قضايا

مريم لطفي: التصالح مع الذات..

"والذي نفسه بغير جمال.. لا يرى في الوجود شيئا جميلا" ايليا ابوماضي

يعتبر الوعي الفرداني من اهم مقومات الشخصية القوية، ذلك ان ادراك الفرد لماهية شخصيته والوقوف على مواطن الضعف فيها قبل القوة وتقبل صفاته بمنتهى الرضا والقناعة هي اول خطوة لاظهار التصالح مع الذات.

وبما اننا نعيش في مجتمع فيه الكثير الاعتبارات التي تلغي اوتحدد الوعي الفرداني لخضوعه لكثير من الايدولوجيات والفلسفات التي تحبذ وتفضل سلطة الكل على الفرد، هذه الافضلية تجعل الفرد ينظر بعين ضيقة الى ذاته التي تتراكم فيها الترسبات على كافة المراحل العمرية تاركة كماً هائلا من المشاعر السلبية التي تنعكس على الفرد اولا ثم الاخرين، واولها التربية الخاطئة، ومن هذه الصفات الضعف، الخطأ، عدم الاعتراف بالخطأ، عدم الاعتذار، الاستبداد بالرأي، النقد اللاذع، اطلاق الاحكام جزافا على الاخرين، وغيرها من الصفات التي تضعف الاداء الاجتماعي على المستوى العام والخاص.

ويعتقد ديمون وهارت "ان مفهوم النفس او ادراك الذات يشمل علم الفرد لخصائصه الشخصية وقدراته الفردية وكذلك التدبر فيها"فهو كوليام جيمس يرى ان ادراك الذات يشمل الذات الموضوعية والذات الفاعلية والمفكرة، ويؤكد ان للذات بنية اجتماعية، وان ادراك الذات في حد ذاته يعد مفهوما معرفيا اجتماعيا.

وبما ان الذات فطرية تنمو وتتطور من خلال التربية والتعليم والتثقيف حيث يمكن ادراكها عن طريق العقل، فان فطرة الناس واحدة وان معرفة النفس تعتمد على معرفة الانسان بكل ابعاده الموجودة اصلا والتي يسعى لايجادها.

ومن البديهي ان الانسان لم يخلق كاملا فالكمال لله وحده، وقد خلق الله النفس البشرية ككائن مركب فيه من الخير والشر مايخلق فرصة لانتصار الاقوى"ونفس وماسواها فالهمها فجورها وتقواها"وهذا الصراع الذي يفضي الى انتصار المبادئ او تراجعها هو الخط الذي يحدد فيما بعد طريقة التعامل مع الذات اولا ومع الاخرين ثانيا.

خلق الله الانسان بأحسن تقويم ومنّ عليه بنعمة العقل وترك له حرية الاختيار ليمتحن قدرته على ادارة شؤون نفسه ومن ثم ادارة كل من يتعلق به باعتباره جزء من كل، فاذا صلح الجزء صلح الكل بالتاكيد لانه لبنة مهمة تجتذب اليه شبيهاتها التي تبني المجتمع، فاذا تأمل الانسان نفسه سيجد انه كأنسان يشترك بكل الصفات الانسانية مع اخيه الانسان والفرق الوحيد انه استطاع ان يبرمج حياته بصورة صحيحة فيما اخفق الاخر، استطاع ان يحب نفسه بسلبياتها وايجابيتها وان يهذبها ويشذبها ويظهرها باجمل مظهر، استطاع ان يتقبلها بقناعة ورضا تجعل الاخرين يتقبلونه لانه انسان اقتنع بما لديه وهذه القناعة جعلت الاخرين ينظرون اليه بعين اخرى، بل انه ربما اصبح قدوة لهم دون ان يشعر.

ان حب الذات لايعني الغرور ابدا بل يعني التصالح مع النفس بدلا من جلدها واحتقارها واذلالها واشعارها بالذنب والتقصير فينعكس ذلك ديناميكيا على المحيطين لان الانسان لايعيش بمفرده وانما ضمن اسرة ومجتمع وهو احد الركائز المهمة في بناء هذا المجتمع، وللوقوف على بعض الخطوات التي تجعل الانسان يتصالح مع ذاته علينا مراعاة الاتي:

- معرفة القدرات الكامنة والمواهب التي منحها الله للانسان ليتدبر.

- ادراك الانسان لشخصيته وغرائزه وميوله واحتياجاته واهدافه، تمنحه البصيرة والقدرة على اكتشاف ذاته.

- الابتسامة التي تشرق لها النفوس والتي تدل على الرضا هي اول علامة على التصالح مع الذات، فالمبتسم يترك شعورا رائعا في نفس الاخر ويدل على انه انسان خال من الهموم"ابتسامتك في وجه اخيك صدقة"، فاحرص على ابتسامتك لان الاخرين غير مسؤولين عن همومك فلا تصدرها للاخرين.

- التسامح، ليأخذ التسامح حيزا كبيرا من حياتك، ذلك الحيز يجعل منك انسانا بسيطا في التعامل مع المواقف الصعبة التي تتطلب قرارات ربما تكون مصيرية، والمتسامح ليس ضعيفا بل انسانا قويا يمتلك الشجاعة ليعفو ويسامح"العفو عند المقدرة"مع وضع الحدود والخطوط الحمراء للحيلولة دون اجتيازها.

- التقاؤل، فالشخص المتصالح مع ذاته انسان متفائل يتوقع الافضل دائما، ينظر الى النصف الممتلئ من الكأس ذلك النصف الذي يغنيه او يجعله كفيلا بان يملئ النصف الاخر"تفاءلوا بالخير تجدوه".

- الكف عن لوم النفس وتوبيخها وظلمها وجلدها على شئ حدث في الماضي لان الماضي قد ولى بخيره وشره وليس من العدل ان تعيش الحياة الحاضرة متجلببا بشبح الماضي بكل مافيه لان ذلك كفيل بان يقضي على كل شئ جميل وغض الطرف عن الكثير.

- الابتعاد عن التعصب والاستبداد بالرأي بمحاولة لاثبات الوجود بل على العكس تماما فذلك مدعاة الى نفور الناس"ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" بل دع مجالا للحوار وابداء الرأي بكل حرية والاستماع الى الرأي الاخر بكل اريحية.

- الابتعاد عن التطرف باصدار الاحكام المجحفة بحق النفس اولا والاخر ثانيا.

- تعامل مع الانسان على اساس ظروفه التي اوصلته ليكون مسيئا لان ذلك قد يجعلك تصفح عنه بل وتتعاطف معه وربما يتغير على يديك.

- انظر الى مفرداتك وصفاتك الانسانية واعمل نسبة لمقدار الخير والشر وتعرف على انسانيتك التي ستصدرّها للاخر عن طريق الايحاء بدلا من اطلاق الاحكام جزافا على نفسك اولا وعلى الاخر الذي اضطرته الظروف للتقصير في جانب ما.

- الانصات، انصت لصوتك الداخلي دائما وناقشه بالتي هي احسن واستمع اليه واخرج بنتيجة مُرضية تاتي ا’كلها مرتين مرة لك ومرة للاخرين، فالانصات فن لايجيده الكثيرين.

- إركن الى نفسك وتأملها بخيرها وشرها ، كافأها بالفرح على عمل جيد وهذب ماشطح من افكار فانت مسؤول مسؤولية كاملة عن اظهارها باجمل صورة.

- لاتحقد او تضمر الحقد لاحد لان حقدك لن يؤثر فيه بل العكس ستكون انت المتضرر الاول من المشاعر السلبية التي تبث سمومها فيك وتجعل منك طاحون كره وبغضاء.

وما ان تصل الى نتيجة مفادها ان الله قد انعم عليك بنعمه الوفيرة كالصحة والعلم والخلق الكريم وهذه النعم يفتقدها الكثيرون ستشعر حتما بالرضا عن نفسك وتحب نفسك وتتصالح معها وهذه الخطوة تقودك الى حب الاخرين والتعاطف معهم ومع ظروف حياتهم"حب لاخيك كما تحب لنفسك"، وبذلك تكون قد تصالحت مع نفسك ومع الاخرين، فالموضوع ليس صعبا ولامستحيلا انما يحتاج الى وقت وجهد وتفكير عميق لياتي ا’كله، بعد ذلك سيكون اكبر انجاز لك انك تصالحت مع ذاتك لكي تحيا حياة سعيدة وتشعربنعمة الرضا عن طريق التغيير الذي احدثته انت بارادتك وتصميمك، فالانسان المتصالح مع ذاته انسان متسامح مطمئن يشعر با لرضا والامان ، تفكيره ايجابي على الدوام ، ينظر للمشكلات على انها حدث عابر لابد ان يزول.

يقول ابراهيم الفقي"إن الذات السلبية في الانسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب بينما الطبيعة الحقيقية للانسان هي النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الاخرين".

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم