قضايا

المرأة ودموعها اللغوية وإعادة صياغة ذاتها

اسيل عباس وادييصور التاريخ المرأة في أبعاده الموروثة وأنساقه الثقافية والاجتماعية ابتداءً من الأديان السماوية بوصفها كيان متشقلب القيم والوجود . وساعد الأدب بشقيه الشعر والرواية وصولاً إلى الصورة المتحركة السينمائية والمُتلفزة في إعادة صياغة ذات المرأة. فهي كيان متزحزح ضد نفسه أولاً وضد الآخر بوصفها الشر الأول والخطيئة الكامنة في وعي الرجل حتى أصبحت عدوة ذاتها. فنبثق من وجودها وجودا آخر أكثر انكسارا وهو وجود ذات دموع لغوية.

وما أريد قوله هنا، أصبحت المرأة بدموعها لا تحيل إلى الجوهر بل صورة مكتسبة من الخارج. تجهل مضامين وجودها، إذ تخوض في داخلها صراع طبقي بين رغباتها وعواطفها وحقوقها ولسانها اللغوي .انسحبت كل هذه الدلالات إلى سلاح ملون المفعول وسريع الاستجابة وهو الدموع، لتلغي عقلها وإرادتها بمحض وعيها مع تطرف لا مبرر له في هذا الضعف الذي يستشيط في كينونتها ردة فعل يحسبها الآخر سلاح فتاك تستخدمه ضده.

وهذا الانزياح اللاشخصاني يتبلور ضمن صعيدين: فالأول يتمثل بإشراك الآخر في هذا الخداع الفاخر وهو المسبب الأول لهدره من خلال ممارسة سلطوية سادية في نبش بئر دموعها . أما الثاني يتمثل بدموع المرأة فهي دموع فوضوية تفتقر للصدق وعواطفها ينقصها الإدراك ، فهي دموع مسفوحة بمآرب آنية ضمن دوافع رغباتها، وهذا يؤدي إلى حقيقة مفادها إن كينونة المرأة وما يقع في حيزها كيان غير مكتمل، كيان حساس عبثي تثار رغباته لأجل غايات محددة يقع الرجل في فخها منذ خطيئته الأولى كما تصورها الأديان.

ويؤدي هذا الفيض دمعي إلى اختزال ضعفها الأنثوي وخضوعها مع الآخر له . وينتقل هذا الضعف إلى الآخر بحضور هذه الدموع الزائفة التي يعرف حقيقة منابعها، فيقعان في دائرة الاختلاف المتشابه حتى يصبحا كيانين متداخلين ضمن لعبة الكذب، ويتمخض هذا الحضور المتلاشي في اللاوعي بين المخادع والمخدوع فيسقطان في بؤرة مشوهة القيم والمبادئ الإنسانية.

فدموع تمثل قيمة وجدانية وعاطفة إنسانية صادقة تتفجر عن موقف محزن أو فقدان أو ألم .فهي بهذا النسق المتعالي الذي تمارسه على مشاعرها ووجودها تضمر كينونتها في صراع أزلي منقسمة إلى صورتين تنحصر الصورة الأولى بوصفها غائبة الحضور تتوارى خلف الدموع الكاذبة ، أما الصورة الأخرى منسحبة إلى الخارج متفرجة مع الآخر الذي يمثل صورتين ملتحمتين في ذات واحدة بين المخدوع ضمناً والذي يقبل الخداع واقعاً في تواطئ مسبق مع ذات المرأة المنقسمة الخارجة المتفرجة المراقبة حضورها الزائف مع الآخر في تلبية رغباتها والتي تقع في مسافة اللأمان وهي سلطة الدموع مهددة الآخر بوجودها وقبولها . فيتحقق هذا الانتصار المازوشي لذاتها ، والذي يتماهى مع وعي الآخر المستسلم في سيادة إرادته على ذاتها المتفككة.

ويحيلنا هذا الموقف الإدراكي المتشظي بين العواطف والمكر والذات المراقبة والآخر في صراع مكتسب ومشروع في تلبية حقوقها المسلوبة وجمع أواصرها بقبول كاذب. وهذه الصورة المتحركة في تأويل دوافعها يهضم الآخر ومضاتها البطيئة ليمارس عليها سلطته. فتصبح المرأة الفاعل المباشر في هذه الخضوع وانتقالها من طرف الإيجاب إلى طرف السلب.

ووفق هذه المفاهيم تشكلت المرأة وشاركت في استباحت ذاتها مع الدين والأعراف والآخر، في تدجينها وانقسامها إلى ذوات متعددة .فتضخم هذا البعد واصبح نمطا شائعا يقع على عاتقها بوصفها تملك انصاف الأشياء وتزيدها تعقيداً.

وهذا ما نراه اليوم ونعايشه كواقع ثقافي يحسبه الآخر المثقف أو الأديب الذي يستخدم حضور المرأة كوجود سهل التطبيع وسلعة رائجة في قبول انعكاسها في كتاباته وصياغتها ضمن سلطة الفعلية والثقافية والاجتماعية في تشكيلها وفق أيدولوجيته ورغباته فارضا تهميشا ثقافيا داخليا بامتياز للنساء التي تتنفس في حيز نصوصه .أما خارجياً يكَمن بتلاعب قصدي بدلالات الألفاظ لتصبح المرأة القارئة ضحية قصديتها الجمالية الفارغة. ومؤيدة بوعي مشوه هذا الاعتداء الصارخ في قمع عواطفها ودموعها وإنسانيتها ووجودها بوصفها تملك خداعا نسائيا فاخراً ضمن نرجسيتها اللعوبة ومزاجيتها المغنجة وتتقبله كجزء ثابت الأصل في حيزها الطبيعي وتقلباتها الفيزيقية ، فينحسب كل هذا دون وعي إلى واقع تساهم في تشكيله مع الآخر ضد نفسها .

 

أسيل عباس وادي

 

في المثقف اليوم