قضايا

اين الحريّة في التزامنا بأحوالنا الشخصية؟

حسن عبدالهادي اللاميالاسرة هي الطاقم الاداري للمجتمع فمتى ما صفى عيش افراده تحقق الانسجام في التعايش في المجتمع ولو عكسنا المعادلة ستكون الصورة هي ذات الحال الذي نحن عليه اليوم من تمزق النسيج الاجتماعي بسبب التفكك الاسري من جراء القوانين المعمول فيها في محاكمنا العراقية وهي قوانيين متهرئة أفرزت حالات اسرية  آلت فيها النتائج الى الجرائم!

فما ان ينشب بين الزوج وزوجته شجار الا ويصل الى حروب طاحنة تتقاتل فيها الاسر والعوائل وحتى العشائر!

من الطبيعي ان تكون هناك خلافات اسرية ولكن طرائق حل هذه الخلافات هو الذي ليس بطبيعي ؛ كيف ذلك : فعلى سبيل المثال وليس الحصر:

قد تزعل الزوجة فتحمل حقيبتها واطفالها وتذهب الى بيت زوجها ، يتدخل اهل الزوج والزوجة لحل الامور سلميا لكن قد لا يتم التوصل الى حلول مقنعة فتدوم مدّة بقاء الزوجة عند اهلها وبديهي سيزداد مصرف بيت اهلها فيقوم احد افراد الاسرة الاب او الام مثلا بالاتصال على المحامي المتخصص بدعاوى الاحوال الشخصية فيشرح المحامي القوانين لاهل الزوجة بان من حق ابنتهم ان ترفع على زوجها -وهي لاتزال على ذمته-  دعوى طلب نفقه لها ولعيالها ، وتقدر المحكمة قيمة النفقة بحسب قوة وشطارة المحامي (واقعيا) وبحسب رؤية المحكمة (روتينا وظاهرا) فأول لكمة يتلقاها الزوج من هذا القانون هو ان يكون بقرة حلوب للزوجة الزعلانة واطفالها وليس من حقه ان يشاهد اطفاله بصورة طبيعية وانما عليه ان يراهم في المحكمة – والزوجة على ذمته !!!!

فيقوم الزوج والحال هذا برفع دعوى نشوز عليها ويطلبها الى بيت الطاعة! فيهيء له بيت ان لم يكن له منزل ويؤثثه حتى ولو عن طريق مساعدة الاقرباء والأصدقاء فقط مدة زيارة القاضي حينما يخرج للكشف على طبيعة المنزل فيطلبها للمرافعة ..

 تحظر الزوجة مع المحامي ليقدم دلائل لدفوعه بان الزوج أضرّ بزوجته وهو لايمتلك بيت الزوجية المناسب لحالها ، ويستبسل محامي الزوجة في الطعون .. لتؤجل المرافعة الى اجل غير بعيد!! وهكذا ...

وبإمكانكم ان تتخيلوا حجم المشاعر السلبية التي يحملها الزوج ضد زوجته وهي كذلك واسرتيهما!!!!

هل بقي شيء اسمه حب؟! احترام؟؟ مودة؟؟! سكن؟؟! امان؟؟

والاهم من كل ذلك الاطفال والابناء؟؟ وكيف ان الحيرة تستولي عليهم في متابعة من؟ الام فهي مصدر الحنان؟ الاب هو مصدر الامان؟؟ فلا حنان ولا امان فينشأ جيل مملؤ بالامراض والعقد النفسية والروحية في ظرف هذه القوانيين التي تصب الزيت على النار وتشعل الامور بدل من ان تطفئها وتتحول المحاكم الى جزء من المشكلة وليس جزء من الحل ... واما اذا طلّق الزوج زوجته فهنا الطّامة الكبرى : يحرم الاب مؤبدا من ابنائه وتنتقل الحضانة الى الام المطلقة وتستمر معها حتى لو تزوجت من رجل اجنبي عنها – ليس من اقربائها- ولا يحق له مشاهدة اطفاله غير اربعة ساعات ومرتان في الشهر؟؟!! فكيف سينظر الاب في شؤون ابنائه؟ وكيف يستطيع ان يربيهم ويشعرهم بأهتمامه ورعايته مع هذه الفترة الغير عادلة ولا المنصفة!!!

ان المادة 57 من قانون الاحوال الشخصية العراقي الذي اقر في 1959 م وما تبعه من تعديلات نظام الحكم البائد بما يخدم ظروفهم ومصالحهم هو الغدّة السرطانية التي يتجاهل الكثير من البرلمانيون أستأصلها

 وواضح ان خشيتهم قائمة على اوهام التيارات التي تدّعي العلمانية والتحرر وال...بانّ سحب الحضانة من الام وفقا لقوانين الشريعة الاسلامية هو تطرف واضرار بالام والابناء – كما يزعمون -  وهي بلا شك تيارات بعيدة كل البعد عن العلمانية المعتدلة التي تنظر من افق انساني لكل افراد المجتمع دونما عنصرية وتحيز!

ولو نظروا بعين الانصاف والاعتدال بعيدا عن المواربة فان الابناء كما هم بحاجة للام ايضا هم بحاجة للاب! وان المبررات والاعذار التي يطلقها مناصرو مادة 57 بلزوم استمرار الحضانة للام هي مبررات مضحكة ومبكية على حجم السذاجة والتدليس الذي يقومون به!

الدستور يتضمن كثير من القوانين التي تخدم الحلول السليمة للمجتمع والاسرة اذا ما روعيت وطبقت بدقة ودون تلاعب والتفاف ، فالمادة (2) من الدستور العراقي تنص على

اولاً :ـ الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر اساس للتشريع:

أ ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.

ب- لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.

ج ـ لا يجوز سن قانونٍ يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور.

ونصت المادة (41) من الدستور العراقي (العراقيون أحرارٌ في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم ذلك بقانون)

وحين المقارنة بين مادة (2) و(41) يتضح التهافت وخصوصا بعد ان نطالع نص قانون (57) السيء الصيت والذي ينصّ في فقرته الاولى  :- الام احق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعد الفرقة ما لم يتضرر المحضون من ذلك!! (*)

 ينكشف بعد الفحص والتأمل عدم واقعية المواد اعلاه لان الحضانة شرعا كما نصّ علماء وفقهاء المذاهب الاسلامية ومنهم الاماميّة على ان الحضانة بعد الاتفاق على الرضاع تكون للام لمدة سنتين وتنتقل للاب ويكون الطفل الرضيع تحت اشراف الاب او الجد من جهة الاب خلال تلك الفترة!

فهذه المواد لم تؤخذ بعين الاعتبار من المشرع العراقي وسار على نهج من سبقه في تعديلاته التي تتعارض مع الشريعة الاسلامية!  فهي مجرد حبر على وراق كما يقول الكاتب علي الابراهيمي في مقال له في (هذه واحدة من أكثر المواد الدستورية الهشة في العالم ، إذ هي المادة التي بقيت حبراً على ورق ولم يتمتع العراقيون بظلّها . فهم يخضعون لقانون أحوال شخصية مزاجي لا فلسفة له . فلا هو ملتزم بالشريعة ولا بحق المساواة ، إذ يلزم الأب بالنفقة في حالة الطلاق ويمنعه من رعاية أبنائه ، حتى وإن كانت الام تتمتع بحالة اقتصادية افضل منه . في حالة من التخبط الفلسفي وعدم الوعي من قبل المشرع العراقي تثقل المرأة والرجل وتدفعهما للانحراف الأخلاقي والمالي . فالشريعة الإسلامية توجب النفقة على الأب لكنها تمنحه آلية خاصة لرعاية الأبناء ، فتنقل إليه الأولاد الذكور بعد اتمامهم السنتين ، لمصالح نفسية واجتماعية ، وتترك الإناث حتى بلوغ السابعة عند الام ثم تنقلهم إلى الأب ، لذات المصالح . ثم عند بلوغهم السن الشرعي للبلوغ وهو غالباً بعد تعدي الثالثة عشر – لا الثامنة عشر – يتم تخييرهم إلى اي الأبوين شاءوا) (1)

ويسترسل الاخ الابراهيمي فيقول :- وفي مادة أخرى تقول (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي / الدستور العراقي – المادة 14) . فكيف جاز التمييز بين الأب والأم في النفقة وحق الحضانة على اساس الجنس .

فاين هي الحرية على ارض الواقع التي اقرها الدستور العراقي؟

الاب العراقي وامه وابيه وذويهم يتذوقون الحرمان والالم النفسي بحرمانهم من اولادهم بينما يكون كل الحق للام المطلقة وزوجها واهلها وذويها في احتضان الاطفال والابناء!! اي عاقل يستيغ هذا الحيف والحرمان!!

مؤسف ان يتغافل رجال الدين الذي تحت قبة البرلمان عن هكذا قوانيين بعثية سرطانية تدمر الاسرة والمجتمع!!! وها ؛ نحن نرى ونسمع بعشرات الجرائم التي تعصف في الاسرة العراقيّة وحالات الانتحار والعزوف عن الزواج خشية التورط بزوجة تلجأ الى هذه القوانين التي تدمر الرجل العراقي وتجرده من الأبوة وتحطم مشاعره اتجاه ابنائه وتزرع بذور العداء والنفرة بينه وبين أطفاله فكم شاهدنا مواقف مؤلمة ومحزنة مرّت على الاب وعمق الحراجة التي يقع فيها حينما يأتي للمحكمة لمشاهدة اطفاله فــــــيتعرض للشتم من قبلهم وينفرون منه!!!

 لان الام واهلها يشحنون صدر الطفل بالكره والبغض لأبيه!! ناهيك عن طرق المكر والحيل التي يستخدمها بعض المحامين "لبهذلة" الطليق واذلاله وتعريضه للخسارة الماليّة ، وربما الزجّ به في السجن تحت كيل تهم معلّبة تقرها المحاكم كأن تتهمه بانه يحاول اختطاف ابنه من طليقته!!! او انه يمتنع عن دفع النفقات... وكل هذه الامور وغيرها تؤجج لا تعالج!

والانكى من كل ذلك هو ان المطلقة حتى بعد ان تتزوج من رجل اخر تبقى تحتفظ بحق الحضانة – راجع مادة 57 من الدستور العراقي - فيزداد الامر سوءا، ويمتلئ الاب غيظا وكربا ويتحين الفرص ليفتك بطليقته او زوجها او... فكثيرة هي الشواهد على ذلك وخصوصا اذا كان هناك "بنت"  لديه فان دوافع الغيرة وهواجس القلق على شرف ابنته لاتتركه يهنأ او يرتاح لمقتضيات عرفية ودينية ونفسية غير خافيّة ..

 البرلمان سلطة منبثقة من اختيار الشعب وهاهم ابطال الحملة الوطنية لتعديل مادة 57 يجوبون البلد رافعين صوتهم وشعارتهم  بمظلومية الأبناء والاباء واسرهم ويطالبون بتعديل هذه المادة او الغائها والصيرورة الى المادة 41 كمنطلق لتقنين تشريعات الاحوال الشخصية تبعا لمذهب وديانة كل شخص اسوة بدولة الكويت والسعودية ولبنان وايران وغيرها من الدول العربية واسلامية

 

حسن عبدالهادي اللامي

..........................

(*) رابط قانون 57

http://iraqld.hjc.iq:8080/LoadArticle.aspx?SC=051120074654523

(1)     https://www.sotaliraq.com/2020/02/24/

قانون-الأحوال-الشخصية-العسكري/

 

 

في المثقف اليوم