قضايا

كيف سعت أمريكا للسيطرة على منطقة الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية؟ (5)

محمود محمد علينعود للمقال الخامس ونستأنف حديثنا عن الهيمنة الأمريكية علي منطقة الخليج العربي فنقول : كانت حرب تحرير الكويت هي أشد نقاط التحول خطراً في تطور العلاقات العربية – العربية؛ حيث تعد هذه الحرب من أقوي أحداث التاريخ العربي المعاصر خطراً، وأعمقها تأثيراً في العلاقات، البيئية والإقليمية والدولية، للدول العربية، فثمة قيم ومبادئ ومفاهيم، كان مأمولاً استقرارها، لكن حرب تحرير الكويت أثبتت أن ذلك الأمل، كان مبنياً، في الغالب، على أساس غير متين، كما كانت هياكل وبنى ومؤسسات، في طور التشكل، أو في مرحلة العمل تعرضت جميعها، بدرجات متفاوتة لهزة عنيفة، من جراء تلك الحرب العربية الكبرى كذلك، لم تسلم أوضاع الاستقطاب، الايديولوجي والسياسي، في العالم العربي، من آثار الزلزال العنيف.

فبعد ثمانية سنوات من الحرب البعثية والمعارك الطاحنة مع إيران، وجد الرئيس "صدام حسين" أن هذا النزاع لم يجلب له أي مكاسب استراتيجية أو سياسية، لذلك ما إن كادت إيران تعلن عن قبولها لوقف إطلاق النار، حتى أسرع العراق لوضع خاتمة لذلك الفصل المأسوي في تاريخ المنطقة، وقد كان وقف إطلاق النار والعوامل الاقتصادية الخانقة التى أصبحت عليها العراق بعد الحرب عامل دفع بالأزمة من مرحلة الغزو المباشر إلى رحلة الصدام، وضم الكويت وهكذا تم فتح صفحة غير مشرقة في تاريخ العلاقات العربية. إلا أن هناك اتجاهين قد سارت فيهما أطماع صدام، الأول في خط مفاده أن أطماعه تمتد إلى الخليج العربي بكامله، وأن الكويت لم تكن سوي الخطوة الأولى. أما الاتجاه الثاني، فينظر إلى النزاع العراقي- الكويتي كخلاف بين دولتين، وأن صداماً كان يتولى التوقف عند حدود الكويت، بل ذهب بعضهم إلى انسحابه لقاء بعض المكاسب .

وقد قام بعض الباحثين الغربيين بتحليل هذين الاتجاهين مستعرضين تاريخ العلاقات بين بغداد وحكام الخليج، بهدف التوصل إلى جواب موضوعي لحسم الخلاف القائم بينهم، والذي يعود إلى فهم المصالح الحقيقية للمنطقة والأهداف الواجب متابعتها دفاعاً عن هذه المصالح المرتبطة بالقوة غير العربية في المنطقة خاصة إيران. واعتباراً من 1958م حكم العراق نظام وطني كان همه الأول تجنب السيطرة الإيرانية والأمريكية محل النفوذ البريطاني المنحسر .

وسبب آخر للتوتر بين العراق وجيرانه، ينجم عن حاجة العراق الاستراتيجية إلى منفذ على الخليج العربي، الأمر الذي أدي إلى توتر دائم بين الكويت وإيران، لأن العراق كان بحاجة إلى اعتراف إيران بسيادته على شط العرب، أو قبول الكويت التنازل عن جزيرتي"وربة" و"بوبيان"، الأمر الذي يبين الترابط الوثيق بين نزاع العراق مع إيران ونزاعه مع الكويت.  لذلك كان من الطبيعي أن يؤدي النزاع الكويتي إلى تسمم العلاقات بين بغداد ودول الخليج الأخرى .

وقد كان للعراق دوافعه لغزو الكويت، وقد ظهرت هذه الدوافع في وثيقة نشرت في لندن خلال شهر سبتمبر 1990م، عرضت فيها أسبابه على أنها ضحية مؤامرة دبرتها الولايات المتحدة وإسرائيل لمنعها من الوقوف على قدميه بعد حربه مع إيران، وقدم مبرراته في حقه التاريخي تجاه سياسة الكويت النفطية، وقد أثارت مطالبه هذا العالم؛ خاصة أن النزاع كان محصوراً منذ عام 1963م في مسألة الحدود، وقضية الجزر ولم يكن وجود الإمارة موضع أي جدال .

ولا يخفي أيضاً الدور الذي لعبه تصريح السفيرة الأمريكية أبريل "جلاسبى" لدي العراق، حين ذكرت أنها لم تعقد أي اتفاقات دفاع مشترك مع الدول الخليجية، حيث قالت السفيرة للرئيس صدام بنص العبارة:" إننا لا نملك آراء محددة، فيما يتعلق بالصراعات العربية – العربية، مثل نزاعكم الحدودي مع الكويت، لقد كنت فيها نهاية الستينات (كانت جلاسبي تشغل منصب سكرتيرة في السفارة الأمريكية في الكويت) .وكانت التعليمات لديها تقضي بعدم إبداء الرأي في هذه القضية، التي لا تهمنا، كأمريكيين، لقد أعطي "جيمس بيكر" وزير الخارجية، أمراً إلى الناطق الرسمي عندنا، لإعادة تأكيد هذه التعليمات، نحن نأمل لأن تسووا القضية بالوسائل الصالحة، من طريق القليبي، أو حسنى مبارك رئيس مصر، وكل ما نرجوه هو الوصول إلى حلول سريعة. ضوء أخضر ثالث يؤكد أن الخلافات الحدودية، بين العراق والكويت، لا تشغل بال الولايات المتحدة، وفي المناسبة، هل أستطيع لفت انتباهكم إلى المخاوف التى تراودنا، فيما يتعلق بهذا الموضوع ؟ نحن نلاحظ أنكم حركتم قوات ضخمة في الجنوب، ومن الطبيعي ألا يعنينا الأمر بحد ذاته. ولكن  عندما يحدث في الإطار الذي رسمتموه بأنفسكم، في عيدكم الوطني، كذلك الأمر، عندما نأخذ في الحسبان وجهة النظر العراقية إلى ما تقوم به الكويت، والإمارات من طبيعة عسكرية، لا بد أن نشعر أننا معنيون بالوضع وبالنتيجة، لقد تلقيت تعليمات بأن أطلب منكم بكل صداقة وود إعلان نياتكم "؛ وهذا الحوار بين الرئيس صدام حسين والسفيرة قد مثل دعوة صريحة منها للغزو من دون تدخلها فيه، مما أظهر العكس بعد الغزو الذي مثل حجة للدفاع الأمريكي عن مصالحه في  المنطقة .

على الرغم من جميع هذه الحجج التاريخية، والخلاف القديم بين البلدين لا بد من وجود أسباب مباشرة للغزو، وهى الخسائر الفادحة للعراق بعد حربه مع إيران وانخفاض سعر برميل النفط عام 1990م، مما حال دون تسديد ديونه المترتبة عليه للدول الأجنبية، رغم شطب معظم الديون المترتبة على الدول العربية عدا الكويت التى طالبت بدينها .

أضف إلى ذلك وصول المفاوضات مع إيران حول شط العرب إلى طريق مسدود، والتحول إلى جزيرتي "وربة" و"بوبيان" الكويتيان، وقد أصبحت من الأهداف الاستراتيجية لصدام حسين، ورغم الدور الإيجابي للكويت في مساندتها للعراق عند اختراق السلاح الإسرائيلي المفاعل النووي العراقي، وإعمار العراق بعد الحرب، كما ترأست الوفد الذي كلف من قبل مجلس العربية للنظر في اعتداء إسرائيل عليه. وعلى إثر نشوب الحرب العراقية – الإيرانية لم تتوان الكويت عن مساعيها لوقف الحرب، ولم تكف الكويت عن التنبه بأن غياب التضامن العربي وتصدع الصف العربي والانقسامات بين الدول العربية يشكل أحد عوامل المأساة .

