قضايا

المفكر العربي وعجزه عن حل المشكلة العربية

تماضر مرشد آل جعفرمقدمة لقضية عربية أرجو أن تكون مفتاحا لإعادة النظر في إيجاد رؤية تعالج المشكلة العربية الإسلامية بصورة صحيحة بعيدا عن النيل من التدين والذي يعد حرية شخصية لا تهمة.

منذ سنة 1916 والفكر العربي يدور حول مشكلة واحدة معتقداً أنها سبب انهيار الدولة، وتفشل كل الحلول المقدمة وذلك أنه لا يعلق فشل الحكومات والشعوب إلا على (الدين الإسلامي) وذلك من تأثره بثورة أوربا على دين الكنيسة، إلا أن مثقفنا العربي لا ينظر أبداً إلى خصوصية العربي البدوي الأصل العاشق للحرية والذي جعلته أوربا سجينا في (وطن) داخل أسوار ضيقة وسلطت عليه أتباع أوربا وأمريكا وروسيا يفرضون عليه تعاليمها ـ بحسب اتفاقيات سايكس بيكو ووعد بلفور وما لحقها من إهانة لكرامة العربي .

سنتتبع شكل الحكومات العربية منذ ذلك العام، وقبل هذا الوقت وفي معارك التحرير العربي من الإحتلال الأوربي كان كل قادتها المقاومون ـ المقاومة لا الثورة ـ كلهم زعماء مسلمون إسلاميون كعمر المختار وسليمان الحلبي وعبد القادر الجزاري وشيوخ وأمة الأزهر في مصر والقيادات الإسلامية في فلسطين وسوريا والعراق، كل أولائك الذين قاتلوا وقتلوا لم يكن فيهم علماني ولا شيعي بل كلهم تلاميذ الأزهر والمدارس الدينية الصوفية القادرية والتي وصفتها أوربا كلها بأنها إرهابية لشدة ما لاقته من مقاومة شرسة من أبنائها المجاهدين في سبيل تحرير أرض المسلمين العرب.

بعد الانسحاب والاتفاقات التي حصلت بعد الحربين العالميتين تقرر تقسيم الوطن العربي واحتلال فلسطين ومنحها لليهود وتقسيم الأمة الإسلامية إلى قوميات عربية وفارسية وتركيا

كان يجب على تلك الدول أن تضع بديلاً عنها في الأرض العربية فكانت الملوك والإمراء ومن ثم الجمهوريون الذين زعموا أنهم ثاروا ضد الإحتلال ، على أن ثوراتهم لم تسقط فيها قطرة دم واحدة لمحتل بل سقطت دماء الشعب العربي المسلم !

حكمت الحكومات العربية بين ملك وأمير ورئيس من 1948 تزامنًا مع الاحتلال الرسمي لفلسطين وكانت كل تلك الحكومات علمانية ليس فيهم متدين إسلامي سني، وكان الشيعة موجودين في كل مفاصل تلك الحكومات الجمهورية والملكية في العراق وسوريا ولبنان واليمن وسلطنة عُمان والبحرين والكويت .

جرف الزعماء ـ الجمهوريون خاصةـ شعوبهم وبلدانهم إلى معارك عسكرية وسياسية خاسرة أضعفت اقتصاديات الدول العربية وكانوا أعداء بعضهم همهم الوحيد كيف يسقط كل منهم الآخر ليتصدر الزعامة.

ودعمًا منهم لسياستهم  نشروا الأخلاق الأوربية السيئة وفرضوها فرضًا على الأخلاق العربية الإسلامية ولعبت السينما والمسرح  دورًا كبيرًا في تسقيط الأخلاق فكانت الراقصة أمينة والمحجبة فاسقة والسيد جوني والبواب عثمان، والملتحي السني إرهابي ، وهكذا عيشوا فاسقين ـ مثقفين ـ  وتناولوا خمور أوربا وإلا فالسجون مثواكم الأخير.

بدأ المتدينون يتضجرون وبدأت التنظيمات الإسلامية بنشر فكرة الوعي الإسلامي والتربوي وبلا قتال، فكانت مجالسهم ودعوتهم في كل الدول العربية تتخذ من المقاهي والجامعات مكانًا لنشر التربية الإسلامية للتخلص من أخلاق أوربا وأمريكا والدول الشيوعية التي جعلت المرأة مشترك متبادل بين الرجال.

لم ترق تلك التربية للحكومات العلمانية التي كانت حارساً أميناً على الإحتلال الصهيوني طيلة قرن من الزمان فبدأت تبني السجون والمعتقلات وبدأت بتزوير الكتب والوثائق التي تطعن بالإسلاميين السنة بوصفهم عملاء إسرائيل (وعجبي أن إسرائيل لم تسمح لهم بتولي الحكم في أي دولة عربية)، فلجأوا إلى القتال الذي عاد موصوفًا بالإرهاب الإسلامي المقاوم لعلمانية الغرب والتي لا تتناسب والأخلاق العربية.

والمفكر العربي تائه في دراسة حلول مشاكل ـ أوربا ـ وليس مشكلة العرب.

كل هذه الأحداث والظلم والدكتاتوريات لم تنبه المفكر العربي المثقف التنويري والتي كانت سبب خراب ديار العرب، نبهه شيء واحد فقط (الإسلام إرهابي يُهدد أركان الدولة)

وكلما تحدث مع الشباب المائل للتدين قال انظروا أوربا ماتطورت إلا بمحاربة الدين

يا أيها المثقف الواعي عندما حكم العلمانيون أعداء الدين المتمسكين بالفكر الإشتراكي والديمقراطي والشيوعي الروسي والأوربي الرأسمالي ما الذي قدموه لأوطانهم حين كان الإسلاميون عاجزين عن الدفاع عن دمائهم التي دفعوها ثمناً لمقاومة الإحتلال كي يستلم البلد العلماني والعلوي الشيعي؟ أين مواطن التطور والرقي غير عري النساء وإباحة شرب الخمر؟ هل صنعوا لنا مركبة فضائية؟ هل قدموا معلماً حضارياً كمعالم الصين مثلاً؟ كل ما صنعوه هو العسكر المطيع لقائده في ذبح شعبه المخالف لرأيه. ومدارس وجامعات لا تُعلم إلا منهج الحزب الأوحد.

مشكلتك يا أيها المثقف العربي أنك تهت في خدمة أمتك لأنك لاتنظر إلى أسباب الخراب الحقيقي, ألا وهي الدكتاتورية التي جعلت العالم العربي كقطيع أغنام متشابه الرأي يسير خلف الراعي بلا بصيرة.

مشكلتك وأنت تتحدث مع الإسلامي ـ المتطرف من شدة الظلم ـ أنك تحدثه أنك كنت تعيش سعيدًا في الحكم العلماني،  والحقيقة هي غير ذلك تمامًا لأنك ماكنت تستطيع أن تكون كسارتر الذي انتقد ديكول وكنت تخاف حتى من زوجتك المحبة للزعيم القائد فعن أي سعادة تتحدث؟

يا أيها المثقف العربي ذو النظرة الأحادية الجانب سبب عدم تقديم حل مقنع للمشكلة العربية أنك في دولة  هكذا: الدولة تتكون من أربع زوايا، في وسطها يسكن القائد (ملك أمير رئيس) العربي العلماني، قائدنا العربي لا يستطيع أن ينظر إلى كل الزوايا بنفس النظرة لطبعه العنصري، صدفة القدر جعلتك تعيش في الزاوية التي كان يتوجه إليها نظر القائد الذي حباك ومن معك بالرعاية فكانت زاويتك فيها مدارس وجامعات وبيوت وشوارع يسير فيها ويتعلم ـ أحباب القائد أو المطيعون لأمره ـ  بينما الزوايا الثلاث الأخرى كانت تسرح فيها الأغنام، ولم تفهم معنى التعددية العربية، فإن من يعيش في زاوية الريف يؤمن فقط بإله السماء الذي يسقي نبته، ومن يعيش في زاوية البادية يؤمن برئيس القبيلة الذي يعلم كيف يجتاز به الصحراء، وزاوية القومي المتخندق في حدود العرب ليست كزاوية المتدين العابر لحدود الأوطان، وزاوية مؤلف الكتب ليست زاوية التاجر.

لذلك لا تقل للمتدين المتطرف من شدة تهميشه: أن المجتمع كان سعيداً لأنه بعيد عن الدين، ولا تعلق فشل مشروعك وفشل الحكام بالدين العربي الإسلامي، فالدين العربي ليس دين كنيسة أوربا والمجتمع العربي ليس أوربيًا ولا روسياً ولا يستطيع إلا أن يكون عربياً يغارُ على أنثاه أن يراها الجيران .

فافهم مشكلتنا كعرب ليست الدين، وتخلفنا وتفرقنا  ليس سببه الدين، إنما اتخذ المظلومون من الدين رداءًا يستنصرون به وللأسف ما نُصِروا، أعيدوا النظر في مشاريعكم الفكرية واقرأوا سياسة تدخل أوربا وروسيا وأمريكا في القرار العربي منذ مئة عام ، نحن فقدنا حبنا للوطن لأنه مسمى باسم القائد الدكتاتور الذي حكم أجداده أجدادنا وآباؤه آباءنا وأبناؤه حكمونا بقرار ليس عربياً، والإسلام كدين لا يُفسد السياسة ولا يتعارض معها وما كانت الحضارات العربية التي نشرت الفكر والثقافة في ربوع الأرض إلا من عرب مسلمين حكموا دولا وساسوا أمما أوصلت فلسفة ابن رشد والطبيب الكندي إلى أوربا في عهود تخلفها ومازالت فرنسا تقرأ الفقه الإسلامي في القانون، فلا نخلط بين تسلط الشخص الحاكم الظالم وأتباعه وتسخيره لرجال دين لخدمته وبين الإسلام وتعاليمه.

الأولى إعادة النظر في حلول تقدم ثقافة عربية مسلمة بعيدا عن فكر الغرب لنكسب جميع أفراد الأمة العربية.

مشكلتنا سببها العنصرية والدكتاتورية والرأي الأوحد والحزب الأوحد فابحثوا عن مشاريع عربية الحل لا أوربية ولا روسية ولا أمريكية.

 

د. تماضر آل جعفر

11/ تموز/ 2020/

.............................

ملاحظة: أوردت ذكر السنة والشيعة كون الإسلاميون السنة هم من يقاوم الإحتلال بالسلاح فقط ولا يعرف كيف يسايسه وهو في أرضه، بينما استطاع الشيعة أن يتعاملوا مع كل المحتلين كونهم فئة سياسية التأسيس وليست دينية، لذلك سمحت القوى العظمى المسيطرة على الشرق الأوسط بتولي الإسلامي الشيعي الحكم في بلاد فارس وبلاد العرب ولكنها لم ولن تسمح يوماً بتولي إسلامي سني عربي الحكم لعدم الشعور بالأمان من كلا الطرفين.

 

 

في المثقف اليوم