قضايا

محمود محمد علي: الماسونية وسيد قطب

محمود محمد عليإن الحقيقة يجب أن تبقي سرا.. فأما العامة فأنهم يحتاجون إلى تعليم تتناسب مع عقولهم الناقصة.. البناؤون الأحرار.. أو الماسونية.. من المفترض أن الماسونية منظمة أخوية عالمية.. ومن المفترض كذلك أنها منظمة سرية.. والحقيقة أنها منظمة غامضة جدا..

إن كلمة ماسونية أصلها Masson يعني بناء وكلمة Free أي حر، Freemasons يعني البناؤون الأحرار.. والماسونية لها رموز كثيرة لكن أهمها هي تعامد مسطرة الهندسة مع البرجل، وهذا الرمز له معنيان.. المعني البسيط وهو الذي يرمز إلى حرفة البناء، والمعني الأعمق وهو الذي يرمز إلى علاقة الخالق بالمخلوق، وهذا الرمز الأعمق له زاويتان متقابلتين: الأولي وتدل على علاقة السماء بالأرض، والثانية وتدل على علاقة الأرض بالسماء.. وهذا ما تعنيه بالفعل " نجمة النبي داود".. وفي النصف نجد حرف G والذي اختلف الماسونيين أنفسهم اختلفوا في تفسيره، فمنهم من قال أنها ترمز إلأى كلمة Gad أي الله، ومنهم من رأها ترمز إلى أنها أول حرف من كلمة Geometry  أي الهندسة، ومنهم من قال أنها تعني كلمة    Geometaوالتي تعني 32 قانون والتي وضعها أحبار اليهود لتفسير الكتاب المقدس سنة 200 ق.م.

أما أشهر رموز الماسونية على الإطلاق فهي " العين الواحدة "، وهي عين محاطة بأشعة الشمس، وعادة ما تكون فوق هرم غير مكتمل، وهي تعني رمز " العناية الإلهية"، أو" العين التي تري كل شئ"، لكن آخرون يرون أنها ترمز إلى " عين المسيخ الدجال".

وأما عن تاريخ الماسونية فإنه من المستحيل أن ندرك على الحقيقة التاريخ الحقيقي لنشأتها ليس فقط لكونها منظمة سرية، بل إن الماسونيين لا يعرفون على الحقيقة متي نشأت أصلا.. لكن منهم من قال أنها تأسست في القرن 18 م وبالذات سنة 1717م وذلك عند أسس جوزية أفرام أول محفل ماسوني في لندن وسمي بالمحفل العظيم، ومن بعده محفل فرنسا سنة 1728م، وبعدها بنيت محافل لا حصر لها في كل مكان في العالم.

وأول دستور للماسونية قد كتب سنة 1723م والذي كتبه " جيمس أندرسون"، راهب في كنيسة المشيخية – الاسكتلندية، وكان دستور صارم، حيث لا يمكن أن تتغير قوانينه، وفي سنة 1734 م بنيامين فرانكلين – رئيس التيار الماسوني في ولاية بنسلفانيا الأمريكية أعاد تعديل هذا الدستور، ويشير هذا الدستور على أنه يمثل امتداد للعهد القديم للكتاب المقدس، والذي يري أن اليهود الذي غادروا مصر مع سيدنا موسي قد شيدوا مملكة الماسونية.

والسؤال الآن: ما سر الربط بين الماسونية وفرسان المعبد  أو فرسان الهيكل ؟

فرسان المعبد هو تنظيم تكون من الكاثوليك بحجة حماية الحجاج المسيحيين للقدس، وكان عددهم من 15 إلى 20 ألف، وكانوا من أقوي القوة الاقتصادية في أوربا في ذلك الوقت.. ولكن في سنة 1309م حل الملك " فيليب الرابع " هذا التنظيم، واتهمهم بأنهم عبدة الشيطان، وأنهم يمارسون السحر، ويريدون القضاء على المسيحية ويحكموا العالم، فأمر بقتلهم وحرقهم.

لكن في آخر الأمر تبين أن تلك كانت تهم ملفقة، وأن الاعترافات كانت تحت التهديد والتعذيب، وقد كان هذا بسبب ديون الملك " فيليب الرابع" لهؤلاء الفرسان بمبالغ، فلفقت لهم تلك التهم للتخلص من ديون الملك لهم، لكن حاول الكثير منهم الهرب، وتمكنوا بعد ذلك من وضع تنظيم سري مع الملك " روبرت فرست" ملك اسكتلندا وذلك كي ينتقموا من الملك " فليب الرابع"، وكان فرسان المعبد كان لديهم ثلاثة رتب شأنها شأن رتب الماسونية سواء في الطقوس أو التصميم، وهنا يمكن القول بأن الماسونية هي امتداد لفرسان الهيكل حتى لو اختلفوا في الغاية والوسيلة، إلا أن الماسونية تسير على نفس النهج من حيث السرية والتنظيم، وهذا هو سر الربط بين الماسونية وفرسان الهيكل.

إلا أن بعض الماسونيين يقول أن الذي أسس الماسونية هو المهندس العظيم حيرام قابيل والذي من المفترض أنه أشرف على بناء هيكل سليمان كما قيل في سفر أخبار اليوم الثاني للتوراة، وقد مات وهو يدافع عن سر العمارة، لكن معظم علماء الاثار في العالم ينفون وجود هيكل سلميان من الأساس ويقولون لأن قصة هذا الهيكل قد ألفها اليهود وذلك لكي يثبتوا أقدامهم في فلسطين، وهذا معناه أنه لم تكن هناك ماسونية أصلا في عهد النبي سليمان، وذلك لعدم وجود ما يسمي بهيكل سليمان من الأساس، وكان ما في الأمر أنه مجرد معبد صغير للغاية بناه النبي سليمان كي يتعبد فيه لله هو وأسرته فقط لا غير.

لكن بعض الماسونيين قالوا أن المهندس الأعظم الذي أسس الماسونية هو الله عز وجل وذلك في جنة عدن، وأن الجنة هي أول محفل ماسوني، وأن ميخائيل رئيس الملائكة هو أول أستاذ أعظم للماسونية يدعو للخير وينبذ الشر، وهذا هو سر شعار الماسونية: الإخاء، والعدل، والمساواة، ولهذا فإنه يشترطون للشخص المنضم إليهم أن يكون صاحب إرادة حرة، وسمعة طيبة، ويكون لديه قبول، وجماهيرية، وأن يمتلك تعليم جامعي، وتكون صحته البنية والعقلية على ما يرام.. والغريب أنهم كانوا لا يقبلون ضم المرأة إلى محفلهم، إلا أنهم تراجعوا عن ذلك، وذلك حين ضموا السيدة " إليزابيث أولدورث"، وذلك حين تجسست عليهم مصادفة من وراء الباب لمعرفة الطقوس الكاملة لاعتماد عضو جديد، وقد ضموها حفاظا على السرية، ومن بعدها بدأوا يقبلون دخول المرأة، كما بدأوا يقبلوا الملحدين، ومن قبل كانوا يرفضون ذلك.

وبعد هذا التأصيل الفكري للماسونية أود أن أتساءل: ما علاقة سيد قطب بالماسونية؟

في دراسة تحمل عنوان (الماسونية والماسون في مصر)، صدرت في كتاب عن سلسلة مصر النهضة بدار الكتب، للكاتب والباحث الدكتور "وائل إبراهيم الدسوقي"، جمع فيها الباحث تاريخ الحركة الماسونية في مصر، وأسماء مشاهير الماسونيين المصريين، جاء اسم الأستاذ سيد قطب، لم يكن قطب مجرد عضو بالمحفل الماسوني بل كان من أهم كتاب مجلة "التاج المصري" الناطقة بلسان حال المحفل الماسوني المصري آنذاك، ومن كتاباته الشهيرة بالمجلة في عدد الجمعة 23 أبريل سنة 1943، كان المقال الافتتاحي الذى كتبه سيد قطب بعنوان «لماذا صرت ماسونيا؟»، طرح فيه السؤال على نفسه وحاول الإجابة عليه، وكان من ضمن ما قاله في مقاله:

"السؤال سهل ميسور، والجواب من القلب إلى القلب، فعرفت عندئذ أنني صرت ماسونياً، لأنني أحسست أن في الماسونية بلسماً لجراح الإنسانية، طرقت أبواب الماسونية لأغذي الروح الظمأى بالمزيد من الفلسفة والحكمة، ولأقتبس من النور شعلة بل شعلات تضيء لي طريق الحياة المظلم، ولأستمد قوة أحطم بها ما في الطريق من عراقيل وأشواك، ثم لكى أكون مجاهدا مع المجاهدين وعاملا مع العاملين».

ويضيف قطب: "لقد صرت ماسونيا، لأنني كنت ماسونيا، ولكن في حاجة إلى صقل وتهذيب، فاخترت هذا الطريق السوى، لأترك ليد البناية الحرة مهمة التهذيب والصقل، فنعمت اليد ونعم البنائين الأحرار».

ويقول أيضا:"ليس الماسوني من أجريت له المراسيم بذلك، واكتسب هذه الصفة عن هذا الطريق، وإنما الماسوني من يعمل، ولكن في صمت دون ضجة أو إعلان، هو من يفتح قلبه للجميع يتساوى لديه في ذلك الصغير والكبير، هو من يعمل الواجب لأنه واجب والخير لدواعي الخير، دون أن يبغى من وراء ذلك جزاء أو يطمح لنيل مطمح، هو من ليس له حق، وإنما عليه واجب».

ثم يطرح سيد قطب تعريفا خاصا للماسونية، وهو: "الماسونية هي التي تجمع بين مختلف الأديان، ولا تعرف للتخريب معنى، ولن تجد كلمة التعصب مكانا في قاموسها، هي التعويذة السحرية التي تؤلف بين القلوب جميعها في أقاصي الشرق أو أدنى الغرب، هي المكان الوحيد الذى يستطيع فيه الجميع، الصغير منهم والكبير، أن يتصافحوا مصافحة الأخ لأخيه، ويجلسوا جنبا إلى جنب دون نظر إلى فارق اجتماعي أو مركز أدبى ولا غرور في ذلك إذ إن دعائمها وأسسها مشيّدة على الحرية والإخاء والمساواة، فما أعظمها دعائم وما أقواها من أسس وما أنبلها وأسماها من مبادئ".

وتابع: "ليس الماسوني من أجريت له المراسيم بذلك، واكتسب هذه الصفة عن هذا الطريق، وإنما الماسوني من يعمل، ولكن في صمت دون ضجة أو إعلان، هو من يفتح قلبه للجميع يتساوى لديه في ذلك الصغير والكبير، هو من يعمل الواجب لأنه واجب والخير لدواعى الخير، دون أن يبغى من وراء ذلك جزاء أو يطمح لنيل مطمح، هو من ليس له حق، وإنما عليه واجب".

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

في المثقف اليوم