قضايا

كورونا وبداية عودة الحياة لطبيعتها؟ (2)

محمود محمد عليلو تجسد فايروس كورونا في صورته مرة لكانت صورته بشعة ومرعبة، ولو اجتمع ضحاياه لشكلوا دولة كل ما فيها موبوء، سكانها نحو مليونين، ومقبرتها الجماعية يتزاحم فيها نحو أكثر 125 ألف نعش ؛ ففي أقل من أربعة أشهر اكتسح الوباء المعمورة من أقوي دولها إلي أصغرها وأضعفها، وبات حديثها الليل والنهار لتتعايش البشرية مع زائر لا يبتسم إلا ليفترس ضحاياه .

في هذا المقال نعود ونكمل حديثنا عن تداعيات كورونا مع بدء عودة الحياة إلى طبيعتها، وهنا نتساءل فنقول : متي سيختفي كورونا ومتي ستنتهي الأزمة؟.. ومتي سينتهي هذا الفايروس؟

هذا هو السؤال الصعب، والإجابة عليه قد تكون أصعب، ففي دراسة أخيرة لجامعة سنغافورة التي رسمت ملامح لانتهاء الوباء بالاعتماد علي البيانات الرسمية بعدد من الدول .. حيث تمكنت هذه الدراسة من رسم صورة لانتشار الفايروس ودورة حياته أيضاً .. وهنا التنبيه المهم في تراجع عدد الإصابات أو ما يعرف بتسطيح المنحني لا يعني القضاء تماما علي الفايروس، فمن المتوقع أن يظهر مرة أخري في الشتاء القادم ..

نتائج هذه الدراسة في الدول العربية تقول إن الأردن ولبنان، تجاوزتا ذروة الانتشار خلال هذا الشهر، بينما تنتظر دول أخري خلال شهر يونيو ويوليو، وهنا تكون مصر والسودان وفق هذه الدراسة ستنتهي فيهما ذروة الفايروس خلال هذا الشهر، علي أن تستمر في مصر إلي ما بعد العشرين من ذات الشهر، والإمارات العربية المتحدة ستصل إلي الذروة  في الخامس عشر من هذا الشهر، تليها الكويت في التاسع والعشرين من ذات الشهر، وأما المملكة العربية السعودية التي اتخذت تدابير غير مسبوقة بإغلاق الحرمين، قد تنتظر نهاية الذروة في بداية الشهر القادم، والكويت ستكون ذروتها في مطلع الشهر القادم.

وتضع الدراسة قطر حتي الثالث من شهر يونيو، وإيران في العاشر من مايو وتركيا في الخامس عشر ذات الشهر أيضاً، وأوربا تتوقع الدراسة أن ذروة انتهاء الجائحة تكون في الرابع من الشهر الجاري، وبريطانيا في التاسع من مايو الجاري، وبالنسبة لإسبانيا وألمانيا فتكون من بداية مطلع هذا الشهر ؛ والدراسة وفق الأرقام المعلنة قدرت انتهاء الجائحة في الولايات المتحدة في نهاية الشهر الجاري علي أن تنتهي في كندا في الثالث عشر من ذات الشهر.

وإذا  كانت الدراسة قد خلصت إلي أن جائحة كورونا قد بدأت في التقلص، فإن هناك من العلماء من أمثال الدكتور مايكل ليفيت (أستاذ علم الأحياء في جامعة "ستانفورد"، الحائز جائزة "نوبل") الذي تنبأ بأن فايروس كورونا يمكن السيطرة عليه؛ حيث أخذ منذ يناير الماضي، وهو يقوم بتحليل عدد حالات كوفيد 19 في أنحاء العالم، وكانت قد صدقت توقعاته قبل فترة، عندما قال بأن الصين ستعاني أسوأ انتشار لفايروس كورونا التاجي، وهو الآن يتوقع نتيجة مماثلة في الولايات المتحدة، وحتي في بقية العالم، وبينما يحذر العديد من علماء الوبئة من أننا أمامنا أشهر أو حتي سنوات من الاضطراب الاجتماعي وملايين الوفيات، يختلف معهم مايكل ليفيت ويقول إن البيانات لدييه لا تدعم مثل هذا السيناريو المخيف تحديدا في الدول التي تطبق تدابير صحية ووقائية صارمة ويقول ما نحتاجه هو السيطرة علي الوضع وبعد ذلك سنكون علي ما يرام، وهذا ما لا حظه مايكل ليفيت في الصين عندما كتب إلي أصدقاء له في الأول من فبراير الماضي، بأن عدد الوفيات سيتباطأ أكثر خلال الأسبوع المقبل وهذا هو ما حدث بالفعل، ثم تنبأ بأن عدد الوفيات سينحسر كل يوم، وتبين أن هذه توقعات دقيقة، والدكتور ليفيت يقوم الآن بتحليل بيانات 87 دولة وهي دول يتم الإبلاغ فيها عن أكثر من 50 إصابة كل يوم ويقول إنه يري الآن علامات التعافي، فهو يحسب النسبة المئوية من يوم إلي آخر ويحذر بأن التعافي من تفشي المرض لا يعني أن الفايروس سيهاجمنا من جديد .. والسؤال الآن : ماذا عن تفشي المرض في البيئات المحصورة مثلما حدث علي على متن سفينة (دايموند برنسيس) السياحية حيث أصيب 712 شخصا وتوفي 8 .. من وجهة نظره هذه الحادثة ستساعد الباحثين علي تقدير عدد الوفيات التي يمكن أن تحدث للسكان المصابين بالكامل، وماذا عن قرارات العزل وفرض حظر التجول ؟ هنا نجد الدكتور مايكل ليفيت يؤيدها قائلاً :" إن هذه القرارات التي تنطوي علي ابعاد اجتماعية أمر بالغ الأهمية وينصح بالتطعيم ضد الانفلونزا (العادية) لأن تفشي فايروس كورونا وسط موسم وباء الانفلونزا العادية من المرجح أن يغرق المستشفيات بالحالة المشتبهه ويزيد من عدد اكتشاف الفايروس التاجي وقال ربما كان هذا عاملاً في إيطاليا لأن فيها آراءً قوية ضد اللقاحات بشكل عام ..

ومن خلال دراسة جامعة سنغافورة ونبوءات مايكل ليفيت، نعود إلي سؤالنا الذي طرحناه وهو متي سيختفي كورونا ومتي ستنتهي الأزمة، هذا هو سؤال العالم اليوم، فأكثر من مائة وخمسين يوماً علي ظهور الفايروس ما بين وفيات وصعوبات وخسائر .. نمط الحياة تغير، دفع بالبحث عن حلول مؤقتة للسيطرة علي التفشي المتسارع من إغلاق وتعلق وحظر .. ولكن كيف يمكن الخروج  من هذه الأزمة؟ ... عنصران رئيسيان ينتظرهما العالم، أولهما ايجاد اللقاح، والحصول علي مناعة ضد الفايروس، وتتسارع  الأبحاث العلمية لتطوير اللقاح وتجارب سريرية وورود في الخريف وربما أبعد .. أما العنصر الثاني الذي ينتظره العالم إيجاد دواء فعال لعلاج المصابين بفايروس كورونا، ولأن الأمر يبدو أنه  قد يستغرق سنوات، فكان لا بد من البحث عن البدائل .. الجهود  العلمية توجهت صوب الأدوية المتوفرة، ومن ثم تطويرها، فربما تساعد في شفاء المصابين وهزيمة الفايروس بشكل أسرع، وبينما ينتظر العالم أخبار اللقاح والدواء وحلول أخري تقضي علي كورونا تفرض الإجراءات الوقائية الحالية نفسها إلي مدي أطول من تقوية جهاز المناعة والالتزام بالعزل واتباع الإرشادات الوقائية الدولية ..

وفي وقت تخفف بعض الدول من القيود علي إجراءات التباعد الاجتماعي من أجل استعادة الحياة، لازالت منظمة الصحة العالمية  تؤكد أن فايروس كورونا قد لا يختفي أبداً .. التحذير صادم لكونه يستند إلي معطيات وشواهد وأبحاث؛ خاصة أن قائله هو المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ في المنظمة الدولية .. تحذير آخر وهو صادم أيضاً سيطر علي شريط الأخبار في الأيام الماضية وأزمة صحية تلوح في الأفق بسبب فايروس كورونا الذي فرض حالة من العزلة والقلق وتسبب في مزيد من الفخر .. التحذير منسوب هذه المرة إلي خبراء صحة في الأمم المتحدة، أي أن له ثقله أيضاً، بينما تقترب حصيلة وفيات فايروس كورونا إلي ما تجاوز أكثر أربع ملايين مصاب في العالم .. وتواصل سلطات دول حول العالم تدريجياً، مع توقف هنا وتراجع هناك في بعض الأحيان ... لا تزال المعركة طويلة ومريرة فكل الخبار عن فايروس كورونا مقلقة .. آخر تحديثات القلق هو أننا في مواجهة فايروس هو الأول من نوعه للبشرية .. وحتي نتمكن من ايجاد لقاح للفايروس، علينا التعايش معه ..  يقول أمين منظمة الصحة العالمية :" لدينا فايروس ينتشر بين البشر للمرة الأولي .. لذا من الصعب جدا أن نتوقع متي يمكن السيطرة عليه .. هذا الفايروس قد يصبح مجرد فايروس متوطن في مجتمعاتنا، وقد لا يختفي أبدا .. إذن فلا ضربة قاضية توجه للفايروس خلال فترة وجيزة .. تبدو الصين مقتنعة بذلك فقرت إجراء فحص لكل سكان ووهان وعددهم 11 مليون موطن الفايروس الأصلي .. هكذا يبدو أننا أمام فايروس باق في حياتنا، وعلينا التنحي من أمامه حتي لا يصيبنا .. فقد تعود الحياة لتدفع عجلتها .. لكنها بالتأكيد لن تعود إلي طبيعتها..

والمشكلة الآن أن قرار إعادة الحياة مرة أخرى ليس قراراً طبياً بأى حال.. ففكرة المغامرة بإعادة الحياة -التى أراها ضرورية بالمناسبة- مع أخذ الاحتياطات اللازمة من تباعد اجتماعى هو قرار لا يمكن أن تقره منظمة الصحة العالمية وحدها.. فالطبيب ليس من مهمته حساب كل الخسائر التى ستحدث للمريض من جراء اتباعه لتعليماته.. هو فقط يقدم نصيحته الطبية ويذهب.. ليبقى القرار بيد المريض وحده..!

لقد قررت ألمانيا إعادة فتح البلاد جزئياً بعد أن تحول عندها معدل العدوى لرقم يقل عن الواحد الصحيح.. أى إن المريض الواحد لن ينقل العدوى سوى لمريض آخر على الأكثر.. ودول أخرى قررت العودة حين وصل معدل العدوى عندها لأرقام أعلى بقليل.. وهى معدلات يمكن السيطرة عليها بالتباعد الاجتماعى دون إغلاق كامل.. العودة باتت ضرورية دون شك.. وتغيير سياسة التعامل مع الأزمة أصبح هو الأمل فى الخروج منها بأقل الخسائر.. أعتقد أن الاستثمار الحقيقى فى الأيام القادمة ينبغى أن يسير فى محورين رئيسيين.. الأول هو العمل على إسراع معدلات الشفاء والخروج من المستشفيات عن طريق وجود علاج فعال.. وهو ما يقدمه عقار الريميدسفير الذى أعلنت عنه الولايات المتحدة منذ عدة أيام.. وفى انتظار نتائج عقار الأفيجان اليابانى فى نفس الإطار.. إن تسارع معدلات الشفاء سيرفع الضغط بشكل كبير عن النظام الصحى.. وسيتيح له العودة للعمل ولو بشكل جزئى فى باقى التخصصات.. والمحور الثانى الذى أراه حتمياً هو العمل على رفع كفاءة النظام الصحي نفسه من أطباء وتمريض وأجهزة ومستشفيات بأقصى سرعة ممكنة.. فهو الضامن الأكبر لعدم تكرار الأزمة حال حدوث موجة أخرى من المرض قبل اكتشاف المصل المنتظر..! إن عودة الحياة لأقرب شكل ممكن لما كانت عليه قد باتت ضرورية.. المهم أن نعود وقد أصبحنا أكثر قدرة على المواجهة.. فالقادم ما زال مجهولاً.. أو هكذا أعتقد! وذلك كما قال محمد صلاح البدرى في مقاله أزمة «كورونا».. ومحاور العودة للحياة!!. ... وللحديث عن كورونا بقية في قادم الأيام..

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط.

 

 

في المثقف اليوم