قضايا
الذات الإفتراضية والهوية الرقمية للكائن الإلكتروني
أنجزت هذه الدراسة الاستكشافية كمحاولة للبحث في طبيعة العلاقة بين الشخصية الواقعية والمجتمع الافتراضي، وهل تتحدد العلاقة بين شخصية واقعية ومجتمع افتراضي، ما طبيعة ونوع التحولات المحدثة في نسق شخصية رواد الشبكة .
إشكالية الدراسة
إن الهوية الشخصية تستمد معناها من الوعي بالذات والتميز الفردي عن الآخرين، فألانا ليس هو الأخر، أي ان بناء الهوية مؤسس على مبدأ الذاتية والخصوصية، غير ان العولمة وتأثيراتها لاسيما على النظم الاجتماعية والقيم المجتمعية وعلى طبيعة آليات بناء الشخصية قد أحدثت الكثير من التغييرات على مستوى نمط الشخصية ووظائفها.
المجتمع الافتراضي له قوانينه الخاصة والتي يصعب التحكم فيها، لأنه داخل هذه المجتمعات تتغير شبكات التحديد وشبكات القيم ومعايير التمايز الاجتماعي والقيمي، حيت تنمحي خصائص الحضور المعيش، وتغيب العناصر الظاهرية والشكلية للفرد مثل: اللغة والعادات وأنماط اللباس والجنس واللون والانتماء الوظيفي وغيرها ؛ ويصبح الفرد يعرف ذاته عبر إيقونات وأسماء مستعارة او عناوين الالكترونية.
الإشكالية تتحدد حين نحاول معرفة شكل العلاقة بين الشخصية الفعلية والمجتمع الافتراضي وكيف تتأثر قيم الفرد وعاداته ونمط شخصيته بقيم الفضاء الافتراضي الذي يدخل اليه ويتفاعل فيه؟
البعض اعتبر ان المجتمع الافتراضي يلعب دورا ايجابيا بالنسبة للشخصية حيت يساعد رواد الانترنيت على التعبير عن الذات وكشف مكنونانها بشكل ميسر وحر، وبالتالي يساهم في إثراء الشخصية وغناها .
ذلك أن المجتمعات الافتراضية تفسح المجال للفرد بأن يضع هويته محل استكشاف وتجريب، أي بإمكانه أن يقدم نفسه كما يشاء وعلى النحو الذي يريده وهو السلوك الذي قد يتعذر عليه في المجتمع الواقعي، حتى أن بعض العلماء أطلقوا على العوالم الافتراضية اسم "ورشات الهوية" IdentityWork حيث يستطيع الفرد اكتشاف امكاناته وقدراته المختلفة .
وفي مقابل هذا الطرح ذي المنحى الإيجابي نجد هناك طرحا آخر يتخوف من أبعاد الهوية الافتراضية على الهوية الشخصية للأفراد، ويرى أن العلاقات الاجتماعية الافتراضية في معظمها تجمعات خفيه مجهولة الهوية، فالفرد الذي ينخرط في هذه التفاعلات له الحق أن يخفي نفسه تحت مسميات مختلفة لاعتبارات خاصة . فهوية الفرد أو شخصيته تختفي في ظل هذه التفاعلات بل وتتباين في قوالب عديدة، بالإضافة إلى سلخ الفرد عن هويته الشخصية .
ومن خلال الأطروحات السابقة تسعى هذه الدراسة إلى البحث في اشكالية علاقة الهوية الافتراضية بالهوية الحقيقية، وكيف يتفاعل الأفراد داخل المجتمع الافتراضي وأبعاد هذا التفاعل على الحياة الواقعية؟ وتنبثق عن هذه الإشكالية التساؤلات الآتية:
- معرفة مميزات المجتمع الافتراضي؟
- تحديد أسباب ودواعي الانخراط في المجتمعات الافتراضية؟
- هل تعتبر الهوية الافتراضية انعكاسا للهوية الحقيقية ام اخفاءلها؟
- هل تسعى الهوية الافتراضية إلى الانسلاخ عن قيم المجتمع ومعاييره أم تراعيها داخل المجتمع الافتراضي؟
أهمية الدراسة:
تتجلى أهمية هذه الدراسة أولا في أهمية الانترنت باعتبارها أصبحت الوسيلة الاتصالية الأولى على المستوى العالمي، وثانيا في أهمية مسألة الهوية وإعادة النظر في مكوناتها ودراسة مختلف أبعادها خاصة في هذا العصر الذي تطبعه سمتا العولمة والرقمنة، ومع قلة الدراسات العربية حول الهوية الافتراضية خاصة الدراسات الميدانية منها، تأتي هذه الدراسة كمساهمة علمية لإثراء هذا الموضوع .
أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى:
1- تحديد المفاهيم المؤسسة للدراسة .
2- جمع معطيات حول موضوع الدراسة اعتمادا على تقنيتي الاستمارة والمقابلة .
3-الاطلاع على بعض التوجهات حول علاقة الذات بالمجتمع الافتراضي
4- الكشف عن بعض ملامح الهوية الافتراضية وأبعاد التفاعل الرقمي.
مفاهيم الدراسة:
المجتمع الافتراضي: Virtual Community:
المجتمع الافتراضي ظهر نتيجة تطور تقنيات واستخدام تكنولوجيات الحاسوب والاتصالات الرقمية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، ثم انبثقت بعد ذلك ما عرف بالمجتمعات الشبكية networkedcommunities مع تقريبا أوائل التسعينيات حيث تطورت في شكل جماعات معروفة من مستخدمي الانترنت تشترك في الخصائص والاحتياجات والمهارات، ثم انتشرت هذه المجتمعات الرقمية بانتشار تكنولوجيا الويب.
وعرف يقدم "هاورد راينجولد" تعريفا للمجتمعات الافتراضية فيقول باعتبارها تجمعات اجتماعية تنشأ من الشبكة، حين يستمر أناس بعدد كاف في مناقشاتهم علنيا لوقت كاف من الزمن بمشاعر إنسانية كافية لتشكيل شبكات من العلاقات الشخصية في الفضاء السايبريcyberspace.
فهذا التعريف يشير إلى أن المجتمعات الافتراضية هي شكل جديد من أشكال التجمعات الاجتماعية المستندة على التكنولوجيا
واعتبر المفكر إريكسون" أن المجتمع الافتراضي كمصطلح يشير إلى المحادثة والحوار المبني على الكومبيوتر، وهو يشير إلى أن الحوار مهما كان نوعه هو مبني أساسا على التفاعلية بين العديد من المتصلين والمستخدمين .
الهوية الافتراضية:
الهوية هي الذاتية هي مجموع القيم والمثل والمبادئ التي تشكل الأساس الراسخ للشخصية الفردية أو الجماعية، وهوية الفرد عقيدته ولغته وثقافته وحضارته وتاريخه، الهوية هي ما به يكون الشيء هو هو مما يحقق ذاته ويحدد تميزه)[1].(
حسب موسوعة الويب webopedia تعرف الهوية الافتراضية Virtual identity بأنها الشخصية التي يتم إنشاؤها من طرف المستخدم الانسان الذي يعمل كصلة وصل بين الشخص الطبيعي والشخص الظاهري للمستخدمين)[2](، وحسب هذا التعريف فإن الهوية الافتراضية هي السمات والمواصفات التي يقدمها الفرد الطبيعي للآخرين عبر الانترنت، فتكون عملية الاتصال تتم بين ثلاثة أطراف وليس طرفين وهي: الشخص العادي والهوية الافتراضية والأشخاص الآخرين.
ونعرف الهوية الافتراضية في هذه الدراسة بأنها مجموع الصفات والرموز والبيانات التي يستخدمها الأفراد في تقديم أنفسهم للآخرين في المجتمعات الافتراضية ويتفاعلون معهم من خلالها.
و قدد حدد انطوني غولدنز خصوصية الهوية الافتراضية كونها[3]: "أنها مجموعة من الإفراد، الذين يتشاركون عبر شبكة الانترنت، لفترة زمنية لتحقيق غاية أو هدف أو هواية، من خلالعلاقة اجتماعية-افتراضية تحددها منظومة تكنو-اجتماعية.
وكما أشار الى سمات المجتمعالافتراضيةو تمتاز بخمس خصائص: الجاذبية – الافتراضية – الخيالية – اللامركزية والاختيارية .
الهوية الافتراضية مؤسسة على حرية الإبحار في قارة زرقاء " الفيس بوك "، فهذا يعني انها هوية مشتتة داخل فضاء مرقمن لا يعترف إلا بالتعدد والاختلاف والتشتث، ويعترف فقط بالتشبييك ربط الناس فيما بينهم من اجل المتعة والتواصل واشياء خرى خارج الحدود الجغرافية والثقافية والقيمية .
هو ما يجعل الهوية الافتراضية تعادي الوحدة والثبات، أي ان الشخصية القاعدية التي تحدث عنها رالف لنتون في حديثه عن وجود شخصية قاعدية تمثل الإطار المشترك لأعضاء مجتمع واحد، وتمتاز هذه الشخصية بالوحدة والتشابه .
3-3 مفهوم التحليل النفسي .
لحظة فرويد، حسب التوسير شكلت الصدمة السيكولوجية للفكر الغربي، حسب فرويد فدينامية الفعل الإنساني تكمن في اللاشعور، وليس في الشعور أو الوعي كما كان يعتقد من قبل، ما هو حقيقي لا يكمن في دائرة الوعي، أن ما يعنيه الإنسان ليس حقيقيا، لذا اعتقد أن حقيقة الشخصية تكمن في منطقة اللاشعور، الذي يتكلم في غفلة من الناس لذا دعا إلى تعلم لغته من أجل فهمه، إذن المهمة الأساسية للتحليل النفسي هي تفسير السلوك الإنساني من خلال الأحلام وزلات القلم واضطرابات الشخصية من أجل الوصول إلى بنية اللاشعور المحدودة للحياة النفسية .
لذا شبه فرويد شخصية الإنسان بجبل مغطى بالثلج لا تظهر منه إلا القمة / الشعور أما الجانب الخفي فهوا لا شعور، وقد نظر إلى الذات نظرة بنيوية تتشكل من ثلاث مناطق نفسية متفاعلة فيما بينها وطبيعة العلاقة التفاعلية بين المناطق الثلاث هو ما يحدد نمط الشخصية وطبيعتها .
يحتل مفهوم الشخصية في نظرية التحليل النفسي عند فرويد وضعا مركزيا وهو احد الأسس لبناء النظرية وقد وضع فرويد اطارا نظريا حول آليات بناء الشخصية والتي تتحدد كفعل ديناميكي بين مكونات اللاشعور الثلاث: الهو والأنا والأنا الأعلى .
الأنا:يعتبر مركز الشعور والإدراك الحسي ويتطابق مع مبدأ الواقع ويقوم بدور الدفاع عن الشخصية وتوافقها كما إنه يعمل على تحقيق التوازن والتوافق الاجتماعي للشخص مع بيئته والالتزام بالقيم والمبادىء والتقاليد والعادات والقيم الاجتماعية .
الهو: يعتبر منبع الطاقة الحيوية النفسية ومستودع الغرائز والدوافع الفطرية وهو يمثل الأساس الغريزي الذي ينتج عنه الطاقة النفسية وهو لا شعوري كما إن الوظيفة الأساسية له تتمثل في جلب الراحة للإنسان وتحقيق اللذة دون الاهتمام بالقيم والعادات والتقاليد والمنطق، إنه يُمثل الخبرة الذاتية للعالم الداخلي .
الأنا الأعلى: يعتبر مستودع المثاليات والأخلاقيات وتنظيم منافذ العمل والسلوك والضمير ويُمثل ماهو مثالي وليس ماهو داخلي إنه بمثابة الدرع الأخلاقي للشخصية كما أنه يعمل على كبح اندفاعات الهو .
يشبه الأنا الأعلى الهو في أنه غير منطقي ويشبه الأنا في محاولته ممارسة التحكم بالغرائز ويختلف الأنا الأعلى عن الأنا في أنه لا يحاول إرجاع الإشباع الغريزي فحسب بل يحاول الحيلولة دونه على الدوام.
رابعا: منهج الدراسة وأداته:
المنهج هو عبارة عن مجموعة من الخطوات والاجراءات الدقيقة والعلمية والتي تقود الى الحصول على المعطيات وتحليلها بهدف تحليل وتفسير ظاهرة معينة موضوع البحث والدراسة، هناك العديد من المناهج البحثية والأساليب العملية التي يمكن اتباعها لإجراء بحوث الانترنت بهدف استكشاف المجتمعات الافتراضية ودرسها وتحليلها بحسب البيانات والمعلومات ومختلف الحقائق الرقمية التي بالإمكان الحصول عليها من مستخدمي الأنترنت عبر مختلف قنواتها الاتصالية باعتبارهم أعضاء في المجتمع الافتراضي .
تنتمي هذه الدراسة إلى المنهج الوصفي والذي يهدف إلى وصف ظواهر أو وقائع وأشياء معينة من خلال جمع الحقائق والمعلومات والملاحظات الخاصة بها، بحيث يرسم ذلك كله صورة واقعية لها )[4](
خامسا: نتائج الدراسة
اولا: المجتمع الافتراضي كواقع اجتماعي جديد
للاجابة عن هذا التساؤل ثم توظيف استمارة وجهت الى 50 شخصا من خلال عينة عشوائية وتمحورت اسئلة الاستمارة حول هل تلج الى الانترنيت؟
الجدول (01): توزيع العينة حسب معيار الانخراط في شبكات التواصل والولوج لى فضاءات الانترنيت
المنخرطون في الشبكات الاجتماعية: 39
عدم الانخراط: 8
عدم الاجابة: 3
النتائج المحصل عليها يتبين ان النسبة الكبيرة من المستجوبين والتي تبلغ 78 في المئة يستعملون خدمات الانترنيت، في حين نسبة 16 في المئة لا تستعمله، ان 3 في المئة لم تقدم اية اجابة او امتنعت عن الجواب .
نتائج البحث تكشف مدى مركزية الانترنيت وقيمته في الحياة الاجتماعية الجديدة، حيت أصبح واقعا اجتماعيا جديدا يجب التعامل معه .و ان نسبة 16 في المئة ممن لا يستعملون الانترنيت اما لا يريدون اظهار الحقيقة على اعتبار ان الانترنيت ليس مصدر ثقة وبالتالي يعتبرون التعامل به تنقيص لهم .
فالواقع الافتراضي من خلال الانخراط في عوالم الانترنيت أصبح عالما جديدا له وجوده وقيمه والى جانب العالم الواقعي والمعيش، وهو ما يجعل الفرد المنخرط في العالم الافتراضي يملك وجودا وتواجدا مزدوجا بين الواقع المعيش والواقع الافتراضي .
فريدريك هيجل لم يكن يتوقع ان رؤيته لحركية التاريخ والذي حدد نقطة نهايتها في تطابق الفكر والواقع، قد انزاحت عن مسارها، بسبب ضياع الواقع وسط عالم افتراضي .
هكذا اكتسح العالم الافتراضي العالم الواقعي، كما التهمت الهوية الافتراضية الهوية الاصلية، عملية الالتهام شبيه بشبكة العنكبوت والتي تصنع شبكة خيوط رقيقة وناعمة لكنها جبارة في تكبييل الضحية من اجل التهامها .
الواقعي أصبح افتراضيا والافتراضي وأصبح واقعيا، ربما هذا هو الواقع المعولم والذي أصبح يغطي مجمل أنشطة الإنسان: ( التعليم الافتراضي – الحب الافتراضي، الشخصيةالافتراضية، التجارةالافتراضية، الإرهابالافتراضي، المتحفالافتراضي – القيم الافتراضية –التواصل الافتراضي، الزواج الافتراضي، العنف الافتراضي، المكتبات الافتراضية ومؤسسات التدريس الافتراضية وحتى عملة افتراضية –بيتكوين - أصبحت تشكل تهديدا للعملات المتداولة .
توزيع العينة حول المدة التي يتم انفاقها في عالم الانترنيت .
النتائج المحصل عليها تبين ان:
40 في المئة يقيمون أكثر من خمس ساعات يوميا في فضاءات الانترنيت .
24 في المئة يقيمون مابين 3 و5 ساعات .
26 في المئة يقيمون مابين ساعة وثلاث ساعات .
النسبة الأقل والمحددة في نسبة 10 تستهلك اقل من ساعة في فضاءات الانترنيت .
النتائج تمنح مؤشرات دالة على ان النسبة الكبيرة والتي تصل إلى 64 في المئة تقتضي أكثر من ثلاث ساعات بما فيها نسبة 40 فقي المئة تسهلك أكثر من خمس ساعات يوميا، وهي مدة كبيرة بالمقارنة من عدد الساعات النشيطة والتي لا تتجاوز 10 ساعات في اليوم، إن استثنينا اوقات الأكل وقضاء الحاجات الطبيعية وغيرها مما هو ضروري
هؤلاء يقضون أكثر من نصف وقتهم النشط في العالم الافتراضي، وهو ما يكشف أن هناك تحولا عميقا مس بينة المجتمع وعلاقته بالإفراد، أي الانتقال من العالم الواقعي الى العالم الافتراضي وان هؤلاء يقيمون في الواقع فقط من اجل ما هو طبيعي وبيولوجي، ثم ينتقلون الى عالم الحرية والمرونة والإباحية وكل ما تبحث عنه الذات . فالمنخرطون في شبكات وفضاءات الانترنيت يعيشون عالمين متناقضين:
عالم الضرورة وهو العالم الطبيعي حيت الحاجات الأساسية مثل الأكل والشرب والنوم وقضاء الحاجات وعالم الحرية أي الانتقال الى شبكات التواصل الافتراضي .
ثانيا: حول دواعي وأسباب الانخراط في فضاءات الانترنيت .
ومن اجل معرفة أسباب ودواعي استعمال الانترنيت وبالاعتماد على نتائج البحث عن طريق الاستمارة كانت النتائج على الشكل التالي:
توزيع العينة حول دواعي الانخراط في المجتمع الافتراضي .
نلاحظ المعطيات والنتائج الآتية:
58 في المائةيلجؤن الى الانترنيت من اجل الترفيه .
10 في المئة من البحث والمعرفة .
8 في المئة من اجل البحث عن عمل او طلب مساعدة
14 في المائةمن اجل تتبع الأنشطة الرياضية
6 في المئة من اكتشاف .
في المائة من اجل أسباب أخرى متعددة .
فالأرقام والنتائج المحصل عليها تمنح مؤشرات مهمة لتحليل وتفسير أسباب ودواعي الانخراط في عالم الانترنيت، كواقع اجتماعي جديد أصبحت له جاذبية لا تقاوم . وهو ما يفسر حركة النزوح الجماعي من الواقع المعيش إلى الواقع الافتراضي .
فغالبية المستجوبين يستعملون الانترنيت في التواصل والترفيه بمعدل يتجاوز نصف المستجوبين، وتصل النسبة إلى 58 في المائة، مما يجعل الرقم دال على ان أسباب الانخراط واستعمال شبكات التواصل وفضاءات الانترنيت هي فضاءات من اجل البحث عن المتعة والهروب من واقع ربما يبدو صعبا وقاسيا، او بسبب الامتيازات الداخلية الممنوحة داخل هذا العالم الجديد حيت الحرية والمرونة في ان يفعل المنخرط ما يريد وقتما يريد .
فهذه الفضاءات تتيح مساحات حرية كبيرة، كما ان الولوج إليها ليس مكلفا يكفي هاتف نقال وتعبئة او حتى الجلو س في مقهى او بالقرب منها من اجل الولوج إلى عالم مفتوح، كما ان هذه العوالم اللامتناهية تمنح لزوارها كل ما يطلبه، وما يحقق له رغباته حتى تلك الرغبات والتي كانت محاطة بكافة أشكال المنع والتحريم .
الواقع الافتراضي هو واقع للحرية تغيب فيه سلطات المجتمع والدولة معا، كما انه يمنح هوامش كبيرة للفعل والحركة والتحرر من كل الالتزامات يكفي ان يزعجك شخص معين فيتم حذفه او تعليق التواصل معه، لان الأمر لا يحتاج الى اقل من عشر ثوان .
ان نسبة 10 في المئة من مستعملي الانترنيت لهم أهداف معرفية وبحثية وهي نسبة قليلة واغلبهم من الطلبة والتلاميذ الدين يلجؤن الى الانترنيت كأداة وظيفية من اجل انجاز عمل او واجب مدرسي، أي ان البحث عن المعرفة ليس حافزا داخليا بقدر ماهو نتيجة أكراه خارجي .
كما نسجل النسبة الكبيرة لمستعملي الانترنيت من اجل متابعة الأنشطة الرياضية والتي تصل إلى نسبة 14 في المئة وهو مؤشر دال على مركزية الرياضة وأنشطتها لاسيما كرة القدم والتي اصبحت نشاطا يوميا .
وهو معدل كبير جدا بالمقارنة مع الاستعمالات الاخرى وان نسبة الاستعمالات الخاصة بالبحث والمعرفة تعتبر نسبة ضعيفة جدا .
من اجل معرفة مكان الإقامة والتواجد الافتراضي مادمت المدة الإقامة طويلة ثم استخلاص مجموعة من النتائج كانت على الشكل التالي:
55 في المئة يقيمون في افيس بوك .
18 في المئة يقضون في مجال مختلط يشمل كافة فضاءات الانترنيت وشبكاته .
6 .6 يقضون وقتهم في غرف الدردشة والحوارات .
و الباقي في المنتديات الوظيفية والالعاب الافتراضية .
في حين شبكة توثير وهي الا قل زيارة .
ان الشباب يستعملون سنا بشات واليوتوب .
البالغين والراشدين يستعملون الفيس بوك .
النتائج المحصل عليها تكشف ان الفيس بوك هو الفضاء الأكثر استعمالا من طرف رواد الانترنيت ومستعملي الشبكات الاجتماعية، حيت ان نتائج المقابلات التي أجريت مع البعض من المستجوبين بينت ان الراشدين يستعملون الفيس بوك، في حين المراهقين يستعملون اليوتوب والسنابشات .
بمعنى ان شبكات التواصل بمختلف أشكالها أصبحت هي البيت الجديد حيت الإقامة فيه اكثر من الإقامة في الواقع الفعلي مما، فالإقامة بمثل هذه المدة الزمنية من شانه التأثير على قيم وسلوكيات المرتادين .
ثمة فرضية تنتصب أمامنا حول أسباب اللجوء وبهذه الكثافة او الهجرة الجماعية نحو فضاءات الانترنيت ان صعوبة التحرك داخل الواقع الفعلي يتم تجاوزها بالمجال الافتراضي حيت الحرية والسرعة والمرونة فالمنخرط ينتقل كيفما يشاء ويقرا ما يريد وينتقد كيف يريد انه فضاء للحرية بلا حدود وهدا احد السباب القوية والمؤثرة في عملية الانتقال والهجرة نحو النيت .
و أن نسبة 18.33 من يفضلون الانتقال من فضاء الى فضاء أخر مما يعكس وجود حافزية وإغراءات كبيرة تتمثل في مساحات الحرية والمرونة للمنخرطين في التحرك والاختيار والانتقال دون اية شروط مسبقة او اكراهات خارجية .
يبدو ان الهوية الافتراضية قد أدخلت تغييرات كبيرة على الحياة الداخلية للأسر، لأنها وفرت فضاء مريحا للفرد في عوالمه الزرقاء، بعيدا عن مراقبة وتدخل العائلة وقيمها واشتراطاتها القسرية . وضع ساهم في تكريس العزلة داخل الفضاء الأسري ورفع من منسوب العزلة الاجتماعية، وساهم في تفكك النسيج العائلي والأسري، كما أن العلاقات الالكترونية زاحمت العلاقات والمجالس العائلية.و الأسرية .
اصبح الحديث عن القرية الكونية، إشارة الى تصغير الكبير/ العالم وتكبير الصغير/ الفرد، فالعالم اصبح قرية، مما منح الكثير من الوهم للافراد على التجوال فيها بسهولة حيت الدخول والخروج متى يشاء الفرد ودون أي عناء .
بمجرد الدخول إلى القرية - الفضاء الصغير والمعزول والمعرف سكانه وتضاريسه وحتى تفاصيل حياته اليومية - فان الزائر سيضيع وربما يجد صعوبة من الخروج نظرا لتعقد مسارات التفاعل داخل شبكة تلتهم كل شئ بما فيها التهام الهويات الصلبة .
ما يؤكد أن الهوية الافتراضية هي هوية قوس قزحية، متغيرة غير مستقرة هو ان اغلب زوار ومواطني القارة الزرقاء لا يكشفون على أسمائهم وعن هوياتهم الحقيقية، وهو أمر يكشف إحدى آليات تفكيك الهويات الأصلية وإذابتها في فضاء لامتناهي .
فكثير ممن يرتادونها لهم أسماء مستعارة ووجوه ليست وجوههم، وبعضهم له أكثر من حساب بأكثر من هوية وفق مصالحه ووضعيته الاجتماعية .
ان مبررات الانتقال من الواقع المعيش وتقليص مدة الإقامة فيه، مرتبطة بمحاولة التحرر من سلطات والقيم القهرية للمجتمع الفعلي، في مفهومه الدوركايمي كمجتمع موحد ومتضامن سواء اليا او عضويا .
ثالثا: الهويات الافتراضية كالية دفاعية لتصريف المكبوث
توزيع العينة حسب استعمال الاسماء المستعارة .
النتائج المتوصل والمحددة في الجدول رقم 5 بها تفيد ان أكثر من 72 في المئة من مستعملي الانترنيت وفضاءات التواصل الاجتماعي وشبكاته يخفون أسمائهم الحقيقية، وهو مؤشر مهم يستدعي معرفة الأسباب التي كانت وراء عدم الكشف عن شخصياتهم وعن حقيقتهم، هو ما يجعل التواصل يتم بوجوه مقنعة مما يفقد التواصل الاجتماعي حميميته .
وقد حددت أسباب استعمال الأسماء المقنعة في ما يلي:
امتلاك الحرية والابتعاد عن الالتزاماتالعائلية لاسيما للبنات .
التحرر من المجاملة .
التحرر من الخوف.
تصفية الحسابات مع الخصوم عبر الاساءة والتشهير دون ملاحقة[5] .
التحرر من منالحرج .
من اجل توصيل رسائل بدون إثارة اية حساسية.
إشباع فضول التفتيش والرغبة في اكتشاف حقيقة الآخرين .
التحرر من الشخصية الواقعية .
الهروب من تقاليد وقيم المجتمع .
الجميع يحرص على إبراز الجانب الجميل فيه، وإن ادّعى البعض غير ذلك.
مناقشة امور محظورة او ممنوعة وتشكل طابوهات اخلاقية او سياسية .
وسيلة للاحتجاج والنقد السياسي
اداة لقول الصراحة والحقيقة دون أي خوف
وسيلة للخائفين لقول الحقيقة في وجه المجتمع ووجه العالم
فالاستنتاج الأساسي هو الرقم الكبير والنسبة المئوية المرتفعة جدا لاستعمال الأسماء المستعارة والدخول الى فضاءات التواصل الاجتماعي بوجه غير مكشوف وبأسماء غير حقيقية مما يجعل الانترنيت فضاء لكشف الحقيقة لكن بوجوه غير مكشوفة .
الامر يقودنا الى طرح مجموعة من الاستنتاجات، ان شبكات التواصل هي شبكات وظيفية تتيح للفرد تفريغ شحناته وعواطفه ومكبوثاته العنيفة واتي توثر على ادائه السلوكي العادي وتفقده مبدا التوازن النفسي .
هذه الاستنتاجات تنسجم مع تصورات وأسس نظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد والذي اعتبر ان دينامية الفعل الإنساني تكمن في اللاشعور، وليس في الشعور أو الوعي كما كان يعتقد من قبل، وان ما هو حقيقي لا يكمن في دائرة الوعي، أن ما يعنيه الإنسان ليس حقيقيا، لذا اعتقد أن حقيقة الشخصية تكمن في منطقة اللاشعور، الذي يتكلم في غفلة من الناس لذا دعا إلى تعلم لغته من أجل فهمه، إذن المهمة الأساسية للتحليل النفسي هي تفسير السلوك الإنساني من خلال الأحلام وزلات القلم واضطرابات الشخصية من أجل الوصول إلى بنية اللاشعور المحدودة للحياة النفسية .
لذا شبه فرويد شخصية الإنسان بجبل مغطى بالثلج لا تظهر منه إلا القمة / الشعور أما الجانب الخفي فهوا لا شعور، وقد نظر إلى الذات نظرة بنيوية تتشكل من ثلاث مناطق نفسية متفاعلة فيما بينها وطبيعة العلاقة التفاعلية بين المناطق الثلاث هو ما يحدد نمط الشخصية وطبيعتها .
و قد حدد فرويد ان تعاسة الإنسان مرتبطة بمنطق الصراع الذي تعيشه الشخصية بسبب كثرة الضغوط الواقعية ومن اجل تحقيق الاستقرار والانسجام .
تحقيق حالة التوازن والاعتدال من خلال حفظ منسوب التو ثر والقلق .
ومن هذه الآليات اللاشعورية التي يسعى بها الإنسان لإرجاع التوازن لديه: الكبت، النكوص، التكوين العكسي، التوحد، التبرير، الإعلاء وهي آليات لاشعورية تلجأ اليها الذات المعذبة من اجل التفريغ واستعادة التوازن في حالة اشتداد ضغط المكبوتات وصرامة الواقع .
يمكن اظافة سبب أخر هو الإقامة ولمدة طويلة في فضاءات التواصل الاجتماعي عبر أسماء مستعارة ودون الكشف عن الوجه الحقيقي للذات وهو ما يمنح فرصة تمرير المكبوتات الممنوع تصريفها في الواقع الفعلي لسبب من الأسباب سواء سياسية او قيمية او أخلاقية، ويمكن تصريفها بسهولة في عوالم الانترنيت وبكل سهولة مادام ان الامر يتم دون الكشف عن الوجه الحقيقي وهو ما يمنح فرصة الانفلات من الرقابة الصارمة للقيم وللواقع؟
يمكن اعتبار الاسماء المستعارة بمثابة آليات دفاعية يلدا اليها أصحاب الاسماء المستعارة لتخفيف من حدة ضغوطاتهم النفسية والاجتماعية .
الامر يقود الى استنتاج ثاني أن من يلجؤن الى الأسماء المستعارة غالبا ما يعانون من تقل من الضغوط الاجتماعية والنفسية والقيمية والتي تشكل لهم اضطرابات سلوكية، مما يصبح الولوج الى شبكات التواصل إجراءا علاجيا من من اجل التخفيف وتصريف كل المكبوثات التي تحدث نوعا من الاضطراب والضغط النفسي .
ما يؤكد هذه الفرضية هو ان من يستعملون شبكات التواصل الاجتماعي باسمائهم الحقيقية وبصورهم وبتحديد كل ما يتعلق بحياتهم الاجتماعية اغلبهم شخصيات عامة ولها وضع اعتباري بالمجتمع، بالرجوع الى نتائج البحث نستنتج:
حول المدة التي يتم انفاقها في عالم الانترنيت
فالذين يتوفرون على وضع اجتماعي مريح يستعملون اسماءهم في الولوج الى شبكات التواصل، ذلك ان وضعهم الاعتباري داخل المجتمع وضع هادئ ومريح اجتماعيا، فالراحة الاجتماعية مؤشر اساسي لفهم عدم اللجوء إلى أسماء مستعارة بسبب مفعول الثقة في النفس والاعتزاز بها .
رابعا: التحرر من سلطة الواقع .
فالظاهرة الاجتماعية في نظر دوركايهم ظاهرة قهرية وعمومية، وتتمظهر خصوصية الفرد الاجتماعية من خلال احترام خصوصية مجتمعه، وكل خروج عن ثقافة المجتمع تقابل بالعقاب أو الزجر والإدانة . كما نجد علماء اللغة وخاصة اللسانيون البنيويون يؤكدون أن الفرد غير حر في اختيار لغته، مادامت اللغة مؤسسة اجتماعية تفرض على الإنسان احترامها إن أراد الانتماء إلى جماعته اللسانية وهو ما أكده جاكوبسون أن اللغة تحدد ما نقوله أكثر مما تسمح بقوله .
هذه الرؤية الحتمية لطبيعة الإنسان حيث الفرد محكوم بسلسلة من الحتميات والاكراهات النفسية والاجتماعية والبيولوجية وكذا الاقتصادية عبرت عنه الرؤية البنيوية، هكذا تتحدد الملامح الكبرى للاتجاه البنيوي من حيث الدعوة إلى إلغاء الحرية الفردية، وجعل الإنسان محكوم بحتميات بنيوية انه مجرد حامل لبنيات، وليس صانعها أم متحكم فيها فالفاعل هو البنية أما الفرد ما هو إلا منفعل داخل هذه البنية .
فالفرد وفق نظريات العلوم الاجتماعية سواء قهرية دوركايم او بنيوية فوكو وكلود ليبفيستراوس والهابتوسلبورديو[6] والتنشئة الاجتماعية والشخصية القاعدية لرالف لنتون كلها تصورات تكشف ان الفرد لا يملك الا حرية واحدة وهي الخضوع والامتثال لهذه البنيات القهرية، مما ولد حالة من الضغط والقهر الاجتماعي، ساهم في البحث عن مسارات للانفلات من هذا الواقع الضاغط
لذا يفهم سر النزوح الكبير من الواقعي نحو الافتراضي، لان الهوية الافتراضية مؤسسة على حرية الإبحار في قارة زرقاء " الفيس بوك "، فهذا يعني انها هوية مشتتة داخل فضاء مرقمن لا يعترف إلا بالتعدد والاختلاف والتشتث، ويعترف فقط بالتشبييك ربط الناس فيما بينهم من اجل المتعة والتواصل وأشياء خرى خارج الحدود الجغرافية والثقافية والقيمية .
هو ما يجعل الهوية الافتراضية تعادي الوحدة والثبات، أي ان الشخصية القاعدية التي تحدث عنها رالف لنتون في حديثه عن وجود شخصية قاعدية تمثل الإطار المشترك لأعضاء مجتمع واحد، وتمتاز هذه الشخصية بالوحدة والتشابه .
في حين الشخصية الوظيفية حسب لنتون مؤسسة على الاختلاف تبعا لنوع الوظيفة الاجتماعية التي يؤديها كل فرد .
الهوية الافتراضية تتجاوز أسس رؤية رالف لنتون من حول الشخصية القاعدية، لأنها هوية مؤسسة على تفكيك الهويات الأصلية، وإعادة تشكيل هوية معولمة ونمطية تعيش على نمط موحد للحياة ونظرة استهلاكية .
سبب الانخراط هو الهروب والتحرر من القهر الاجتماعي للمنخرطين حيت عبر اغلب المستجوبين إنهم يحاولون قتل الوقت او البحث عن بدائل لواقع قاسي، وهو ما يكشف انه التواصل الافتراضي ونوع من الهروب والهجرة من واقع غير مريح وبالتالي يكون الانخراط في شبكات التواصل نوع من الحلول المؤقتة للخروج من الأزمة او على الأقل نسيانها .
الإقامة في شبكات التواصل تعني الهروب من واقع مؤلم الى واقع مريح، فالفيس بوك مثلا لا يحل المشاكل لكنه يساهم في نسيانها، انه فضاء مسرحي كل واحد يلعب الدور الذي يريحه، بمثابة مجال للتنفيس كل واحد يبث من خلاله آهاته وأوجاعه وخيباته.
خامسا:مظاهر تحول الهوية
لمعرفة مظاهر التحول في قيم الذات بالمجتمع الافتراضي ثم تجميع مجموعة من المعطيات حول طبيعة الرموز والشخصيات المؤثرة في سلوك الافراد الافتراضي والقيمي.
حول رموز الهويات الافتراضية
الرموز العدد بعض الامثلة
رموز دينية 25 صور الشيخ كشك – محمد حسان – صورة مكة – ادعية دينية – عبدالباسط – السديس -
رموز فنية ورياضية 12 صور لاعبي كرة القدم: ميسي – رونالدو –زياش وصور بعض المغنيين والفنانيين .
اشياء طبيعية 8 صور لمناظر طبيعية .
رموز فكرية 05 محمود درويش - مقولات فكرية – اينشتاين
رموز غير معروفة وغريبة 10 صور غريبة او الاطار فارغ
من خلال النتائج المتوصل بها يتين ان شبكة الانتماء قد تغيرت وتعددت ويغلب عليها الطابع الديني من خلال صور الفقهاء والقراء وصور المساجد والادعية وهو ما يؤكد الحضور الديني في المجال الافتراضي .
وهو الامر الذي يكشف ان شبكة الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي اصبح قبلة جديدة للمتدين، وان المسجد الجديد الذي يجد فيه المتدين الافتراضي كل احتياجاته .
هذه الحشود والتي فرض عليها الصمت والسماع، دون نقاش او حجاج او تساؤل حول خطب الفقهاء، والذين يملكون أحقية التفسير للنص الديني منحتهم العولمة فرصة الانفلات من هذه الهيمنة، وبالتالي فرصة التعبير عن ثقافتهم وتصوراتهم الدينية بعيدا عن الرقابة . فالمجتمع الافتراضي منح هامشا كبيرا من الحرية للحشود المؤمنة والذين حرم عليهم التداول في أمور الدين .
هذا التحول الجديد جعل المؤسسات الدينية الرسمية منها في حالة إحراج نتيجة فقدان السيطرة على الجمهور الذي كان يبحث عن الحرية وفضاءات للتعبير وجدها في وسائط الانترنيت والتي تحولت الى مساجد جديدة يؤدون فيها طقوس الايمانية ..
يمكن الركون الى العولمة ساهمة في دمقرطة الفعل الإيماني، حيت اصبح فعل التعدد تعدديا، وهو ما يعني تعدد أنماط التدين والخروج من سطوة النموذج التدني الواحد الخاضع لسلطة الجماعة او الدولة، اي انها مرحلة التدين المراقب الى التدين المفتوح .
اظافة الى وجود تاثير المجال الرياضي والفني هو مؤشر واقعي يكشف مدى اهمية ومركزية الثقافة الرياضية في النقاشات اليومية، حيت اصبحت مواضيع كرة القدم ونتائج المباريات وظلم التحكيم ومؤامرة الفرق المنافسة وانجازات الالترا، وانتقالات اللاعبيين كلها مواضيع تناقش بشكل يومي ومكثف .
كما نجل وجود مجموعة من الرموز الغريبة والغير المحددة المعالم والتي تبدو الاقرب الى ما هو سريالي واحتجاجي فهو مؤشر لتفكير في السلوك الاحتجاجي الرافض لقيم المجتمع .
الانتقال من الهوية الاصلية والواقعية الى الهوية الافتراضية ومن المجتمع المعيش والواقعي المرفة قيمه ومجاله وشبكة علاقاته وانواع الترتبيات الاجتماعية القائمة فيه وانواع السلط وغير ها من القيم والنظم الاجتماعية الى المجتمع الافتراضي المؤسس في اللامكان قد احدث جملة من التغييرات والتحولات منها:
- فك الارتباط بالوطن وهيمنة الرموز المشرقية .
ضعف الارتباط بالفيم الاجتماعية المؤسسة على التضامن الساخن والقيم الايجابية، حيت اصبح التضامن مع شخص في وضع يحتاج الى مساعدة يتم عن طريق التصوير والمشاركة وليس التدخل من اجل الانقاذ .
فالذات الافتراضية تعتقد ان استطاعت مساعدة من يطلب المساعدة من خلال تصويره ونشره وتقاسمه في فضاء غير محدود والحصول على اكبر قدر من الجيمات والمتابعات .
فحتى القيم والاحاسيس والقيم الاجتماعية اصبحت عبارة عن ايقونات ملونة لا علاقة لها بالفعل الانساني الايجابي .
- ضعف الارتباط بالرموز القومية (الذاكرة المشتركة)
- تغير اللغة المستعملة في التواصل والإشارة والتحية والرموز
. وعن انعكاسات هذا التحول على هوية الأفراد يرى بعض علماء النفس أن ظاهرة تمضية أعداد متزايدة من الناس أوقاتا مطوّلة أمام شاشة الكمبيوتر لقضاء "حياة أخرى" تحت هوية غير هويتهم المعتادة وذلك سواء عند المشاركة في فضاءات الدردشة كما هو الحال في "البال تولك" أو "السكيب". أو في فضاءات افتراضية مفتوحة ك"الفايسبوك" و"تويتر" و"مايسبيس"، فيقوم بتقمص شخصية مغايرة لشخصياتهم المعتادة، أو أثناء التواصل عبر هذه الوسائط الاتصالية الحديثة فيتحقق التأثير والتأثر في أحاسيس وعلاقات وهوية الشخص عندما يقضي ساعات طوال في الإبحار على الأنترنيت في عوالم افتراضية يلتقي فيها بطريقة تفاعلية مع أشخاص آخرين تحت هوية غير هويته. فشبكات التواصل الفيس بوك نموذجا تصنع واقعا جديدا وعالما جديدا وقيما جديدة، حيت كل فرد يعيش عزلة قاتلة ووحدة غريبة حتى وان كان محاطا بأصدقائه ووسط اسرته، فهو يتفاعل، يتحاور، يناقش، يمازح البعيد لكنه لا يكلم من يجلس معه ولا ينتبه انه انصرف قبل ساعة؟؟
الانزياح الى الافتراضي هو بمثابة إعلان عن موت الواقع هو عنوان لمرحلة جديدة تعاد فيها صياغة وجودنا بقيم جديدة وأحلام ورهانات جديدة أي إعادة بناء هوية افتراضية جديدة؟
فالإنسان الافتراضي الذي لا يحمل أي بعد سوى افتراضيته، بعيدا عن كل القيم والمعايير والعادات القديمة والتي كانت تشكل عبئا عليه، عكس الواقع الافتراضي يمنحه حرية لإعادة تشكيل هويته وفق مايريد وليس وفق مايريد المجتمع؟؟
الحاجة الى الحرية يقود الى تورة على المؤسسات بما في دلك الأسرة والمدرسة والحزب والنقابة والجمعية وكل المؤسسات الاجتماعية المخولة بجعل الانسان كائنا اجتماعيا وسياسيا مرتبط بقيم مدينته وجماعته وبلده؟؟؟
الفضاء الافتراضي هو فضاء للحرية يمنح فرصة اكبر للتعبير عن الذات بعيدا عن الرقابات الاجتماعية والمؤسساتية، فحجم الأرقام وعدد زوار الشبكة يعكس بالضرورة ان المواطن كان يحتاج الى فضاء للحرية
النتائج العامة:
كشفت تنائج الدراسة أن
- المجتمع الافتراضي اصبح واقعا اجتماعيا .
-الفيس بوك هو الفضاء الاكثر استعمالا من بين شبكات التواصل بالنسبة للراشدين في حين الانستغرام والسنابشات واليوتوب الاكثر استعمالا من طرف المراهقين .
- إن الانضمام إلى المجتمعات الافتراضية كان بدافع لاشعوري من اجل التخلص من ضغوطات اجتماعية ونفسية
- تمثل الهوية الافتراضية عند غالبية الأفراد انعكاسا طريقا لهوياتهم الحقيقية لاسيما ممن يعيشون وضعا اجتماعيا مريحا وهو ما يفسر تصريحهم ببياناتهم الحقيقية حول السن والجنس والمواصفات ووضع صورهم الحقيقية.
- تفتيت معايير الانتماء الاجتماعي والوطني استبدالها بمعايير ورموز شرقية وفنية من خارج المجال الجغرافي .
د الفرفار العياشي
دكتوراه في علم الاجتماع
..........................
المراجع
1/ انتوني غيدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان2005
2/ محمد عابد الجابري، العولمة ومسألة الهوية بين البحث العلمي والخذ.طابالاديولوجي، مجلة فكر ونقد، عدد 22،
3/ محمد إبراهيم عيد، الهوية والقلق والإبداع، ط1، دار القاهرة للنشلر: القاهرة – 2002،
4/ صالح مصطفى الفوال، مناهج البحث ف يالعلوم الاجتماعية، دط، مكتبة الغريب: القاهرة – 1982،
الهوامش
[1] محمد عابد الجابري، العولمة ومسألة الهوية بين البحث العلمي والخذ.طابالاديولوجي، مجلة فكر ونقد، عدد 22، ص. 13
[2] محمد إبراهيم عيد، الهوية والقلق والإبداع، ط1، دار القاهرة للنشلر: القاهرة – 2002، ص 17.
انتوني غيدنز، علم الاجتماع، ترجمة فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، لبنان2005 ص 663
[4] صالح مصطف ىالفوال، مناهج البحث في العلوم لاجتماعية، دط، مكتبةالغريب: القاهرة – 1982، ص 35.
[5]- الامر شبيه بحكاية الراعي جيجيس وخاتم الاخفاء حيت بمجرد وضع الخات يصبح جيدس شريرا وقاطع طريق فقط لانهلايرى ولا احد يمكن اثبات جريمته .
[6] أسس بورديو رؤية مغايرة للعلاقة بين الفرد والمجتمع، حيث يحافظ الفرد على بعض الاستقلالية، ويعتبر مفهوم الابيتوس مفهوما مركزيا في سوسيولوجيةبورديو باعتباره مجموع الشروط التي تحكم الفرد في علاقته بالمجتمع، كما يعتبر المحرك لكل سلوكاته وتصرفاته، فالفرد يتصرف وفق ما يمليه عليه الحقل الاجتماعي (3) الذي ينتمي إليه وبحسب الرأسمال المملوك وهو ما يعني أن الابيتوس (4) كمفهوم يعني أن الفرد يستبطن كل ما ينتمي إلى مجتمعه حيث يتم تحويل ما هو خارجي وجعله داخليا عن طريق عملية الاستبطان، فالفرد تترسخ لديه كل البنيات الاجتماعية من عادات وتقاليد وقيم بالتالي يتحول الفرد من فاعل إلى مجرد وكيل يحمل ويدافع عن قيم مجتمعه، عموما فممارسات الأفراد ووفق منطق الابيتوس محكوم وفق العمليات الآتية: تحويل المنظومات والقيم إلى مؤسسة لا يمكن الخروج عنها وتكريس شرعية الطبقة المسيطرة مع ضمان تواطؤ الخاضعين لها .