قراءة في كتاب

العشق والاغتراب في شعر يحيى السماوي للدكتور محمد جاهين بدوي

والثانية أن تاتي ثمار هذا الموقف من بلدان عربية لها حضورها الريادي في المشهد الثقافي العربي كمصر مثلا. والمقصود هو كتاب الشاعر والناقد والأكاديمي المصري الدكتور (محمد جاهين بدوي): (العشق والاغتراب في شعر يحيى السماوي : قليلك لا كثيرهن أنموذجا) الذي صدر عن دار الينابيع في دمشق هذا الأسبوع . إنه كتاب ذو روح علمية موضوعية يتناول فيه جانبا من المنجز الشعري للمبدع يحيى السماوي من مدخل متفرد يعطي لهذا المنجز حقه من المراجعة والتحليل المنصفين، ويضعه في موضعه المستحق في مسار الشعرية العربية. فالسماوي كما يقول جاهين: (أحد أهم أنغام هذه المنظومة الشعرية العراقية، المشكلة ملامحها وقسماتها، على نحو مبين، وهو أحد أبنائها البررة، المخلصين الأوفياء الذين اصطفتهم الشعرية العربية المعاصرة، واصطنعتهم لنفسها، ليكونوا رسلها المبشرين بنبوءة فجرها، وانبعاثة صبحها، في هذا العصر الذي ندرت فيه منابر الأصالة، وخشعت أصواتها، وخفتت فيه أضواء منائرها، وعلت في آذان أهله حتى كادت تصمُّها، أو تصمها، عقيرة نواشز الأصوات بكل غُثاء من رديء النشيد، وفج الحداء، وتلاطمت أمواج ليل بهيم، من زواحف التغريب، وهوام التحديث، والأغربة الأدعياء) .

يمتك السماوي تجربة شعرية ضخمة يمكن أن تشكل معينا لا ينضب للدارسين العراقيين والعرب، معين يوفر رؤى جديدة تغني العملية النقدية والشعرية العربية على حدّ سواء. ويحدد جاهين الأسباب التي دعته إلى وضع هذا المؤلف (200 صفحة) عن السماوي بالقول : (السماوي ينتسب فنيا إلى التيار الشعري الذي أحب أن أدعوه بالتيار "البياني الإشراقي" الذي يقوم على جمال العبارة وجلال الفحوى وروعة الإشارة وجلاء الدلالة، وهو في هذا النهج يمتح من صفاء معجم بيان هذه الأمة الأصيلة .. فما شابت عروبة بيانهم لكنة أو هجنة، أو شانتها لوثة من تغريب أو تخريب .. وظلوا على وفائهم لهذا النسق البياني .. وكما كان السماوي وفيا لهذا المعجم .. كان أوفى لثقافته ورموز حضارة أمته، المائزة لهويته الفكرية والنفسية .. وطبعي لمن كانت هذه مزن مرجه، التي تحلبتها جذور شجيراته وطيبات غراسه، فطابت أصلا وفرعا، أن يكون وفيا كذلك لوطنه : مادة جسمه وحاضن روحه : العراق : فراتا ونخلا وناسا وهمّا، وقد كان الأنجب والأوفى للوطن الحضاري والثقافي والروحي الكبير ؛ فإذا هو وليد العراق، وفتاها وكهلها وشيخها، المتماهي بها، شعرا وهما، الساكنها وجدانا ورؤية).

هذه هي الأسباب الرئيسية التي دفعت الباحث الناقد لأن يختار الشاعر العراقي يحيى السماوي موضوعا لدراسته وذلك من خلال دراسة وتحليل مجموعة السماوي (قليلك لا كثيرهن) التي يلتحم في نصوصها الهم العشقي الفردي بالهم الوطني والقومي الجمعي . وقد درس الناقد هذه النصوص بصورة منهجية مقتدرة محددا أولا (محاور الرؤيا) فيها وهي:

2396-jahen-تجربة عشق الوطن / الحبيبة

-تجربة العشق الأنثوي

-تجربة الإغتراب

ثم يتناول الناقد أدوات التشكيل الشعري التي وظفها السماوي في تجسيد رؤيته وتشكيل ملامحها ورسم أبعادها بصورة تبدو فيها هذه الأدوات متوحدة بمحاورها الرؤيوية وهي :

أ-المعجم الشعري

ب-آليات التراكيب وهي التقديم والتأخير وبراعة الاسناد

ج-التكرار

د-الصورة الشعرية كالتجسيم والتشخيص وتراسل الحواس والرمز الشعري والمفارقة

ه-الموسيقى

و-ملامح التجربة الوجدانية

ويختم الناقد شاهين كتابه القيم هذا بشهادة موضوعية رائعة يقول فيها : (وبعد.. فإن كانت ثمة كلمة أقولها قبل أن أضع القلم، وأطوي هذه الصحائف؛ فذلك قولي : إنني ما رأيت شاعرا توحّد بقضية، و قضية تمثلت شاعرا: بشرا سويّا وشعرا بديعا فتيا، كما تمثل السماوي بقضيته، فوقف عليها حياته وروحه وفنه، أو كما تمثلت قضيته بشعره فمنحته من حياتها حياة، ومن روحها روحا وخصبا وتجددا، فتماهيا وطنا وشعرا وشخصا، وطوبى لنا بهؤلاء جميعا : قضية نبيلة وفنا بديعا وإنسانا اصيلا). إن من حقي أن أهنيء الإبداع العراقي بكتاب الناقد المصري الشقيق الدكتور (محمد جاهين بدوي) .. وتحية له على جهده الفذ هذا .    

 

    حسين سرمك حسن 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1513 السبت 11/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم