قراءة في كتاب

فرح أنطون نهضة مدنية عربية لم تكتمل

ali almirhigهو مفكر لبناني مسيحي ولد في مدينة طرابلس اللبنانية في عام 1847م. في عام 1879م وتوفي عام 1922([1]). هاجر إلى الاسكندرية  بحثاً عن حرية الفكر المغيبة في بلاده أيام السلطان عبدالحميد. إطلع على أفكار فلاسفة التنوير لا سيما أفكار (جان جاك روسو) و(جول سيمون)[2] و(كارل ماركس)، فتشرب آراءهم الديمقراطية والإشتراكية فأعجبه مناخ الحرية في كتاباتهم. في هذه الفترة أسس مجلته "الجامعة" التي أصبحت منبراً للتعبيرعن آرائه الاجتماعية والسياسية وما طرحه هؤلاء الفلاسفة من أفكار تنويرية.

أهم أعماله:

ـ مقالاته في مجلة الجامعة وتأسيسه لها، ومقالاته في جريدة صدى الأهرام وجريدة الأهالي وكلها صدرت في مصر.

ـ ابن رشد وفلسفته.

ـ أعماله الروائية: الدين والعلم والمال ـ الوحش، الوحش، الوحش ـ أورشليم الجديدة أو فتح العرب بيت المقدس، ومريم قبل التوبة، وثلاثيته "نهضة الأسد، وثبة الأسد، فريسة الأسد"[3].

ـ أوديب ملكاً (مسرحية) لسوفكلس (ترجمة)ـ الساحرة (مسرحية) لسوفوكلس (ترجمة). وترجم رواية "إبن الشعب" لديماس حينما سافر لأمريكا في عام (1903)، (وهناك عاود إصدار مجلته "الجامعة" بعد أن بلغت سنتها الرابعة)[4].

المسرحيات التي من تأليفه: (مصر الجديدة)، (أبو الهول يتحرك)، (السلطان صلاح الدين)، (بنات الشوارع وبنات الخدور).

أكد على حقوق الأقليات، لا سيما المسيحية منها، وحقها في المواطنة الذي غيبته السلطات العثمانية. وهو من العلمانيين الذين يدعون إلى وحدة المجتمع الشرقي على أساس المواطنة وليس على أساس الدين.

عروبي الهوى ومن الذين مهدوا لولادة فكرة القومية، في محاولة منه لمواجهة الفكر الديني الذي كانت الدولة العُثمانية الممثلة له، وهي المثال الأسوء آنذاك للدولة التي تُدير مؤسساتها وفق تبني الرؤية الدينية، لا سيما في تبنيها للخلافة الإسلامية والحكم بإسمها، في الوقت الذي كان الفساد يدُب في جميع مفاصلها.

كان في الجهة المقابلة فكرياً له، والمُعارضة أيضاً لسياسة الدولة العُثمانية هو جمال الدين الأفغاني، ولكنه كان يرى أن الحل لمشكل النهضة يكمن في العودة لمنابع الإسلام الأولى "القرآن والسنة النبوية والعصر الراشدي" الذي مثل عنده وعند جُل "زُعماء الإصلاح" حل لمُشكل النهضة، إذ أكد على ضرورة تأسيس الجامعة الإسلامية، وأيده تلميذه محمد عبده الذي رأى أن سبب تأخر المسلمين هو "عدم معرفتهم لأمور دينهم" فأكد على ضرورة التجمع أو توحيد العرب والمسلمين ليكونوا أخوة تجمعهم رسالة الإسلام السمحاء. وقد كان لآراء عبد الرحمن الكواكبي تأثيرها الواضح بوصفه إمتداد لمدرسة الأفغاني وعبده حينما ذهب الى القول بإمكانية الدمج بين الإسلام والعروبة.

أما فرح أنطوان فإنه يؤكد على  ضرورة وحدة المجتمع الشرقي وتكوين المجتمع القومي الذي يسمح  للأقليات لاسيما المسيحية التي هو جزء منها، ان تأخذ حقها في بناء الدولة على أساس المساواة في المواطنة. وهذا لايتم باعتقاده في دولة تُؤطر إدارتها بصبغة دينية واحدة، لأن مثل هكذا نوع من الحُكم سيؤدي حتماً للتنازع بين الأديان والمذاهب المتواطنة أو المُتعايشة على أرض واحدة وسيكون التعصب الإختلاف والتصارع مصير هذه الجماعات المحتوم.