على الرغم من كل هذه الموقف الداعمة للعراق في الأزمات، لم يمض عامان على توقف الحرب العراقية – الإيرانية حتى أخذ يصاعد خلافاته ضد الكويت، تحت دعاوي ضرورة إسقاط الكويت لما هو مسجل على العراق من ديون الحرب، التى بلغت 14 مليار دولار، مع أن الكويت لم تثر هذا الموضوع، وعلى الرغم من إبلاغ أمير الكويت بإسقاط الدين. وفي ذلك يمكن القول أن العدوان كان مفاجأة العالم، إلا أن النظام العراقي، كان يدبر له قبل فترة ليست بالقليلة من وقوعه.

وكان المأزق أن الكويت هي الأخرى تحتاج إلى زيادة دخلها وتبرر احتياجها للمال لتعويض خسائرها أثناء الحرب العراقية – الإيرانية، ولإحساسها بأن أمنها مكشوف عملت الكويت على زيادة مشتريات السلاح، وأيضاً سبب آخر وهو إسقاط اقتصادها في فضيحة سوق المناخ . كل ما ذكر يبرر الحرب بأنها حرب حدودية بحتة بذلت فيها مساع كثيرة لحلها سلمياً لكنها فشلت  .

وعلى الرغم من المذكرات المتبادلة بين رئيس الحكومة العراقية – نوري السعيد في عام 1932م وحاكم الكويت، عن طريق المعتمد البريطاني في الكويت، كان اعترافاً واضحاً وثابتاً من جانب العراق بأحقيته، فالتعبير الصادر عن الرئيس ملزم به فهو وفقاً للقانون الدولي يعبر عن إرادة الدولة، وهذا الاعتراف بالكيان المتميز من جانب العراق، يؤكد أن معظم الخلافات التى ثارت بين البلدين في مرحلة ما قبل استقلال الكويت، كانت بشأن الحدود، ولم تكن بشأن وجود الكويت في حد ذاته .وتنص المادة "11" من معاهدة فيينا لخلافات الدول على أن لا تؤثر خلافات الدول في حد ذاتها على الحدود المقررة بمعاهدة، أو الالتزامات والحقوق المقررة بمعاهدة، والمتعلقة بنظم الحدود. وفي ضوء هذا المبدأ يمكن القول بأن الحدود الكويتية – العراقية، قد استقرت منذ عام 1932م على خط الحدود المبين في الاتفاقية المبرمة في 29 يوليو 1913م بين تركيا وبريطانيا، كما وافق حاكم الكويت، وقد استقر إقليم الكويت في حدوده تلك حتى بعد الاستقلال عام 1961م واعترف العالم أجمع بالكويت كدولة مستقلة داخل حدودها التى استقرت منذ عام 1932م لكل ما ذكر أغلق الباب أمام الادعاءات العراقية، وموافقتها دون قيد أو شرط على قرار مجلس الأمن رقم 687 الصادر في أبريل 1991م، والذي تضمن اعتراف العراق بخط الحدود التى أقرت في اتفاق 1932م و1963م مؤكدا فساد الادعاءات العراقية .

قد يكون البعد الاقتصادي هو أهم العوامل التى أدت إلى الغزو بالرغم من الذرائع العديدة التى أثارها النظام العراقي مبرراً الغزو والاحتلال، إلا أن النتائج الكارثية للحرب العراقية – الإيرانية وتدهور الأحوال المالية والمعيشية في العراق، قد دفعت به لاحتلال الكويت متسلحاً بادعاءاته التاريخية من أجل معضلة النظام الاقتصادية وتسخير موارد الكويت النفطية والمالية، لمواجهة الالتزامات الملحة في العراق؛ حيث قدرت الأسلحة في تلك الحرب بــ 100 بليون دولار. أما البنية التحتية فقد قدر بـ 35 بليون دولار، أما العائدات النفطية 15 بليون دولار، وخلال تلك الفترة اقترض العراق من الدول الأجنبية 35 بليون دولار، أما الدول العربية 35 بليون دولار، ومعظمها لحساب السعودية والكويت. وقد كان معظم هذا الاتفاق على الآلة العسكرية على حساب الالتزامات المالية في العراق .

وثمة نقطة أخري جديرة بالإشارة، وهي أن حرب الخليج الثانية كان هدفها تحرير الكويت كموقف دولى متوافق عليه، لكن هيمنة أمريكا على العمليات العسكرية التى تمت تحت إشرافها وسرعة تدخلها بأكثر من 100 ألف جندي جعل هذه الحرب تحيد عن هدفها من تحرير الكويت المحبذ من المجتمع الدولي ممثلاً في الأمم المتحدة إلى تحطيم وتخريب العراق كقرار أمريكي، اتخذه صقور البيت الأبيض (المحافظون الجدد) الذين تشبعوا بمقولات الغرور بالقوة لإقامة الإمبراطورية الأمريكية التي لا تقف دونها قواعد القانون الدولي كما حددها صامويل هنتجنتون حول صراع الحضارات ، ووجدوا حرب الخليج الثانية فرصة لتنفيذ تلك المقولات كعقيدة آمنوا بها فأصبحوا بسياستهم تلك أقرب إلى الفاشية أو النازية التى يطلق عليها " مشروع القرن الأمريكي "، أو الأصولية الدينية الأمريكية التي تجسد مفهوم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة .

وكانت الولايات المتحدة قد سلكت خلال حرب الخليج الأولي سياسة فرق تسود بين الأطراف المتصارعة معتقدة أن هذا السلوك من شأنه ضمان استمرار تدفق النفط إلى أسواقها؛ بمعنى منع أي قوة إقليمية ناشئة من شأنها أن تسيطر، أو أن تحدث عدم توازن جيو سياسي في المنطقة، فكانت نتيجة السياسة الأمريكية في المنطقة حرب الخليج الثانية، ذلك أن المنطقة حسب الرؤية الأمريكية كانت بحاجة إلى تطورات أكبر مما أحدث في حرب الخليج الأولي، تطورات من شأنها المحافظة على المصالح الحيوية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. ولأجل هذا بدأ الدور الأمريكي خلال وقبل حرب الخليج الثانية أكثر دبلوماسية، فقد عملت إلى دفع الآلة العسكرية لضرب العراق، وذلك بتأليب دول المنطقة عليه، من أجل ضربه بموافقة وإجماع دولي وباستصدار لقرارات من مجلس الأمن .

وإذا كانت الكويت والسعودية خلال حرب الخليج الأولى، قد دعمت العراق اقتصادياً ووصلت حجم المساعدات الكويتية للعراق أثناء الحرب العراقية-الإيرانية إلى ما يقارب 14 مليار دولار، كان العراق يأمل بدفع هذه الديون عن طريق رفع أسعار النفط بواسطة تقليل نسبة إنتاج منظمة أوبك للنفط. واتهم العراق كلا من الكويت، والإمارات العربية المتحدة برفع نسبة إنتاجهما من النفط بدلاً من خفضه، وذلك للتعويض عن الخسائر الناتجة من انخفاض أسعار النفط مما أدى إلى انخفاض النفط إلى مستوى يتراوح بين 10 و12 دولار بدلاً من 18 دولار للبرميل. ولكن إحصائيات منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، تشير إلى أن 10 دولاً من ضمنهم العراق، لم تكن ملتزمة بحصص الإنتاج. وعلى الرغم من ذلك تعهدت كل من الكويت والإمارات بالالتزام بحصص الإنتاج المقدرة بمليون ونصف برميل في 10 يوليو 1990، وصرحت الكويت في 26 يوليو 1990 بأنها خفضت إنتاجها من النفط إلى مستوى حصص منظمة أوبك. وبدأت الأحداث تأخذ منحنى تصعيدياً من قبل النظام العراقي، حيث بدأ العراق بتوجيه اتهامات للكويت، مفادها أن الكويت قام بأعمال تنقيب غير مرخصة عن النفط في الجانب العراقي من حقل الرميلة النفطي ويطلق عليه في الكويت حقل "الرتقة" وهو حقل مشترك بين الكويت والعراق .

واعتقد صدام حسين أن أي عمل يقوم به ضد الكويت، هو حماية الاقتصاد العراقي من الانهيار، حتى وإن كان عسكرياً، لا يحمل الولايات المتحدة أن تتخذ ضده إجراءات قاسية، خاصة بعدما أعطته الولايات المتحدة الضوء الأخضر، والمتمثل في قول السفيرة الأمريكية في بغداد أن الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها علاقة بموضوع النزاع الحدودي والنزاعات الأخرى بين العراق والكويت .

ويبقى السبب الرئيسي لتنفيذ قرار الغزو هو الحدود المتنازع عليها بين البلدين حول حقل الرميلة ؛ حيث يقع أكثر من 90 % في التراب العراقي، الأمر الذي جعل  صدام حسين،  يتهم الكويت بسرقة النفط منه أثناء حربه مع إيران، كما أن الكويت ركزت على منطقة الرميلة، الأمر الذي استفز صدام  حسين وأدخله في أزمة للإنتاج وانخفاض الأسعار، بحيث  يعتمد 90 % من موارده على النفط، لذا طلب من الكويت 2,4 كتعويض عن النفط المسروق من الحدود العراقية والتخلي عن حقل الرميلة وتدفع للعراق مالية مساعدة قدرها 12 مليار دولار كتعويض عن انخفاض الأسعار .

ويمكن أن نجمل أسباب الغزو بالنقاط الآتية :

- أطماعٌ عراقيةٌ بالكويت قديمةٌ وقد تجسّدت بعدة محاولاتٍ للدخول إلى الكويت، إلا أنّ بريطانيا كانت تمنع ذلك، ومما ساعد على بناء الشخصية الاعتبارية للكويت بعدم تدخل النظام العثماني بها فلم تعزل أو تعيّن حاكماً، كما أنه لم يوجد أي جندي تركي على أرض الكويت.

-  اكتشاف احتياطي نفطي ضخم في الأرض الكويتيّة، مما أدى إلى زيادة أطماع دول الجوار بها خاصةً العراق.

-  الحرب العراقية الإيرانية فعلى الرغم من الدعم المادي الكبير الذي قدمته الكويت، وغيرها من دول الخليج العربي للعراق كدين أو مساعدات، إلا أنّ العراق كان يعتبر ذلك غير كاف، لأنه بحربه يدافع عن كامل دول الخليج من وصول الثورة الإيرانيّة إليها، فقد وصل حجم الدعم الكويتي للعراق حوالي 14 مليار دولار.

- انخفاض أسعار النفط وكان العراق يتهم الكويت، بأنها جزءٌ من مؤامرة لتخفيض أسعار النفط، ممّا ألحق بالعراق خسائر كبيرة نتيجة الفروق في السعر.

-  عدم قدرة العراق على سداد الديون التي تراكمت عليه للكويت وغيرها من دول الخليج.

- اتهام العراق للكويت باستغلالها لحوض نفطي مشترك بينهما أثناء انشغال العراق بحربه مع إيران واستخراج كميات كبيرةٍ من النفط وبيعها لحسابها.

-  رغبة العراق بالحصول على مساحاتٍ مائيةٍ أكبر على الخليج، خاصةً بعد أن دمّرت الحرب الموانئ العراقية وتخوف العراق من إمكانية تجدد هذه الحرب.

- تعرّض العراق الى التضليل من الدول الكبرى بتشجيعه على حل مشكلته مع الكويت على طريقته الخاصة إذ إن الكويت لعبت دوراً في تخفيض أسعار النفط خلال حرب العراق مع إيران.

وفي صبيحة 2 أغسطس 1990م، فوجئ العالم بغزو عراقي همجي، حيث تقدمت قواته نحو مدينة الكويت، مشكلة من ثلاث فرق رئيسية قوامها 100 ألف جندي، للسيطرة عليها وشل الحياة، والثانية نحو منابع البترول لاحتلالها، والثالثة- انتشرت على الحدود الكويتية  السعودية، وتمكنت القوات العراقية من إحكام سيطرتها على الكويت، ولم تجد أثر للأسرة الحاكمة التي استنجدت بالسفارة الأمريكية .

ولقد طرح العدوان العراقي على الكويت في 2 أغسطس، واحتلاله كامل ترابها، وإلغاء كيانها، كدولة مستقلة ذات سيادة، بإعلان ضمها إلى العراق تحدياً غير مسبوق، أمام المجتمع الدولي والعالم العربي. وشكلت مفاجأة الغزو انفجاراً داخل النظام العربي، لكونها أول حالة من نوعها، وأكبر من قدرته وقدرة مؤسساته وآلياته القائمة على مواجهتها، فبدلاً من أن تتبلور إرادة سياسية عربية واحدة، تعددت الإرادات، واختلفت التوجهات، وانقسمت الدول العربية على نفسها، وعلى الرغم من أن معظم الدول العربية، قد أعنت أنها لا تقبل الغزو، من حيث المبدأ، إلا أن بعضها أيدت العراق. وتكشف الخبرة، أن ظاهرة الانقسام، ليست بجديدة على النظام العربي؛ فقائمة الصراعات العربية طويلة، وتتوقف حدة هذا الصراع أو ذلك، ومدي تأثيره في أداء النظام، على أطراف هذا الصراع، وعلى ثقلهم السياسي والاقتصادي والدولي بصفة عامة .

غير أن الصراع هذه المرة يختلف عما سبقة، لأسباب عدة أبرزها :

1- إنها المرة الأولى، التى يكون موضوع الصراع فيها، هو ضم إحدى الدول العربية دولة عربية أخري بالقوة المسلحة.

2- إن الانقسام في شأن الصراع وموضوعه، امتد، لمعايير كثيرة ومعقدة، ليشمل ليس أعضاء النظام العربي فقط، بل قاعدته الجماهيرية؛ إذ يكفى استطلاع الرأي بين الجماهير العربية، حول الأزمة، لتتضح اتجاهات شتى وآراء شتى وآراء متناقضة.

3- في ضوء عجز النظام العربي عن إدارة الأزمة، تحولت إلى أزمة كبري، إقليمية دولية، شكلت أول تحد للنظام العالمي الجديد وهو في طور التشكيل.

4- إن الصراع انفجر في منطقة استراتيجية، حيث مصادر النفط والممرات المائية الاستراتيجية، وهى تمثل أهمية حيوية، بالنسبة إلى الغرب.

5- إن الأزمة كشفت ضعف التجمعات الإقليمية، التى عُدت مدخلاً لتدعيم النظام العربي؛ كما أظهرت افتقاد الجامعة العربية نفسها، نظاما أو آلية، لفض المنازعات بالطرق السلمية، أو بالتحكم الإجباري.

6- في إطار ما أصاب النظام العربي من عجز، حقق بعض دول الجوار الجغرافي، بعض المكاسب السياسية والاستراتيجية على حساب النظام العربي.

ومن ناحية أخري، فإن الاجتياح العراقي قد هز شبكة المصالح الدولية هزاً عنيفا، ولا سيما مصالح الدول العظمي في النظام الدولي المعاصر. وهذه الهزة قد ترضي بعض الذين يرفعون شعارات محاربة الإمبريالية ونحو ذلك، ولكنها في النهاية تجد رد الفعل العنيف، نتيجة لاهتزاز مصالح تلك الدول. فاحتلال الكويت، يعنى أن قراراً واحداً، سيكون مسيطراً على أكثر من العشرين في المائة من إنتاج النفط العالمي؛ ومعنى ذلك، أن هذا القرار، سيكون قادراً بشكل أو بآخر على التحكم بأسعار النفط، وما يترتب على ذلك من تحكم في كافة الأنشطة الاقتصادية العالمية؛ إذ إن النظام الاقتصادي كله مترابط ويؤدي تغير أحد محتوياته إلى غير بقية المحتويات، ومن ثم يصيب النظام بعدم الاستقرار والثبات، وهو ما يؤدي، بدوره إلى اضطرابات سياسية، تجعل من النظام السياسي، الداخلي والخارجي، غير قادر على أداء عمله الأداء الأكمل، مما يؤثر في استقرار كافة أنحاء العالم . وللحديث بقية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم