قضايا

الانحطاط الطائفي في العراق: المقدمات والنتائج

ميثم الجنابيالعراق- نقد الواقع وتأسيس البدائل (17)

إن الانحطاط شأنه شأن الارتقاء والصعود من فصيلة واحدة هي فصيلة الإرادة الإنسانية. وهو حكم يحتوي على قدر متكافئ في أبعاده التاريخية والسياسية والأخلاقية. بمعنى إننا نعثر في مظاهر الصعود والهبوط على قوة أو ضعف الروح القومي أو الثقافي أو كليهما. وهو حكم فلسفي عام يبقى ضمن حيز الرؤية النموذجية بسبب سمو الفكرة الفلسفية صوب الواجب والمثالي. ويعطي لنا هذا السمو في نفس الوقت إمكانية رؤية الواقع بصورة اشمل بعيدا عن معترك قواه الجزئية وتصوراتهم المحدودة. وفي الحالة المعنية يمكنه شحذ الرؤية النقدية من اجل تحسس وإدراك وفهم طبيعة الانحطاط. وبالتالي المساهمة الفعلية في نقده النظري والعملي.

وبما أن فكرة الواجب والنموذج المثالي تبقى من حيز الفرضيات المستقبلية، بينما الانحطاط هو من نتائج الماضي وسيادته في العلم والعمل، من هنا طبيعة التناقض الجوهري بين الماضي والمستقبل في مراحل الانحطاط. وهو تناقض يدفع إلى المقدمة اشد الأشكال والمضامين تخلفا، كما انه عادة ما يدفع اشد المفاهيم جرأة وتحد. وعلى كيفية حل هذا التناقض تتوقف آفاق الدولة والمجتمع والقومية والثقافة.

غير أن الإشكالية الأكثر تعقيدا بالنسبة للتحليل السياسي العلمي لظاهرة الانحطاط يقوم في كون الانحطاط لا يعرف حدودا نهائية، بمعنى انه كالجهل والرذيلة لا حد لهما، من هنا يمكن فهم طبيعة الترابط بينهما. فالانحطاط هو مرتع الرذيلة ومنتجها المحترف! كما انه الحالة التي تجعل الأمور كلها مقبولة بما في ذلك أشدها امتهانا للعقل وانتهاكا للحكمة، بوصفها الحالة التي يقف أمامها العراق حاليا. فالانحطاط العام جعل من الممكن تحوره في مختلف الصور، أي استعداده غير المتناهي للتمظهر في مختلف الأشكال اللاعقلانية. ومن بين أشدها بروزا وتخريبا بهذا الصدد هو الفكرة الطائفية وتغلغلها التدريجي والعلني في السلوك العملي للنخب والأحزاب السياسية والجماهير. بل وتحولها إلى العصب غير المرئي المتحكم في «احتراف» القوى السياسية وتوظيفها المباشر وغير المباشر في «معارك الانتخابات» و«كسب العقول والأفئدة» و«تنظيم الدولة» و«محاربة الفساد» و«المعارضة» و«حقوق القوميات». وتشير هذه الظاهرة إلى ما يمكن دعوته بآلية الانحطاط وتخريب العقل والوجدان الفردي والاجتماعي.

طبعا، أن هذه الظاهرة، شأن كل مثيلاتها في معالم الانحطاط العام، ليست وليدة الانقلاب والتحول المفاجئ في النظام السياسي بعد سقوط الدكتاتورية الصدامية. بل يمكننا القول، بان نتوؤها العنيف في الآونة الأخيرة هي الثمرة الخبيثة الناتجة عن استمرارية تأثير ما يمكن دعوته بمنظوم الطائفية المبطنة التي كانت الصدامية صيغتها الأكثر تخريبا. فقد أدى إزاحة الدكتاتورية الصدامية إلى بعث مكوناتها الدفينة سواء من بين تلك القوى التي شعرت للمرة الأولى بإمكانية فقدانها «التاريخي» للسلطة، كما أنها ظهرت عند أولئك الذين تحسسوا للمرة الأولى بإمكانية «إحقاق الحق» في السلطة. وهي مواجهات تعبر في الواقع عن طبيعة الخلل الاجتماعي في النظام السياسي ومؤسسات الحكم.

بهذا المعنى يمكن النظر إلى ظاهرة الطائفية السياسية على أنها استمرار لتقاليد الخراب التي لا يمكن القضاء عليها بين ليلة وضحاها. لاسيما وأن بواعثها وحدودها الضيقة لا تتعدى كونها التمظهر العلني للصيغة المبطنة التي أدت إليها التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. وتلازم هذه الحالة بالضرورة كل منظومة توتاليتارية بسبب مساعيها الإرادية وإرهابها المنظم من اجل توحيد الكل بالقوة والعنف. مع ما يترتب عليه من إخلاء وإفراغ للفرد والجماعة من مقومات التنوع والاختلاف، بوصفها القوة الحيوية والطبيعية التي تربط المكونات الضرورية لديناميكية التطور الاجتماعي.

فالتنوع والاختلاف مكونات ضرورية لتماسك الفرد وتكامل الدولة والمجتمع والثقافة. ومن خلالهما تظهر وتنمو شرعية البدائل بوصفها الصيغة النظرية والعقلانية الأكثر تجريدا لتأمل ودراسة تجارب التاريخ الوطني والقومي والعالمي. في حين تحاصر التوتاليتارية الكلّ من خلال رؤيتها الواحدة ونموذجها الواحدي، بحيث تحول الفرد والجماعة إلى كتلة هلامية بلا تميز ولا تمايز. مما يؤدي بالضرورة إلى إنتاج نفسية وذهنية القطيع. وليس مصادفة أن يؤدي انحلالها بالضرورة إلى ظهور مختلف الأشكال البدائية للوعي. وفي ظروف العراق أصبحت الطائفية والعرقية أشكالها الأكثر بروزا.

فقد أدت التوتاليتارية والدكتاتورية إلى إخلاء المجتمع من قواه الحية. واقتلعت كل الجذور الضرورية لحياة النخب السياسية والفكرية والروحية المستقلة، وهبطت بالذهنية الفردية والاجتماعية إلى حضيض العقائد النفسية. وهو حضيض لا قاع له غير أوحال المستنقعات المتراكمة في مجرى هذه العملية السيئة. بحيث أصبح الخروج منها إلى اليابسة محكوما بالتمسك بأية عروة قادرة على إنقاذ الفرد والجماعة من الغرق في بقايا الأوحال الرخوية التي شكلت من الناحية الفعلية «أرضية» الدولة و«سماء» الأفراد والجماعات. بمعنى احتماء كل منهما بقوة الرخويات الخربة وأوهام الانتماء المزيف. وهي عملية أدت إلى تسوس باطن الدولة والمجتمع وظاهرهما. وفي النتيجة تحولت الرخوية إلى المنظومة الأكثر فاعلية وحيوية في تأثيرها المباشر وغير المباشر على العقل والضمير والحس والوجدان. مع ما ترتب عليه من «حيوية ماهرة» في تجفيف الرؤية العقلانية ومصادر نموها الواقعي.

وليس مصادفة أن تكون اغلب القوى العائمة في سماء العراق وأراضيه اليوم هي من صنف الرخويات المتماسكة بعروة العقائد النفسية، كما نراها في تعرجات الخط البياني الصاعد للطائفية. وهي نفسية وذهنية تعيد إنتاج التوتاليتارية ولكن بصورة مصغرة. لكنها لا تقل تخريبا عنها. وذلك لأنها تصنع توتاليتاريات لا يوحدها سوى نفسية الاشتراك الفعال في تعميق التجزئة والاحتراب. ومن ثم انزوائها المتزايد صوب نفسية وذهنية الأقلية. وبهذا المعنى لم يكن صعود الظاهرة الطائفية إلى سطح الحياة السياسية سوى احد الأدلة الفعلية على عمق الخلل البنيوي في الهوية الوطنية وكذلك في نفسية وذهنية الأفراد والجماعات «المتعايشة» في العراق. بمعنى المنغلقة في باطنها والمنفتحة في ظاهرها. وهي حالة لا تصنع في الواقع غير همجية الولاء المزيف والرياء في الأقوال والأفعال، وذلك بسبب تناقضها الخبيث!

فإذا كانت المتناقضات تتمثل قوة الصراع وقدرته على إنتاج الجديد، فان تناقض الظاهر والباطن العراقي المشار إليه أعلاه هو الصيغة الأكثر تطرفا للتحلل والتجزئة. ومن ثم لم يفعل إلا على صنع «منظومات» مغلقة في الظاهر والباطن، تجعل من تعايش مكوناتها الاجتماعية جماعات متباغضة، ومن أفرادها ذرات متطايرة في هذه الجماعات. وهو تناقض كان يحلل الوحدة المتراكمة في البنية العراقية الحديثة من خلال إرجاعها إلى مكونات ما قبل الدولة. أما تعايشها المرير في ظل الدكتاتورية الصدامية فقد كان تعايشا محكوما بقوة القهر والإكراه. وبما أن القهر والإكراه لم يكن سياسيا خالصا، بل وطائفيا وجهويا أيضا، من هنا تراكم الطائفية المبطنة والمختبئة في أعمق أعماق النفس المتحللة من مشاعر الوطنية العراقية. وفي هذا يكمن سر بروزها السريع وتراكمها الهائل في الكلمة والعبارة والملبس والمأكل والعادات والعبادات والفكر والسياسة والمزاج والسلوك. باختصار في كل شيء.

لقد خرجت الطائفية بقوتها العنيفة كما يخرج البركان بكل ما كان يحترق في أعماقه. أما النتيجة فهي غيمة الحمم الكثيفة التي تحجب عيون البصيرة السياسية عن رؤية ما يجري، وتفسد الذوق الاجتماعي في تحسسه لمذاق الحرية. وإذا كانت الجماهير هي المادة الخربة لهذه الحيوية اللعينة، فان لعنتها الكبرى تقوم في عدواها الآخذة في الانتشار بين النخب السياسية. وتمثل هذه العدوى الوجه الآخر للعداء الفعلي في مكونات العراق الاجتماعية. ومن ثم حجم ومستوى الخراب في بنية الفكرة الوطنية ومرجعيات فعلها المناسبة في مراحل الانتقال العاصفة والتحديات الكبرى التي تواجهها الدولة والأمة. إذ يشير هذا الواقع دون شك إلى حجم الانحطاط السياسي للقوى الاجتماعية وضعف الدولة أو انحلال مضمونها الذاتي بوصفها القوة القانونية الموحدة للمجتمع ومصالحه المشتركة.

وهي مفارقة وجدت انعكاسها في التعبير الواسع الانتشار عن ربط الظاهرة الطائفية بأشكال هندسية مثل القول، مثلث الموت و«المثلث السني» وما شابه ذلك. وهي مفارقة من حيث معناها الواقعي والرمزي، التي جعلت من الرمز الهندسي في ظروف العراق الحالية رمزا للخراب والتخريب. بينما نعرف جيدا، بأن الهندسة اشتقاق لغوي زاوج في التاريخ والثقافة بين فكرة التبادل الثقافي والتناسق في العمارة. ويعبر هذا التزاوج عن حقيقة المهمة الذاتية للهندسة بوصفها أرقى الأشكال المعقولة للعمارة والتعمير. ومنهما ظهرت فكرة العمران بمعناها المدني والفلسفي. والرموز والأشكال الهندسية جميعا هي النموذج الأكثر دقة وجمالا للتناسق والوحدة. إذ لا تنافر ولا خلاف ولا صراع في الأشكال الهندسية. من هنا تساويها بالقدرة على إبداع الجميل.

غير أن تاريخ العراق الحالي اظهر لنا بعدا يتعارض مع الجمال والحقيقة، ألا وهو تحول «المثلث» إلى رمز الخراب والتخريب. حقيقة إننا نعثر على مقارنات تبتدعها الطبيعة ويحولها البشر إلى رمز ولكن من اجل تجنب الوقوع فيه، كما يقال عن مثلث برمودا. لقد أراد الإنسان من وراء ذلك القول بان «هندسة» الموت الطبيعية تحتوي في أعماقها على مؤشر قادر على أن يقدم لنا دليلا هندسيا للخروج من الموت نفسه. وتؤكد هذه النتيجة صحة الفرضية القائلة بان العلم الطبيعي هو عاصم لحقائق الوجود، بما في ذلك حياة البشر. أما في العراق المعاصر فان القضية تبدو أكثر تعقيدا بحيث تجعل من الضروري أحيانا إعادة البرهنة على أكثر الأمور بديهية من اجل إثباتها! وهو أمر إن دل على شيء، فانه يدل على منافاة ابسط مقومات العقل والعدل. وبالتالي هو مؤشر على عمق الانحطاط الشامل في العقل والوجدان والضمير، وعلى سعة الانتهاك «المنظم» لأبسط قواعد العلم والعمل العقلانية.

إذ لا يعني ظهور رمز «المثلث السني» و«المثلث الإرهابي» و«مثلث المقاومة» ثم «مثلث الموت» وما شابه ذلك سوى الصيغة التي تجعل من أكثر الأشكال هندسية ودقة ووضوح محل خلاف واختلاف لا يكتب حروفه ولا يمسحها سوى الدم. وعندما يصبح سيان من كان ساكبه الشرط الوحيد للبرهنة والتدليل على «المواجهة» و«التحدي» و«المقاومة»، فان ذلك مؤشر دون شك، على واقع انحطاط القيم والمفاهيم والرموز، ومن ثم خراب وتخريب أساليب الوعي والممارسة الاجتماعية والسياسية.

إن هذا الانحطاط والانتهاك، شأن كل خراب واستعداد على التخريب له مقدماته التاريخية ونماذجه «الملهمة». فهو يشير عموما إلى واقع الانقسام والتجزئة المتفسخة في بنية الوعي الاجتماعي والأخلاقي، كما انه يشير إلى انحلال البنية الذاتية للفرد والمجتمع والدولة والثقافة. بمعنى انحلال الحد الضروري الذي يكفل لكل منهم حق الوجود والفعل ضمن معايير المصلحة العامة. وهو انحلال رفعته التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية إلى مصاف «المرجعية» المتحكمة في كل جزيئات ومسام الوجود الاجتماعي.

طبعا، إن الانقسام والتجزئة بمعناها الاجتماعي والسياسي والطائفي والقومي والجهوي في العراق ظاهرة لها جذورها الخاصة. ويمكننا إرجاعها من الناحية التاريخية إلى ما بعد سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر حتى ظهوره الجديد في بداية القرن العشرين، أي بعد سبعة قرون من الغيبوبة والخمول. وأدت هذه المرحلة التاريخية الهائلة إلى تفتيت قواه الداخلية وإنهاك قواه الذاتية. بحيث أرجعته بما في ذلك «جغرافيا» إلى ما قبل الطوفان السومري. إلا أنها أبقت من الناحية الشكلية على معالمه المحفورة في الذاكرة والتاريخ والجغرافيا، بوصفه موطن ووطن الساميين القدماء والجدد (العرب)، بمعنى الإبقاء على وحدة سومر وبابل ونينوى. وتشكل هذه الحدود التاريخية والطبيعية الأولية الأساس المادي والمعنوي لوحدة وجوده الثقافي والسياسي والقومي أيضا. بمعنى أن كل ما تشكل من مآثر وإنجازات كبرى مادية وأثرية وثقافية في تاريخ المكونات الدولتية للعراق منذ القدم هي الجزء الحيوي منه وله. وهي حقيقة رسختها تقاليد الخلافة العربية الإسلامية. وكل ما جرى بعد ذلك هو مجرد حالات عارضة.

وقد جعل من حقيقة العراق وكيفية تكونه التاريخي هوية ثقافية وليست عرقية. مما كان يعني استعداده لان يكون موطن الائتلاف الممكن والتمازج الثقافي والانفتاح الفعلي على النفس والآخرين. ويمكن تتبع هذه الحقيقة ورؤيتها في كل الإبداع النظري والعملي لتاريخه الثقافي. ولم تغير حقيقته هذه بما في ذلك حقبة القرون السبعة المظلمة من تاريخه. فهي الحقبة التي جعلت من الانحطاط أسلوب وجود الزمن فقط، مما افرغ العراق من تاريخه الذاتي. وهو انحطاط ترسخ في التجزئة المفتعلة لكينونته العربية. ولعل مفارقة الظاهرة تقوم في أن العرب الذين صنعوا تاريخ المنطقة وقوام وجودها الفكري والروحي أصبحوا في العراق أفلاكا تتحكم بها مراكز التركية العثمانية والفارسية الصفوية. ومع أن هذا الصراع لم يكن قوميا ولا طائفيا بالمعنى التقليدي والمعاصر للكلمة، إلا انه اتخذ هذه الصيغة المتخلفة في العراق الحديث. بحيث تحول المركز (العراقي) إلى أطراف، والأطراف (فارس وتركيا) إلى مراكز. وتعيد هذه الحالة المخزية إنتاج نفسها بعد سقوط التوتاليتارية والدكتاتورية، ولكن بصورة مصغرة و«عراقية».

فقد أدت التوتاليتارية والدكتاتورية، وبالأخص في مجرى العقدين الأخيرين من القرن العشرين إلى استفحال التجزئة الجهوية والقومية والطائفية في مختلف نواحي ومستويات الحياة. مما أعطى لهذه التجزئة أبعادا مركبة ومتشابكة في الاجتماع، والاقتصاد، والسياسية، والفكر، والأيديولوجية، ونمط الحياة، والنفسية الاجتماعية. وهي تجزئة اخذ حجمها بالتوسع في مجرى التغيرات الراديكالية التي رافقت سقوط الدكتاتورية. بحيث يقف العراق الآن أمام امتحان صعب للغاية يقوم فحواه فيما إذا قادرا فعلا على تذليل هامشية وجوده الذاتي بالاستناد إلى فكرة الوطنية العراقية. بمعنى هل قادر فعلا على تذليل تقاليد التركية الفارسية (العثمانية الصفوية) وذيولها التاريخية والمذهبية في التجزئة المفتعلة للعرب بوصفهم هوية واحدة في الجوهر، ومن ثم تذليل مختلف تقاليد التجزئة المفتعلة للكينونة العراقية عندما زاوجت بصورة فجة ومدت خطوط الموازاة المسطحة بيت الجغرافيا والقومية والطائفة في تقييمها وتصنيفها لهم، أي كل ما أدى قبيل سقوط الدكتاتورية وبعده إلى ظهور ما يسمى بالمثلث السني والشيعة. وهو تقسيم وتقييم يعيد إنتاج التجزئة المفتعلة لحقيقة العراق بوصفه كينونة رافدينية عربية إسلامية. بمعنى إعادة خلخلة حقيقة مكونه العربي.

فعرب العراق هم هوية واحدة في الجوهر. وهم أصله وجذره، كما أنهم كينونته التاريخية والثقافية ومظهر وجوده الفعلي. إلا أن بروز «المثلث السني» فيه على خلفية انحلال الدولة المركزية وصعود الاطرافية والطائفية وتجسدهما السياسي و«القانوني» في «مجلس الحكم الانتقالي» أولا ثم استمرارها في مختلف الأشكال والأصناف والمستويات، يشير إلى استمرار بنية الانحطاط المادي والمعنوي للعراق وقواه السياسية بالأخص.

إننا نقف أمام واقع انحطاط وتخلف البنية الاجتماعية من جهة، وتصدع الفكرة الوطنية العراقية من جهة أخرى. وإذا كان من الممكن الإقرار نظريا بأنه انحطاط وتصدع قابل للرأب، باعتباره نتاجاً لحالة سياسية أولا وقبل كل شيء، بلغت ذروتها في سياسة الدكتاتورية الصدامية، فان الأحداث التاريخية في مجرى السنوات التالية على سقوطها، تشير إلى استمرار وإعادة إنتاج واقع التجزئة بصورة «منظمة».

 

ميثم الجنابي

 

في المثقف اليوم