قضايا

أركان حربي: الرد الوافي على رافضي الأضاحي

بداية خلق الله سبحانه وتعالي المخلوقات وسخرها لبني الإنسان لتيسير أمور حياته ولقضاء حوائجه وإشباع لذاته ورغباته المشروعة، فهو المخلوق الوحيد علي سطح الأرض من سخرت له بعض المخلوقات حتي تكون تحت طوعهِ وإرادتهِ وتلبية رغباته سواء كانت من الحيوانات أو غيرها من المخلوقات التي يتحكم بها الإنسان في وجودها وبقاءها، ومن المعروف أن الأضحية في العيد الأكبر هي إحدى أهم شعائر الإسلام، والتي يتقرب بها المسلمون إلى الله سواء كانوا من الأغنياء أو الفقراء، بتقديم ذبح من الأنعام، وذلك من أول أيام عيد الأضحى المبارك، حتى آخر أيام التشريق الثلاثة، ولذلك فهي من أهم الشعائر المشروعة والمجمع عليها، فهي سنة مؤكدة لدى جميع مذاهب أهل السنة والجماعات الفقهية سواء عند الشافعية أو الحنابلة أو المالكية، ما عدا الحنفية.

وإيماناً منا لهذا الدين الحنيف بكل أصوله وفروعه التي شرعها الله سبحانه وتعالي، وبكل ما جاءت به الشريعة الغراء من فرائض وواجبات وسنن، كان لزاماً علينا الوقوف ضد الذين يبتدعون البدع، ولعل قائل بأن هناك بدعة حسنة وأخري سيئة! لا ليس هناك في الشرع تقسيم للبدعة إلي حسنة وسيئة، حيث أن جميع البدع سيئة كما أقر بذلك الإمام أحمد السرهندي(1)

فإذا نظرنا إلي أمثال هؤلاء من الحاقدين للإسلام نجد أنهم يحاولون أن يضعوا العسل في السم، ويخرجون إلينا أموراً وفتاوي مبتدعة لا أنزل بها من سلطان، إنما مقصدهم ومبغاهم الوحيد هو هدم شعائر الإسلام محو سننه التي جاءت به شريعتنا الغراء، لذا وقد كانت من الأسباب التي دعتني إلي كتابة هذه السطور هو أنني قرأت في إحدى صفحات التواصل الاجتماعي المشهورة تعليقاً نصه كالآتي (ذبح الأضاحي يساهم في إهدار الثروة الحيوانية، ولا يفيد فقير ولا جائع، أنصحكم بالتبرع بثمن الأضحية لعائلة فقيرة فقد يسد رمقهم شهر كامل) هذا هو نص التعليق، ونلاحظ أن هذه الكلمات وإن كان ظاهره الشهد إلا أنه في الحقيقة يحمل في أحشاءه السم، فقد بدأ كلامه بأن ذبح الأضاحي ما هو إلا إهدار للثروة الحيوانية، وهو السبب الذي دفع به إلي إنكار ورفض هذه السنة، وتابع كلامه أن هذا الفعل من الذبح لا يفيد فقير ولا جائع، وهنا سأقوم بالرد علي تلك الشبهة بما قدر لي الله تعالي أن أرد علي هذه الخزعبلات التي يريدون من وراءها هدم سنة من السنن المؤكدة في الإسلام.

والرد على هذه الشبهة من عدة جوانب:

1-الحكم الشرعي

2-الناحية الاقتصادية

3-الناحية العقلية

أولاً: من ناحية الحكم الشرعي:

فالأضحية: سنة مؤكدة، وهذا ما ذهب إلية الجمهور: المالكية في المشهور، والشافعية، والحنابلة، ومذهب الظاهرية(2).

أما الدليل الشرعي من القرآن فنجد أن هناك الكثير من الآيات القرآنية التي تناولت الحكم من مشروعية تلك الأضاحي.

قال تعالي: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر َفَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ)(3)

وقال تعالي (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعیَ قَالَ یَـٰبُنَیَّ إِنِّیۤ أَرَىٰ فِی ٱلمَنَامِ أَنِّیۤ أَذبَحُكَ فَٱنظُر مَاذَا تَرَىٰ قَالَ یَـٰۤأَبَتِ ٱفعَل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِیۤ إِن شَاۤءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِینَ)(4)

وقال تعالي: (وَٱلبُدنَ جَعَلنَـٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰۤىِٕرِ ٱللَّهِ لَكُم فِیهَا خَیر فَٱذكُرُوا ٱسمَ ٱللَّهِ عَلَیهَا صَوَاۤفَّ فَإِذَا وَجَبَت جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنهَا وَأَطعِمُوا ٱلقَانِعَ وَٱلمُعتَرَّ كَذَ لِكَ سَخَّرنَـٰهَا لَكُم لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ)(5)

وقال تعالي أيضاً: (وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلنَا مَنسَكا لِّیَذكُرُوا ٱسمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِیمَةِ ٱلأَنعَـٰمِ فَإِلَـٰهُكُم إِلَـٰه واَ حِد فَلَهُۥ أَسلِمُوا وَبَشِّرِ ٱلمُخبِتِینَ)(6)

قال ابنُ تيميَّة: إنَّها مِن أعظَمِ شعائِرِ الإسلامِ، وهي النُّسُك العامُّ في جميعِ الأمصارِ، والنُّسُكُ مقرون بالصَّلاةِ في قوله تعالى: (قُل إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلعَـٰلَمِینَ)(7)، وهي مِن ملَّةِ إبراهيمَ الذي أُمِرْنا باتِّباعِ ملَّتِه، وبها يُذكَر قصَّة الذبيحِ، فكيف يجوز أنَّ المسلمينَ كُلَّهم يتركونَ هذا ولا يفعَلُه أحدٌ منهم، وترْكُ المسلمين كُلِّهم، هذا أعظَمُ مِن تَرْكِ الحجِّ في بعض السنين. وقد قالوا: إنَّ الحجَّ كلَّ عامٍ فَرْضٌ على الكفايةِ؛ لأنَّه من شعائِرِ الإسلامِ، والضحايا في عيدِ النَّحرِ كذلك، بل هذه تُفعَل في كلِّ بلدٍ هي والصَّلاةُ، فيَظْهَرُ بها عبادةُ اللهِ وذِكْرُه، والذَّبْحُ له والنُّسُك له ما لا يظهَرُ بالحجِّ، كما يظهَرُ ذكرُ الله بالتكبيرِ في الأعياد(8)

وقد جاء في السنة النبوية:

عن البراء بن عامر رضي الله عنه: قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسكُه وأصاب سُنة المُسلمين)((9)

وفي هذا الحديثِ يَرْوي البَراءُ بنُ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه سَمِع النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَخطُبُ يومَ عِيدِ الأَضْحَى، فَبَيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ هَدْيَه وسُنَّتَه في يومِ الأضحَى: أنْ يُبدَأَ أوَّلًا بصَلاةِ العِيدِ، ثمَّ يَأتيَ بعْدَ ذلك ذَبْحُ الأُضحيَّةِ، فمَن فعَل ذلك فقدْ أصابَ السُّنَّةَ، ووافَقَ طَريقتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحَصَلَ له الأجرُ(10)

ثانياً: من الناحية الاقتصادية

والرد على الشبهة المذكورة من الناحية الاقتصادية فإنه إذا نظرنا إلى الأضحية وأهميتها نجد أن الأمر ليس به إهدار للثروة الحيوانية إطلاقاً، وذلك لأن الإهدار في معناه من وجهة نظري هو التبذير في الشيء بغير وجه حق أو هو معناه ما يقابل عدم الاستفادة من الشيء، وهنا في ذبح الأضاحي في الإسلام لا يدعوا إلى الإسراف أو الإهدار كما يزعم البعض من الرافضين للأضاحي، بل أننا نجد أن الإسلام كان حريصاً كل الحرص على ان تكون تشريعاته متفقة مع منهج الإسلام العام وهو المنهج المعتدل الوسطي، فنجد أن جميع الجلود التي تخرج من الأضاحي يتم استغلالها ودبغها في شتي الصناعات المتعلقة بالجلود.

ثالثاً: من الناحية العقلية

أما من الناحية العقلية فمن المعروف أن من شروط الأضحية أو من شروط صحتها سواء كانت من الأبل أو البقر أو الشاة هو أن تكون قد أتمت السن المُعتبر لها، فبالنسبة للإبل فإن العمر المُعتبر لها للذبح هو أن تكون قد أتمت خمس أعوام، وبالنسبة للبقر لا بد أن تكون قد اتمت أيضاً عامين، وفي الغن عام واحد على الأقل، أما في الضأن فقد رُخص ما أتم ستة أشهر فما فوق علي أن تكون قد أجدع، لذا فمن الناحية العقلية لا يمكن التسليم العقلي بأن ما يترتب علي كثرة الأضاحي يكون نتيجة حتمية لإهدار للثروة الحيوانية.

وذلك لأن:

- أن المُعتبر في الثروة الحيوانية هي كل الحيوانات فالحيوانات تشمل جميع الفصائل المختلفة منها، ويمكن القياس على ذلك أن الأُضحية المشروعة في الشريعة الإسلامية ليست غير الفصائل المذكورة آنفاً كـ (الإبل والبقر والأغنام والمعز)

- كما أن الإسلام قد وضع شروطاً محددة للأضحية من ضمنها أن تكون قد بلغت العمر المذكور لها، علماُ بأن الإسلام يمنع أيضاً ذبح الحوامل من هذه الحيوانات، فمن أين يأتي إذاً الإهدار في الثروة الحيوانية، والسؤال هنا لو الثروة الحيوانية تتأثر بتلك الأضاحي فلماذا لم تنقرض بعد فمن العقل أنه لو كان هناك إهدار للثروة الحيوانية لكانت قد انقرضت تلك الحيوانات ونحن جميعاً نعلم أن هذه الشعائر الإسلامية تُقام منذ بعيد.

وخلاصة القول

أن هناك الكثير من المقاصد النبيلة والسامية من وراء هذه الشعائر الإسلامية فكما ذكرنا من قبل أن الإسلام كان حريصاً كل الحرص على أن تكون تشريعاته متفقة مع منهج الإسلام العام وهو المنهج المعتدل الوسطي، ومن تلك المقاصد الإمتثال لأوامر الله تعالي والإذعان له، ومن أنكر سنة من السنن النبوية الشريفة فيكون بذلك قد أنكر شيء معلوماً من الدين بالضرورة، كما أن المتمثل لأمر الله تعالي يُحيي ذكري قصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وتعلم الدروس المستفادة من تلك القصة، كما أن المسلم بإحيائه شعائر الأضحية فإنه بذلك يتخلص من الشُح والبخل والضغينة وتطهير قلبه من تلك الرذائل، وعندما يشتري المسلم الأضحية ويقوم بتوزيعها علي الفقراء والمساكين فهو بذلك يكون قد أحيا بقلبه معني العطاء.

هذا والله أعلم

***

كتب أركان حربي العوضي

ماجستير فلسفة إسلامية كلية الآداب جامعة المنيا

......................

(1) هو الإمام أحمد الفاروقي السرهندي من مدينة سرهند بالهند لقب بمجدد الألفية الثانية، حيث كان السبب من وراء ذلك اللقب هو أنه كان السبب الرئيسي لبقاء الإسلام في الهند وللوقوف علي تفاصيل أكثر عن سيرته الشريفة، يمكن الاطلاع علي مكتوباته الربانية في ثلاث أجزاء المسماة بالدرر المكنونة.

(2) الدرر السنية، الموسوعة الفقهية: ذبح الأضحية، إشراف عام: علوي بن عبد القادر السقاف الرابط:https://dorar.net/feqhia/3074/

(3) سورة: الكوثر.

(4) سورة: الصافات، الآية 37.

(5) سورة: الحج، الآية 36.

(6) سورة: الحج، الآية 34.

(7) سورة: الأنعام، الآية162.

(8) شيخ الإسلام ابن تيمية: مجموع الفتاوي، جمع وترتيب: عبد الرحمن محمد بن قاسم، مجمع الملك فهد، السعودية، بدون ط، 1425هـ- 2005م، المجلد الثالث والعشرون، صـ162-163.

(9) أخرجه البخاري رقم (968)، ومسلم رقم (1961).

(10) مرجع سابق: الدرر السنية، الشروح الحديثية. الرابط: https://dorar.net/hadith/sharh/6045

في المثقف اليوم