قضايا

عقدة اليكترا..الام الغريمة!!

"كل فتاة بابيها معجبة"

تشير عقدة اليكترا الى التعلق اللاواعي للفتاة بابيها وغيرتها من امها وكرهها لها، حيث تقترب الفتاة من ابيها وينتابها شعوربالغيرة من امها لانها تراها العقبة التي تقف امامها في طريق الحصول على ابيها وتحاول ابعادها ولكنها تفشل، وبعد ذلك تقوم الفتاة بالتشبه بامها واكتساب عاداتها وسلوكياتها.

جاءت فكرة تلك العقدة اساسا من فرويد الذي استوحاها من عقدة اوديب ثم وسع افكارها وطورها، ومع انه جاء بالفكرة الا ان الذي اطلق عليها هذه التسمية هو كارل يونغ عام 1913، والتي رفضها فرويد لانها تسعى الى توطيد فكرة التشابه بين سلوك كلا الجنسين، وكان يستخدم مصطلح"عقدة اوديب الانثوية".

ومصطلح عقدة اليكترا مشتق من الاسطورة الاغريقية لاليكترا واخيها "اوريستس" التي ارادت من اخيها ان يثار لموت ابيها " اغامبيون" بقتل امها" كليتمنسترا"، وذلك لانها شاركت بقتله.

اذا تناولنا عقدة اليكترا من الاساس لوجدنا ان السبب الرئيس لنشوءها وتطورها ووصولها الى مرحلة العقدة، هو وجود هوة كبيرة بين الام وبنتها تكبر وتكبر نتيجة الاهمال، وعدم الاهتمام، وسوء المعاملة التي تصل الى الضرب والتعنيف من قبل الام، لسبب او لاخر يقابله معاملة طيبة، وعاطفة جياشة، واهتمام كبير من قبل الاب الذي لايفتئ ان يغدق بحنانه على ابنته، اخذا برايها، مستشيرا لها، مقيما لها مكانة مرموقة لتكون المحصلة النهائية انجذاب الفتاة لابيها ونفورها من الام التي سرعان ماتكون عدوها الاول الذي لابد ان تنال منه ليخلو لها وجه ابيها!!

فتبدا رحلة الصراع التي لها بداية وليس لها نهاية، تبدا هذه الفتاة التي تعتبرها الام "عاقة" ولاتتوانى عن توبيخها ونعتها بمسميات شتى، بل انها تتقصد اهانتها و اطلاع الاخرين عن سلوكها الغير سوي والعدواني تجاه الام التي بذلت كل شئ في سبيلها-حسب تعبير الام- ليكون المقابل جحودها ومعاداتها، وبالمقابل تزداد الفتاة عدائية وتتحين الفرص للنيل من والدتها، وتحاول التقليل من شانها امام الاخرين، واظهار مساوئها، والتمرد على قوانينها، كالتجسس عليها مثلا، والتدخل في خصوصياتها، ومحاولة اصطياد الاخطاء والهنات من باب الفعل ورد الفعل، ثم تتودد الى والدها الذي تجده الحضن الدافئ والملاذ الامن الذي تلجا اليه كلما احتاجت لذلك، تستشيره بكل صغيرة وكبيرة، تاخذ رايه في امورها العامة والخاصة، تقدس نصيحته وتكون كلمته هي الاولى عندها، وتكون دائمة الشكوى من والدتها التي اتخذتها ندا لها، خصوصا اذا وجدت تجاوبا من قبل الاب لحمايتها من تلك الغريمة!!

الاغرب بالامر ان الام نفسها باتت تبادل الفتاة نفس الشعور بالنفور منها وتعتبرها شريكة لها بزوجها هي الاخرى، فتحاول ابعادها عنها باي وسيلة، كارسالها للعيش مع اقاربها خالتها او عمتها او اي قريب وهكذا لتضمن ابتعادها عن ناظريها، لان وجودها بات يشكل خطرا عليها ويهدد زواجها –كما تعتقد- بعد ان اعلنت تلك البنت تمردها و كرهها لها وحبها الشديد لوالدها، او ان تقوم بتزويجها في سن مبكرة لضمان ابتعادها نهائيا عن المسرح الذي يجب ان تكون لها دور البطولة فيه دون منازع.

ان مشاعر الغيرة التي تتاجج عند الفتاة من والدتها يوما بعد اخر قد تصل الى انغماس الفتاة بحب ابيها، وتكون معجبة به وباسلوبه وبطريقة تفكيره، ومهارته في وزن الامور اضف الى ذلك تلك المشاعر التي تنتاب الفتاة-المراهقة-وهي ترى شخصية الرجل الحقيقي تتجسد بوالدها الوسيم، الانيق، الحكيم والاهم من ذلك العطوف، هذه الفتاة التي تبدا بمقارنة كل الرجال بابيها، فتفشل فشلا ذريعا عندما تقترن برجل لتكون اسرة، لانها لاتفتئ ان تقارن هذا الرجل بابيها، تلك المقارنة التي لاتروق ابدا لهذا الزوج الذي نشا ببيئة اخرى مختلفة وله شخصيته المستقلة وقوانينه الخاصة..

وعليه نخلص الى القول ان اصل العقد النفسية هو التفكك الاسري وعدم الانسجام بين الابوين الذي ينم عن جهل احد الطرفين بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه التي تحدث شرخا نفسيا كبيرا في حياة الابناء قد يدفعون ثمنه غاليا، اذا ماادركوا قيمة التعامل الجاد والمسؤول مع الابناء لان الابن يدرك ويفهم كل شئ ولايحتاج الى ترجمان ليعي حقيقة مشاعره باعتباره طفل فالطفل كائن قائم بذاته له عالمه الذي لايقبل فيه الاساءة لانه لاينسى ابدا من اساء اليه وترك بصمته المؤلمة على تاريخ حياته، فالام العاقلة يجب ان تدرك ان هذه الطفلة جزءامنها، وعليها ان تتعامل مع هذا الجزء بحب وحنان ومسؤولية لانها سوف تسال عنها امام الله والمجتمع، لا ان تجعل منها ندا وتحاربها في حب ابيها لان الاسرة ليست ساحة اقتتال بل هي روضة تغرس فيها المشاعر الانسانية النبيلة لتزهر، فالمشاعر المريضة اذا لم تنقلها الجينات ستنقلها التربية الخاطئة.

وعليه ولتلافي نشوء الطفلة بجو مشحون بالالم والعقد يجب ان تتحلى الام بالصفات التالية:

-التعاطف والتواصل العاطفي بين الام وطفلتها منذ ولادتها تولد عندها مشاعردافئة تجاه هذه الام التي تغمرها بحنانها.

-القرب الدائم من الطفلة واشعارها بالطمانينة والسكينة يخلق لها حصنا دفاعيا من الوقوع بالامراض النفسية الفتاكة.

- احترام استقلالية الطفلة وخصوصيتها، وفسح المجال لها للتعبير عن رايها بكل اريحية .

-الحب غير المشروط، وتقبيل الطفلة كلما سنحت الفرصة للتعبير عن الرضا يعزز الثقة بنفسها ويكون خط الدفاع الذاتي لها مستقبلا.

- تقبل الاخطاء ومحاولة اصلاحها برفق بدل الزجر والنهر، لان ذلك يجعل الطفلة تلجا الى الكذب لتمرير اخطاءها.

- تعويد الطفلة على ثقافة الاعتذار، فانا اخطئ لابد ان اعتذر.

-عدم الكلام بالسوء عن الاب، بل تجميل صورته حتى وان كان مسيئا.

وبذلك نكون قد جنبنا انفسنا واطفالنا امراضا نفسية نحن وهم في غنى عنها.

"اعظم امراة هي التي تعلمنا كيف نحب ونحن نكره، وكيف نضجك ونحن نبكي، وكيف نصبر ونحن نتعذب".

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم