قضايا

اقتصاد المعرفة ودوره في تعافي الدولة المصرية من حروب الجيل الرابع (4)

محمود محمد علينعود وننهي حديثنا عن اقتصاد المعرفة ودوره في تعافي الدولة المصرية من حروب الجيل الرابع وهنا في هذا المقال نقول: .. وفي أثناء تلك المشروعات قامت الولايات المتحدة الأمريكية، وتعاونها قطر،وتركيا بتطبيق الموجة الثانية من حروب الجيل الرابع ، وهذه الموجة هو العمل بقدر المستطاع علي عدم اكتمال تلك المشروعات في الدول التي بدأت تتعافي من خلال زعزعة الاستقرار، ودخول الدولة المصرية في حرب هجينة مع فصائل مسلحة تنغص عليها، وعلي الجيش المصري، والشرطة المصرية، وتقض من مضاجع الدولة المصرية، من خلال زرع كثير من التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، وبدأت تلك العمليات في أوائل عام 2011 عقب أحداث ثورة 25 يناير عام 2011 في مصر في ظل حالة غياب أمني تام في سيناء، كما أسهمت تداعيات ثورة 17 فبراير من نفس العام في ليبيا، وسقوط مخازن الأسلحة التي كان يقتنيها نظام "القذافي" في أيدي الثوار، في توفير كميات منوعة لا حصر لها من الأسلحة المتطورة مختلفة الأشكال والأنواع، تم تهريبها إلى سيناء عبر الطرق والدروب الصحراوية والطرق الموازية للبحر المتوسط من أقصى الحدود الغربية المصرية، مروراً بالطرق المتاخمة لسواحل المدن الشمالية المصرية، وأشارت تقارير "أمنية إلى أن كميات كبيرة من هذه الأسلحة تم إدخالها إلي قطاع غزة عبر الأنفاق التي تشرف عليها حركة حماس، كما تم تخزين كميات أخرى من هذه الأسلحة داخل مخازن ضخمة أقيمت في محيط مدينة رفح المصرية. تكونت العناصر المتشددة التي قامت بتلك العمليات بنسبة كبيرة من متطرفي البدو المحليين" .

قُوبِلت تلك العمليات بردٍ قاسٍ من القوات المسلحة المصرية في فترة المجلس العسكري منذ منتصف عام 2011 تمثل في العملية المعروفة باسم "عملية النسر". ومع ذلك، استمرت الهجمات ضد الجيش المصري والشرطة المصرية والمرافق الخارجية في المنطقة في عام 2012، مما أدى إلى حملة ضخمة من قبل قوات الجيش والشرطة المصرية الجديدة باسم "عملية سيناء". في مايو عام 2013، في أعقاب اختطاف ضباط مصريين، تصاعد العنف في سيناء مرة أخرى. بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق "محمد مرسي" شهدت سيناء "مواجهات غير مسبوقَة" .

ومنذ إزاحة جماعة الإخوان الإرهابية عن الحكم بثورة 30 يونيو الشعبية، نفّذ الإخوان تهديدهم، فتوالت الأعمال الإرهابية خلال أعوام 2015 و2016 و2017، لتشهد البلاد 903 عمليات إرهابية فى المحافظات. ورغم أن هذه السنوات شهدت هبوطاً تدريجياً فى نسبة العمليات الإرهابية، فقد ظلت سيناء الأعلى فى هذا السياق بنسبة تتجاوز 80% من جملة الحوادث .

وقد وجدنا جماعة أنصار بيت المقدس منذ إعلانها مبايعة تنظيم داعش الإرهابي  تدخل في مواجهات ضد الجيش والشرطة المصرية في سيناء عقب عزل الرئيس مرسي من الحكم من خلال عمليات تفجير ومهاجمة أهداف ومنشآت عسكرية وشرطية .

وجماعة أنصار بيت المقدس مسلحة كانت قد استوطنت في سيناء منذ عهد الرئيس حسني مبارك، وأعلنت أنها تحارب إسرائيل ، ولكن بعد سقوط نظام الإخوان أعلنت بوضوح أنها تحارب الجيش المصري والشرطة المصرية. وقد أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن العديد من التفجيرات والاغتيالات التي وقعت بعد 30 يونيو، والتي نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر : الهجوم على مبنى المخابرات العسكرية بالإسماعلية في أكتوبر 2013، وتفجير مديرية أمن الدقهلية في 24 ديسمبر 2013 ، وتفجير أبراج الكهرباء المغذية لمدينة الإنتاج الإعلامى فى أبريل 2015 ،إسقاط الطائرة الروسية التي تحطمت في سيناء في 31 أكتوبر 2015، واستهداف موكب النائب العام المستشار "هشام بركات" فى 29 يونيو 2015 ما أدى لاستشهاده.. وهلم جرا .

