قضايا

قاسم حسين صالح: اغتصاب الأطفال جنسيا.. حادثة (حوراء) انموذجا

قاسم حسين صالحتحليل سيكولوجي

الواقعة: في 25 كانون اول 2021 ارتكب شاب اربعيني منتسب لوزارة الداخلية جريمة اغتصاب الطفلة (حوراء) ذات السبع سنوات، في حادثة بشعة وصفتها امها بأنه (سواها نصين!)، وتصدرت الحادثة عناوين اجهزة الأعلام ومنصات التواصل الأجتماعي. وللأسف فأن القنوات الفضائية استضاف معظمها من ليست لهم خبرة سيكولوجية، عازين ما حصل الى الحروب والضغوط النفسية وطبيعة المجتمع العراقي، فيما راحت منصات التواصل الاجتماعي تعزو الأسباب الى انتشار المخدرات وتعاطي الكحول وضعف القانون وتعليقات من قبيل (الى متى نبقى على هالوضع .. خافوا الله).

ولأن ما قيل لا يشخّص السبب العلمي لهذه الحادثة، فاننا أرتأينا من موقع تخصصنا تحليلها سيكولوجيا بما يفيد الجهات التحقيقية بوزارة الداخلية ويشيع الثقافة النفسية بين الناس.

عشق الأطفال - تحديد مفهوم

اثار ولع بعض الكبار بالأنجذاب الجنسي للأطفال اهتمام علماء النفس فابتكروا له مصطلح البيدوفيليا (Pedophile) أو الغلمانية أو الولع الجنسي بالأطفال أو الانجذاب الجنسي للأطفال.. وكلها مصطلحات تشير إلى اضطراب جنسي يميل فيه الشخص البالغ نحو اغتصاب الأطفال دون سن البلوغ، غالبا ما يكونون بين (7 – 14) سنة. وينبغي هنا التفريق بين الميل الجنسي للأطفال (Pedophilia) والتحرش الجنسي بالأطفال (Child Sexual Offending)، بمعنى أن البيدوفيليا هي اضطراب نفسي او عقلي يحتاج الى علاج نفسي او دوائي فيما التحرش هو جريمة تجب معاقبة مرتكبها. وتشير الأحصاءات ان النسبة الكبرى من المصابين بهذا الاضطراب هم من الرجال (بنسبة 3- 5%) مقارنة بالنساء اللاتي يصبن بنسبة قليلة جدًا.

التشخيص

تفيد الدراسات بأن السبب الأول لمرضى هذا الأغتصاب هو (عضوي) يتحدد بوجود خلل جيني تصاب به بعض العائلات، او نشاط زائد في المناطق الدماغية المرتبطة بالشغف والإثارة الجنسية، او انهم مصابون بتشوهات عصبية ناجم بعضها عن تعرضهم لأصابات في الرأس بمرحلة الطفولة. وكشفت الدراسات عن ان نسبة ذكائهم منخفضة عن المتوسط العام لأقرانهم,ما يعني أنهم (أغبياء)، وأنهم أقصر من المتوسط العام لطول حجم السكان.

والسبب الثاني (بيئي- اجتماعي) يحدده الباحثون بخبرات مرحلة الطفولة، اما بكثرة تعرض القائم بالأغتصاب لمثيرات جنسية، تحفز.. تنشط، لديه خيالات جنسية تدفعه الى ممارستها عمليا تثير عنده متعة اذلال الآخر والسيطرة عليه فتدفعه الى الاستمرار عليها، او انه كان قد تعرض في طفولته الى التحرش او الأعتداء الجنسي فيسعى شعوريا او لاشعوريا الى التعويض او الأنتقام حين يصبح راشدا.

 

ومع ان كلا السببين (العضوي الوراثي، والبيئي المكتسب) ما يزالان يحتاجان الى المزيد من الأدلة لثبات ذلك بشكل قاطع ونهائي، فأن (عشق الأطفال، االبيدوفيليا) او الأعتداء الجنسي على الأطفال يصنف في الطب النفسي الجنسي كأضطراب عقلي يتسبب في ضرر شخصي للضحية، وأن هذا المرض قد يستمر مدى الحياة، او قد تقل حدته بمرور الزمن.. وذلك وفقا للتصنيف النفسي الأمريكي الجديد ودليل منظمة الصحة العالمية.

لا علاج.. الا الأخصاء

تم استخدام اساليب علاجية مختلفة.. نفسية، دوائية (بما فيها خفض مستويات هرمون الذكورة).. لكنها لم تنجح تماما في علاج المصابين باضطراب اغتصاب الأطفال جنسيا. ومع ان مجتمعات كثيرة اضطرت للتعامل مع هذا الأضطراب بعقوبات سجن شديدة، فان نسبة كبيرة من الذين يطلق سراحهم بعد قضائهم عقوبة السجن يعودون للأعتداء على الأطفال.. الأمر الذي اوصل الى قناعة كثيرين بأنه لا علاج لهؤلاء الا.. الأخصاء!.

في الغرب.. كل مباح ممكن

قابلت الدعوة الى الأخصاء اصوات وصفت هذا الأجراء بانه غير انساني، وتقدمت خطوة ابعد بدعوتها الى مساواة المصابين بعشق الأطفال مع بقية افراد المجتمع، وهناك ما يفيد بوجود جماعات تستخدم نفس اجراءات المثليين، تبدأ بكسر (التابو الأجتماعي) والنظر الى ان المصاب بعشق الأطفال بشر كالآخرين له الحق بالتمتع بنفس الحقوق والكرامة والمساواة، لتنتهي بتقنين وضع البيدوفيليا دستوريًا وقانونيًا، ويجعلون حالهم كحال المثليين الذين اضطروا او اجبروا او اقنعوا حكوماتهم باصدار قانون يبيح لهم حق الزواج المثلي (رجل مع رجل، او امراة مع مثيلتها). ومع ان المجتمعات العربية والاسلامية تلتزم بالمحرمات، الا ان شيوع الأنترنت وما يعرض من فواحش في منصات التواصل الاجتماعي، تشكل خطرا يهدد ما نعده محرّمات.

خبرة ميدانية

في ثمانينات القرن الماضي كنت اعمل خبيرا في مركز البحوث التابع لوزارة الداخلية. وقد التقيت بحالتين مماثلتين لحالة (حوراء) .. كان كلا المغتصبين في العشرينات. والتقينا ايضا بعدد من المثليين ( المخنثين) واجرينا دراسة . وكانت وزراة الداخلية قد القت القبض على كل البغايا والسمسيرات في محافظات العراق فاجرينا دراسة بعنوان (البغاء.. تحليل لشخصية البغي) نوقشت في ندوتين علميتين، اعتبرت الأولى عراقيا وعربيا وعالميا من حيث عدد البغايا (312) فتاة وسمسيرة، ومن حيث عدد الأختبارات النفسية التي طبقت عليهن.. ما يعني اننا نمتلك خبرة علمية وميدانية نضعها امام وزارة الداخلية في تزويد المحققين الجنائيين بثقافة علمية وتمكينها من اشاعة ثقافة تخصصية عبر اعلامها .. فضلا عن كيفية التعامل مع الضحية واسرتها.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

في المثقف اليوم