يرى أنطون بأن الإحتكام للعقل لا الدين، هو الذي نستطيع من خلاله بناء الإنسان، والأجدر ألَا تعلو سلطة أُخرى مهما كانت قيمتها على العقل، لأننا بالعقل وحده نستطيع فهم ما يُحيط بنا، وبالعقل نفهم العالم وكل ما فيه من أنظمة. ولكنه مع ذلك لا يُنكر قيمة الأديان والتأكيد على ضرورة إحترامها، فلكل دين مكانته عند مؤيديه، وينبغي تقدير تبني هؤلاء المؤيدين لرؤيتهم الدينية عند المُخالفين لهم، إلَا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحول جعل الدين، أي دين سماوي كان أم وضعي يُسير حياة جميع المواطنين على إختلاف دياناتهم ومُعتقداتهم ومذاهبهم.

كان فرح إنطوان من دُعاة الإعتماد على العلم في كل الأمور حتى في مجالات التفسير الديني.

آمن بالاشتراكية ودعا إلى تطبيقها حتى لو إستدعى تطبيقها المُنافحين عنها إلى إستعمال القوة والعنف (!!) وتجد في ذلك غلواً عنده لا يختلف في غلوه عن السلفيين الراديكاليين، فإستخدام القوة والعُنف ليس هو الحل ولن يكون، وإن كان، فإنه لا بد وأن ينتهي بعد حين بمجرد ضعف دُعاة القوة الرامين لمسك السلطة أو حينما يُمسكون بها.

إن المشكلة التي واجهها فرح أنطوان والتي كانت أساس كل ما كتب وقدم من أفكار وآراء ومبادئ هي مشكلة الأقليات الأثنية والدينية في الشرق العربي، تلك الأقليات التي كانت تحاول جاهدة الإنتماء إلى كيان سياسي واحد يجمعها مع الأكثرية الإسلامية على قدم المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية بهدف مواجهة إجتياح الحضارة الغربية للشرق على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي والعسكري على السواء. وقد أشار الدكتور خليل سعادة - أحد أصدقاء فرح أنطوان في خطبة القاها بمناسبة حفل تأبين لذكرى أنطون ـ إلى أهمية المشكلة واجتماعاته مع بعض المفكرين السوريين والمصريين التي دارت حول شقاء الشرق وخموله وعلله وعلاجها بالقول: "كنا نتمنى في هذه الاجتماعات إتحاد الشعوب الشرقية وتضامنها لنزع نير الغرب عن أعناقها. وكنا نتمنى التعويض عن الجامعة الإسلامية بجامعة شرقية عامة تزول منها النعرة الدينية حتى يتسنى لكل الشعوب الشرقية الانخراط فيها".

وكان يواجه المشكلة بشقيها الأساسيين. فمن جهة كان يجب مقاومة الإستعمار الغربي وتدخله في شؤون الوطن العربي وثانيهما رفض الجامعة الإسلامية القائمة على أساس الدين التي تحول دون إنتماء جميع الأقليات الدينية. ولا يمكن الوقوف بوجه الغرب إلا بالاتحاد والتضامن حتى بدأ بنشر مجلة الجامعة انطلق من شعارين: الله، الوطن، ثم الإتحاد والإرتقاء.

وقد جاءت فكرة الوطن عند فرح أنطون لتتوج عملية الإتحاد والتألق والتجمع لقوى الأمة في مواجهة العدو المشترك، وإذا كان الوطن يشكل الرابط السياسي والقانوني والمادي، فإن الله يشكل الرابط المعنوي والروحي الذي تقوم عليه أخلاق الأمة كما تقوم عليه مبادئ الثقة، الحق، المساواة والواجب. فمن واجبات الإنسانية الدفاع عن الوطن وحب الوطن جزء من الإيمان ورباط يربط عناصر الأمة والوقوف بوجه الغرب يدعو إلى النظر إلى الأمام وعدم الانغلاق والتقدم والتطور للإنسانية وبناء المدنية القائمة على العقل والعلم والتكتيك ويجب تماسك الإسلام والمسيحية وكأنهم كالبنيان المرصوص.

أهم مُنطلقات فرح أنطوان الفكرية:

ـ احترام الأديان: فالجوهري في الأديان هو مجموعة المبادئ الاخلاقية التي تدعو إلى الفضائل والخير. وهذا ما تشترك به الأديان جميعاً. أما العرضي فهو مجموعة التشريعات والقوانين التي يجب أن تخضع لسنة التطور. لذلك نجده يدعو لتفسير عقلاني للنصوص الديني غير خاضع لهيمنة رجال الدين وجعل العلم طريقاً لمعرفة الله.

لقد إبتعد فرح أنطوان عن الخوض في المسائل الدينية وحاول قدر الإمكان عدم الإنزلاق في مسألة رفض الدين أو الدفاع عنه، كون الدين ليس بحاجة للدفاع. يقول أنطون في مقدمة الباب الثالث: "نحن لم ندافع عن دين ولا عن علم وإنما ندافع عن مبدأ. أما الدين فهو في غنى عن دفاعكم والأديان هي سلم مدنية الشعوب وروح حياتها الأدبية لا تحتاج إلى دفاع لأن ذلك (أي الدفاع عنها) بمثابة دلالة ضعفها".

وكذلك رد على محمد عبده الذي دافع عن الدين الإسلامي وعقائده بتفريقه أو تمييزه بين الدين بكونه مجموعة المبادئ والقيم الروحية والفضائل السامية القائمة على الإيمان بالله وبين تقاليد الدين التي يسهر على تطبيقها رجال الدين.

فالمبادئ الدينية منزهة عن كل شائبة فهي تهدف إلى إنهاض الشعوب ورفع مستواها الحضاري والفكري والأخلاقي وهي أساس الأخلاق والفضائل والنتيجة منها فضيلة لا رذيلة وهي فعل الخير والتقوى وليس القتال والفساد بين العقائد والأحزاب لإصلاح شأن البشر. أما من يُسيء إلى الدين بأقوال وأكاذيب وباطل كرجال الدين الذين لديهم مصلحة أو لا يفهمون فتقوم بتعطيل قوى الإنسان فالأديان تواجه خطر زحف مجتمع الشرق نحو الغرب ومجتمعهم وبذلك يجب التآخي والتعاضد ورفض الخصومة بين الأديان، فهما شقيقان. ومن منافع الأديان يصبح العقل ضروريا للحفاظ على مبادئ الدين وخلاص المجتمع.

ـ الإيمان بالعقل: ينطلق في بحثه من مسألة العقل. فالعقل في هذا الزمان لا يعرف حداً لبحثه ومتى وضع له حد فإن ذلك بمثابة خنقه وقتله، فالعقل هو وسيلة يمكن بواسطتها للإنسان الوصول إلى الحقيقة وهو إمكانية بشرية لا يمكن إيقافها عند حد دون ممارستها الكاملة.

لا يعني إيمان فرح أنطون هذا بالعقل وحقائقه الدعوة إلى نفي الأديان ومُعارضتها، لأن العقل والدين يهدفان إلى الغرض نفسه، وهو إصلاح الشعوب وتوجيهها نحو الوئام والفضيلة والتقدم. إلَا أن الدين متى ما إنتقل إلى حيز الممارسة تتعرض مبادؤه إلى مزالق تُخرجه عن خطه السويَ، لأن المُمارسة الدينية ذات بعد روحي فرداني، أو يرتبط بتحقيق مصالح الجماعة المُنتمية إليه، أو بمصلحة الجماعة المُتصدرة للدعوة للممارسة السياسية بإسم الدين، وهذا يعني إختلاف المصالح والأهواء بين دُعاة دمج الدين بالسياسة، وكل منهم يروم القيادة وفق فهمه للدين أو المذهب الذي ينتمي إليه، وحينذاك سيكون الدين عرضة لأوحال السياسة، لا سيما حينما يتخذ منه البعض ستاراً لتحقيق أغراضهم. وهنا يأتي تنصيب العقل رقيباً على تلك الممارسة ورادعاً للأخطاء. وهنا يجب الإهتداء بنور العقل للتسامح وتبني الموقف العقلاني الذي يُعيد للإنسان رُشده، لأن الله ميَز الإنسان عن باقي الكائنات الحية بالعقل. والتسامح بغة العقل التي ينبغي أن تسود بين المُتدينين.

أما الشك عند فرح أنطوان فهو من ثمار العقل. فالشك طريق لتحقيق التسامح قبل أن يكون طريقاً في الشك المنهجي وفقاً للكوجيتو الديكارتي بتأكيده على قاعدته الأولى في الشك القائلة: ألَا أُسلم بشيء على أنه حق ما لم يتبين ليً أنه كذلك. أو"مسح الطاولة" وبناء المعرفة من البداية منذ أن كان العقل "صفحة بيضاء" بلغة جون لوك. إن لغة العقليين والتجريبين على ما بينهما من إختلاف في إتخاذ طريق الوصول للحقيقة، سواء أكانت عن طريق العقل أم عن طريق التجربة، إلًا أن ما يميزهما هو أنهما فلسفتان شكيتان، يدعوننا إلى إعادة تقييم كل معارفنا القديمة والشكل يقيمتها المعرفية والعلمية.

