أنقذ البشرية من خلال الحفاظ على عائلة بأكملها، أي ما مجموعه ثمانية أشخاص.

4- في الوقت الذي يشعر فيه زيوس والله بالسخط من السلوك البشري ويتفاعلان من خلال إغراق الأرض، تمرد زيوس على الطريقة التي يعامل بها، لكن الله (متخوف)(هكذا) من سلوك الناس تجاه بعضهم البعض، "لأن كل لحم أفسد طريقه على الأرض " سفر التكوين ٦: ١٢.

5- يعرّف المؤرخ اليوناني زوجة ديوكاليون بالاسم ويخبرنا أن والدها كان شقيق والد ديوكاليون. لا يعطينا الكتاب المقدس أي معلومات عن أي من النساء الأربع اللائي دخلن السفينة.

6- أحضر نوح الحيوانات في السفينة وأنقذها ولم يفعل    Deucalion

7- يذكر اليونانيون الريح كسبب للفيضان الا ان الكتاب المقدس يشير إلى أنه يساعد في تقليل الماء: "لقد صنع الله ريحًا لتمرير الأرض، والمياه التي تراجعت) التكوين8: 1 ) و قد يعبر هذا عن ارتياح التوراة لقوى الطبيعة.

8- في الأسطورة يتم الكشف عن بعض قمم الجبال خلال الماء، لكن في الكتاب المقدس يتم تغطية جميع الجبال. وبالتالي هناك تضارب في الأسطورة. لم تكن هناك حاجة لقيام Deucalion بإرسال طائر لتحديد ما إذا كانت المياه قد هدأت. نظرًا لأنه لم يصل أبدًا إلى قمم الجبال، وكان من المفترض وجود أشجار هناك لم تتم تغطيتها مطلقًا بالمياه، لان الطيور التي عادت مع الورقة لم تكشف عن أي مياه متراجعة. إلى جانب ذلك، كان بإمكان Deucalion و Pyrrha ترك الفلك والاستقرار على قمة الجبل.

9- استمر الفيضان تسعة أيام فقط في الأسطورة، ولكن سفر التكوين (8: 3 ) ينص على أنه "بعد 150 يومًا انخفضت المياه".

10- قدم نوح وحده القرابين لله، بينما قام كل من ديوكاليون وزوجته، ذكوراً وإناثاً، بالتضحية.

11- لا تظهر في الكتاب المقدس القصة غير العادية المتمثلة في الحفاظ على الجنس البشري عن طريق قذف إنسانين بالحجارة أثناء مواجهته في اتجاه آخر.

12-  في الإصدار اليوناني، تم إنقاذ بعض الأشخاص بالركض إلى قمم الجبال التي لم تغمرها المياه اما في الكتاب المقدس، قُتل الجميع باستثناء نوح وعائلته.

13-  بقاء بعض الناس خلف Deucalion وPyrrha    يفسر فشل خطة زيوس لتدمير الناس واستمرار الشر. هذا يعني وجود طبيعة شريرة في هؤلاء الناس، وهذا المفهوم غائب عن الكتاب المقدس، الذي يصر على أن كل ما يخلقه الله جيد من الناس، وليس من طبيعتهم، جلب الشر.

14-  في الكتاب المقدس، نوح نفسه هو الذي يزرع الكرم ويسكر، وليس ابنه، كما في الأسطورة 

ملخص

عثر على قصة الفيضان الذي غطى الأرض كلها في كل ثقافة تقريبا وهناك العديد من أوجه التشابه بين القصص. ومع ذلك، فإن عقلية الثقافات المختلفة تحدد كيف قاموا برواية القصة.

في الأسطورة اليونانية لدوساليون، فإن عالم الآلهة مليء بالعديد من الكائنات الإلهية التي تهتم برغباتها الخاصة وليس الإنسانية، فيغضب زيوس بسبب القرابين غير المناسبة التي تقدمها أسرة واحدة، ويقرر تدمير كل شخص، لكن بسبب تدخل بروميثيوس، وهو كائن إلهي من الصنف الثاني، يتم إنقاذ البشرية، حتى ان   بروميثيوس بعد ذلك ينقذ ابنه وابنة أخته وزوجة ابنه.

بعد الطوفان، عندما يصلي ديوكاليون وبيرها من أجل ولادة المزيد من البشر والحفاظ عليهما، يستجيب زيوس من خلال رسول ما - على عكس فعله المباشر لإحداث الأذى - ويطلب من الناجين إلقاء الحجارة خلف ظهورهم ثم أصبحت الحجارة التي ألقاها كل رجل بمثابة رجل وأصبحت امرأة تلك الحجارة التي قذفتها كل امرأة من النساء ويمكن للمرء التكهن فقط حول معنى هذا الحادث الغريب، أن الإغريق الذين قاموا بتأليف هذه القصة لم يروا الله خالق الإنسانية في أسطورة الخلق بل كان بروميثيوس عندهم هو الذي فعل ذلك مع زملائه من البشر.

ويثير قذف الصخور خلف ظهر كل شخص أفكارًا عن قلة الاهتمام، وان النمو يكون اعتمادًا على الصدفة، ويشير الى الافتقار إلى الاتجاه والهدف.

وباختصار، يعد الكتاب المقدس بحياة طيبة إذا عاش المرء حياة سليمة. ومع ذلك، فإن العالم اليوناني، كما يظهر في هذه القصة، (ولكن ليس في الأدب اليوناني الآخر) كان يدور حول مصير أعمى دون أي غرض، وعاش الناس حياة متشائمة خارجة عن إرادتهم تمامًا، مع تعذيب قوى الشر الشريرة لهم دون سبب.

 

............

1-  الآراء الواردة هو راي الكاتب لا المترجم

2-  ديوكاليون هنا هو النبي نوح

3-  غاية الترجمة هي البحث عن تناول اليونان لاهم القضايا المصيرية والدينية

4-  من المهم عقد مقارنة لثنائية هذه القصة مع منظومة القران الخاصة بالطوفان

 

في المثقف اليوم