قضايا

أدباء بلا ثقافة

حيدر عبدالرضايكتب جبران خليل جبران في أحدى رسائله (سنة 1912) بهذا المعنى فيقول: (أؤمن أن المستقبل لن يكون قاسيا على ثقافتي وأعرف أنه لن يكون بوسعي أن أستثير أهتمام أولئك الأدباء أنصاف المثقفين الذين يعبدون آلهة المقاهي ويتبعون أفكارا همجية ويعيشون برغائب صراصير المراحيض) في هذا الصدد لعل الدور القادم بعد مقولة جبران هذه، سوف يكون لي أنا، حيث سوف أتناول مسألة الممارسة الثقافية لأدباء اليوم، وعلى صعيد تطبيقي وأبداعي: ألا أنني قبل البدء أقول وأشير حول مدى الأنفصال الكبير بين وجهات نظر الممارسة الثقافية، وبين وضعية أولئك الأدباء في الوقت الحاضر، وبين ما هو ملوح عليها، أي الممارسة الثقافية، كعملية أختزالية لما هو معرفي وأبتكاري، قد يبدو هذا الطرح المثالي والنموذجي، بعيدا جدا عن حدود أجواء وعادات وتقاليد أديبنا العراقي المتخلف، الذي هو الأن يمارس في كل أوقاته علاقة حميمة مع مقاعد مبنى أتحاد الأدباء، أو علاقة زوجية جميلة، مع زوايا أبخرة الشاي الدبقة في أحدى مقاهي الأدباء الرخيصة، وهذا الأديب تراه يقتل أثمن أوقاته، في الكلام المجاني، حول موضوعات صحافية أو سياسية مبتذلة هي الأخرى، أو من جهة ما، حول صديق منهم قد تولى منصب أداري في مكان ما، أو أنهم يتسامرون الحديث المسائي أو الصباحي عادة، حول حادثة عدم صرف الصحيفة لهم مستحقاتهم من الأجور المادية، أو أنهم يتبادلون كلام هجين وبنشوة عالية، حول وقائع جلستهم البارحة على طاولة الخمر الأبيض وأطباق نبات (الخس) أو أنهم يتحدثون أحيانا عن بعض قصائدهم التافهة، التي هي بعيدة كل البعد عن الأبداع والأدب الحقيقي: غير أن الطريف في الأمر، هو عندما تراجع حياة كل واحد من هؤلاء الأدباء الثقافية، تجدها مفرغة تماما، ألا من حدود أقتناء صحيفة المساء، والتي يكون قد قرأها عادة وهو يمارس أرذل مراحل طقوس الخمر والفراغ الثقافي والأنساني والأجتماعي، أما من ناحية أنتاج هذا الأديب، كشاعر أو قاص، فتراه يقوم كل أربعة شهور أو خمسة، بنشر قصيدة أو قصة، تتكون عادة من صفحة أو صفحتان أو ثلاثة على أقصى حد، وعندما يفكر هذا الأديب بضم هذه النصوص التي بحوزته من الأرشيف، داخل كتاب أو ديوان، فتراه طويلا ما يتربص وجود النقاد، فيما يقوم بأرسال عمله المطبوع هذا الى جميع مواقع وأميلات النقاد في المدن الأخرى، وبما فيها مدينته هو : وعندما يتسنى لأحد النقاد في أبداء وجهة نظره في عمل هذا الأديب، وبشكل بعيد عن الأخوانيات والمجاملة، نلاحظ بأن هذا الأديب قد تثور ثائرته الكبرى، وبالكلام المبرر، على أن هذا الناقد لربما لم يصل الى مرحلة أستيعاب وفهم عمله السخيف ذلك بشكل جيد وسامي : هذا وبأختصار ما هو عليه وضع أدبائنا العراقيين بشكل شبه كامل، أولئك الذين يجدون سلواهم في شرب الخمر ووشاية النقاد والمقامرة في المقاهي والتبول وقوفا على جدران الكنائس والجوامع : أنا شخصيا أقسم بجلالة السماء والرب العظيم ؟ بأنني أحيانا أجد نوعا ما من المعرفية والمحاججة في شخصية مومس أو سائق تاكسي أو بائع للخضروات أو بائع للسمك، أكثر مما أجده من ثقافة في محاورة عقول أولئك الأدباء الذين هم بلا ثقافة وبلا أخلاق أحيانا : من هنا يجب أعادة النظر في أسئلة مضمون هذا المقال ومقالات أخرى، لأنني في الحقيقة أود أن أستثمر مناسبة طرحها، لأشير الى بعض قضايا وأسئلة تتصل بها: يجب مراجعة أوضاع هؤلاء الأدباء نقابيا ؟ فيما أنهم قد لا يستحقون صفة شاعر أو قاص ؟ فضلا عن هذا يجب التدقيق والتفتيش نقابيا عن أنتاجات مثل هؤلاء الأدباء فيما أن لم تكن مستوفية لشروط القواعد والأجناس الفني والأسلوبي والثقافي، من هنا أود توجيه هذه الأسئلة مع تحميلي الى هيئة أتحاد الأدباء العراقيين مسؤولية صرف وتصدير لمثل هؤلاء الأدباء بطاقات الأنتماء والعضوية الى هيئة أتحاد الأدباء والكتاب العراقيين : من هنا وأخيرا لابد من القول والأشارة، الى أن حضور مثل هؤلاء الناس الذين هم بالواقع مجرد أشباح ثقافية داخل مجتمع هيئة أتحاد الأدباء، لربما تبدو أساءة بحد ذاتها لمنظومة نقابية الأديب العراقي الحقيقي ؟ أنا شخصيا ؟ لاحظت بأن هناك أناس دخلاء وطارئين، لربما قد تقادموا من الشوارع ودخلوا هيئات أتحاد الأدباء، في حين خرجوا يحملون بطاقات الأنتماء الى نقابة الأدباء : مع الأسف

هناك أشخاص ووجوه لا تحمل الثقافة ولا الموهبة ولا الوعي الكافي، ألا أنهم يحملون في جيوبهم أرباع زجاجات الخمر الأبيض وبطاقة الأنتماء الى هيئة أتحاد أدباء وكتاب العراق .

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم