قضايا

محمود محمد علي: أسرار دولة الألتراس.. قراءة فلسفية (2)

محمود محمد علينعود وننهي حديثنا عن قراءتنا الفلسفية لأسرار دولة الألتراس، حيث نقول: وهناك مصطلح روح الألتراس  Spirit Ultras ؛ حيث تعتقد مجموعات الألتراس حول العالم في وجود ما يسمى بروح الألتراس، وهي روح يولد بها أعضاء الألتراس، ولا يكتسبونها مهما حدث، ويصفونها بأنها " تلك الروح المقدامة المثابرة، العاملة في صمت وجهد؛ لتحقيق أهداف عظيمة، لا يتم إنجازها إلا إذا انصهرت أرواح أفراد المجموعة في كيان واحد تحت علم ناديها"، ضد الجميع من وسائل الإعلام التي تهاجمهم، ولذا تطلق ً باستمرار، وضد الفرق المنافسة، وأحيانا ضد المخربين من أبناء النادي أنفسهم مجموعات الألتراس على نفسها "خط الدفاع الأخير"، الذي يدافع عن كرامة واسم النادي الذي ينتمون إليه، ويحملون على عاتقهم الحفاظ على الصورة المشرفة لجماهير ذلك النادي الذي عشقوه وترجموا هذا العشق بأفعال يشهد الجميع بها.

ومجموعات أولتراس عادة ما يكون لها ممثل يتولى الاتصال مع أصحاب الأندية على أساس منتظم، ومعظم هذه الاتصالات تكون من أجل التذاكر، وتخصيص مقاعد معينة بمكان جلوس المجموعة أو ما يسمى الانعطاف أو (الكورفا أو الفيراج)، وأماكن لتخزين الأعلام والرايات (الدخلات في تونس و الجزائر والطلعات في المغرب). بعض النوادي توفر للأولتراس أرخص التذاكر وغرف تخزين اللافتات والأعلام، والوصول المبكر إلى الملعب قبل المباريات من أجل الإعداد للعرض. غير أن بعض المشجعين الذين لا ينتمون للأولتراس ينتقدون هذا النوع من العلاقة. وينتقد آخرون الأولتراس لعدم الجلوس على الإطلاق خلال عرض المباريات وإشهار الرايات والأعلام، حيث يمنع ذلك رؤية المباراة من قبل المشجعين الذين يقفون وراءهم. انتقد آخرون الأولتراس لقيام بعضهم باعتداءات جسدية أو تخويف من لا ينتمي للأولتراس.

وتعتمد مجموعات الألتراس على التمويل الذاتي من خلال بيع منتجات الألتراس مثل تي شيرت "، والإيشاربات، والقبعات ...إلخ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تقبل ُ الألتراس أي إعانة من أي مصدر. أما مسألة عضوية الجماعة فتتم حينما يفتح باب العضوية سنويا ويحصل العضو على اسم ورمز يتم تسجيلهما على بطاقة، وحينما يكون  العضو منضما لمجموعة فإنه يتم تسجيل اسم ورمز المجموعة أيضا على بانر (يطلق عليه باتش) رسمي خاص بالمجموعة.

ولا يوجد لمجموعات الألتراس رئيس بعكس جميع أنواع روابط التشجيع، بل تتكون من مجموعة من المؤسسين الذين سرعان ما ينزوي دورهم بعد أن تصبح المجموعة قادرة علي الوقوف علي أرض صلبة، ويدير العمل داخل الألتراس مجموعات عمل صغيرة الـTop Boys والتي تختص كل منها بتنظيم أنشطة المجموعة من تصميم وتنفيذ اللوحات الفنية وقيادة التشجيع داخل المدرجات وتنظيم الرحلات والإشراف علي مصادر تمويل المجموعة والتي يتسابق فيها أفراد الألتراس لتقديم كل إمكانياتهم وخبراتهم في الحياة العادية لخدمة المجموعة ولإنجاز العمل المكلف به علي أكمل وجه.

وتنظم الألتراس العديد من الحملات للمطالبة بحق تقرير المصير في قضية الجلوس الإلزامي للمشجعين أثناء المباريات، وضد الارتفاع الملحوظ في أسعار تذاكر المباريات والتي عانت منه جميع طوائف المشجعين وحتي في مصر التي أصبحت أسعار التذاكر فيها علي حسب مزاج الأندية ترتفع وتنخفض بدون سابق إنذار، كذلك انتشار استوديوهات التحليل في القنوات الفضائية والتي تنقل تحليلات ومناقشات للمباريات وتري مجموعات الألتراس خطورتها الكبيرة علي جماهيرية كرة القدم لتتحول من مباريات جماهيرية لبرامج ترفيهية منزلية تافهة تدفع المشجعين للمكوث داخل منازلهم والابتعاد عن مناصرة أنديتهم داخل المدرجات، لتخسر تلك الأندية الدعم المباشر من قبل مشجعيها والتي تري مجموعات الألتراس أنهم أساس اللعبة وأن كل ما يتعلق بالرياضة هو ملكية خاصة صنعت لمتعتهم وترفيههم ويقول جون كينج الصحفي الامريكي: «وسائل الإعلام المختلفة لا تعير اي اهتمام لعنصر الجمهور في لعبة كرة القدم رغم أنها بدون الجمهور لا شيء.. إنها تعبر عن الإخلاص والانتماء والذي بدونه ستكون كرة القدم عبارة عن 22 لاعبًا يركضون داخل قطعة أرض خضراء يضربون الكرة بالشلوط. يا له من شيء ممل حقا.. الجماهير هي التي تجعل من هذا الشيء الممل شيئا يستحق المشاهدة».

وتعتبر هذه الحملات وثقافة الألتراس بوجه عام إحدي الأسباب الخفية في هجوم وسائل الإعلام المختلفة علي مجموعات وفكر الألتراس الذي يتعارض بشكل أو بآخر مع مصالح القنوات الفضائية وما تقدمه من تحليل قبل وبعد المباريات والتي تجني عن طريقه أرباحا خرافية مستغلة شعبية كرة القدم.

والسؤال الآن: متي دخل الألتراس الدولة المصرية ؟

دخل الألتراس الدولة المصرية عن طريق جماهير الأهلي، حيث أرخ أعضاء جروب ألتراس أهلاوي بدايتهم كالمعتاد في عالم الألتراس بظهور أول بانر رسمي عليه شعار واسم الجروب، وفى حالة ألتراس أهلاوي كان هذا التاريخ فى ١٣ ابريل ٢٠٠٧، في المباراة ضد إنبى، فى بداية الدوري عام المصري. وحينما تم عمل بانر ً وتم رفعه فى مباراة الإسماعيلي وانبى، وتحديدا في ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٧،أُعتبر هذا التاريخ  ًعيدا رسميا لإنشاء الألتراس الإسماعيلي، والذى أضاف قيما كثيرة لحركة الألتراس المصرية، فكان أول من قام بعمل "بايرو شو"، وأضاف فى رسوم الدخلات، وكان صاحب أول cd تجارى لأغانى الجروب، وكان أول جروب يقوم بعمل عضويات للمنتمين له، فى إطار معرفة أعدادهم الفعلية وتنمية الموارد بجمع اشتراكات، كما كان أول جروب قام بعمل نظام فعلى داخل أركانه، واعتمد على فكرة اللجان المتخصصة وتحديد مهام كل فرد داخل الألتراس، كما كانوا أصحاب أول فكرة لإقامة "ستاند" للكابو في مصر، وهو أول جروب في مصر يهتم بالقضية الفلسطينية بإحياء ذكرى النكبة الـ٦٠؛ حتى أن الصيغة التعريفية التي طرحها الجروب لنفسه وقوانينه تم نسخها في العديد من المجموعات الأخرى، وقد رفعوا ً رموزا ثورية مثل جيفارا وأعلام فلسطين.

ومن هنا جاء الربط بين الانتماء وكرة القدم فكانت اللبنة الأساسية التي تقـوم عليها فكرة الألتراس هي الانتماء الشديد للنادي /الوطن، الذي تستشعره من أول لحظة تتحدث فيها مع أي فرد ينتمي للألتراس كفكرة وكتنظيم، فهذا الانتماء الشديد قد نجد تفسيره في في استقطاب دعاة الإسلام السياسي لكثير من شباب الألتراس مع بداية ثورات الربيع العربي في 2010، حيث تم اختراقها من من جانب الإخوان المسلمين عن طريق "خيرت الشاطر"، والسلفية الجهادية عن طريق "حازم صلاح أبو إسماعيل"، حيث جندوهم لخدمة أهدافهم، وأصبحت نواة حقيقية لهذه التنظيمات المتطرفة، وظهروا بكثافة فى اعتصامى رابعة والنهضة، وهتفوا ضد الدولة ومؤسساتها الحامية.

وبالوقائع والأدلة، ومن خلال المشاهدة على الأرض خلال المرحلة الانتقالية للدولة المصرية، وخلال حكم الرئيس المخلوع " محمد مرسي"، فإن بعض روابط الألتراس أفسدت الرياضة في مصر، وحولت الألعاب الرياضية المختلفة وفى القلب منها كرة القدم من التسلية والترفيه، إلى خراب ودمار وموت؛ حيث إنه فى 2007 كان أولى أسباب انتكاسة الكرة المصرية بعد تكوين روابط الألتراس واستغلال الإخوان لهم، لإثارة الفوضى فى الملاعب، ونتذكر كوارثهم فى استاد بورسعيد أو الدفاع الجوى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ظهرت صور لهم مع الإخوان فى رابعة العدوية وفى ميدان النهضة، وفى أكتوبر 2012 صرح بهاء أبو رحاب رئيس اللجنة الرياضية فى جماعة الإخوان عن تواجدهم بداخل أفراد الألتراس فى مختلف الأندية وعلى رأسهم الأهلى والزمالك، وبات الأمر منذ تأسيس الألتراس فى أبريل 2007، أن اختفت الأسرة المصرية من المدرجات وهى التى كانت تجد فى المباريات متنفسا وفسحة ترفيهية عن الأسرة، وحل بدلا منها الشماريخ والسباب والشتائم.

وتكشفت وجوه بعض روابط الألتراس أنها ليست مجرد روابط لتشجيع كرة القدم، وأنها واجهات لجماعات متطرفة بشكل واضح جلى، خاصة عندما رفضوا ثورة 30 يونيو، وساندوا بكل قوة جماعة الإخوان الإرهابية، ومع مرور الوقت تحولت مدرجات الملاعب إلى منصات، ومنابر لتنظيمات إرهابية، تعادى الدولة، والمؤسسات الأمنية، وتعمل على إثارة الفوضى، وإسالة الدماء، وتوظفها "الإخوان" كمظلومية يتاجرون بها فى المحافل الدولية لإحراج مصر.

وقد بدا في مباراة الأهلي وكفر الشيخ الودية مطلع عـام ٢٠١٠ اصطدمت مجموعـة ألتـراس أهلاوي بالشرطة التي حاولت منع دخول الشماريخ، وتم القبض على سبعة مـن ألتراس أهلاوي وتوجيه تهم لهم بالإتلاف العمدى للمال العام، وإثارة الفوضى

وهنا بدأت المناوشات بين الدولة والشرطة والاعلام من جهه وبين روابـط الألتراس من جهة أخرى خصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن عقيـدة الألتراس تقـوم على التمرد على أي محاولات لفرض السيطرة عليهم خاصة من جانب السلطة، وعلاقتهم بالشرطة وأفراد الأمن أبرز مثال على هذا التمرد.

ثم ازدادت المناوشات بين الألتراس والداخلية، فألفت رابطة الوابت نايتس التابعـة لنـادي الزمالك اغنيتها الشهيرة (مش ناسيين التحرير) والتي تحتوي على سباب للداخلية واظهار عداءهم للثورة ثم أغنية أولتراس أهلاوي ( كان فاشل في الثانوية) والتي تحقر من شأن ضباط الداخلية ونعتهم بالفشل والجهل .

ثم كانت المشادة التي حدثت بين أعضاء من مجموعة ألتراس أهلاوي وعدد من النشطاء السياسيين في المسيرة التي دعت إليها المجموعة أمام وزارة الدفاع في الخامس عشر من شهر فبراير الماضي من أجل التذكير بأن المسؤول عن التخطيط لمجزرة بورسعيد هو المجلس العسكري بقيادة المشير محمد طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، بالإضـافة إلى قيام مجموعة الوايتس نايتس بسب "باسم يوسف" في مباراة الزمالك مع فريق جازيللي في إستاد برج العرب.

ثم انتقلت الأحداث من التوتر بين الروابط وبعضها إلى التوتر بينها وبين أنـديتها خصوصا مع نجاح المستشار "مرتضى منصور" في انتخابات رئاسة نادي الزمالك واصطدامه بأولتراس وايت نايتس ودخوله في معارك قضائية معهم،وكانت البداية إقامتـه لدعوى قضائية لحظر روابط الاولتراس وهو ما أدى لصدور حكم قضائي في ١٦مـايو ٢٠١٥ بحظر روابط الاولتراس في مصر .

ثم سرعان ما هدأت الأمور وأدركت كل جماهير الألتراس أن الولاء لمصر هو الأساس ومن ثم انتهت كل الأزمات مع عودة جماهير الألتراس للمدرجات في أواخر أكتوبر 2021، ومع تجاوب الرئيس عبد الفتاح السيسي مع جماهير الألتراس من خلال مؤتمرات الشباب، فإننا نريد دولة ترعى الشباب ومستقبله، فمن يتكلم كثيرا لا يفعل شيئا، وفى نفس الوقت وجب التفاعل معهم وتوجيه طاقتهم للعمل والروح الرياضية والاعتدال في تقييم الأحداث بلا عنف، والأهم من كل ذلك هو تأمين مستقبلهم وضمان تشغيلهم إذا كنا حقا نعتبرهم أولادنا ..!

 

الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل

..................

الهوامش

1- د. إيمان نصرى داود شنودة: الألتراس بين الحركة الاجتماعية والتنظيم الإرهابي دراسة استطلاعية على عينة من الألتراس والأمن والجماهير بمحافظة القاهرة الكبرى، مجلة بحوث الشرق الأوسط، العدد التاسع والثلاثون (الجزء الثاني).

2- عبد الله محمد محمود خليفة (كوماندوز)، الاسم ألتراس حين يصبح التشجيع فكرا واسلوب حياة، دار المصري للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، ٢٠١٣.

3- محمد فوزى، ظاهرة شغب الملاعب الرياضية من الظواهر المؤرقة على المستوى الأمني والاجتماعي والقانوني، المؤتمر الدولي الرابع، الرياضة في مواجهة الجريمة، دبى، ٢٠١٣.

4- مركز هردر: أزمات الأولتراس .. بين الرياضة والسياسة، مركز هردو لدعم التعبير الرقمي، 2016.

5-  ألتراس: من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة

6-  نوفل الشرقاوي: "ألتراس" المغرب... من ملاعب الرياضة إلى ميادين السياسة، الاندبندنت، الخميس 4 فبراير 2021 12:17.

 

في المثقف اليوم