قضايا

البرمجة اللغوية العصبية ونجاح العملية التواصلية

1767  البرمجة اللغويةلا يخفى على ذي النظر الحصيف، أن التواصل مبدأ أساسي في إرساء قواعد المجتمع الإنساني وتنظيمه، فهو تفاعل يبغي خلق وبناء جسور علائقية بين الذات وذات أخرى في نسق اجتماعي محدد.

فالنفس البشرية تخبئ أسرارا في بئر ذاتها، ولها قدرات هائلة في نسج خيوطها وربطها بالآخر، لخلق تواصل فعال وناجح، وإن كانت للفرد هذه القدرة على تفعيل مؤهلاته التواصلية فسيكون عضوا متميزا داخل مجموعة بعينها.

فالسعادة والنجاح والتميز هدف الجميع والطرق إليها شتى، ويعتمد الكثيرون في سعيهم إليها على الممارسة الروحية، بينما يبحث آخرون عن الإجابة في الدين أو في علم النفس، ومن بين أحدث وأشهر الأساليب النفسية الذي يعتقد روادها أنها تستخدم العلوم الحديثة لتحقيق التميز، هي البرمجة اللغوية العصبية.

سنسعى في هذا المقال، لتسليط الضوء على مجموعة من المحاور تخص الموضوع مع الإجابة عن مجموعة من التساؤلات من قبيل:

ماذا نقصد بالبرمجة اللغوية العصبية؟ متى نشأت؟ ومن هم أبرز روادها؟ وما هي أهم فرضياتها؟

البرمجة اللغوية العصبية تعريفها ونشأتها:

تعريفها:

نرمز لها ب N.L.P كمختصر بالإنجليزية والذي يعني: neuro linguistic programming، أو ب P.N.L كمختصر بالفرنسية ويعني:

Programmation neuro linguistique

ولكل جزء من التسمية معنى محدد، تتلخص دلالاته لتضعنا أمام تعريف شامل.

فالبرمجة:

” طريقة تنظيم الأفكار والسلوك عبر استخدام الدماغ للوصول إلى نتائج مرجوة” ، حيث تحتوي أذهاننا على برامج عقلية، تسير حياتنا اليومية، وتختلف من شخص لآخر.

اللغوية:

تشير إلى “اللغة اللفظية ولغة الجسد التي نستعملها في التخاطب، والتي تعرف أحيانا باسم التمثيل اللغوي” ، أي بمعنى أننا نستخدم كلمات محددة لوصف الواقع بكل ما فيه من سعادة ونجاح وفشل، فبمساعدة الكلمات نضع نموذجا أو موديلا للعالم.

العصبية:

وتعرف بأنها “معالجة المعلومات بواسطة الجهاز العصبي والحواس الخمس، فلكل فرد نظام تصفية عقلية يتم من خلاله معالجة الملايين من البيانات” .

يطلق على البرمجة اللغوية العصبية اليوم ” علم وفن التفوق الشخصي” وأيضا “دراسة الخبرة الذاتية”، يساعدنا هذا العلم على ” ملاحظة الفروقات بين أفعالنا التي تفضي إلى نتائج متواضعة أو إلى الفشل، وبين تلك التي تقودنا إلى التفوق والنجاح، إنها تطرح أسئلة من قبيل: كيف يمكنني القيام بعملي بشكل جيد؟ وكيف أقوم به بالشكل الأفضل، وكيف أكتسب المهارات التي تجذبني نحو الآخرين؟ لا يقتصر بحث البرمجة اللغوية العصبية على السلوك الخارجي الذي يمكن ملاحظته، بل يتعداه إلى طريقة التفكير، أي إلى العمليات العقلية التي تسيطر على جميع تجاربنا وإنجازاتنا، إنها تتعاطى مع التجربة كبناء متكامل حتى منها ما يقود إلى أصغر الأفعال في محاولة لصياغة عملية التفكير والمشاعر والمعتقدات التي تؤدي إلى السلوك الإنساني المميز” .

وأيضا هناك مجموعة من التعاريف التي ساقها بعض العلماء المختصين في هذا المجال، حيث ذهب بعضهم إلى القول بأنها” دراسة ذهنية لتجربة ذاتية، ويرى البعض الآخر على أنها فن وعلم الاتصال، وبالتالي فهم كيف يفكر الإنسان؟ وكيف يشعر؟ وكيف يجعل معنى لحياته اليومية” .

إذن، يتبين أن البرمجة اللغوية العصبية تهتم وبشكل خاص بموضوع التواصل سواء التواصل الذاتي، أو التواصل مع الآخرين. مع استغلال إمكانياتنا العقلية واللغوية لإحداث التغيير المناسب في أفكارنا وسلوكياتنا لتحقيق التواصل والوصول لدرجة التميز.

نشأتها:

شهدت جامعة كاليفورنيا (سانتا كروز) بالولايات المتحدة الأمريكية ولادة البرمجة اللغوية العصبية سنة 1975، عل يد كل من الدكتور جون غريندر John Grinder” ، الذي كان يشتغل أستاذا مساعدا في علم اللغويات و”ريتشارد باندلر richard-bandler” الذي كان عندئذ طالبا في قسم العلوم الرياضية وعلم النفس” . حيث عملا في بداية الأمر على تطوير نماذج اعتمدت على كبار رواد فن الاتصال في تلك الحقبة، وكان الهدف الذي جمعهما على ذلك محاولة اكتشاف السبب الكامن وراء تحقيق بعض الناس والتميز دون غيرهم، ثم توصلا بعد ذلك إلى نماذج يكمن للإنسان الاعتماد عليها كدليل استعمال لرسم معالم مستقبله.

وقد ارتكزت دراستهم على ثلاثة أطباء نفسيين كانوا قد بنو لأنفسهم شهرة عالمية بنتيجة تحقيقهم لإنجازات مذهلة في مجال عملهم من أمثال “ميلتون أركسون Milton Hyland Erickson” ، المعروف عالميا باستخدام التنويم الميغناطيسي، وعالمة الاجتماع “فريجينيا ساتير Virginia Satir ” وآخرون. ونشرا اكتشافهما عام 1975 في كتاب من جزئين أسموه البناء السحري The stracture Of Magic، وما إن لبث هذا العلم حتى حقق ثورة في التطوير والتحديث في فترة الثمانينات بأمريكا وانتشرت بعد ذلك في بعض الدول الأوروبية وازدادت هذه الطفرة في التسعينات إلى يومنا هذا.

بعض فرضيات البرمجة اللغوية العصبية P.N.L

للبرمجة اللغوية العصبية وظائف تقوم بها في العديد من مجالات الحياة، كالتعليم والعمل والصحة وتطوير الشخصية، كما أنها تشمل على بعض الافتراضات الأساسية،” فعندما نتفاعل مع بعض الأشخاص الآخرين أو مع بيئتنا التي نعيش فيها فإن هذا يعتمد في الأساس على العديد من الافتراضات، أي التقديرات الشخصية، بشأن مدى صحة أو خطأ السلوكات المتضمنة في موقف بعينه وتبنى في معظم الحالات على الخبرات السابقة” . ومن بين هذه الفرضيات نذكر فرضية:

لا يمكنك الكف عن التواصل مع الآخرين:

يشير هذا الافتراض ببساطة إلى “نزوعنا المستمر إلى التواصل مع الآخرين من خلال ما نفعله وما لا نفعله وما نقوله وما لا نقوله، وكذلك بواسطة الرسائل التي نعتمد توصيلها إليهم بلغة الحديث أو من خلال مجموعة من الإشارات اللاشعورية، وذلك عبر لغة الجسد، وعلى هذا الأساس يتجلى ذلك في اهتمامنا باستيعاب عملية التواصل قدر المستطاع وتعلم أساليب التواصل الفعال بدلا من أن نترك الأمر إلى الصدفة” .

يستجيب الآخرون وفقا للمعنى المقصود من كلامك:

يذهب هذا الافتراض إلى أن “الناس لا يستجيبون إلا لما يعتقدون أنه المعنى المقصود من الحديث، الذي ربما يكون تأويلا دقيقا أو غير دقيق للمعنى الذي تقصده، وفي هذا السياق يعتبر الحديث هو الرسالة الكاملة التي تنقل للآخرين أي أنه لا يقتصر على الكلمات التي يتم التفوه بها فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل كل الإشارات غير الشفهية المصاحبة لتلك الكلمات، وتكمن أهمية هذا الافتراض في توضيحه للآتي:

إذا كنا نرغب في أن يستجيب الناس استجابة صحيحة لكلامنا، يتعين علينا أن نتحدث معهم ولا نكتفي بتوجيه بعض الكلمات لهم. بعبارة أخرى يجب علينا أن ننتبه إلى ردود أفعالهم إزاء ما نقوله، ونسى لتعديل كلامنا وفقا لها، بدلا من الافتراض بأنهم سيفهمون المعنى الذي نقصده بكلامنا” .

وعليه، فالبرمجة اللغوية العصبية من العلوم الحديثة التي بات الإنسان يوليها قدراً من العناية والاهتمام ويعد هذا العلم من العلوم التي تدرس طريقة التفكير في إدارة الحواس ومن ثم برمجتها وفق الطموحات التي يضعها الشخص لنفسه لنفسه، و يستند هذا العلم على التجربة والاختبار، و تبين أنه من الممكن أن يقود إلى نتائج فعالة و ملموسة

من خلال ما سبق يتبين أن لهذا العلم وظيفتان أو مهمتان وهما : التغيير والتأثير . تغيير في النفس وتأثير في الآخر.

تطبيق برامج وتقنيات البرمجة يحقق للدارس مزايا كثيرة على المستوى الشخصي والمهني والاجتماعي، لامتلاكه لملكات عقلية قوية، ومهارات لغوية تساعد على الإنجاز، ومن هذه:

– دعم تقدير الذات.

– رفع مستوى الأداء.

– زيادة الشعور بالثقة.

– تغيير العادات غير المرغوب فيها.

– السيطرة على المشاعر.

– التغلب على تأثيرات التجارب السلبية السابقة.

– بناء علاقات شخصية طيبة.

– تنمية المهارات والقدرات الإقناعية.

– إيجاد طرق بديلة لحل المشكلات وإمكانية تحقيق أهداف كانت تبدو مستحيلة.

 

الكاتب: الدواح أسامة/ المغرب

..............................

البيبليوغرافيا المعتمدة

– البرمجة اللغوية العصبية NLP للمدراء، د. هاري ألدير، ترجمة المهندسة ياسمين أحمد، جميع الحقوق محفوظة، إيلاف ترين للنشر 2010.

– التفكير واللغة، جوديث جرين ، ترجمة عبد الرحمن عبد العزيز العبدان ، الرياض : دار عالم الكتب 1410 هـ (1990م)

– neuro linguistic programming for dummiers, Romilla ready 2nd edition.

– البرمجة اللغوية العصبية Devlop your NLP skills، أندرو براديري، ترجمة الطبعة الثانية، قسم الترجمة بدار الفاروق.

aljazirah.com/2000/20001019/cu3.htm

– بعض المواقع الإلكترونية:

– definition-de-la-pnl /2016/02/08/ : rabahkerkar.wordpress.com.

– what_is_nlp: www.nlpacademy.co.uk

– ar.wikipedia.org/wiki/

 

في المثقف اليوم