قراءة في كتاب

سنوات مع الخوف العراقي

1216 hadiaمن الكتب المهمة التي نالت إعجابي في العشر سنوات الأخيرة كناب (سنوات مع الخوف العراقي) لمؤلفته هاديا سعيد، فقد قرأته ثلاث مرات من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة بلهفة وتمعن، ووفرت نسخة الكترونية منه في حاسوبي جاهزة لترسل مع الممنونية إلى كل من يرغب في قراءته، ولم يستطع الحصول على نسخته الورقية، وباعتقادي أن مثل هذا الكتاب الوثيقة ضروري جدا لكل المثقفين والأدباء والكتاب من العراقيين والعرب؛ بل العراقيين عامة لما احتواه من صور صادقة لماض مؤلم والبدايات التي مهدت للكوارث التي حلت بالبلاد فيما بعد!!

كتب مقدمة الكتاب أمير طاهري مبينا أن مذكرات هاديا سعيد بدأت (مع وصولها بغداد عروسا لتوها)، وقد شاهدت مع من شاهد (كتابا وشعراء يتحولون إلى مخبرين ضد بعضهم البعض، بل إن الكتابة تتحول إلى أكاذيب لإرضاء دوائر المخابرات الرهيبة، ولحماية المنافع الضئيلة التي حصلوا عليها)، ووصف طاهري النظام السياسي يومذاك بأنه ينتمي (إلى خانة الشر نفسها التي تتضمن سيادة الرعب الذي خلقه ستالين وهتلر، وبمقياس آخر ماو تسي تونج)، وختم مقدمته بالإشادة بالمؤلفة التي نجحت (عن طريق تناولها فترة أساسية في تاريخ العراق الحديث) .

لست الوحيد المعجب بهذا الكتاب، فقد سبقني عدد آخر غير قليل كتبوا عنه، واستعرضوا مضامينه، ونوهوا بأهميته ؛ منهم سيار الجميل الذي قال عن الكتاب في مقالة نشرت له في موقع (الحوار المتمدن) سنة 2004م: (لا أريد أن اكتب مقالة عادية عن كتاب غير عادي)، وأضاف أنه على الرغم من صغر حجم الكتاب (لكنه سفر بحاجة إلى تأويل وشرح وتحليل)، وقال: (لعل أهم ما يلفت النظر في سنوات خوف هاديا، أن كتابها هو تاريخ حقيقي لمرحلة أساسية ورهيبة مرعبة  من حكم البعثيين العراقيين، وأن صفحاته تختزن معلومات شاهد عيان عربي حقيقي كتبها من خلال معايشته لها يوما بيوم ! وانه لا يقتصر على سرد معلومات وأحداث سياسية يابسة، بل انه سفر تنطق صاحبته ببراعة في وصف العراقيين ومجتمعهم وحياتهم ومشاعرهم وسماتهم وصفاتهم واهتمام فوق العادة بالمرأة العراقية وبالمثقفين العراقيين وبالاتجاهات السائدة على أيام السبعينيات) .

ومنهم الكاتب عواد ناصر، ولعله كان من أوائل من قرأه، وقدم عرضا عنه في جريدة (الشرق الأوسط)؛ وكان مما استوقفه أحد الفصول، فقال : (ويبقى الفصل المخصص للنساء العراقيات، أحد أجمل الفصول وأكثرها دفئا، حيث يبرز الكثير من حرفية الروائية وعنايتها المفعمة بالرأفة والحب وهي ترسم المشهد وشخصياته الطعينة).

ومنهم الكاتب عمر كوش إذ كتب في عرضه المنشور على عدد من المواقع الالكترونية: (ويمتاز هذا الكتاب الشهادة بتركيب فني من نوع خاص، فهو أقرب إلى رواية سيرة ذاتية، واقعية لمرحلة زمنية محدودة، وسرد للأحداث التي جرت خلال هذه الفترة التي عاشتها المؤلفة في العراق، وتمتد لتسجل بعض ما حلّ بالعراق والعراقيين بعد هذه الفترة، مقدمة شهادة مفعمة بالإنسانية لواقع الخوف والتوجس الذي عاشته مع العراقيين في العراق).

واستوقف الكتاب أيضا الكاتب العراقي فيصل عبد الحسن الذي أنصف مؤلفته بقوله: (لقد كانت الكاتبة هاديا سعيد بما كتبته في كتابها وفية للعراقيين عند وجودها في العراق وبعد خروجها منه مع موجة المهاجرين من المثقفين العراقيين بعد انفضاض الجبهة الوطنية عام 1978، حيث استقرت بالمغرب عدة سنوات واهتمت بقضايا المرأة المغربية ودافعت عن النساء المغربيات والعربيات)، وأضاف (الكاتبة هاديا سعيد ألتزمت دائما قضايا المغلوبين، الفقراء، وانتصرت لهم من ظالميهم بعكس أولئك الكتاب العرب الذين لوثوا أيديهم بأموال كوبونات النفط والرشى المالية التي كان يغدقها النظام العراقي السابق عليهم وآذوا عيون الناس بكتاباتهم المنافقة التي زينت الظلم في عيون الظالمين وأطالت من زمن المأساة والخوف للعراقيين كثيرا) .

وقدمت جريدة المدى عرضا عن الكتاب ورأت أنه ( يعطي صورة واضحة عن حياة العراقيين وكيف كانت تنحدر بهم بطريقة دراماتيكية نحو أفق مسدود برغم أن العراقيين كانوا على وشك أن يصدقوا أنهم اسعد شعوب الأرض . ويعطي أيضا صورة واضحة عن سبب الانحراف ويسجل آلية تحولات عدة أبرزها تحول المثقف من القضية إلى أداة سهلة في هيكلة النظام وهاديا سعيد لا تتابع فقط سقوط عدد من الأسماء البارزة عربيا وعراقيا وإنما تتحدث عن جيل صامد وأقلام كانت تجتهد في المحافظة على نفسها مؤرخة لحظات الافتراق ومبينة كيف يمكن للإنسان أن يبتعد عن وطنه وان يغترب).

ولم تتوقف المؤلفة على ما رأيته في العراق بل تتابع كما تقول جريدة المدى (الوجع العراقي في المنافي وهي حريصة على استكمال الصورة التي خرجت بها من العراق. كانت على صلة قوية بالعراقيين وهي في لبنان و المغرب و سوريا وبعد ذلك في أوروبا وكيف أنها تعرضت للملاحقة من مجهولين. وكانت طوال سنوات تعاني وتخاف من المجهول الذي يتصل ليلا عبر الهاتف ليهدد ويتوعد) .

وحظي كتاب الخوف العراق عند صدوره باهتمام الفضائيات والصحافة العربية، فنشرت عنه أخبارا وعروضا مطولة، منها قناة العربية، وجريدة الحياة، والشرق الأوسط، وغيرهما .

مؤلفة الكتاب هدايا سعيد أو هاديا حيدر كما يدعوها البعض هي كاتبة لبنانية متزوجة من أديب عراقي هو جليل حيدر، وقد رافقته للعيش معه في بغداد سنة 1972م، وعملت في الصحافة العراقية، وعاصرت كثيرا من التطورات السياسية التي شهدتها تلك الحقبة، واطلعت عن قرب على جرائم واعتقالات تعسفية وتهديد بتصفيات جسدية، وتحدثت عن غياب المرأة العراقية في تجمعات المثقفين، وأخبرتنا من موقعها كصحفية كيف تحولت الصحافة إلى بوق للنظام، وكيف صار شعراء وكتاب وأدباء "كبار" موظفين في دوائر أجهزة المخابرات يشون ببعضهم البعض، وكيف أفرغت الثقافة من محتواها!!

لعل أهم ما يميز الكتاب فضلا عما وثقه من وقائع تأريخية، هو أسلوبه الأدبي البديع، فقد كانت مؤلفته كما يصفها الدكتور سيار الجميل (فنانة بارعة في رسم أعماق معينة من طبيعة الخوف وسايكلوجيته القاسية عند العراقيين والذين لهم جميعا أعماقهم الأخرى من أحزان أخرى ومخاوف أخرى ستكشف عنها مذكرات أناس آخرين من عراقيين وغير عراقيين) .

 

جواد عبد الكاظم محسن

 

 

في المثقف اليوم