مع الشك صار التسامح ضرورياً لكشف الحقائق وصحتها القائمة على البرهان العقلي "الإستدلال" أو على المشاهدة والتجربة "الإستقراء". مما سبق تأتي أهمية العقل الذي نستطيع من خلاله اتوصل إلى الحقائق لأن التحديث لا يكون فقط بالممارسة التأويلية للنصوص الدينية، ولكن يكمن في الممارسة العقلانية الذي يساعد في نقد المجتمع ومحاولة تغييره تغييراً جذرياً بما يتناسب والثورات العلمية والسياسية التي حصلت في أوربا.

ـ العلم قاعدة العمران والتربية طريق التمدن:

يطرح أنطون حول (مسألة العلم) وجهتين متكاملتين هما:

ـ وجهة تنظيم المجتمع.

ـ وجهة العمران والتقدم.

فمن الوجهة الأولى يعرض للحالة الإنسانية التي دعت إلى نشوء الدين والعلم. ففي طفولة الإنسانية نشأ الدين فيها لتدبير شؤونها الروحية والزمنية. وكان العلم في بدايته مقصوراً على الأقوال الجدلية. وهذا يعني عنده أن عملية التطور والتقدم الاجتماعي لا تكمن ليست في الإيمان بالله والعمل بمقتضى المبادئ والقواعد الدينية، إنما تكمن في إعمال العقل في جميع العلوم والفنون والمجالات وتطبيق النتائج العلمية على متطلبات الحياة والعمل عليها. وإذا كان يرجى في المستقبل وصول الشر إلى محطة الكمال وتأليف وحدة لهم فهذا الوصول لا يكون الا بالعلم. وقد رفض فرح أنطوان المبادئ المادية وأكد أن الدين هو دين الفضيلة ورفض إضطهاد الأديان ومعتقداتها  وقد أكد أن لكل من الدين والعلم جانبه وعالمه، فعالم الدين هو الروح وتجلياتها، وعالم العلم هو الطبيعة وتجلياتها، فآلية العلم هي العقل، لأنه مبني على المشاهدة والتجربة أو الإستدلال، لأنه مرتبط بالطبيعة محاولاً فهمها والسيطرة عليها بلغة فرنسيس بيكون، لفه تقلباتها ومُتغيراتها. أما الدين فآليته القلب أو الروح، لأنه مرتبط بالعاطفة والسماح والفضيلة. وكلاهما نافعان وضروريان للإنسانية.

أما عن التربية فيقول: "أبواب الإصلاح في الشرق ثلاث: التربية، والبيئة، والتربية البدنية والدينية"[5]، فالتربية على الفضيلة هو أساس التربية الدينية، والإهتمام بالصحة والعافية هما أساس التربية البدنية، وهاتان مقولتان كانتا الأس الذي بنى عليه هربرت سبنسر رؤيته للفلسفة التربية. والأهم في رؤيته لأثر البيئة في التربية هو أن الإنسان إبن بيئته كما يُقال، فإذا كانت البيئة التي يعيش فيها بيئة يحكمها التعصب ويُسيَرها رجال الدين وهم المشرفون على تربية النشأ، فإن مصير هذا النشأ الإنحراف والتطرف لا محالة.

ـ فصل الدين عن الدولة:

هذا المبدأ هو أساس المبادئ الثلاثة الأولى، والسبيل الوحيد إلى تحقيقها في المشاركة ببناء الحضارة العربية وانتمائهم إلى الأمة العربية.

وهناك خمسة أمور رئيسة طرحها، تدعو إلى الفصل بين السلطتين الدينية والمدنية.

والأمر الأول أهمها: إطلاق الفكر الإنساني من كل قيد خدمة لمستقبل الإنسانية، و تحقيق هذا الأمر يقتضي الفصل بين الدين والدولة وكذلك كما يقتضي الفصل بين مُعطيات العلم ومُعطيات الدين، ولا يعني هذا إنكارأو نقض وجود بعض نقاط للتلاقي بين الدين والدولة أو بين الدين والسياسة، ولكن التلاقي في بعض الأمور لا يعني باي حال من الأحول التطابق في المهام وفي إتباع الطريق ذاته للوصول للفضيلة أو للحقيقة، لأن الغرض الذي جاءت من أجله الأديان يختلف عن غرض الحكومات، فغرض الدين السير وفق مُتطلبات المثال ببُعده المطلق، أما غرض الدولة "الحكومة" فهو التعامل السير وفق مُتطلبات الواقع ببُده المُتغير.

والأمر الثاني: هو الرغبة في المساواة بين أبناء الأمة مساواة مطلقة وعدم النظر لعقائدهم ومذاهبهم ليكونوا أمة واحدة.

الأمر الثالث: إنه ليس من شؤون السلطة الدينية التدخل في الأمور الدنيوية، لأن الدين يدخل دائرة القلب. أما تنظيم المجتمع والسيادة فهو من شؤون الساسة الذي لا يُشترط بهم معرفة أمر الدين بأبعاده الشرعية، إنما المطلوب منهم معرفة فقه السياسة وفلسفة السلطة وفق مقدرة العقل البشري الذي يتعامل مع السياسة بوصفها فن الممكن.

الأمر الرابع: هو ضعف الأمة وإستمرار الضعف فيها إلى ما شاء الله ما دام الدمج مستمراً بين السلطة المدنية والدينية. وإذا وقعت الأمة بيد رجال الدين فستبقى ضعيفة وغارقة بالجهل والعجز.

الأمر الخامس: هو إستحالة الوحدة الدينية وهذا أمر غاية في الأهمية، وهو من أكبر وأكثر الأسباب التي دعت إلى الفتن والاضطرابات في الإسلام والمسيحية. ولا يمكن أن تتوحد المجتمعات لإختلاف عقائدها ودياناتها والطوائف، فكل المجتمعات تختلف دياناتهم. ولا سبيل إلى صهرها في مذهب واحد وإلى هذا تُنسب كل الحوادث الدموية التي حدثت فيما بين الديانات[6]، وهذا ما حصل في التاريخ في أماكن مختلفة. ولكن النتيجة السيئة كانت واحدة، وهي انقسام المجتمع الواحد وحروب دينية طائفية ومشارفة هذا المجتمع على الانهيار دون أن تتم الوحدة الدينية فعلا.

وبناء على الأمور الخمسة يستنتج أنطون أنه: "لا مدنية حقيقية ولا تساهل ولا عدل ولا مساواة ولا أمن ولا ألفة ولا حرية ولا علم ولا فلسفة ولا تقدم في الداخل إلا بفصل السلطة المدنية عن الدينية ولا سلامة للدول ولا عز ولا تقدم في الخارج إلا بفصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية"، "فشر الظلم ظلم رجال الدين"[7].

 

د. علي المرهج - أستاذ فلسفة

....................

[1]ـ ينظر: حول أفكار فرح أنطون المدونة في المتن أعلاه المصادر التالية: فرح أنطون: المؤلفات الروائية، دار الطليعة، بيروت ــ لبنان، ط1، 1979. تقديم أدونيس العكرة. وكذلك فرح أنطون: ابن رشد وفلسفته، دار الطليعة، بيروت ـ لبنان، تقديم أدونيس العكرة، وحول حياة أنطون يُنظر: أسامة بركات: فرح أنطون وأثره في الفكر القومي العربي المعاصر، دار بولاق، عمان ـ الأردن، ودار الفارابي، بيروت ـ لبنان، ط1، 2003، ص35ـ40.

[2]ـ جول سيمون: (1814ــ 1869) فيلسوف روحاني فرنسي، وكان رجل سياسة تولى وزارة الثقافة العامة في حكومة الدفاع الوطني التي تشكلت عام 1870في باريس برئاسة الجنرال تروشو. فعمد أنطون إلى نشر سيرة حياته ورؤاه الفسفية والاجتماعية على صفحات مجلته (الجامعة) لا سيما في دفاعه عن المرأة وحقوقها. ينظر: فرح أنطون: الأعمال الروائية، مصدر سبق ذكره، ص6.

[3]ـ  مارون عيسى الخوري: في اليقضة العربية: الخطاب السوسيوسياسي عند فرح أنطون، دار جرس برس، بيروت ـ لبنان، ط1، 1994، ص95ـ110.

[4]ـ يُنظر: سمير أبو حمدان: فرح أنطون وصعود الخطاب العلماني، دار الكتاب العالمي،، بيروت ـ لبنان، ط1ـ 1992، 27ـ31.

[5]ـ أسامة بركات: فرح أنطون وأثره في الفكر القومي العربي المعاصر، ص37.

[6] ـ  يُنظر: فرح أنطون: إبن رشد وفلسفته، ص144ـص147.

[7]ـ فرح أنطون: المصدر نفسه، ص78.

 

 

في المثقف اليوم