أما العملية الأكثر دموية فى هذا العام فكانت الهجوم على الكنيسة البطرسية فى 11 ديسمبر 2016، عندما استهدف إرهابيون الكنيسة البطرسية الملحقة بمبنى الكاتدرائية المرقسية بمنطقة العباسية، بالقاهرة، ما أودى بحياة 27 شخصاً وأسقط 54 مصاباً، حيث تم التفجير داخل قاعة صلاة بالكنيسة البطرسية، عقب دخول المتهم الرئيسي ومنفذ العملية محمود شفيق، إلى الكنيسة مرتدياً حزاماً ناسفاً، من الباب الخاص لمصلى السيدات، ليعلن «داعش» مسئوليته عن التفجير بعد ذلك .

وبعد هجمات "إرهابية" في سيناء أودت بحياة الكثيرين من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، لجأت السلطات المصرية إلى استراتيجية أمنية جديدة، أبرز معالمها إقامة شريط عازل على الحدود المصرية مع قطاع غزة. الأمر الذي تطلب هدم عدد من المنازل في المنطقة ونقل سكانها إلى مناطق أخرى. إقامة منطقة حدودية عازلة مع قطاع غزة بعمق 500 متر وبطول 14 كيلومترا لمنع تدفق الإرهابيين، وذلك على خلفية حادث سيناء الأخير الذي أسفر عن مقتل 33 جنديًا. ويقدر عدد المنازل المقرر إخلاؤها بـ 880 منزلاً تسكنها ألف و156 أسرة .

وخلال الأعوام 2014-2017  اكتسب الجيش المصري اليد العليا في المعركة ضد الميليشيات الإرهابية التي وجدت ملاذاً آمناً في شبه جزيرة سيناء، واستطاع الجيش وضع العديد من الفصائل الإرهابية في موقف دفاعي من خلال عملية حق الشهيد، وتعد عملية حق الشهيد "من أقوى العمليات العسكرية التي تنفذ في سيناء منذ عامين، وكانت المرحلة الاولى هي الحصار الكامل لمناطق الإرهاب في سيناء، براً وبحراً، وشاركت فيها جميع الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة، ثم المرحلة الثانية والتي بدأت بعمليات إعادة الإعمار في سيناء، من خلال انشاء المدن الجديدة، والطرق والمستشفيات وغيرها من أساسيات الحياة في رفح والشيخ زويد والعريش، ثم بعدها المرحلة الثالثة، وهى تمشيط البؤر الإرهابية بالكامل وتدميرها، بالإضافة إلى السيطرة على الأرض . وتعد المرحلة الرابعة الأخطر والأهم، فالعمل بها يتم خلالها محاصرة البؤر الإرهابية وتدميرها والمسح الجوي الكامل، والعمل في مدن الشيخ زويد ورفح والعريش بالتزامن مع بعض، لقطع جميع وسائل الاختباء للعناصر الإرهابية، أو الانتقال من مدينة الى أخرى، مع العلم بأنه تم قطع جميع وسائل التواصل بين العناصر الإرهابية بعضها البعض، كما أيضاً تم قطع الملاذ الآمن لتلك الجماعات بإنهاء أسطورة جبل الحلال الذى يتم فيه الاختباء وتخزين السلاح" .

وفي 2018 دخل الجيش المصرية ويشاركه كل طوائف الشعب في مواجهة الإرهاب الغاشم الذي أودي بقتل311 أشخاص بينهم 27 طفلاً وإصابة 128 آخرين  كانوا يصلون صلاة الجمعة بأحد  مساجد "قرية الروضة" التابعة لمركز "بئر العبد" في محافظة شمال سيناء، وكنتيجة للحادث الإرهابي طلب الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في 29 نوفمبر 2017 من رئيس أركان حرب القوات المسلحة، الفريق "محمد فريد حجازي"، ووزير الداخلية اللواء "مجدي عبد الغفار" استخدام كل القوة الغاشمة من قبل القوات المسلحة والشرطة ضد الإرهاب حتى اقتلاعه من جذوره في مده لا تتجاوز 3 أشهر .

وقد ضمت العملية الشاملة فروعاً رئيسية من القوات المسلحة المصرية منها :

- القوات البحرية، ومهمتها: تقوم عناصر من القوات البحرية بتشديد إجراءات التأمين على المسرح البحرى، بغرض قطع خطوط الإمداد عن العناصر الإرهابية.

- القوات الجوية، ومهمتها: استهداف بؤر وأوكار للعناصر الارهابية في شمال ووسط سيناء.

- قوات حرس الحدود، ومهمتها: زيادة إجراءات التأمين على المنافذ الحدودية.

- الشرطة المصرية ، ومهمتها: حماية المناطق السكنية وحماية موطني شمال سيناء

وثمة نقطة أخري جديرة بالإشارة وهي أن تثبيت الدولة لا يقتصر الوضع الداخلى فقط ، وإنما هناك بعد آخر لا يقل أهمية عن الداخل، وهو كيف يمكن تأمين حدود الدولة، أو بمعنى أدق؛ وقد أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه الحكم بأن تثبيت الدولة المصرية يبدأ من فلسطين وليبيا وكل الدول العربية، خاصة أننا نعيش وسط منطقة متفجرة ومليئة بالصراعات الشرسة والخلافات فى جميع النواحى، بشكل أثر سلباً على الداخل المصرى .

تبنى الرئيس السيسى استراتيجية التثبيت من خلال العمل على تنقية الأجواء فى الدول الشقيقة، ومن هنا جاء التحرك المصرى المبكر تجاه ليبيا فى محاولة لجمع الفرقاء على طاولة مفاوضات واحدة، حتى يعودوا إلى اللحمة مرة أخرى، وسارت مصر بالتوازى مع الجهود الدولية فى هذا الاتجاه، وشكلت القاهرة اللجنة الوطنية المعنية بالأزمة الليبية، برئاسة الفريق محمود حجازى رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وعقدت اللجنة العديد من اللقاءات مع الفرقاء الليبيين، وتم التوصل إلى مجموعة من الثوابت التى تهدف إلى الحفاظ على وحدة وتماسك الدولة الليبية، وإعادة بناء الدولة من جديد لتكون قادرة على حفظ الأمن ليس فقط فى الداخل، وإنما على حدودها، خاصة أن جماعات إرهابية بدعم من دول مثل قطر وتركيا اختارت ليبيا مقراً لها لتكون منطلقاً لتنفيذ عملياتها الإرهابية فى مصر. وبموازاة العمل السياسى، لمسنا جميعاً التحركات المهمة والاستراتيجية للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير "خليفة حفتر"، الذى تمكن من فرض سيطرته على معظم أراضي الدولة الليبية ودحر الإرهابيين بعد مساندة ودعم الدولة المصرية له، فضلاً عن أن هذا الجيش يحظى الآن باحترام دول العالم .

وبالتوازي مع الجهد المصري فى ليبيا، استطاعت القاهرة بصبر وحكمة أن تتوصل إلى تسوية مرضية لجميع الفصائل الفلسطينية، لتنهى مصر قطيعة بين الفلسطينيين دامت سنوات، ولنرى للمرة الأولى منذ سنوات أعضاء حكومة الوفاق يجتمعون فى قطاع غزة، وهو الجهد الذى أداره باقتدار الوزير خالد فوزى، رئيس جهاز المخابرات المصرية، الذى نجح فى لم شمل الفلسطينيين، بعد جولات ولقاءات مكثفة مع الجميع انتهت إلى المشهد الاحتفالي الكبير الذى شهدته غزة يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وأكد عودة القطاع مجدداً إلى الوطن الفلسطيني والشقيقة الكبرى مصر  .

استراتيجية تثبيت الدولة أيضاً امتدت إلى العلاقات المصرية الخليجية، التي تتميز الآن بالقوة والمتانة، كونها مبنية على الأخوية وعابرة للمصالح ومستقرة، وهو ما ظهر للجميع حينما توافق مصر مع الثلاثي الخليجي «السعودية والإمارات والبحرين» على التصدي لإمارة الإرهاب "قطر"، وفضحها أمام العالم بفضل المساعي المصرية الرامية إلى أمن واستقرار المنطقة العربية .

الشاهد الآن أننا أمام تحركات مصرية مدروسة وجهد مستمر منذ ثلاثة أعوام، هدفه إحداث تحول استراتيجي في الوضع الإقليمي، فبدلاً من أن تكون الدول العربية غارقة في الفوضى، تصبح أكثر استقراراً وأمناً، وهى استراتيجية استطاعت أن تحمى المنطقة العربية من نار الصراعات، خاصة أنها تتبنى سياسة واضحة تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإنما تعمل على الأخذ بأيدي الراغبين في السلام، لتعبر بهم مصر إلى بر الأمان، كما حدث على سبيل المثال في سوريا سواء على المستوى السياسي أو الدعم الإنساني الذى قدمته ولا تزال تقدمه القاهرة، بناء على دعم وتوجيه دائم من الرئيس السيسي .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو  مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم