قضايا

الإسلام السياسي مطية الانتهازيين وخدعة المغفلين

سليم جواد الفهدتأملات في الفكر السياسي الإسلامي (14)

أكبر خدعة انطلت على كثير من المغفلين هي خدعة الإسلام السياسي لأنه في الحقيقة لا يوجد اسلام سياسي وإسلام غير سياسي الاسلام والسياسة بنيتان مختلفتان وتنتميان الى مستويين مختلفين من التجريد فالدين: هو مجموعة من العقائد والشرائع التي تطرح تصورا متعاليا للكون والحياة عبر ربطها بأصول ميتافيزيقية –غير خاضعة لمتغيرات الزمان والمكان-بنص مقدس لا يمكن تبديله أو تغييره ويحرم نقده أو محاكمته محاكمة عقلية. أما السياسة فتعرف بأنها: رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية وكافة شؤونها الخارجية. وتعرف أيضاً بأنها: ممارسة تقوم على توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما. وتعرف كذلك بأنها: العلاقة بين الحكام والمحكومين في الدولة. وعرفت أيضاً بأنها: طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات من أجل المجتمعات والمجموعات البشرية. وعرفها (ديفيد إيستون) بأنها: عبارة عن دراسة تقسيم الموارد الموجودة في المجتمع عن طريق السلطة أما الواقعيون فعرفوها بأنها: فن الممكن في إدارة المتغير.

وهنا يلزم التفريق بين الفلسفة السياسية والفكر السياسي فالأخير يعني كل تفكر وتأمل حول السلطة ومجاله هو: السياسي حصرا. أما الفلسفة السياسية فتعني كل تأصيل سياسي مجرد يبغي الوصول الى التكامل النظري غير مقيد بالزمان والمكان. وبتعبير آخر: تعني نظاما متكاملا للقيم الفكرية حيث تتم بواسطة هذا النظام عملية ربط الواقع بالمستقبل. وثمرة هذا التفريق أن الفكر السياسي الإسلامي لا يمتلك أدوات مجردة تسمح له بتقديم نموذج متكامل يرقى الى مستوى الفلسفة السياسية فهو فكر وقف عند الماضي وقفة نهائية والى الأبد فهو في الحقيقة فكر بلا رؤية مستقبلية وهنا يفقد أهم مرتكز من مرتكزات الفلسفة السياسية وهو ربط الواقع بالمستقبل.

وهذا ما حصل ويحصل في كل دين فعندما يموت مؤسس النص (النبي) يتنازع صحابتة على الحكم والكل يدعي شرعية تمثيله وعندما يصل الصراع الى انسداد الأفق يتجالدون بالسيوف وتهرق الدماء حتى تستقر الأمور للأقوى والأكثر حيله فيبدأ بتمثيل دور المقدس من جديد حتى يموت فينشب الصراع من جديد وهكذا يستمر هذا البذل المقدس للدماء حتى تزول دولة المقدس. ومن يريد أن يفهم هذه الفلسفة فليقرأ تاريخ الإسلام من السقيفة حتى قتل المستعصم بالله وزوال دولة بني العباس على يد المغول عام (656هـ -1258م).

الدين في الاصل والاساس علاقة شخصية بين الخالق والمخلوق والدولة مؤسسة سياسية تستبطن سلطة وثروة يجب أن تكون ملك لجميع مواطنيها من مختلف الاديان والملل فمتطلبات الدين تتحقق باعتقاد وأفعال الأفراد وليس الجماعات أو السلطات. ولذلك فإن وصف "الدولة الدينية" مجازي ومصطلح معاصر لم يستخدم إلا في العقود القليلة الماضية ولا يمكن أن تحتكره جهة أو جماعة ومعنى جماعة دينية إنها صفة تتخذها جماعات وأحزاب ومؤسسات ليس على سبيل الاختصاص أو الانفراد أو الاحتكار ولكن للتأكيد على مبادئ وأفكار وقيم معينه كما تتسمى أحزاب وجماعات ومؤسسات بالديمقراطية أو الإصلاح أو الحرية.

باختصار فإن التسميات غير المنهاج والبرامج والتيارات ويجب أن تقدم الأحزاب والتيارات نفسها بوصف يمكن تحديده كما نعرف على سبيل المثال أن اليسار يؤيد دورا اجتماعيا واقتصاديا للدولة وأن الليبرالية تؤيد دورا متعاظما للأسواق والحريات الفردية ولكن "الإسلامية " مثلا هل يمكن أن تعني شيئا محددا مفهوما ما معنى إسلامية إذن؟ بالعودة لأصل مصطلح الإسلام السياسي يمكننا أن نقف على الخلط القائم بين الخطاب الدعوي من جهة والخطاب السياسي من جهة ثانية لحركات الإسلام السياسي فهم يتعمدون أن يخلطوا بخبث بين الإسلام كدين وبين السياسة كممارسة لكن هذا الخبث سرعان ما ينكشف من خلال سلوكهم الرذيل عندما يتسلطون.

نشأة المصطلح

يعتبر مصطلح الإسلام السياسي من المصطلحات الحديثة والمعاصرة وهو مصطلح استخدم لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره "نظاما سياسيا للحكم". ويمكن تعريفه كمجموعة من الأفكار والأهداف السياسية النابعة من الشريعة الإسلامية التي يستخدمها مجموعة "المسلمين الأصوليين" الذين يؤمنون بأن الإسلام "ليس عبارة عن ديانة فقط وإنما عبارة عن نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء مؤسسات دولة".

لذلك تحاول بطريقة أو بأخرى الوصول إلى الحكم والاستفراد به وبناء دولة دينية ثيوقراطية وتطبيق رؤيتها للشريعة الإسلامية ويعتبر مصطلح الإسلام الأصولي من أول المصطلحات التي تم استعمالها لوصف ما يسمى اليوم "إسلام سياسي" حيث عقد في سبتمبر 1994 مؤتمر عالمي في واشنطن تحت عنوان "خطر الإسلام الأصولي على شمال أفريقيا" وكان المؤتمر عن السودان وما وصفه المؤتمر بمحاولة إيران نشر "الثورة الإسلامية" إلى أفريقيا عن طريق السودان وفي التسعينيات وفي خضم الأحداث الداخلية في الجزائر تم استبدال هذا المصطلح بمصطلح "الإسلاميون المتطرفون" واستقرت التسمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 على الإسلام السياسي.

إلغاء الخلافة الإسلامية

حركة الإسلام السياسي بمفهومه الحديث بدأت بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى وقيام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس جمهورية تركيا على النمط الأوروبي وإلغائه لمفهوم الخلافة الإسلامية يوم 3 مارس من سنة 1924 وعدم الاعتماد على الشريعة الإسلامية من المؤسسة التشريعية كما قام بحملة تصفية ضد كثير من رموز الدين والمحافظين. وكان أول رد فعل على الغاء الخلافة الإسلامية هو تأسيس حركة الإخوان المسلمين وهي أم الحركات الإسلامية في العصر الحديث وأكثرها تأثيرا وأوسعها انتشارا في العالم العربي وبعض دول العالم الإسلامي وفي الجاليات الإسلامية في الغرب وهي أيضا كبرى الحركات والمجموعات السياسية المعارضة للأنظمة السياسية المتعاقبة في مصر.

أسس المدعو حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين في مارس/آذار 1928 بمدينة الإسماعيلية المصرية بعد أربعة أعوام من سقوط الخلافة العثمانية ثم سرعان ما انتقلت إلى القاهرة فإلى بقية أنحاء مصر ثم إلى أجزاء كبيرة من العالم العربي والإسلامي ليصبح تنظيم عالمي ظاهره السلامة والرحمة وباطنه الشدة والقسوة والعنف عرف بالضبابية والغموض والسرية-حتى بين منتسبيه-أتخذ من الإسلام شعارا له جمع بين متناقضات مضحكة كالتصوف والتكفير والسلفية والأشعرية لاحتواء جميع المغفلين بخبث وكان البنا يركز في كل كتبه وخطبه على شمولية الإسلام واحتواءه على كافة القوانين والشرائع التي تستطيع إدارة حياة الشعوب والمجتمعات في كل مكان. كما كان يرفض القول بأنه أتى بحزب أو جماعة بل كان يركز دائما بأنه ينادي فقط بالإسلام الذي جاء به محمد ولم يبتدع شيئا.

يقول رفعت السعيد: "وكانت سياسة التعويم وعدم المجاهرة بنوايا الجماعة في إحداث التغيير السياسي والاجتماعي الشامل، الذي قدمت له الجماعة تفسيرا في أدبياتها، قد جعلت من الكثيرين يتوقفون على حالة "التقية" والتهرب من المواجهة والميل إلى المراوغة التي ظهرت عند حسن البنا، " يلجأ الشيخ حسن البنا في مسألة العلاقة بالسياسة بالذات إلى التعمية والغموض ويتعمد التعميم والألغاز" هل نحن طريقة صوفية، جمعية خيرية، مؤسسة اجتماعية، حزب سياسي، نحن دعوة القرآن الحق الشاملة الجامعة، نحن نجمع بين كل خير". لكنه لا يلبث أن يقول" إن الإخوان دعوة سلفية، طريقة صوفية، هيئة سياسية، جماعة رياضية، رابطة علمية ثقافية، شركة اقتصادية، فكرة اجتماعية". ثم يعود البنا إلى إنكار كلماته، ليلتوي بالألفاظ في اتجاه معاكس " أيها الإخوان أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبا سياسيا، ولا هيئة موضعية الأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد، ونور جديد وصوت داو"، (..)، ولا يملك الباحث سوى الحيرة...هل كان الأمر يحتمل كل هذا التخبط أم انه تخبط مخطط ومقصود...فإذا ما حاصر السؤال المحدد "الشيخ" أجاب في براءة "ليس هناك دين وشيء اسمه سياسة، هذه بدعة أوروبية". ولا يكون أمام أي باحث مهما كان محايدا إلا ان يفترض ان الشيخ كان يتعمد الخلط والمراوغة. وتصف باحثة غربية هذا الأسلوب بأنه "أسلوب ذو فاعلية واقتدار فهو يؤكد على الطابع الديني للجماعة إذما جابهه في الحكومة رئيس قوي، ولكنه لا يلبث أن ينغمس في الصراعات السياسية إذما وجد أمامه رئيسا ضعيفا للحكومة "(1).

من هذا المستنقع الآسن خرجت مئات الضباع وملئت حياة الناس رعبا وقسوة ودمار ضباع تتستر بالدين وشعارهم تطبيق الشريعة وهم ابعد الناس عن الشريعة همهم الدنيا ووسيلتهم الدين حتى حولوا الدين الى مسرح ترقص عليه العواهر والمخنثون. كفروا الناس وهم الكفرة لأنهم قتلوا كل ما هو إنساني وحكموا بارتداد المجتمع عن الإسلام وتردي هذا المجتمع في الجاهلية لرفضه فكرة حاكمية الله وتفضيله حاكمية البشر. وهم يعلمون أن البشر هو الذي يحكم في النهاية لأن الله لا ينزل من السماء ليعلن نفسه ملكا أو رئيسا للجمهورية يعطون الله الحكم نظريا ليحكموا هم عمليا باعتبارهم وكلاء الله على الأرض والناس لديهم خدم.

للحديث بقية.

 

سليم جواد الفهد

...............

1- رفعت السعيد. (حسن البنا: متى وكيف ولماذا؟)، دمشق، سوريا، الطبعة العاشرة، دار الطليعة الجديدة 1997 م، ص 124ـ125.

 

في المثقف اليوم