قضايا

محمد كريم الساعدي: القصديتان (الدينية والفلسفية) وثنائيات المنظومة الغربية

إنّ الفكر الغربي بمرجعيتيه الدينية والفلسفية أسهم في تشكيل صور الاساءة والتشويه لشخصية الرسول الكريم محمد(ص) والقرآن الكريم، وتأتي هذه القصدية من رغبة في تشكيل الصور في الذهنية الغربية. قامتا هاتان القصديتان (الدينية والفلسفية) لغاية معينة، هي من أجل أنّ تكون هذه الصور غير قابلة للتكذيب في المجتمعات الغربية، لاسيما بعد دعمها بحجج قائمة على نظام متعالي يجعل من الشعوب الأخرى مخالفة وعدوة لها في أشياء كثيرة منها :(العقلية الفلسفية) و(أفضلية الديانة الغربية) على سائر ديانات العالم سواء أكانت منها الوضعية، أو السماوية، ومن ثم فإن رسم هذه الظاهرة التشويهية رافقتها ظاهرة تخويفية من الآخر، وخصوصاً المسلم، إذ جعلت من هاتين القصديتين ركيزتين في الوعي الغربي السلطوي الذي تأزر مع كل من الدين والفكر الفلسفي في جوانب مهمة في محاربة الأخر ثقافياً، لذا نرى أنّ ظاهرة الثنائيات التي كانت في البدء (متحضر وهمجي) هي نظرة أتت من الفكر اليوناني لتتحول الى ظاهرة (المؤمن والكافر)، التي أتت من الفكر الديني في القرون الوسطى والحروب الصليبية، وبعد ذلك تتحول الى ظاهرة (المتحضر والمتخلف) في الفكر التنوير، نلاحظ أنّ هذه الثنائيات شكلت حلقات وصل مهمة في بناء ظاهرة التشويه والقصدية في داخل البناء الفكري والديني الغربي.

إنَّ الرغبة في تشكيل الصور المتقصدة هي كانت مبنية على أساس الرغبة في تشكيل وعي جمعي غربي يحكمه الخوف من الآخر المسلم وخصوصاً الصفات التي حاول البعض لصقها بالرسول الكريم (ص)، على أعتبار هو من أوجد الإسلام ودولته، وهو من يتحمل مسؤولية هذه الدولة، التي أخذت من صفاته الكثير، وهذه الصفات التي ساقها الفكر والدين في الغرب ماهي إلا صفات الغرض منها صناعة شكل المسلم في العقلية الغربية.

ربما سائل يسأل ويقول ؛ أنّ الفكر الديني المسيحي المؤدلج في الغرب ضد الإسلام هو من تقع عليه المسؤولية، أو على بعض من رجالاته مسؤولية التشويه فما دخل الفلسفة اليونانية وغيرها في هذه المشكلة بين الديانتين ؟، وهنا نود أنّ نؤكد أنّ الصراع بين الشرق والغرب وتشكيل صورة الأخر في الذهنية الغربية هي لم تأتي فقط من فترة القرون الوسطى، وما بعدها من الحروب الصليبية وغيرها، بل أنّ تشكيل صورة الآخر ووصفه بأوصاف دونية استندت عليها فيما بعد العقلية الدينية الغربية في أكمال الثنائيات في داخل المنظومة العقلية الغربية السلطوية على مستوى الخاص، والمنظومة العقلية لدى الجمهور الغربي على المستوى العام.

أما الغاية الأخرى المهمة أيضاً، هي تدمير الذات الشرقية المسلمة من خلال تشوية وتدمير الشخصية الشرقية المتمثلة بشخصية الرسول(ص)، بمعنى أنّ الأوصاف التي أنتجها الفكر الغربي - وخصوصاً كما ذكرنا في بداية هذا الفصل- أصبحت قاعدة لدى البعض ممن تأثروا بهذه الأوصاف فيما بعد في إكمال هذه الصور المشوهة، ضد شخصية الرسول (ص)، وإنَّ عملية التوصيف هي امتداد طبيعي لأوصاف الشرقي ما قبل الإسلام، فهذه الشخصية الشرقية المستبدة الغارقة في الشهوانية والمغيبة للعقل في فترة ما قبل الإسلام، هي من إبداع الفكر اليوناني وما بعده، انسحبت على شخصية الرسول (ص) كجزء من ظاهرة التدمير للذات الثقافية الشرقية، فعند استهدافها سوف تنعكس سلباً على البناء السلوكي لدى أبناء الديانة الإسلامية التي تغطي معظم مناطق الشرق الاوسط والادنى.

لقد عمل تشكيل الانحراف والتشوية للصورة المحمدية أنطلاقاً من هذه الظاهرة التشويهية في داخل العقلية السلطوية الغربية ضد الآخر، التي كانت جزء منها العقلية الدينية الغربية، كان هدفها الهيمنة الثقافية، ودعم ما يمكن أنّ يقدم للثقافة الأخرى الأكثر تقدماً ووعياً من الثقافات المحلية التي تحكمها العقليات الهمجية، والشهوانية التي لا تراعي حقوق الإنسان والأقليات وغيرها في الشرق، ومن ثم عملت هذه الثقافة المتعالية على أنتاج بديل للحقيقة المحمدية وهي صور مشوهه قابلة للتطبيق، وما (داعش) ومثيلاتها إلا صناعة لهذه العقلية الغربية وصورة مهمة للتصوير المحرف والمشوه لشخصية الرسول الكريم محمد (ص) الذي حاول العقل الغربي تسويقها داخلياً كما قلنا لأجل التخويف الداخلي للشعوب الغربية، وكذلك لأجل تثبيت هذه الصفات في الذهنية الغربية من جهة، ولأجل التسويق الخارجي وفصل الشخصية الشرقية المسلمة في الوقت الحاضر عن ثقافتها الاصلية، التي عمل الغرب على تشويهها بكل جهد و اصرار وتقصد في هذا الاتجاه.

إنَّ الخطاب الثقافي الغربي الموجه الى الداخل و الخارج في رسم صورة الرسول محمد(ص) بهذه الطريقة هي تأتي من أجل بناء مركزية حتى تصبح جزء من ميتافيزيقية البناء العقلي الغربي الجمعي وجزء من ذاكرة تُحفز متى يشاء من يقوم على تحفيز هذه الصورة، لذا فإن حضورية تشوية الصور الذهنية في العقل الغربي في الوقت الحالي هي امتداد طبيعي لآفاق التشوية السابقة، وكأنها كونت قوالب جاهزة في وصف الآخر، وحتى البعض من أبناء الشرق المسلم أخذ يصدّق بهذه الصور، وخصوصاً ممن يرى بالثقافة والحضارة الغربيتين قاعدتين مهمتين في بناء الفرد، دون أنّ يدقق بمدى مصداقية هذه الصور، في تقيم موضوعي يفصل بين الحضارة الغربية، ومنجزاتها المادية، وبين النوايا التي تحاول أنّ توظفها في تشكيل ثقافة الآخر وبناء صورته كون كل من الحالتين منفصلتين، ولابد من الفرد في الشرق أن لا يتأثر بالحضارة الغربية فكرياً كونها متقدمة ماديأً من دون أنّ يكون لي خصوصية ثقافية أتعامل بها مع هذه الحضارة، حتى لا الغي هويتي الخاصة، ومن ثم الغي ثقافتي وأهم الشخصيات التي شكلت واقعي، ومن أهمها هي شخصية الرسول الكريم محمد (ص)، حتى لا أقع في التناقض، فالحضارة الغربية بمنجزاتها المادية نستطيع أن نتواصل معها كون أغلب المنجزات تخدم الإنسانية ككل، لكن تبقى عملية التغيير الثقافي قابلة للنقاش، والتساؤل حول أهم المقاصد التي يريدها العقل الغربي وهيمنته الثقافية من الآخر المختلف ثقافياُ، فتصوير أهم الرموز بصور مشوهه هو مخالفة فاضحة وأشاره دالة على سلوك الهيمنة الثقافية وتشويه ما في كتابه المقدس أيضاً مخالفة فاضحة، فلا بد أن يستوعب المندمج مع الحضارة الغربية هذا الفرق بين المنطلقين، حتى لا تصبح ذاكرتنا الجمعية مساهمة بظاهرة التشويه لشخصية الرسول (ص)، وحتى لا نصبح مدانين من قبل رسولنا الكريم بجزء من أذيته، كما قال في الاشارة الى الأذية التي تعرض لها ومازال يتعرض لها، وهي اكبر عملية تشويه يتعرض لها على مر التاريخ.

إنّ هاتين الركيزتين (الفلسفة والدين) ساهمتا بشكل مؤثر في تثبيت الأوصاف، حتى أصبحت هذه الأوصاف من المرجعيات التي يرجع اليها من يريد تأكيد هذه الصور، وأثارتها في أي وقت ضد الآخر المسلم. يساعدهم في ذلك ما يوفره الآخر من تطبيقات لهذه الصور المشوهة في أزمان مختلفة من الصراع بين الحضارتين الغربية والشرقية، والشواهد كثيرة ومنها ما وصلت إليه في الوقت الحاضر حركات التطرف الاسلامي التي أصبحت مساعدة للنوايا الغربية في تثبيت هذه الصور المختلقة عن الرسول (ص)، لذا يجب أن يصبح فضح وفصل هذه التطبيقات عن هذه الشخصية العظيمة من خلال العودة الى الصورة الحقيقية التي حفظها لنا بعض الثقاة ممن كتب التاريخ بصورة صحيحة.

***

الاستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

في المثقف اليوم