قضايا

لمياء حطاب: شخصياتنا مؤشر لسلوكنا

تعد دراسة الشخصية علمًا يرقى في البحث النظري والتطبيقي إلى مصاف عالم معرفة أعماق الشخصية ومكوناتها وما يتداخل معها من عوامل ومتغيرات لا حصر لها، ولو تناولنا هذا النمط من الشخصية، أو تلك سوف نتعرف على أنماط متنوعه، وسأحاول قدر المستطاع أن أدون ما يمكن معرفته عن نمط شاع معرفته وهو نمط من أنماط الشخصية عرف بأسم الشخصية الهندسية وأزاء ذلك بينت هذه الشخصية التي ظهرت وسميت بنظرية أنماط الشخصية الهندسية في العام 1998 حيث تعود الى ديلينجر (Dellinger) .

تقوم هذه النظرية على فكرة اننا ننجذب الى اشكال وانماط معينة في بيئتنا تعتمد على شخصيتنا ومواقفنا وتعليمنا وخبراتنا وتعتمد أيضا على الطريقة التي تعمل بها عقولنا الفردية المتفردة. نحن نعرف أن كل شخصية متفردة في نوعها بمعنى أنها تختلف عن الشخصية الآخرى حتى وإن تطابقت في كل شيء، وحتى بين الأخوة التوائم المتطابقة .

من المعلومات المثيرة في هذا النمط من الشخصية بأنها تقوم على نظرية المخ، اذ ان بعض الناس يميلون الى الوصول للمعلومات عبر الجانب الايسر (الفص الايسر) من المخ، وآخرون يفعلون ذلك عبر الجانب الأيمن، وتترتب على مفهوم السيطرة المخية والتي مفادها إن سيادة وسيطرة أحد جانبي الدماغ لدى الأفراد يمكن أن يعبر عنها الفرد على شكل أسلوب أو نمط معين يتباهى في عمليتي التعلم والتفكير .

كانت وما تزال النظريات تقدم لنا مختلف المداخل حيث ترى أن هناك ثلاث أشكال من الانماط الخطية لهذه النظرية " الهندسية" وهي:

أ. النمط الخطي الأول (المربع): شخصية الفرد من هذا النمط ينصب تركيزها التام على النظام، وهذا النظام ينطبق على جميع مناحي حياته حيث يفضل هذا الشخص المعلومات الواقعية على العواطف أو الأفكار التجريدية، وهذا هو السبب وراء كون هذا النمط يعتمد بشدة على العمليات التحليلية في أسلوب حياته كما ان الافراد من هذا النوع يتسمون بأنهم منطقيون وعمليون بشكل قهري ويتصفون بالعناد ويتجنبون الصراع .

ب. النمط الخطي الثاني (المثلث): يتميز الافراد من هذا النمط بالقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة سريعة، فهم شديدو الثقة بذاتهم يرغبون في أن يكونوا محقين قبل أي شيء آخر وبأي ثمن، وغالباً ما يفوزون بالفعل، لا يحبون أن يكونوا مخطئين، ويواجهون صعوبة في الاعتراف بأنهم مخطئون. ربما كانت السمة الأكثر قوة في الشخص من هذا النمط هي قدرته على التركيز، ولا يمكن تشتيتهم أو إبعادهم عن غايتهم، إنهم شخصيات متحمسة ومتحفزة وقوية ونشيطة، يضعون الأهداف ويحققونها فقط ابتعد عن طريقهم، والسلاح السري للشخص من هذا النمط هو قدرته على تركيز طاقته على الهدف الحالي، والمذهل أكثر هو قدرته على تغيير تركيزه بسرعة هائلة من هدف إلى هدف.

جـ. النمط الخطي الثالث (المستطيل): هذا الشخص يعاني من انعدام التوازن، واكثر ما يميزه هو سلوكه غير المتسق الذي لا يمكن التنبؤ به، وله بعض العادات الشخصية التي تميزه عن غيره وهي النسيان، العصبية، الحضور المتأخر أو المبكر جداً، السلوك القهرية، الثورات العاطفية، الحفاظ على الممتلكات، تجنب أي شيء قد يحتوي على أدنى قدر من الصراع، والتنوع والاختلاف والتواجد مع المجموعات الكبيرة والتحدث من غير تفكر وهذا ما طرحه ديلينجر في العام 1998 .

وهناك أنواعًا أخرى مثل النمط غير الخطي حيث يميل الأفراد الذين ضمن هذا النمط الى التفكير ومعالجة المعلومات التي يتلقونها بشكل اقل خطية، واكثر تصويرية، وإنهم اكثر اهتماماً بالكل وليس بالجزء، ويضعون تركيزًا اقل على المنطق والتنظيم.

وبينت لنا الجوانب الميدانية بأنهم يكونون اكثر ابداعاً واعتماداً على الحدس ويعالجون المعلومات بشكل غير تتابعي بل يقفزون من أ. الى د.، وهم خاضعون لسيطرة النصف الكروي الأيمن من الدماغ وهذا يميزهم بالقدرة على اكتساب الطاقة في ظروف مختلفة، فهم يجدون عادة أن الأشياء الروتينية الجامدة مضجرة وخانقة، ولذلك فهم يستمتعون بالتغيير وبرامج الأعمال المرنة، والعمل بصورة عفوية وحدسية وبمجابهة التحديات، والانشغال بأكثر من مشروع واحد خلال اليوم الواحد، وهم يجيدون أعمال عدة في ظل مواعيد محددة لانجاز المهام، ولهذا السبب يدع الكثير منهم المشروعات تستمر حتى الدقيقة الأخيرة، كما يتخذون من تحدي المواقف غير التقليدية مصدرا للتزود بالطاقة، ويفضل بعضهم جود عدد كبير من عناصر الاستشارة الحسية في منطقة العمل الخاصة بهم مثل الألوان الزاهية والملصقات، وألوان أخرى من الأعمال الفنية والموسيقي، ويذكرنا هذا النمط بأهمية البيئة الخاصة بالعمل وما تحتوي من مثيرات مختلفة، ويميل أفراد هذه الفئة أيضا إلى أعمالهم، فضلا عن أن الكثير من هؤلاء بارعون في حل المشكلات ويمنلكون قدرة عالية على إيجاد أساليب مختلفة ومتنوعة من البدائل للموقف الذي يحتاج إلى حل كما طرحه أيضًا دلينجر في العام 2005 . ويرتبط أيضًا بهذا النمط نمطين هما النمط الدائري والنمط المتعرج، أما النمط الدائري فهو يقوم على فكرة أساسها : عامل الآخرين كما تحب أن يعاملوك، وهذا هو المثل المفضل لدى هذا النوع من الانماط، وهو محب للناس وهذا شغله الأول والشاغل بالنسبة له . أما النمط المتعرج فصاحبه هو الشخص الذي يفكر باستمرار في خطط وأساليب جديدة، وإنه الشخص الأكثر اعتماداً على جانب المخ الأيمن بيننا، ويعني هذا أنه لا يعالج البيانات والمعلومات بأسلوب خطي منطقي وانما بأسلوب متعرج، وقولنا في الأخير أن لله في خلقه شؤون.

***

د. لمياء حطاب - استاذة علم النفس التربوي

في المثقف اليوم