قضايا

كيف أثارت إسرائيل النعرات الطائفية في الوطن العربي (3)

محمود محمد علياستغلال الأقليات الدينية

نعود وننهي حديثنا في هذ المقال عن الكيفية التي جعلت إسرائيل تثير النعرات الطائفية في الوطن العربي من خلال استغلال الأقليات الدينية، وفي هذا يمكن القول : وترتكز نظرية شد الأطراف على عدة عناصر ذات أبعاد عرقية، كما ذكر " موشى فرجي " Mousi Faraji في كتابه "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان نقطة البداية ومرحلة الانطلاق " الصادر عن "مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا"، التابع لجامعة تل أبيب .

أهمية الكتاب تكمن في أمرين، أولهما أنه يشرح بالتفصيل الدور الكبير الذي قامت به المخابرات "الإسرائيلية" في مساندة حركة تحرير الجنوب، سواء على صعيد الإمداد بالسلاح والخبراء والمال، أو على صعيد حشد التأييد الدبلوماسي والسياسي لمصلحتها. الأمر الثاني الذي لا يقل أهمية أو خطورة أنه يشرح على وجه الخصوص بالتفصيل أيضاً استراتيجية "إسرائيل" لإضعاف العالم العربي بوجه عام، وإضعاف مصر على وجه الخصوص. وكيف أن تلك الجهود الحثيثة استمرت حتى بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع "إسرائيل" في عام 1979م .

أفاض المؤلف في شرح نظرية "شد الأطراف" التي هي محور الكتاب وموضوعه الأساس. فذكر أنها ترتكز على عدة عناصر ذات أبعاد عرقية وعسكرية وسياسية، وعرض لكل واحد من تلك العناصر على النحو التالي:

من الزاوية العرقية كانت الفكرة بمثابة دعوة لخلق تجمع اثني يضم دولاً وجماعات غير عربية في إطار من العمل والتعاون لمواجهة المد القومي العربي، باعتبار أن ذلك المد يهدد تلك الدول والجماعات. وقد ركز الخطاب "الإسرائيلي" في هذا الصدد على أن خطر ذلك التهديد يجب أن يدفع تلك الأطراف إلى الاحتشاد في خندق واحد. وهذه الرسالة نقلها بصراحة ووضوح "بن جوريون " إلى كل من "عدنان مندريس" Adnan Menderes رئيس وزراء تركيا في أواخر الخمسينات، وشاه إيران والامبراطور هيلاسلاسي. وهذا هو المعنى الذي عبر عنه "مائير عميت" Meir Amit رئيس الموساد حين ألقى في عام 59 محاضرة على دفعة جديدة من عناصر الموساد قال فيها: إن التهديد بالخطر العربي الذي جسدته حركة المد القومي، كان لا بد أن ينجح في إثارة النوازع النفسية لدى الجماعات غير العربية داخل الدول العربية، وخاصة في العراق وسوريا ولبنان والسودان.. كما إن الوجود الاثني المتمثل في شعوب مثل الشعب "الإسرائيلي" والتركي والإيراني والإثيوبي، الذي يتناقض مع العنصر العربي المهيمن على المنطقة، شكل أساساً لقيام علاقة تحالفية بين "إسرائيل" والدول التي تمثل تلك الشعوب.

استخدمت "إسرائيل" سلاح التخويف من هيمنة العرب المعززين بالقوة النفطية، لكي تحث الدول والجماعات غير العربية إلى الاحتشاد والتحالف لدرء ذلك "الخطر". وقد عبرت عن ذلك جولدا مائير وزيرة الخارجية في مؤتمر لحزب العمال عام 1960، حين قالت: لقد نجحنا في إقناع الدول المحيطة بالدول العربية لإقامة "حلف الدائرة"، ليشكل سوراً من حول تلك الدول، يدرأ الخطر ويقي هذه الدول ويصونها من حركة القومية العربية .

فكرة التخويف من الخطر العربي استثمرت عسكرياً إلى أبعد مدى. فقد ركزت "إسرائيل" على أنه لا سبيل إلى صد ذلك الخطر إلا بإقامة تعاون عسكري وثيق بين "إسرائيل" وبين دول الجوار، وجندت لتلك المهمة أبرز الشخصيات العسكرية والسياسية. في هذا السياق عقد أول لقاء بين رئيس الموساد "رؤوفين شيلواه" Reuven Shiloah وبين وفد عسكري تركي في روسيا عام 1957، وتتابعت تلك اللقاءات في إيطاليا ودول أخرى. وكان التعاون العسكري والأمني لصد خطر المد العربي، هو الموضوع الرئيسي لكل تلك الاجتماعات. وما حدث مع تركيا تكرر مع إيران وإثيوبيا، حيث ركز بن جوريون في خطابه الموجه إلى تلك الدول على أن العرب يزعمون أن الشرق الأوسط هو شرق عربي، ومن الضروري أن تشكل الدول الأخرى غير العربية في المنطقة كتلة واحدة، لدحض تلك المقولة، وللدفاع عن وجودها واستقلاله .

هذا الجهد "الإسرائيلي" أثمر تعاوناً أمنياً وثيقاً مع الدول الثلاث (تركيا، إيران، إثيوبيا). وأدى إلى تنظيم لقاءات سرية عدة بين رؤساء الأركان في الدول الأربع، عقدت في كل من أنقرة وطهران عام 1958، وفي سياق ذلك التعاون أرسلت "إسرائيل" أكثر من عشرة آلاف خبير عسكري وأمني إلى تركيا وإيران وإثيوبيا. وتطور هذا الرقم في السنوات اللاحقة، حتى وصل عدد الخبراء العسكريين "الإسرائيليين" في إيران وحدها عامي 77 و 78 إلى أكثر من 20 ألف شخص. كما زودت "إسرائيل" كلاً من تركيا وإيران بأسلحة من صنعها، مثل صواريخ بر - بر (جبريال) ومدافع هاون وأجهزة رادار وبنادق ورشاشات من نوع عوزي.

إزاء النجاح الذي حققته "إسرائيل" على ذلك الصعيد، فإنها أصبحت مطمئنة إلى أن تلك الدول أصبحت تمثل قوى احتياطية لها في مواجهة العرب، وإن اختلف الموقف بالنسبة لإيران بعد قيام الثورة الإسلامية في عام 1979 .

في ذات الوقت اعتمدت "إسرائيل" الرؤية الاستراتيجية الشاملة لنظرية شد الأطراف على ضرورة خلق اصطفاف سياسي متجانس ومترابط ومتحالف مع الغرب. وحرصت "إسرائيل" على أن تقدم نفسها بحسبانها دولة تمثل امتداداً للغرب وعمقاً استراتيجياً له. واعتبرت ذلك يشكل قاسماً مشتركاً لها مع تركيا، كما تعاملت مع إيران وإثيوبيا على أنهما دولتان تدينان بالولاء للغرب. وفي سعيها لإبراز عوامل التشابه أو التطابق بينها وبين دول الجوار، فإن "إسرائيل" أرادت أن تكسر جدار العزلة السياسية التي فرضت من حولها، لأن تعاملها مع دول الجوار غير العربية من شأنه أن يوفر لها إمكانية التحرك إقليميا ودولياً باعتبارها دولة معادية في المنطقة. وفي هذه النقطة نبه المؤلف إلى أن تحقيق "إسرائيل" غاياتها السياسية في استراتيجية شد الأطراف لم يكن يتأتى لولا مساعدة القوى الغربية التي وجدت أن مصالحها تتوافق مع إقامة هذه الشبكة من التحالفات. ولذلك فإن جميع اتفاقات التعاون في مختلف المجالات بين "إسرائيل" والدول الثلاث لقيت دعماً غير محدود من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا بوجه أخص .

خلاصة القول إن نظرية شد الأطراف وجذبها ثم بترها التي استخدمتها الولايات المتحدة ومعها إسرائيل نجحت في مهمتها ؛ حيث وجدنا الولايات المتحدة الأمريكية في عهد أوباما تستخدم موضـوع الأقليات الدينية في المنطقة العربية كوسيلة للوصول إلى أهداف استراتيجية، فالأهمية التي يحتلهـا الدين في حياة المجتمعات في العالم عموماً، وفي المجتمعات العربية خصوصاً، دفعت الولايات المتحدة الامريكية إلى استخدام هذا الجانب المهم في التلاعب بالمجتمعات العربية، للوصول إلـى النسيج الاجتماعي العربي في أدق مفاصل الحياة العربية.

ويعد الدين دافعاً مهـماً لتنظـيم الحياة الاجتماعية في ممارسـة الطقوس الدينيـة، ويذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ينظم السلوك اليومي والحياة الاجتماعية، لذا فإنه يمكن تصنيف الإنسان على أساس دينه، وخصوصاً بعد تعدد الطوائف الدينية إلى أكثر من طائفـة داخل الدين الواحد، وبذلك يمكن تصنيف المجتمعات على أساس ديني طائفي ليسهل التعامل معها كوحدات مجتمعية ضعيفة .

إن عدم التجانس بين المجتمعات الاثنية بسبب اختلاف المستوى الفكـري والعقائدي، أدى إلى ازدياد الأقليات الدينية، والمذهبية، والطائفية في داخل الدين الواحد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أصبح الدين الاسلامي نتيجة الاختلاف الفقهي ينقسم إلى عدة طوائف ومذاهب، وكذلك الحال ينطبق على الدين المسيحي .

ويعد لويس التاسع ملك فرنسا وقائد الحرب الصليبية على بلاد العرب، الـذي انهزم في معركته مـع مسلمي مصر 1249-1250،هو أقدم من وصى لضرب المسلمين في نص وصيته التالية "إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقـاتلوهم بالسلاح وحده، فقد هزمتم أمامهم في معركة السلاح، ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم" .

فظهرت الحرب على المسلمين عن طريق ضربهم في عقيدتهم وشريعتهم الإسـلامية، وذلـك بإشاعة الصراعات الطائفية والمذهبية، لإضعافهم مـن جهة، وإثارة الحروب الأهلية من جهة أخرى. وبعد صعود اليمـين المسيحي المتطرف في انتخابات عام 2000 فـي الولايات المتحدة من جهة، وتفجيرات 11 سبتمبر 2001 الأمريكية، والتي نتج عنها فوز بوش الابن (المتطرف دينياً) التي نتج عنهـا إعلان الحرب على الإرهاب المتمثل بالعرب والمسلمين من جهة أخرى، فقد استغلت الولايات المتحدة الأمريكية وضع المنطقة العربية الذي يتنوع بالأقليات الدينية، والتي تعاني بعضها من الاضطهاد، لذلك سعت الإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما إلى تفتيت المجتمع العربي عن طريـق استغلال هـذه الاقليات للتدخل في شؤون المنطقة. ومع اختلاف من نادى في كيفية استيعاب الأقليات الدينية، إلا أنهم اتفقوا في استثمار هذه الأقليات لزعزعة استقرار المجتمعات العربية، حاملين بمعيتهم، المنظرين الأمريكيين، شعارات كالديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية، واحترام الأديان، والتي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية إحدى مهامهـا الأكثر إنسانية.

ومن أهم الذين اهتموا ونادوا لاستغلال الأقليات الدينية في المنطقة العربية، عن طريق تفتيتها للسيطرة على تلك المجتمعات:

1- زبجنيو برجنسكي :

قــدم برجنسكي عـدداً من الأفكـار من خلال مؤلفاتـه، التي نادت بتقسيم الـدول العربيـة والسـيطرة عليهم مـن دون الحاجـة إلى اسـتخدام قوات عسكرية، فقد نظم "برجنسـكي" خطـطاً استراتيجية ترمي إلى تفتيت الدول العربية من داخل بنائهـا الاجتماعي، وفي مقدمـة الوسائل التي نادى لها هي دعم كل الأقليـات الدينية، والمذاهب، والطوائف داخـل المنطقـة على غـرار مـا قام بـه سابقاً، خـلال الحـرب الباردة، بتنظيم ما يسمى (بالجهـاديين)، والتي نتج عنها تنظـيم طالبـان، فـي أفغانستان لمحاربة السوفييت، لخدمة المصالح الأمريكية. كما ذكر برجنسكي بخصوص وحـدة مصر وسـوريا أمراً مستحيلاً، لكون مصر ذات أصول وأعراق غيـر عربية، بينما سوريا ذات أصول عربية، لذلك أمر وحدتهما غير ممكن. وبالتالي يمكن أن تكون هنـاك دويلات على أساس الـدين أو العـرق لتتكون دويلات صـغيرة لا يمكنها مواجهة المخاطر لوحـدها مما سيؤول الأمر إلي تكـوين اتحاد كونفدرالي مـع انضمام إسرائيل لهذا الاتحاد، لا بل وقيادة هذا الاتحاد، الأمر الذي يسهل تفوق الهيمنة الأمريكية عليه.

إذ قدم برجنسكي خلال منصبه كمستشار للأمن القـومي فـي عهد الـرئيس "جيمي كارتر"، وما بعد منصبه، عدة مشاريع ونظريات لخرق الصف العربي من خلال التركيز على الأقليات الدينيـة والعرقية، وعلى سبيل المثال، عندما حث على اسـتخدام استراتيجية "الطرق على الجدران من الأسفل" من خلال " قوس الأزمات" The Arc of Crises لينتج عنها تجزئـة المجزء، فضلا ً عـن كتابه "رقعة الشطرنج الكبرى"، الذي وضح فيـه كيفيـة تقسيم وتجزئة الدول العربية على أساس ديني وطائفي ومذهبي وعرقي.

اعتمد برجنسكي في هذه الأفكار ببعض الشواهد، منها شواهد سياسية، التي من جملتها الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، وما نتج عنها من صراع على أساس ديني، والتي خلفت أحزاباً ذات صفة انعزالية تدعو إلى إقامة كانتونات مستقلة لتمتلك قدراً من الحرية في علاقاته.

ومنها شواهد ديموغرافية، والتي تمثلت بوجود جسم غريب داخل الجسم العربي وهي العمالـة الوافدة، حيث مثلت تلك العمالة أقلية قابلـة للزيادة، وخاصة في بلدان الخليج العربي، والتي تمثل أدوات ضغط على البلدان العربية في الحفاظ على حقوقها وتشريع قوانين تحفظ وجودها على الأرض العربية. والأخرى هي شواهد الثورة العلمية في مجال الاتصالات، فعلى الرغم من أن هذه النظرية صيغت في نهاية السبعينات، ولكن كانت هناك بوادر تطور علمي في مجال الاتصالات وهو ما سيؤدي بدوره إلى تواصل الأقليات الدينية وانغلاقها على نفسها لتحمي ذاتها وكيانهـا من أفكار الأقليات الاخرى.

2- برنارد لويس:

تعـد أفكار لويس هي استكمال لاستراتيجيات نظريـة (قـوس الازمـات لبرجنسـكي)، والتـي يدعو فيها إلى تجزئة الدول العربية لما تحويه من أقليات دينية وعرقية. وجـاءت بنـود هـذه الأفكـار على ثلاث نقاط:

الاولي: هي استغلال الأقليات الدينية، والقومية، والمذهبية فـي منطقـة قـوس الأزمات، والتي تمتد مـن الجناح الجنوبي للاتحاد السوفيتي سابقاً مروراً بإيران، وتركيـا، والعـراق، ودول شـبه الجزيرة العربية، حتى الشمال الإفريقي، ومن هذه الأقليات هي (الأقباط فـي مصر، الطوائـف الدينية في السودان، الأكراد، والدروز، والبلوش، والموارنة، والأذرين، والعلويين في سوريا) وغيرها من الأقليات، التي ستؤدي الى خلق فوضى وعدم استقرار ومن ثم تجزئة الدول العربية .

الثانية: استغلال مسألة الحدود التي رسمها الاستعمار البريطاني والفرنسـي للـدول العربيـة، التـي لـم تضـع بعـين الاعتبـار أهمية لوضع القوميات أو المـذاهب الدينيـة، ممـا يثيـر الجـدل حـول ضرورة إعادة رسم حدود الدول، لإعطاء حق للأقليات العرقية، والاثنية، والدينية في إنشاء دول خاصة بهم .

الثالـثة: الاعتمـاد علـى الكـره الـذي يوجـد بـين أغلـب الأقليـات مـع الدولـة المتواجـدين فيهـا، والعمـل على تشجيع عصيان قوانين الحكومة والتمرد على نظامها لتفتيت هذه الدولة، لذلك يمكـن للولايـات المتحدة الأمريكية الوقوف مع هذه الاقليات لاستغلالها في تحقيق أهدافها، وبذلك يرى لويس ضرورة اعتماد رؤية برجنسكي في اتخاذ هذه المنطقة كمنطقة نفوذ مهمة، عن طريق تفتيت بعض مراكز القوة فيها.

من كل ما سبق يمكن إجمال الأهداف الأمريكية-الصهيونية تجاه الوطن العربي بما يأتي :

1- تجزئة الوطن العربي من جديد وتفتيت كياناته السياسية. والغاية من هذا تقليص دور الدول العربية المحورية، مثل مصر، والعراق، وسورية، وذلك كي لا تؤدي هذه الدول دور القيادة لحركة القومية العربية وحركات التحرر الوطني والمقاومة. وإن هذا التقسيم الجديد المقترح، إنما يهدف إلى تشتيت العناصر الأساسية المكونة للقومية العربية، ومن ثَم إلى صعوبة تحقيق أي هدف عربي وحدوي ولو بأدنى درجاته، وهي حالة التضامن العربي، وبهذه اللعبة تتهدم أعمدة النظام العربي السياسية والاقتصادية والأمنية.

2-يحاول هذا المشروع تحويل "إسرائيل" إلى قطب إقليمي رئيس في المنطقة، وذلك عن طريق كسر طوق المقاطعة العربية لإسرائيل اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وبذلك تغدو "إسرائيل"-وبدعم من الولايات المتحدة- دولة لها مكوناتها الإقليمية المحورية في المنطقة، نظراً إلى ما تملكه من قوة عسكرية، وقوة مالية وتجارية وقوة تقنية، فضلاً عن أذرعها الأخطبوطية المتصلة بصنَّاع القرار كلّهم في العالم، مستفيدة من الدعم الممكن كلّه.

3- إن الخطر الأكبر من هذا المشروع هو محاولته إلغاء الثقافة العربية، والثقافة الإسلامية وإلغاء العادات والتقاليد والسلوكيات الناتجة عنها كلّها، بغية خلق جيل جديد لديه هوية جديدة مخالفة لهويته الأصلية. وهنا تسقط منه روح الالتزام الوطني والقومي. ويتحقق الهدف من المشروع وهو تحطيم سلطة الدولة، وسلطة المؤسسات وسلطة العقل، والثقافة والإنتاج والإبداع. وهنا مكمن الخطورة، أي حين يتحول المجتمع عن رابطة العقد الاجتماعي وعن تراثه وتاريخه وهويته.

4- يضع المشروع الصهيو-أمريكي العرب أمام خيارات صعبة ومحددة، فهم إما أن يدخلوا في هذا المشروع وبغض النظر عن حقوقهم وأراضيهم وثرواتهم، أو أن الخيار الآخر هو الحرب الوقائية الاستباقية، والعراق وأفغانستان أكبر دليل على ذلك.

5- إضعاف الدولة القومية بشكلها الحالي، وهو ما يسهل عملية الاختراق للدول التي ترفض التدخلات الخارجية في شؤونها، أو التي ترفض التغيير على الطريقة الأمريكية.

6- ضمان عدم التحام الأقليات والطوائف والأعراق، وضمان عدم ذوبانها أو على الأقل انسجامها مع الأغلبية في أي بلد من بلدان الشرق الأوسط في إطار جامع على الشكل الذي كانت فيه منذ قرون، لضمان أنها ستكون بحاجة إلى مساعدة خارجية، ومن ثَم ستكون الولايات المتحدة جاهزة للتدخل في أي مكان تراه مناسباً في أي بلد من هذه البلدان إذا رأت ذلك لمصلحتها، وبحجة الحماية.

7- إن الهدف من ورقة الأقليات هو تسويغ وجود "إسرائيل"، وتوسيع رقعة النزاعات الإقليمية الداخلية العرقية والقومية، لإشغال العالم العربي والإسلامي وشعوب هذه الدول بالمشكلات الداخلية المستجدة لديها، والمخاطر التي تتهدد بلدانها المعرضة للتفتيت والتقسيم، بمعنى تقسيم المقسم أصلاً وتجزئة المجزأ.

8- إفساح المجال أمام "إسرائيل" للدخول والتغلغل في هذه الدول عبر الأقليات، سواء القومية أم الطائفية أم العرقية، ولنا في أكراد العراق مثال على ذلك.

يمكن أن نلحظ أن هذه الأهداف تصب في مصلحة الدول الاستعمارية الغربية والأمريكية والصهيونية العالمية أولاً وآخراً، بعكس ما تروج له تلك الدول، بأنها تريد نشر الديمقراطية والحريات بين شعوب المنطقة، وتخليصها من الديكتاتوريات والظلم والعنف، ومن ثَم بناء دول حضارية وديمقراطية ومدنية. ما نراه هو خراب دول المنطقة ودمارها وتفتيتها وتقسيمها بما يخدم تلك الأهداف الصهيو- أمريكية والغربية الإمبريالية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم