قضايا

يقظة الفكرة العربية عند نجيب عازوري (2)

ميثم الجنابيلقد جعل نجيب عازوري من فكرة "يقظة العرب" المضمون الفعلي والمستقبلي للفكرة القومية العربية. فإذا كان الأتراك فيما مضى، كما يقول عازوري، قد "حافظوا على سيطرتهم في العالم العربي من خلال استغلال الخلافات الطائفية والدينية"، فإن الأمر أخذ بالاختلاف نوعيا من خلال بروز "ظاهرة جديدة هي الظاهرة القومية العربية"، التي يقف العرب على أعتاب تكاملها. ووجد في هذه الظاهرة نتيجة طبيعية وحتمية للمعاصرة. وذلك لأنه وجد في الشعور القومي الحديث ظاهرة لا يمكن الوقوف ضدها. وانطلق في توسيع مدى هذه الفكرة من أن ما يحرك الشعوب في العالم المعاصر هو الشعور القومي لا التعصب الديني. وقد كان تركيزه على جوهرية الشعور القومي يرمي إلى تذليل الصراع الديني وأولويته في النفسية والذهنية الاجتماعية السائدة. من هنا قوله، بأن "التعصب الديني ليس سوى طور في المصلحة الشخصية". أما "التعصب القومي فشعور عفوي فطري تقريبا". وبهذا يكون عازوري قد جعل من الشعور القومي المقدمة الملازمة لوجود وارتقاء الأمم.

فإذا كانت المرحلة السابقة لخمول العرب، كما يقول عازوري، لم تكن معزولة عن بقاء الأغلبية ضمن معايير الرؤية الأخلاقية وقيمها، ومن ثم خمولها القومي وانعدام تاريخها السياسي المستقل بعد ذوبانه أو ابتلائه بأوهام "الخلافة الإسلامية" التي لم تكن أكثر من مجرد سيطرة وسطوة قومية تركية، فإن الأمر قد أخذ بالتحول صوب إدراك أهمية وجوهرية الفكرة القومية. من هنا قوله، بأن كل ما هو حول العرب من ترك وروس ويونان وغيرهم يرغبون ويسعون إلى إبقاء العرب على حالة التجزئة. إلا أن هذه الجهود عرضة للفشل. فالعالم العربي (من وادي دجلة والفرات حتى السويس، ومن البحر المتوسط حتى بحر عمان) سوف يدهش العالم بسرعة الثورة القومية فيه وطابعها السلمي، كما يقول عازوري. وهذا بدوره ليس معزولا، أو أنه محكوم ومحدد ببوادر الوعي المتعاظم للعرب "بتجانسهم القومي والتاريخي والعنصري"[1]. بمعنى نمو وتكامل الوعي العربي القومي الذاتي بمعايير الانتماء التاريخي للنفس. ومن ثم سعيهم المترتب على ذلك بإقامة دولة مستقلة لهم. وإذا كان نجيب عازوري قد حدد الإطار الجغرافي السياسي للقومية العربية بحدود منطقة الشام والعراق والجزيرة – من وادي دجلة والفرات حتى السويس، ومن البحر المتوسط حتى بحر عمان، أي المشرق العربي ككل وشبه الجزيرة العربية، فلأن ذلك مرتبط أساسا بحدود الدولة العربية المفترضة، أكثر مما لها علاقة بفكرة القومية العربية العامة والمجردة، تماما كما سيقوم به لاحقا انطون سعادة في نظريته عن القومية العربية وفكرة القومية السورية.

تحددت حدود الفكرة القومية في آراء ومواقف نجيب عازوري بالفكرة السياسية، أكثر مما بالفكرة النظرية للقومية. لهذا نراه لا يدخل الشمال الأفريقي ومصر خاصة في القومية العربية. ومن الممكن تفسير ذلك بالانطباع المحتمل القائم آنذاك بين المصريين أنفسهم والنخب الفكرية والثقافية المصرية التي كانت ترفض الفكرة العربية، بل وتستبعد حتى انتمائها الصميم للعرب والفكرة العربية القومية. مع أن مفارقة الظاهرة الجلية تقوم، بما في ذلك في المجال السياسي، هو أن مصر كانت آنذاك ملجأ أصحاب فكرة النهضة العربية والقومية العربية. إلا أن البعد السياسي نفسه يمكنه أن يكون هو نفسه الفاعل هنا أيضا، بمعنى عدم انعزال ذلك أو تحرره من ثقل الصراع القائم آنذاك بين مصر والسلطنة العثمانية على الزعامة، إضافة إلى الأصول غير العربية للنخبة السياسية الحاكمة في مصر، أو ما دعاه نجيب عازوري نفسه ببقايا المماليك والشراكسة.

غير أن هذه التأويلات المعقولة بواقع المرحلة وطبيعة الصراع فيها بما في ذلك ضعف مستوى تطور الوعي القومي السياسي، تشير بدورها إلى المضمون السياسي الواقعي للفكرة القومية العربية بوصفها فكرة سياسية في آراء وواقف نجيب عازوري. وهذا بدوره لم يكن معزولا عن تأثره بالتقاليد الفرنسية في الموقف من الدولة والأمة (القومية). ومن الممكن تحقيق هذا الاستنتاج من خلال النظر إلى حقيقة حصر نجيب عازوري القومية العربية بمعايير الجغرافيا السياسية والدولة الموحدة. ليس ذلك فحسب، بل وأنه يضع ضمن شروط وإمكانيات قيام الدولة العربية القومية الجديدة (الإمبراطورية العربية) أن "يمنح عرش الإمبراطورية إلى أمير العائلة الخديوية المصرية" على أن لا يستلزم ذلك أدنى ارتباط بين هذه الدولة العربية الجديدة والدولة المصرية الخديوية، أو كما قال "لا تجمع مصر والإمبراطورية العربية، لأن المصريون ليسوا عربا"[2]. أما النظام السياسي للدولة المفترضة فهو "حكم عربي ملكي دستوري متحرر"[3].

إن تطابق القومية العربية مع فكرة الجغرافيا السياسية ليست إلا المظهر الخارجي للفكرة العربية القومية الجديدة، بوصفها فكرة أولية محتملة. بمعنى أنها أحتوت على العناصر الجوهرية لوعي الذات العربي القومي ولكن بمعايير الفكرة السياسية المكافحة آنذاك من أجل إرساء أسس الدولة الحديثة. فقد كان العراق والشام وبعض الجزيرة وحدة جغرافية جلية وخاضعة للحكم التركي المباشر، على خلاف مصر والشمال الإفريقي عموما. وبالتالي فإن الدولة المتحررة من النير التركي تعني الدولة العربية القومية الجديدة. وضمن هذا السياق فقط يمكن فهم إخراجه نصف العرب (مصر والسودان والمغرب) من فكرة الدولة العربية الحديثة التي دعا إليها. ونعثر على هذه الصيغة المائعة نسبيا والواقعية في الوقت نفسه في تحديده لفكرة الأمة العربية وحدودها، كما وضعها في عبارته:"أنها أمة واحدة هي الأمة العربية التي تتحدث بلغة واحدة، وتمتلك تقاليد تاريخية واحدة، وقدّست الأدب ذاته، وكل فرد يعتز بالإنتماء إليها".

إذ نعثر عند نجيب عازوري في تحديده لماهية العناصر الجوهرية المكونة والفاعلة في كينونة الأمة العربية هي كل من اللغة والتاريخ والأدب وشعور الانتماء. وإذا كانت هذه العناصر تحتوي على ما يمكن دعوته بالأبعاد الثقافية أو الروحية للفكرة القومية، فإن الجغرافيا (التراب أو الأرض)، بوصفها المقدمة المادية الضرورية لتكامل هذه العناصر في وحدة واحدة ونظام معقول وفعال، كان لابد لها من أن تتحدد ضمن شروط وإمكانيات الدولة المفترضة، بجغرافيا العراق والشام الطبيعية والجزيرة العربية. وليس مصادفة أن يؤدي هذا التكثيف الجغرافي للفكرة القومية العربية الجديدة إلى أن يعتبر ظاهرة "اليقظة العربية" و"جهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع" أهم ظاهرتين في آسيا. وبالقدر ذاته يمكننا القول، بأن إدراكه الحسي والعقلي وحدسه العميق بالخطورة الكامنة في المشروع اليهودي الصهيوني (من الفرات إلى النيل) هو الوجه الآخر للقضاء على القوة الغريبة التي تسعى لمزاحمة أو إفشال أو إعدام مشروع الفكرة العربية في بناء الدولة الجديدة من الفرات إلى النيل. وهو السرّ الذي يفسر رفعه شعار الصراع العربي- اليهودي، إلى مصاف الفكرة الجوهرية بالنسبة للمصير العربي ومستقبل الأمة العربية ودولتها القومية المفترضة. وضمن هذا السياق أيضا يمكن فهم اعتباره مصير هاتين الحركتين محكوم بأن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر أحداهما على الأخرى. وعلى أثر نتائج هذا الصراع بين "هذين الشعبين اللذين يمثلان مبدأين متضاربين يتعلق مصير العالم بالجملة"[4]. ولا يعني ذلك ضمن سياق تأسيس الفكرة القومية وتوجيه "اليقظة العربية" ضمن مسارها السليم، سوى تأسيس الرؤية الواقعية والعقلانية والدقيقة في كيفية مواجهة هذه الخطر التاريخي الكبير.

فقد كان نجيب عازوري يدرك القوة الفعلية الكبيرة لليهودية الصهيونية بوصفها قوة منظمة وفاعلة بمبدأ واحد، وفي الوقت نفسه تعمل وتنشط ضمن الوسط السيئ، الذي يعطي لها بالتالي إمكانية بلوغ الغاية، أو ما دعاه عازوري بالصيد في الماء العكر. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن "اليهود الذين لا يعرفون الصيد إلا في الماء العكر، يوجدون إذن في الوسط الأكثر ملائمة من حيث يوجد الشقاق وعدم الانتظام والجهل والبؤس، ومن جهة أخرى يوجد الاتحاد والمركزية والجهود الموجهة بالفكرة الواحدة بناء على تصميم ورسم مسبقا".

ولم يكتف عازوري بتقرير ما هو معروف ومشهور وفعلي عن نفسية وذهنية اليهود واليهودية، بل وحاول تفسيرها بمعايير الرؤية التاريخية والسياسية، ومن ثم استنتاج المواقف العملية المستندة إلى رؤية واقعية وإستراتيجية بعيدة المدى تنّسق بشكل عقلاني الرؤية الواقعية والمتفائلة أيضا. وانطلق في مواقفه هذه من تقرير الفكرة القائلة، بأن اليهود ليسوا بذي قيمة كبيرة بالنسبة للتاريخ العالمي. وأنه لو "وضعنا القضية الدينية جانبا، ليس اليهود بالنسبة للمؤرخ بأهم من أي قبيلة بدوية كالعمالقة أو المؤابيين مثلا"[5].

ذلك يعني، أنه أدرك الضعف التاريخي والذاتي لليهود واليهودية الصهيونية بوصفها قبيلة لا قيمة لها بمعايير التاريخ العالمي. ووسع مدى هذا الضعف من خلال الكشف عما يمكن دعوته بالخلل التاريخي في الوجود والكينونة اليهودية نفسها، بوصفها النتاج أو الخاتمة الحتمية لما فيهم من فساد معنوي وأخلاقي تعايش معهم مع مرور الزمن بحيث أصبح صفة متماهية وملازمة لوجودهم أينما حلّوا. وكتب بهذا الصدد مفسرا ما دعاه بالأسباب القائمة وراء دمار اليهود هو أنه "لو كان الفساد والتنافر في الداخل أقل، والصدق والحكمة في علاقاتهم مع جيرانهم في الشمال والجنوب أكثر، لأوجدوا مملكة مستقلة حتى الوقت الحاضر، ولمنعوا بزوغ فجر المسيحية نفسها". وإن استعراض تاريخهم منذ البدء ولحد الآن يكشف عن أنهم قوم "لم يتمكنوا من استيعاب الأقوام حولهم، ولا من العيش معها بسلام"[6]. كما لو أنه أراد القول، بأن هذه الحالة المميزة لليهود واليهودية هي صفة جوهرية ملازمة لا يمكن حلها أو قطعها إلا من خلال فك الارتباط الفعلي بتراثها الذاتي. لكنه لم يطالب اليهود بالقيام بذلك لإدراكه عقم هذا الطلب، بل بحث عن حلّ له في خاتمة الصراع المرير بين ظاهرة اليقظة العربية والمشروع اليهودي الصهيوني. وإذا كانت الأولى ذاتية تلقائية ذات أرضية تاريخية قومية طبيعية، فإن الثاني مجرد مشروع خارجي مفتعل وأيديولوجي لا أرضية فيه وله.

إن هذه المقارنة والمفارقة التي يمكن رؤيتها في الحدس الفكري المتغلغل في رؤية ومواقف نجيب عازوري توصلنا إلى إمكانية تركيب الاستنتاج الكامن فيها والقائل، بأن المصير المستقبلي للمشروع اليهودي الصهيوني في نهاية المطاف سوف يكرر حذو النعل بالنعل تجارب الماضي، بمعنى التعرض للدمار والتشرد والخراب[7]. وأن المسار الحتمي صوب هذه النتيجة يكمن أولا وقبل كل شيء في كيفية مواجهة "قوة" اليهود القائمة في الصيد بالماء العكر من خلال تكاتفهم ووحدتهم على الفعل في الوسط الأكثر ملائمة من حيث "يوجد الشقاق وعدم الانتظام والجهل والبؤس". ذلك يعني أن تذليل المشروع اليهودي الصهيوني يستلزم الاتحاد القومي العقلاني في مواجهة القبيلة اليهودية المتوحدة بضيق المصالح وأوهام الطوطمية المتكلسة في العقائد الدينية واللاهوتية.

إن البديل الواقعي والعقلاني والفعال لليقظة العربية في مواجهتها للمشروع اليهودي الصهيوني يفترض تذليل "الشقاق وعدم الانتظام والجهل والبؤس"، أي القضاء على التجزئة الداخلية بمختلف أشكالها ومستوياتها، وصنع النظام في حياة المجتمع والدولة، وإرساء أسس التقدم العلمي والصناعي، والعمل على ازدهار الاقتصاد والحياة الاجتماعية. ذلك يعني أن نجيب عازوري قد أدرك الحلقات الضرورية لليقظة القومية العملية من خلال تذليل التجزئة الدينية والطائفية، بوصفها المقدمة الضرورية لتنظيم المجتمع والدولة وتوسيع مدى ومضمون الشعور القومي عبر إرساء أسس الدولة الحديثة والاقتصاد المتطور والعلم النظري والعملي. من هنا تدقيقه وتحقيقه لفكرة الدولة المدنية الحديثة، باعتبارها الشرط الأول والأخير لنجاح ظاهرة اليقظة العربية الحديثة. من هنا يمكن فهم الأسباب القائمة وراء سعيه النظري الحثيث ومشروعه العملي السياسي الهادف إلى تذليل ثنائيات الدين والدنيا الخربة ومشتقاتها العديدة.

لقد حاول نجيب عازوري حلّ قضية الديني والدنيوي بمعايير الرؤية السياسية العقلانية للدولة الحديثة وشروط الإنتماء الثقافي الذاتي. من هنا أولوية بناء الدولة المدنية الحديثة التي تضم الشام والعراق والجزيرة. ومحاذاة ذلك بإنشاء دولة روحية مستقلة في الحجاز والمدينة المنورة. حاكمها هو خليفة المسلمين الديني. وبهذا نكون قد حصلنا على حلّ لفصل السلطة الدينية عن السلطة المدنية في الإسلام من أجل خير الجميع، كما يقول نجيب عازوري[8].

وقد بنى نجيب عازوري رؤيته العامة هذه على أساس إستنتاج فكري سياسي استنبطه من تأمل تاريخ ومصير الدولة (الخلافة) العربية. فقد وجد "أحد الأسباب الرئيسية لسقوط الإمبراطورية العربية العظيمة هو تركز السلطتين المدنية والروحية والجمع بينهما في يد واحدة". وهي العبرة التاريخية الكبرى التي ينبغي الأخذ بها من أجل إرساء دولة حديثة وعصرية من طراز جديد، ومن ثم قادرة على تذليل المشروع اليهودي والصهيوني أيضا. ووضع ذلك في ما أسماه بمشروع "جامعة الوطن العربي" التي تريد، كما يقول عازوري، مصلحة الإسلام والأمة العربية من خلال:

- فصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية،

- إقامة إمبراطورية عربية من الفرات إلى النيل،

- سلطة دستورية، والاعتراف بحرية المذاهب،

- احترام الحكم الذاتي في لبنان واستقلال إمارات اليمن ونجد والعراق،

- منح عرش الإمبراطورية إلى أمير العائلة الخديوية المصرية على أساس عدم الجمع بينها وبين مصر، لأن المصريون ليسوا عربا.

أما الدولة الروحية فتبنى على الأسس التالية:

- أن تكون الخلافة لأمير عربي منحدر من عائلة الرسول،

- وللخليفة دولة سياسية (الحجاز والمدينة المنورة)،

- وسلطته روحية على كافة المسلمين[9].

ولم يقف عند هذا الحد بل وحاول تطويع كل ما يمكنه إثارة الخلاف والشقاق الديني والطائفي بالشكل الذي يجعله رافدا من روافد الشعور القومي العربي. لهذا نراه على سبيل المثال يدعو إلى توحيد المذاهب النصرانية (العربية) من أجل القضية العربية الكبرى. وكتب بهذا الصدد يقول، بأن من الضروري توحيد المذاهب الكاثوليكية الشرقية الخمسة في دين واحد. كما نراه يطالب بأن تكون اللغة العربية لغة الكنسية الشرقية[10]. ووجد في ذلك أمرا موافقا لطموحات الأمة العربية عبر تلاوة الصلوات بالعربية من أجل إبعاد اليونانيين واللاتينيين والسريان والكلدان وغيرهم. ووضع هذا المطلب والفكرة ضمن سياق أوسع عن إدراك القيمة الثقافية الكونية للغة العربية. فاللغة العربية بالنسبة لنجيب عازوري هي لغة القرآن والإسلام العالمي[11]، وأن النبي عربي، و"لغة السماء عربية"[12]. وقبل كل شيئا آخر كونها العنصر الجوهري للفكرة العربية.

وبهذا يكون نجيب عازوري قد بلغ الذروة الأولية للفكرة القومية الحديثة في مستواها النظري والعملي، بوصفها اجتهادا حرا ومستقبليا. وكتب بهذا الصدد يقول، بأنه "يجب على الفكر الحر أن يكون حرا فعلا، وأن يكون مفهوما يستمد الحكمة من شعب تقدم في الحضارة هوايته ممارسة التسامح". وليس هذا الفكر الحر المستمد من "شعب تقدم في الحضارة" سوى الصيغة النظرية للمشروع العملي للفكرة القومية العربية الذي سعى نجيب عازوري لتأسيسه. فقد استطاع نجيب عازوري أن يرفع فكرة اليقظة العربية من مستوى الوجدان الأدبي والمعنوي إلى مستوى الفكرة النظرية والمشروع العملي السياسي. ومن ثم وضعهما ضمن سياق التاريخ الحديث ومستقبل التخطيط العقلاني للاحتمالات الفعلية الكامنة في الصيرورة الجديدة للعالم العربي والأمة العربية.

 

ا. د. ميثم الجنابي

...................

[1] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص37.

[2] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص219.

[3] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص37.

[4] إننا نقف هنا أمام رؤية سياسية مستقبلية عميقة جدا. بل قد تكون الأدق من بين كل ما كتب آنذاك حول هذا الجانب. فالوقائع التاريخية تكشف عن أن لهذا الصراع أبعادا كونية، وأنه يمثل بالفعل "مبدأين مختلفين" يتعلقان بالمصير الفعلي للفكرة العربية والقومية العربية والدولة العربية. ويتوقف على كيفية حله حل الإشكاليات التاريخية للفكرة القومية العربية. وقد كان عازوري واقعيا ومتفائلا بالقدر نفسه. ولم يكن ذلك معزولا عن إدراكه العميق للأصول الثقافية والقومية والجغرافية للفكرة العربية، بمعنى التطابق والتلازم الجغرافي والقومي الذي يجعل من المشروع اليهودي الصهيوني مشروعا عابرا مهما طال الزمن، شأن كل مشروع من هذا القبيل. وفي أفضل الأحوال ليس مصيره غير مصير الحملات الصليبية الغابرة والعابرة، أي يأتي ليخرج أو يضمحل ويتلاشى في الصيرورة السياسية والثقافية المستقبلية للأمة العربية ودولتها. فهي الخاتمة التي لابد منها، لأنها جزء من جغرافيا الوجود القومي العربي، وجزء من تلقائية التراكم والتكامل القومي العربي.

[5] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص48.

[6] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص47.

[7] يمكن الرجوع بهذا الصدد إلى كتابي (اليهودية الصهيونية وآفاق الصراع العربي – اليهودي)، وبالأخص في الفصل المتعلق بما أسميته بالفصل ما قبل الأخير للصراع العربي اليهودي. والاحتمال الأكبر فيه يسير باتجاهين أما عن طريق إيقاف المد اليهودي الصهيوني، ثم إرجاعه إلى حالة الانحسار، فالتقوقع، ثم التحلل والفساد والضمور الذاتي، فالتلاشي، أو الاندماج الثقافي من خلال كسر تقاليد اليهودية الصهيونية عبر عملية تطهير شاملة والارتقاء بأثرها إلى مصاف الرؤية الإنسانية، أي التحرر من أوهام العقدة اليهودية وعقائدها الدينية العرقية المغلقة.

[8] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص37.

[9] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص219-220.

[10] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص176.

[11] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص196.

[12] نجيب عازوري: يقظة الأمة العربية، ص176

 

 

في المثقف اليوم